المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌[ورتل القرآن ترتيلا]

[ورتل القرآن ترتيلا]

15 -

كانت أم صفية دائمة الحث لابنتها على تلاوة القرآن، وقد كانت تلك هي الناحية التي يظهر فيها التقصير من ابنتها، وبالرغم من إلحاح الأم على ابنتها بتعهد القرآن إلا أن صفية لم تكن لتعي (1) أو تستجيب؛ معللة تقصيرها هذا بضيق الوقت وما هي عليه من انشغال في أداء واجباتها المدرسية.

ولم تكن الأم تحث ابنتها بلسانها فقط بل كانت تتمنى أن تتخذ منها ابنتها قدوة لها، فهي تتلو كتاب الله كلما سمح لها وقتها بذلك، وكانت أحرص ما تكون على تلاوة الحزب المخصص لها بعد صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب، ولكن صفية لم تتخذ قدوة لها من هذه الأم الصالحة بل كانت تبدد جل (2) وقتها في اللهو واللعب.

وظل هذا شأن صفية حتى ضاقت الأم ذرعا بها فقررت أن تشرح لابنتها وأن تبين لها فضل التلاوة لكتاب الله وما يؤتيه الله من أجر لصاحب القرآن.

(1) تفهم.

(2)

معظمه وأكثره.

ص: 143

وفي ذات يوم نادت الأم ابنتها وقد عزمت على وضع حد لإهمال ابنتها في هذا الأمر، لعل قلبها يستجيب.

جاءت صفية لوالدتها وقد بدا (1) عليها التعب جراء لعبها في الحديقة، فطلبت منها والدتها أن تذهب وتتوضأ ثم تعود إليها، فتساءلت صفية قائلة:

- ولماذا أتوضأ الآن يا أماه ووقت الصلاة لم يحن بعد؟

ردت والدتها قائلة:

- اذهبي يا ابنتي الآن وسأوضح لك حين تعودين.

عادت صفية إلى والدتها بعد أن توضأت وأخذت مجلسها ثم سألت والدتها بفضول قائلة:

- حسنا يا أماه ها أنا قد توضأت فما الأمر الذي دعاك إلى طلب ذلك مني؟

أجابت الأم بهدوئها الذي اعتادته أمام تصرفات ابنتها:

- انتظري قليلا وأجيبيني أولا هل تلوت اليوم شيئا من كتاب الله؟

ردت صفية قائلة وقد شعرت بالخجل:

- لا يا أماه.

فسألت الأم ثانية قائلة:

(1) ظهر.

ص: 144

- لعلك قد تلوت شيئا منه بالأمس؟ .

ردت صفية وقد ازداد شعورها بالخجل:

- لا يا أماه ولا بالأمس.

سألتها والدتها قائلة وهي في كل ما تسأل تعرف إجابة ابنتها:

- إذا منذ متى أنت لم تفتحي كتاب الله؟

ردت صفية وقد أحست بعظم ذنبها:

- منذ شهر رمضان يا أماه.

ردت الأم قائلة:

- أي منذ سبعة أشهر، ألا ترين أن طول ابتعادك عن كتاب الله فيه الكثير من التقصير؟

أجابت صفية قائلة:

- إنني أعاهد نفسي كل يوم يا أماه على الالتزام بالتلاوة ولكني لا أجد الوقت.

ولم تدع الأم ابنتها تكمل حديثها فقد سئمت (1) هذه الأقاويل والحجج الواهية فخاطبتها قائلة بشيء من العنف:

- الوقت حجة عليك لا حجة لك، فأنا أراك تجدين الوقت الكافي للعب كل يوم وكان الأجدر بك اقتطاع جزء من هذا الوقت للتلاوة والتدبر في كتاب الله.

(1) ملت.

ص: 145

ردت صفية بشيء من التأكيد قائلة:

- سأحاول سأحاول. إن شاء الله يا أماه. .

ردت الأم قائلة:

- لا أريد منك وعدا باللسان فقط بل أريد التنفيذ منذ اليوم، فلقد امتن الله علينا نحن عباده بنبيه المرسل محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو الضياء والنور، وبه النجاة من الغرور، وفيه شفاء لما في الصدور، من تمسك به يا ابنتي فقد هدي، ومن عمل به فقد فاز. . فكيف تكونين كذلك وأنت لا تأبهين (1) بتعهد تلاوته؟ .

أجابت صفية قائلة:

- إني أعرف ذلك ولا أجهله يا أماه.

تابعت الأم حديثها عازمة على التوضيح أكثر مما ذكرت لابنتها، فهي لم تقتنع بعد بوعود هذه الابنة:

- وإذا كنت تعرفين فلماذا التسويف في عمل الخير وأداء عبادة من أجل العبادات؟ ! ألم تسمعي ما أمر الله به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في محكم تنزيله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4](2){وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل: 92](3) .

(1) تهتمين.

(2)

سورة المزمل، الآية:4.

(3)

سورة النمل، الآية:92.

ص: 146

ردت صفية قائلة:

- إني أعرف الآية الأولى فقد حفظتها في المدرسة وهي من سورة المزمل.

أجابت والدتها قائلة:

- تعلمين ولا تعملين بذلك العلم؟ ! ! . . وتابعت:

- وهناك أيضا الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي يحثنا فيها على تلاوة القرآن وأجر من يداوم على قراءة كتاب الله، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه» (1) .

سألت صفية والدتها وقد استغرقها وعظ والدتها:

- ما معنى شفيعا يا أماه؟

أجابت الأم قائلة:

- أي شافعا طالبا المغفرة لأصحابه، أي القارئين له والعاملين بأحكامه وهديه.

وهنا سألت صفية والدتها على عجل خشية أن تنسى ما تود السؤال عنه:

(1) رواه مسلم في صحيحه، الجزء الثاني ص 197.

ص: 147

- ولماذا أمرتني بالوضوء يا أماه؟

أجابت والدتها وقد تبسمت لفضول ابنتها البريء:

- لأننا نريد أن نتلو القرآن في جلستنا هذه إن شاء الله، وإن من آداب التلاوة أن يكون المرء على وضوء، لذلك أمرتك به قبل أن نعقد جلستنا.

ردت صفية قائلة:

- تقولين يا أماه من آداب التلاوة. . فهل هناك آداب أخرى للتلاوة؟

ردت الأم قائلة:

- نعم يا ابنتي، ينبغي للقارئ استقبال القبلة في غير تربع ولا اتكاء.

وهنا سألت صفية والدتها:

- وهل لا بد من الترتيل عند قراءة القرآن؟

ردت أمها قائلة وقد استحسنت السؤال:

- المستحب الترتيل؛ لأن الترتيل يعين على التفكر في آيات الله والتدبر أثناء التلاوة.

سألت صفية قائلة:

- إذا هذه مجموعة الآداب التي يجب أن يتأدب بها من يقرأ القرآن.

ص: 148

أجابت الأم قائلة:

- ليست تلك جميعها فهناك الحرص على مراعاة حق الآيات، فإذا مر بآية سجدة سجد، وأن يقول في مبتدأ قراءته (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم) .

أجابت صفية:

- الله يا أماه! لكم كنت أجهل الكثير من هذا الشأن! والآن أنا سعيدة بما عرفت.

ردت الأم قائلة وقد سرتها سعادة ابنتها:

- المعرفة وحدها لا تكفي يا ابنتي، بل عليك العمل بهذه المعرفة، وأضيف أيضا يا ابنتي من تلك الآداب تحسين القراءة من غير تمطيط مفرط، فهذه سنة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«زينوا القرآن بأصواتكم» (1) كما أنه يجب على القارئ أن يكون حاضر القلب وأن يتدبر فيما يتلوه من الآيات الكريمة.

كانت صفية تستمع لوالدتها وقد استحسنت ما سمعته، وحين أنهت والدتها حديثها علقت على ما سمعته قائلة:

- لكم أحس التقصير يا أمي كما أحس بالندم على ما فرطت في أمري، وسأحاول التمسك بحزب أتلوه كل يوم وسأحرص على المداومة إن شاء الله.

(1) رواه النسائي في سننه: الجزء الثاني ص 179.

ص: 149

سرت والدة صفية بما سمعته من ابنتها بعد أن لمست موعظتها (1) قلب هذه الفتاة، ولكنها لم تمهلها حتى الغد بل بدأت معها التلاوة في ذلك الاجتماع حيث طلبت منها أن تفتح كتاب الله وأن تتلو ما تيسر من الآيات البينات.

شرعت صفية في التلاوة وقد اعتدلت في جلستها بعد أن استعاذت بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقد رتلت بصوت حسن وبكل خشوع، ومنذ ذلك اليوم لم تترك صديقتنا صفية يوما يمضي دون أن تقرأ القرآن.

(1) نصحها.

ص: 150