الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني: التوزيع العملى أو الوظيفي أو مكافأة عناصر الإنتاج
مدخل
…
الفرع الثاني: التوزيع العملي أو الوظيفي أو مكافأة عناصر الإنتاج
1-
الاقتصاد الرأسمالي:
عناصر الإنتاج فيه أربعة هي: العمل وعائده الأجر، والطبيعة وعائدها الريع، ورأس المال وعائده الفائدة، والمنظم وعائده الربح.
ويتحدد ثمن أو قيمة كل عنصر من عناصر الإنتاج سالفة الذكر على أساس سعر السوق، وهو ما يتحدد بحسب العرض والطلب.
2-
الاقتصاد الاشتراكي:
عنصر الإنتاج الأساسي فيه هو العمل سواء كان يدويًّا أو عقليًّا، وعائده الأجر أو الراتب، وهو ما تحدده السلطات حسب خطة التنمية الاقتصادية آخذة في الاعتبار قوى العرض والطلب دون أن تتقيد بهما تقيدًا تامًّا.
أما بقية عناصر الإنتاج، كالطبيعة، ورأس المال، والمنظم، فتظل موجودة وإنما ينتقل عائدها إلى الدولة
تصرف فيها حسب خطة التنمية1.
3-
الاقتصاد الإسلامي:
فقد أبدينا في كتابنا الثاني من سلسلة الاقتصاد الإسلامي والمعنون "الإسلام والمشكلة الاقتصادية"، أن عناصر الإنتاج فيه اثنان هما: العمل ورأس المال، مع التنبيه بأن رأس المال وحده لا يكون له عائد إلا إذا ساهم مع العمل في الغرم، وحينئذ يكون له نصيب في العائد "أيًّا كانت نسبته بحسب الاتفاق" وذلك في صورة "ربح" لا فائدة أو "إيجار" ولا ريع2.
ولقد ذهبنا إلى أن عناصر أو عامل الإنتاج في المفهوم الإسلامي اثنان هما: العمل ورأس المال، وذلك استنادًا إلى إجماع فقهاء المسلمين على توزيع الريع وهو عائد أو
1 انظر تفصيل ذلك لدى الدكتور صلاح الدين نامق، في مؤلفه "أسس علم الاقتصاد الاشتراكي" لناشره دار المعارف بالقاهرة، الطبعة الثالثة سنة 1966م، ص61 وما بعدها.
2 انظر كتابنا "الإسلام والمشكلة الاقتصادية" مرجع سابق، صفحة 69 وما بعدها.
حصيلة الإنتاج، بين العمل ورأس المال، ففي عقد "المضاربة" ويسمى أيضًا "بالمقارضة" يقدم أحد الشركاء وهو رب المال أي المقارض "رأس المال"، بينما يقدم الشريك الآخر وهو رب العمل أي المضارب "عمله" وقد سمي كذلك لأنه يضرب في الأرض ويسعى فيها قصدًا إلى المال وتنمية الثروة.
ونضيف هنا بأن ثمة عنصر آخر من عناصر الإنتاج تغفله سائر المذاهب والنظم الاقتصادية الوضيعة، ولكن يكشف عنه الاقتصاد الإسلامي، بل يعتبره من أهم عناصر الإنتاج ألا وهو عنصر "التقوى" أي ابتغاء وجه الله تعالى ومراعاته وخشيته سبحانه في كل ما نقوم به من عمل أو نباشره من نشاط اقتصادي، وهو ما عبرت عنه عدة آيات قرآنية وأحاديث نبوية نذكر منها على سبيل المثال قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 1.
1 الأعراف: 96.
ومكافأة عنصر التقوى هو من عند الله وهو ما يسميه العامة البركة في الدنيا والجنة في الآخرة، أما من حيث مكافأة عنصري الإنتاج الآخرين وهما "رأس المال" و"العمل" فإن الإسلام يحترم أساسًا إرادة الطرفان "رب المال" و"رب العمل"، فنصيب كل منهما أو عائد كل عنصر يتحدد بالاتفاق، وهذا الاتفاق يحكمه في الفقه الإسلامي أمران:
أولهما: سعر السوق أي قوى العرض والطلب، والتي تحدد نصيب أو عائد كل من العمل ورأس المال في المضاربة أي العملية الإنتاجية.
