المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[السحاب الثقال] 10 - محمد فتى يافع غض (1) الإهاب (2) - سلسلة أهل الذكر

[شريفة سلامة أبو مريفة]

الفصل: ‌ ‌[السحاب الثقال] 10 - محمد فتى يافع غض (1) الإهاب (2)

[السحاب الثقال]

10 -

محمد فتى يافع غض (1) الإهاب (2) نشأ في كنف (3) أب وعى مسئولية التربية فأحسن غرسه وتعهده بالسهر والعناية وهذب خلقه ونشأه على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكان محمد كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.

استيقظ محمد من نومه في يوم من أيام الشتاء القارس على صوت المطر المنهمر في الخارج، فكان أول ما تفوه به لسانه هو دعاء الاستيقاظ الذي سمعه من والده واعتاد أن يلهج قلبه ولسانه به قبل مغادرة الفراش:" الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور (4) "(5) . نظر محمد إلى الساعة بجواره، فإذا بوقت صلاة الفجر قد أزف (6) فتوضأ وتهيأ للصلاة وأيقظ والديه ليجتمعوا على تلاوة القرآن قبل الذهاب إلى المسجد.

(1) طري.

(2)

الجلد. وغض الإهاب كناية عن صغر سنه.

(3)

الكنف أي الجانب أو الظل، وكنف الإنسان أي حضنه أو العضدان والصدر، يقال: أنت في كنف الله أي في حرزه ورحمته.

(4)

يوم القيامة.

(5)

رواه البخاري.

(6)

اقترب: نقول: أزفت الساعة أي دنت.

ص: 96

هدأ المطر في الخارج إلا بضع قطرات هنا وهناك ظلت تداعب الأرض وتستثير هدوءها، خرج محمد برفقة والده إلى الصلاة سيرا على الأقدام، واتخذ كل منهما مظلة صغيرة تقيه البلل، ورأى محمد والده وهو يرجع البصر إلى السماء متأملا صفاء مجالها هامسا وقد استغرق في النظر إليها " سبحانك اللهم "، ثم رآه يخفض بصره إلى الأرض خاشعا متمتما " الحمد لله "، فسأل محمد والده عن سر هذه اللحظات التي تأمل وسبح وحمد الله فيها، فسعد الأب بسؤال فتاه ووجدها فرصة سانحة يقوي فيها من صلة ابنه بخالقه حين يستشعر وجوده في كل آية من آياته الدالة عليه فيدرك عظمته المتجلية في كل الظواهر الكونية التي نراها ولا نتفكر فيها، فسأل الأب ابنه على الفور:

- أتراك تعرف أي نعمة تنزل مع هذا الماء المنهمر من السماء؟

- نعم يا أبي، إني لأعرف ذلك ولأجد إجابته فيما حفظته من كتاب الله، حيث ذكر الله تعالى هذا الدور العظيم والنعمة الجليلة في سورة البقرة؛ إذ يقول سبحانه:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22](1) .

(1) سورة البقرة، الآية:22.

ص: 97

أجاب الأب وقد انبسطت أساريره من هذا الرد الذي سمعه:

- نعم يا بني، هذا دور من أدوار الماء ووظائفه الذي هو نعمة من نعم الله التي لا تحصى على عباده، غير أن هناك وظائف أخرى ونعما جليلة (1) للماء الذي ينزل من السماء، ذكرها الله في كتابه العزيز، منها أن هذا الماء قد جعله الله عذبا زلالا يسوغ لنا شرابه ولم يجعله ملحا أجاجا (2) تعافه (3) النفوس، كما أن هذا الماء ينبت المراعي التي تربى فيها السوائم، وهي الإبل السائمة، ثم إن هذا الماء رغم أنه ماء واحد يخرج لنا من الأرض ثمرات مختلفا ألوانها وأصنافها وطعومها وروائحها، والدليل على ما ذكرت لك هو قول الله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ - يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 10 - 11](4) .

(1) عظيمة ومهمة.

(2)

مالحا مرا.

(3)

تكرهه.

(4)

سورة النحل، الآيتان: 10، 11.

ص: 98

- أرأيت يا بني ما الذي يدعونا الله إليه في آخر الآية، إنه يدعونا للتفكر في خلقه وآلائه وأنها دلالة وحجة قوية على أنه لا إله غيره ولا معبود سواه، وأنه القادر على كل شيء فسبحان الله.

- ما أجمل ما ذكرت يا أبي! وما أروع تدبير الخالق وما أبدع صنعه! .

