الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أصول الإيمان]
[الأصل الأول الإيمان بالله]
[وجود الله تعالى]
أصول الإيمان الأصل الأول: الإيمان بالله وهو العلم والتصديق والإقرار والاعتقاد الجازم بأن الله موجود، وأنه واحد في أفعاله، واحد في عبادته، واحد في أسمائه وصفاته.
فهذه أربعة أمور:
الأول: وجود الله تعالى: إن الإقرار بوجود الخالق سبحانه وتعالى أمر فطري، جبلت القلوب وفطرت على الإقرار به، وهو أمر ضروري من المعلومات الظاهرة المشتركة بين الناس، والحاصلة لكل أحد بدون كسب أو نظر أو تفكير، أو هو حاصل بأدنى نظر.
وغالب الأمم اعترفوا بوجود الخالق، وأن الخالق واحد، كما قال سبحانه:{قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: 10](إبراهيم الآية: 10)، وقال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87](الزخرف: 87)، وقال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9](الزخرف الآية: 9) .
والله سبحانه فطر عباده على معرفته وتوحيده وتعظيمه ومحبته، وهذه هي الحنيفية التي خلق عباده عليها، كما قال تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ - مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ - مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 30 - 32](الروم الآية: 30 - 32) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: «. . . وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم (1) عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا» .
فالفطرة الإنسانية تشهد بوجود خالق قادر عليم حكيم مستحق للعبادة، ولكن هذه الفطرة قد تنحرف، كما دلت النصوص السابقة.
ويوجد في الناس من ينازع في كثير من القضايا الضرورية البديهية والمعارف الفطرية، وبنو آدم لا ينضبط ما يخطر لهم من الآراء والإرادات، فإنهم جنس عظيم التفاوت، قال تعالى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179](الأعراف الآية: 179)، وقال تعالى {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44] (الفرقان الآية: 44) .
ولهذا وجد من أنكر الخالق قديما وحديثا، إما في الظاهر دون الباطن كحال فرعون ونحوه، وإما ظاهرا وباطنا.
قال الله سبحانه وتعالى مخبرا عن فرعون: 30 {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23](الشعراء الآية: 23) ، وهذا استفهام إنكار وجحد (2) ولذا قال
(1) أي استخفوهم فأزالوهم عما كانوا عليه إلى الباطل.
(2)
كما أخبر الله عنه أنه قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)(النازعات الآية/ 24)، وقال:(مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)(القصص الآية: 38) .
له موسى: {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ - قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ - قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ - قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ - قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [الشعراء: 24 - 28](الشعراء الآية: 24 - 28) .
وأخبر سبحانه أن موسى قال له أيضا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: 102](الإسراء الآية: 102)، وقال تعالى عنه وعن قومه:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14](النمل الآية: 14) .
الأدلة على وجود الخالق: كما أن الإقرار بالخالق - جل وعز - والاعتراف بوجوده مركوز في الفطر، مستقر في القلوب فبراهينه وأدلته متعددة، وأساس هذه الأدلة أن المخلوقات تدل على الخالق، سواء نظر إلى المخلوقات بعامة أو إلى أجزائها، فنحن نشاهد الحوادث من الإنسان والحيوان والنبات والمعادن وحوادث الجو كالسحاب والمطر وغير ذلك، وهذه كانت معدومة ثم وجدت، وما كان قابلا للوجود والعدم لم يكن وجوده بنفسه.
قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35](الطور الآية: 35) .
يقول سبحانه: أخلقوا من غير خالق؟ أم هم الخالقون لأنفسهم؟ والجواب عن السؤالين واضح، ولذا لم يذكر في الآية، إذ يتعين أن لهم خالقا خلقهم، فالمحدث لا يوجد نفسه، بل إن حصل ما يوجده وإلا كان معدوما.
وهذا الدليل العقلي يمكن تحريره بوجوه من الصور، والنصوص القرآنية دلت عليه، ولم تقتصر عليه، لكنها دلت على معان تجمع هذا
المعنى وغيره من صفات الكمال، مثل كونه تعالى قادرا عالما حكيما رحيما عظيما غنيا قيوما صمدا ونحو ذلك.
والنظر في آيات الله المنزلة والمخلوقة يؤيد هذا، فالأفعال الحادثة تدل على قدرته سبحانه، وإحكامها وإتقانها يدل على علمه، والعواقب الحميدة في خلقه وأمره يدل على حكمته، وما تضمنه الخلق والأمر من نفع العبادة والإحسان إليهم يدل على رحمته، وعظم المخلوقات يدل على عظم الخالق لها، وفقرها وحاجتها إليه يدل على غناه وقيوميته وصمديته.
وقد دعا الله سبحانه في كتابه إلى النظر في ملكوت السماوات والأرض، وليس هذا من أجل إثبات الخالق فحسب، ولكن لإثبات أن الخالق موصوف بصفات الكمال التي لا يشركه فيها غيره، منزه عن صفات النقص، ولإثبات صدق الوحي الذي بلغه رسله عليهم السلام قال تعالى:{إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ - وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ - وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ - تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: 3 - 6](الجاثية الآية: 3 - 6) .
وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190](آل عمران الآية: 190)، وقال تعالى:{أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 185](الأعراف الآية: 185)، وقال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53](فصلت الآية: 53) .