ثانيهما: ألا يكون سعر السوق على الوجه المتقدم مخلا أو مجحفًا بحق أحد الطرفين "رب المال" أو "رب العمل"، وإلا تعين على ولي الأمر أي الدولة التدخل لتحديد الثمن أي عائد كل عنصر من عناصر الإنتاج، وذلك بالقدر الذي يحقق العدل والتوازن بين أطراف العملية الإنتاجية باعتبار أن هذا العدل أو التوازن هو
غاية ما يحرص عليه الإسلام بقوله تعالى: {لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} 1. وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} 2. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تهضموا الناس حقوقهم فتكفروهم"3. وعليه فإنه من المتفق عليه التزام الدولة الإسلامية بالتدخل في تحديد أدنى الأجور بما يضمن "حد الكفاية" أو "تمام الكفاية" وليس مجرد "حد الكفاية" مما سبق بيانه، وكذلك الترامها بالتدخل في تحديد الأسعار على نحو ما سنبينه.
ومؤدى ما تقدم، أنه في مجال التوزيع الوظيفي أو مكافأة عناصر الإنتاج، يعتد المذهب الاقتصادي الإسلامي -شأن المذهب الاقتصادي الفردي والنظم الرأسمالية المتفرعة عنه- بسعر السوق ولكنه يخالف هذا المذهب في الاعتماد الكلي على سعر السوق، بل يتطلب تدخل الدولة
1 البقرة: 279.
2 الرحمن: 9.
3 أخرجه السيوطي، وفي رواية أخرى $"لا تمنعوا المسلمين حقوقهم فتكفروهم".
في تحديد السعر أو مكافأة عناصر الإنتاج، متى كان هذا السعر مجحفًا بأحد أطراف العملية الإنتاجية أو حتى المستهلك، وإذا صح أن المذهب الاقتصادي الإسلامي يتطالب -شأن المذهب الاقتصادي الجماعي والنظم الاشتراكية المتفرعة عنه- تدخل الدولة في مكافأة عناصر الإنتاج وتحديد الثمن، إلا أنه يخالفه في أساس أو سبب هذا التدخل وفي تحديد نطاقه أو مداه، ذلك أن هذا التدخل مشروط في الإسلام بتدخل عوامل أخرى غير قوى العرض والطلب كغش أو احتكار أو غيرها مما يجعل ثمن السوق غير عادل أو مجحفا بأحد أطراف العملية الإنتاجية أو بالمستهلك ذاته، كما لا يكون التدخل مطلقا حسبما تقدره الدولة بل هو بالقدر الذي يحقق العدل والتوازن بين أطراف العملية الإنتاجية وبين هؤلاء والمستهلك ذاته.
ولقد تعددت أخيرًا الكتابة حول عناصر الإنتاج في الإسلام وعوائده، وذلك في مختلف رسائل الماجستير والدكتوراه التي أشرفنا على إعدادها ومناقشتها بكلية
التجارة بجامعة الأزهر، ونخص بالذكر رسالة الدكتوراه للدكتور إبراهيم الطحاوي في مارس سنة 1972م والمعنونة "الاقتصاد الإسلامي مذهبًا ونظامًا" في فصلها الخاص بعوائد عناصر الإنتاج ما يقره وما لا يقره الإسلام. وكذلك رسالة الماجستير للدكتور رفعت العوضي في مايو سنة 1972م والمعنونة "نظرية التوزيع في الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد المعاصر"، وقد قام مجمع البحوث الإسلامية بمشيخة الأزهر بطبع هاتين الرسالتين.
ونضيف إليهما رسالة الدكتوراه للدكتور يوسف إبراهيم يوسف المعنونة "المنهج الإسلامي لتحقيق التنمية الاقتصادية" والتي أشرفنا على إعدادها ومناقشتها بكلية التجارة بجامعة الأزهر في مارس سنة 1980م.
لذلك وحتى لا نخرج عن النطاق المحدد لدراستنا، ونوجز حديثنا حول التوزيع الوظيفي أو مكافأة عناصر الإنتاج في الإسلام، على النقاط الرئيسية التي تحتاج إلى ربط وإيضاح، على الوجه التالي: