الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
إمكانية انعقاده عقلا مع الاعتراف بصعوبة ذلك واقعا، ولكن هذه الصعوبة لا تخرج عن دائرة الممكنات إلى دائرة المستحيلات فقد تتغير الظروف والأوضاع ويصبح ممكنا.
2 -
خيالية بعض الحلول المقترحة، كالمجمع الفقهي القانوني الذي ذكره أصحاب الرأي الثاني، لصعوبة تحقيق الإجماع الأصولي.
3 -
ليست كل الأحكام الدستورية أحكاما متغيرة، بل فيها الثابت والمتغير، فبعضها ثابت وصادر عن طريق الإجماع، مثل الإجماع على وجوب الإمامة والبيعة، فهذه يكون الإجماع فيها ملزما للمسلمين في كل وقت، أما الأحكام المتغيرة مثل الإجماع على طريقة اختيار الخليفة، فيكون الإجماع في هذه الحالة غير ملزم إلا في وقت الإجماع فقط؛ لاختلاف الظروف من وقت لآخر، كما حدث في اختيار الخلفاء الراشدين، والإجماع على طريقة الشورى، وغير ذلك.
[المصدر الرابع من مصادر التشريع الإسلامي الاجتهاد]
رابعا: الاجتهاد: الاجتهاد هو المصدر الرابع من مصادر التشريع الإسلامي، فإذا عرضت قضية ولم ينص على حكمها في الكتاب أو السنة أو الإجماع، فإن الكتاب والسنة دلا على مكانة الاجتهاد، وأنه طريق من طرق الوصول إلى الحكم الإسلامي (1) مثل قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105](2) وقوله تعالى: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 28](3) ومن السنة حديث معاذ عندما بعثه الرسول صلى الله
(1) د. محمد معروف الدواليبي، المدخل إلى علم أصول الفقه، ص 52.
(2)
سورة النساء، آية رقم 105.
(3)
سورة الروم، آية 28.
عليه وسلم إلى اليمن، وأمره بالرجوع إلى الكتاب، ثم السنة، ثم الاجتهاد (1) .
والفرق بين الإجماع والاجتهاد هو أن الاجتهاد رأي غير مجمع عليه، فإذا أجمع عليه كان الإجماع، ولذا تقدم الإجماع على الاجتهاد فصار أقوى منه والمجتهد لا يعتمد في اجتهاده على رأيه المجرد، بل عندما لا يجد النص من الكتاب أو السنة أو الإجماع فإنه يغوص في الكتاب والسنة ويتلمس الأشباه والنظائر ثم يقيس الأمور وينظر فيها (2) .
وفي مجال التشريع الدستوري فإن الاجتهاد يعتبر مصدرا من مصادر الدستور في النظام الإسلامي، بل هو أوسع المصادر مجالا بالنسبة للأحكام الدستورية. والاجتهاد في المسائل الدستورية يصدر عن طريق أولي الأمر (3) . وإذا صدر الاجتهاد بشأن مسألة دستورية من أولي الأمر وفقا لقواعد الاجتهاد الصحيحة يكون الحكم واجب الطاعة والتنفيذ، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59](4) إذ هو اجتهاد صحيح مقترن بالأمر فتجب طاعته.
(1) حديث معاذ رضي الله عنه رواه أبو داود رقم 3592 - 3593، في الأقضية باب اجتهاد الرأي في القضاء، والترمذي رقم1327 - 1328، في الأحكام باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، وقال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي: الناس في هذا الحديث على رأيين فمنهم من قال: إنه لا يصح، ومنهم من قال هو صحيح، والدين القول بصحته، وقد صححه كذلك ابن القيم في أعلام الموقعين. (جامع الأصول في أحاديث الرسول، لابن الأثير الجزري، حديث رقم 7673، ص 178، جـ 10، مكتبة الحلواني، 1392هـ) .
(2)
د. محمد معروف الدواليبي، المدخل إلى علم أصول الفقه، ص 55.