- وهناك فوائد كثيرة للماء قد لا يسعفني الوقت لذكرها لك، ولكني سأخبرك بدور خفي ونعمة قد لا يدركها الكثيرون، وهي كيف أن هذا الماء جعل الأرض صالحة للإنبات، فدور الماء الظاهر في إنبات كل شيء دور تعلمه أنت كما يعلمه الجميع، وللماء أثر خفي أبعد من ذلك.

وهنا سأل محمد والده:

وما هذا الأثر يا أبي؟

أجاب الأب قائلا:

إن سطح الأرض - كما ذكرت نظريات العلماء المتخصصين - كان في فترة ملتهبا ثم صلبا لا توجد فيه التربة التي تنبت الزرع، ومن ثم لم تكن توجد فيه حياة، وبتعاقب العصور وبفعل الماء والعوامل الجوية - بتقدير الله - تم تحويل هذا السطح الصلب إلى تربة لينة صالحة للزراعة، واستمر دور الماء في الحفاظ على خصوبة التربة، وذلك بتزويد الأرض بالنيتروجين.

ص: 99

- وما مصدر هذا النيتروجين يا أبي؟

- يقوم البرق - وهو شرارة كهربائية - باستخلاصه من الهواء الجوي حيث يذوب في مياه الأمطار ويسقط معها إلى الأرض ليعيد الخصوبة إليها، وهذا النيتروجين هو السماد الذي قلد الإنسان صنعه لما له من أهمية في الحياة النباتية.

سعد محمد بالمعرفة التي استزادها من والده وقال:

- إذا هذا هو دور البرق ووظيفته التي لم أسأل نفسي عنها قبل الآن.

ولكن ما علاقة سقوط المطر بالبرق؟

رد الأب قائلا:

- استمع إلى قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد: 12](1) .

انظر إلى هذه الآية وإلى هذه الظاهرة الكونية التي تشير إليها، إنه البرق الذي تخافه الناس وتطمع فيه فقد يكون نذيرا بسيل مدمر، ولكن مع هذا الخوف هناك طمع في الخير من وراء هذا البرق، فقد يعقبه المطر المدرار الذي يحيي الأرض بعد موتها ويجري الأنهار، وانظر يا بني إلى بديع قوله:{السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد: 12] أي مثقلة بالماء، فظاهرة البرق ناشئة من النظام الكوني الذي أبدعته يد

(1) سورة الرعد، الآية:12.

ص: 100

الخالق ويعللها العلماء بأنها تنشأ كما ذكرت لك سابقا من انتقال شرارة كهربائية بين سحابتين محملتين بالكهرباء، أو بين سحابة وجسم أرضي كقمة جبل مثلا، وينشأ عن هذا الانتقال دوي هائل هو الرعد.

- ولكننا نرى البرق أولا ثم نسمع الرعد بالرغم من أنهما يحدثان في نفس اللحظة كما أشرت يا والدي فما السبب؟

- هذا لأن الضوء أسرع من الصوت لذلك نرى البرق ثم نسمع الرعد.

وهناك العديد من الآيات القرآنية التي تتحدث عن نعمة المطر والسحاب المسخر بين السماء والأرض، انظر إلى قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور: 43](1) .

- هل لك أن تفسر لي هذه الآية الكريمة يا أبي؟

- توضح لنا هذه الآية أن الله هو الذي يسير السحب ويزجيها أي: يسوقها من مكان إلى مكان، ثم يؤلف بين هذه السحب ويجمعها فتتراكم فوق بعضها البعض ثم يهطل المطر بعد هذا التراكم، والودق المشار إليه في الآية الكريمة هو المطر.

(1) سورة النور، الآية:43.

ص: 101

- ولكن لماذا ذُكِرَت الجبال هنا؟

- ذكر الجبال هنا كناية عن السحب المثقلة بالماء وكأنها جبال ضخمة كثيفة فيها قطع البرد الثلجية الصغيرة.

وهنا وصل محمد ووالده إلى المسجد فشكر محمد والده على هذه الفوائد العظيمة، ودخل محمد المسجد بقدمه اليمنى وهو يردد دعاء دخول المسجد كما علمه والده حيث سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا " اللهم افتح لي أبواب رحمتك "، واتجه مع والده حيث الصف الأول من المصلين لما يعلمان من فضل الصف الأول، وأديا تحية المسجد، ثم شرعا في أداء صلاة الفجر جماعة خلف الإمام.

ص: 102