الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4-
المليونير الذي يعترف به الإسلام:
حقا لقد كان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أثرياء مما نسيمه بلغة اليوم "أصحاب الملايين" كعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام، إلا أن كلا منهم "مليونير" بالمفهوم الإسلامي، أي ملتزم بحكم الشرع حيث إنه:
أ- لا يملك أن يكنز ماله أو يحبسه عن التداول والإنتاج:
لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} 1. أي أنه مطالب باستثمار ماله لصالح المجتمع.
1 التوبة: 34، 35.
ب- لا يملك أن يصرف ماله على غير مقتضى العقل:
وإلا عد سفيها وجاز عليه الحجر: لقوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} 1. أي أنه مطالب بالرشد في الإنفاق الشخصي.
ج- لا يملك أن يعيش عيشة مترفة تؤدي إلى البطر:
حتى لقد وصف الله تعالى المترفين بالإجرام بقوله سبحانه: {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} 2. أي أنه مطالب بعدم الغلو في معيشته والاعتدال في حياته.
د- وهو أخيرًا مأمور بأن ينفق كل ما زاد عن حاجته في سبيل الله:
لقوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} 3، وقول رسول الكريم: "يابن آدام، إن
1 النساء: 5.
2 هود: 116.
3 البقرة: 219.
تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك " 1، والعفو أو الفضل هو كل ما زاد عن الحاجة. فالإسلام لا يكتفي بفريضة الزكاة، بل يطالب القادرين أيضًا بفريضة الإنفاق في سبيل الله، وينذرهم في إغفالها بالتهلكة والحساب العسير إذ يقول تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 2، ولقوله سبحانه: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} 3، ويقول عليه الصلاة والسلام: "السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، والبخيل بعيد عن الله، بعيد عن الناس، بعيد عن الجنة، ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل" 4.
1 رواه البخاري ومسلم.
2 البقرة: 195.
3 آل عمران: 180.
4 رواه الترمذي.
أي أن الثري في الإسلام يلتزم بالإنفاق في سبيل الله، أي في سبيل المجتمع، وليس مجرد الاكتفاء بأداء الزكاة، وتزداد مسئولياته كلما وسع الله عليه. وعليه أن يباشر ذلك تلقائيا بدافع من العقيدة وابتغاء مرضاة الله، وإلا حق للدولة التدخل وإلزامه بأداء هذه الفريضة على الوجه الذي تراه متفقا معها والصالح العام.
ومؤدى ما تقدم أن المليونير الذي يعترف به الإسلام هو الذي يستثمر ماله كله لصالح المجتمع، مبتغيا في استثماره وإنفاقه وجه الله، مستشعرًا أن ماله أمانة ووديعة أودعها الله تعالى بيده، وأنها بلاء واختبار، ليس له إلا ما يسد حاجته بالحق دون استعلاء أو مخيلة ودون سرف أو ترف.
وبعبارة أخرى، إن المليونير في الإسلام لا يملك أن يعيش في سرف أو ترف، وليس أمامه بالنسبة لماله الزائد عن حد الكفاية أو تمام الكفاية إلا أحد أمرين:
أ- إما استثماره في مشروعات إنتاجية تعود بالنفع على المجتمع.
ب- وإما إنفاقه على الفقراء والمحتاجين وفي مشروعات خيرية:
لقد كان المسلمون الأوائل يتسابقون في البحث عن كل محتاج لكفالته؛ ابتغاء وجه الله، بل لقد كان أثرياء المسلمين يسارعون في القيام بالتزامات الدولة ذاتها. فهذا عثمان بن عفان يقوم بتجهيز جيش العسرة، وهذا عبد الرحمن بن عوف يدفع كل ثروته لإعتاق الرقيق وسد حاجة كل طالب. ولم تكن المسارعة إلى البذل في سبيل الخير من شأن المكثرين وحدهم، بل كان ذلك أيضًا من المقلين حتى كان منهم من يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وفيهم نزل قوله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1.
1الحشر: 9.