المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[أقم الصلاة] 1 - نشأ أحمد في جو أسري عبق بأريج - سلسلة أهل الذكر

[شريفة سلامة أبو مريفة]

الفصل: ‌ ‌[أقم الصلاة] 1 - نشأ أحمد في جو أسري عبق بأريج

[أقم الصلاة]

1 -

نشأ أحمد في جو أسري عبق بأريج الإسلام، يحرص جميع أفراده على التقيد بتعاليم الدين في كل شأن من شؤون حياتهم، متخذين من القرآن الكريم والسنة المطهرة نبراسهم (1) وحاديهم إلى طريق الحق بعيدا عن ظلمات الزيغ (2) والضلال. . لقد كان لأحمد في والديه خير قدوة وخير معين للمضي على الطريق القويم، متلمسا خطاهم، حاذيا حذوهم في شتى أموره. . وكان والد أحمد يعلم كم هي قوية ذاكرة الطفل الصغير، ويعلم أن الطفل صفحة بيضاء ناصعة لا تشوبها شائبة، وما يخطه على هذه الصفحة النقية يقرؤه غدا بكل وضوح، لذا حرص الأب والأم على أن يكونا خير قدوة لولدهم، وألا تقع عيناه على ما يعكر صفو أمنه، وألا يرى منهما إلا كل جميل، وقد كانا حقا أبوين صالحين فكانا لولدهما خير قدوة وخير معين، فشب الولد غضا طريا في دوحة العلم والدين ينهل من منهله (3) العذب النقي.

(1) مصباحهم.

(2)

الميل عن الحق.

(3)

المورد أو موضع الشرب على الطريق.

ص: 12

استيقظ أحمد من نومه على صوت والده وهو يدعو قائلا: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور (1) 00 اللهم اجعل أول هذا النهار صلاحا وأوسطه فلاحا وآخره نجاحا.

ردد أحمد هذا الدعاء كما علمه إياه والده وخرج للصلاة في المسجد مع والده، وحين عادا من أداء الصلاة جلس أحمد إلى والده يحادثه بعضا من الوقت فبادر قائلا:

يا والدي، لقد تعرفت إلى صديق جديد انتقل إلى مدرستنا منذ يومين، وقد راقت لي صحبته غير أن هناك ما أزعجني منه؟ !

- وكيف يا بني، ألم تقل إن صحبته راقت لك؟ !

- نعم يا والدي، فهو شخص دمث (2) الأخلاق بشوش متعاون ولكننا حين ذهبنا لأداء الصلاة لم يرافقنا.

- هذا أمر جلل يا بني، ولماذا لم تدعه للذهاب معكم؟

- لم أدعه في المرة الأولى ظنا مني بأنه سيلحق بنا ولكنه لم يفعل، وحين تكرر منه هذا الفعل في اليوم الثاني دعوته فبادرني قائلا: أنا مازلت صغيرا وسأقوم بأداء فريضة الصلاة حين أكبر.

- لعلك يا بني أغلظت له في القول فلم تدعه باللين والقول الحسن؟

(1) رواه البخاري في صحيحه الجزء الثامن ص 85، ومسلم في صحيحه الجزء الثامن ص 78.

(2)

سهل ولين.

ص: 13

أجاب أحمد:

- على العكس يا والدي لقد كنت رفيقا به ولم أحدثه أمام أصدقائنا الآخرين، بل أسررت له بعيدا عن أسماعهم. .

- أحسنت يا بني، فهذه بعض صفات الداعية الذي لا يبغي بدعوته غير وجه الله. . وعلى أية حال لا شك أن صديقك هذا جاهل أمر دينه، وإن كنت أعلم أنكم قد درستم في المدرسة كل ما يتعلق بأمور الصلاة.

- نعم يا أبي، ولكنني أرغب أن تزودني ببعض النصائح لعلي أنقلها إليه، فربما وعى واستجاب لنصحي. . أجاب الأب فرحا بابنه الذي أرقه أمر صديقه.

- بارك الله فيك يا بني، وأحمد الله على أن أراني فيك ما أقر عيني وأثلج صدري، ومضى يحدث ابنه قائلا: اعلم يا بني أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر حين يكون العبد فيها معظما ربه خائفا منه راجيا رحمته، فحظ كل واحد من صلاته إنما هو بقدر خوفه من الله؛ لأن الله إنما ينظر إلى قلوب عباده لا إلى صورهم الظاهرة، ولذا قال تعالى:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14](1) . كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس للمرء

(1) سورة طه، الآية:14.

ص: 14

من صلاته إلا ما عقل منها» (1) . رد أحمد: أجل يا أبي وإني لأحفظ وصية لقمان لابنه وهو يعظه في قوله تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17](2) .

أجاب الأب مسرورا من ابنه:

أحسنت يا بني فالصلاة لها أحسن الأثر في تهذيب النفوس وتقويم الأخلاق، ففي كل جزء من أجزائها تمرين على فضيلة من الفضائل الخلقية وتعويد على صفة من الصفات الحميدة. وتابع الأب قائلا: أما قول صديقك وتعلله بأنه صغير السن فيمكنك القول له: إن التكاليف الشرعية لا يؤمر بها الإنسان إلا عندما يبلغ الحلم حين يصبح مسؤولا عن أداء الفرائض ومحاسبًا عن التقصير فيما كلف به، إلا أن الإسلام قد تجلت رعايته للأطفال الذين لم يبلغوا سن الحلم حين جاء في الحديث الشريف:«مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر» (3) .

(1) قال العراقي في تخريج الأحياء: لم أجده مرفوعا دائما، هو من كلام عمار بن ياسر رضي الله عنه.

(2)

سورة لقمان، الآية:17.

(3)

حديث حسن رواه أبو داود بإسناد حسن، صحيح سنن أبي داود، محمد الألباني رقم 509، وصحيح الجامع الصغير له في رقم 5744.

ص: 15

ثم أليس يا بني صديقك هذا الذي حدثتني عنه في مثل سنك؟

- نعم يا والدي.

- إذًا لقد تخطى العاشرة، وقد أمر الله والده أن يأمره بالصلاة، وعليك يا بني أن تنبهه لذلك، وأن تحاول تعليمه الصلاة وكيفية التهيؤ (1) لها، وما يقوله في صلاته، وذَكِّرْهُ يا بني بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل أي الأعمال أفضل فقال:«الصلاة لمواقيتها» (2) . فالصلاة هي أفضل أعمال الإسلام وأجلها قدرا وأعظمها شأنا.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» (3) .

سأل أحمد والده بأدب:

فإذا سألني: وما الغرض من الصلاة؟ فبماذا أجيب؟

رد الأب قائلا: تعلم يا بني أن الصلاة ركن من أركان

(1) الاستعداد.

(2)

متفق عليه، رياض الصالحين للنووي، تحقيق محمد الألباني، ط أولى 1399، بيروت، ص 151، رقم 317، باب بر الوالدين وصلة الأرحام - الباب 40.

(3)

متفق عليه، رواه البخاري في صحيحه: كتاب الإيمان، الجزء الأول ص 9. ومسلم في صحيحه: كتاب الإيمان، الجزء الأول ص 34.

ص: 16

الإسلام، فمن تركها فقد هدم ركنا من أقوى أركانه، وهي تطهر النفوس من الذنوب والآثام، والغرض الحقيقي من الصلاة هو إشعار القلب بعظمة الإله الخالق حتى يكون على وجلٍ فيأتمر بأمره وينتهي عما نهاه عنه، ومن يقف بين يدي خالقه، وقلبه ذليل خاشع خائف وجل من جلال الخالق ذي السطوة التي لا تحد، والمشيئة التي لا ترد فإنه يكون بذلك تائبا من ذنبه منيبا إلى ربه.

وتصلح أعماله الظاهرة والباطنة وتقوى علاقته بربه.

فهل وعيت ما قلته لك يا بني؟

أجاب أحمد:

نعم يا والدي، كم أنا سعيد بما زودتني به هذا اليوم، وإني لأجد فيه فائدة لي ولصديقي إن شاء الله. .

- ليكن عملك يا بني خالصا لوجه الله، وخذ صديقك بالصبر والحلم والأناة والرفق، «فما وضع الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه» (1) .

أردف أحمد قائلا: اطمئن يا والدي ستسمع من الأخبار ما يريح قلبك ويسعدك.

رد الأب وقد علت وجهه ابتسامة خفيفة.

هيا يا بني تناول إفطارك ثم اتجه إلى مدرستك واستعن بالله

(1) رواه مسلم في صحيحه، الجزء الثامن ص 22.

ص: 17

في كل أمورك.

غادر أحمد المنزل وهو يدعو الله أن يوفقه في ذلك اليوم لهداية زميله إلى الصلاة، فكم سيكون سعيدا لو استجاب صديقه وخشع قلبه وصلى معهم ظهر هذا اليوم.

انقضى اليوم الدراسي وعاد أحمد من المدرسة وقد امتلأ سعادة وبهجة، وحين سأله والده عن صديقه عبد الله أجاب بتواضع جم:

الحمد لله يا أبي لقد نصحت صديقي بما زودتني به وبما كنت أعرفه من قبل فاستمع لقولي خير استماع، وذكر لي أن تركه للصلاة لم يكن إنكارا أو إهمالا لشأنها بل ذاك لأنه لم يكن يعرف كل ما سمعه مني. وإني أستأذنك يا والدي في دعوته لزيارتنا كل أسبوع لكي يشاركنا اجتماعنا، فقد أخبرته أنك قد حددت لنا يوم الخميس من كل أسبوع لمناقشة أمر من أمور ديننا فرغب في أن يشاركنا اجتماعنا هذا آملا أن يستفيد مما نطرحه من أمور.

رد الأب وقد سعد بما حققه ابنه اليوم فها هو يرى هذا الداعية الصغير يحاول أن ينهض ببعض مهامّه التي يعده لها منذ اليوم.

- بارك الله فيك يا بني وأجزل لك المثوبة (1) لا بأس يا بني أهلا ومرحبا بصديقك معنا فنحن لا نكتم علما ولا نبخل به.

(1) الثواب أو الجزاء.

ص: 18

- شكرا يا والدي فذاك ما توقعته وسأخبر عبد الله غدا بموافقتك.

وتابع الأب حديثه مع ابنه قائلا: اعلم يا بني أن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، وأنت اليوم كنت في عون أخيك ومساعدته على أداء عبادة من أجلِّ (1) العبادات، فكان الله في عونك، وما تم معك اليوم من هداية صديقك إنما هو بعون وفضل من الله، والآن اذهب يا بني راشدا وانظر ماذا وراءك.

غادر أحمد والده وهو يتمتم شكرا لله على نعمائه وعونه فيما سعى إليه من خير.

(1) أعظم.

ص: 19