(3)
أولي الأمر كما يقول العلماء، هم الحكام والعلماء، ويلاحظ منهج القرآن أنه لم يذكر أولي الأمر بلفظ المفرد، بل بصيغة الجمع دائما، حيث أن إطلاقها مفردة تنصرف فقط إلى الحاكم، عبد الحميد متولي، مبادئ نظام الحكم الإسلامي، ص50.
(4)
سورة النساء آية رقم 59.
وذكر بعض الباحثين أن الحكم الصادر عن الاجتهاد بشأن مسألة دستورية إذا كان صادرا من المجتهدين سواء أكانوا من مجتهدي الصحابة أو ممن بعدهم من مجتهدي الأمة إلى هذا العصر فإن هذه الاجتهادات تشكل مصدرا يستنير به الحاكم المسلم، ولا حرج عليه بأن يأخذ بأحد الاجتهادات في مسألة ما - بعد المشاورة -، وعندئذ له أن يأمر باتباع هذا الاجتهاد، ويجب على الأفراد الطاعة له (1) .
وهذا كلام لا يؤخذ على إطلاقه، فإن الاجتهاد إذا كان صحيحا وبشرائطه ولم يظهر ما يخالفه ولم يكن مرتبطا بزمن أو مكان أو قضية معينة فإنه يجب العمل به، أما إذا كان غير ذلك فالحاكم يختار ما يراه أصلح لوقته بعد التشاور مع أهل الرأي والحل والعقد.
وللاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية أصول تحدثت عنها كتب الأصول والتشريع أهمها:
1 -
القياس. 2 - الاستحسان. 3 - الاستصلاح. 4 - الاستصحاب. 5 - العرف.
ومن الأمثلة لبعض الأحكام الدستورية التي يمكن أن تستنبط عن طريق الاجتهاد باستخدام القياس، قياس أهل القوة والشوكة ممن يصلحون للإمارة على قريش، بجامع علة مشتركة بينهما هي القوة والشوكة فيكون الأمير من غير قريش على أن يكون من أهل القوة والشوكة (2) ومن الأمثلة كذلك ما فعله عمر رضي الله عنه من فصله للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية في بعض الأمور والأحوال، مستخدما المصلحة المرسلة، ومن ذلك يتضح أنه تم فعلا استنباط أحكام دستورية عن طريق الاجتهاد.
(1) منير البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص111.
(2)
مقدمة ابن خلدون، ص 133.
وباب الاجتهاد هذا - بقواعده الصحيحة - هو الينبوع الذي يمد الأحكام الدستورية في العصر الحديث بالروح، والحيوية، ويجعلها مرنة ومتطورة حسب الحاجة وفق إطار ثابت وسياج قوي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مما يعطي ثروة من الآراء والحلول في مجال الأحكام الدستورية، وهي بلا شك ليست ملزمة أو قطعية لطبيعتها الاجتهادية، ولذلك تعطى حكم المصادر الاحتياطية أو التفسيرية، ولا تكون ملزمة إلا في حالة تبني أولي الأمر لأحد الاجتهادات، وبالتالي تلزم الطاعة في وقت محدد، أي ليست ملزمة على مر العصور؛ لأنها من الأحكام المتغيرة بتغير الأحوال لا الأحكام الثابتة (1) .
وبعد الكلام على مصادر الدستور الإسلامي يرد تساؤل عن مصادر الدستور الوضعي، ومكانتها من الدستور الإسلامي؟ وللإجابة عن ذلك باختصار نقول:
من المعروف أن مصادر الدستور الوضعي هي الفقه القانوني، والقضاء، والعرف، والتشريع، وهذه المصادر لا يمكن قبولها هكذا مجردة، لتكون مصادر للدستور في الإسلام، إنما يمكن الأخذ بها عندما لا تكون مخالفة لنصوص وأحكام الشريعة الإسلامية، وعند ذلك تدخل هذه المصادر جميعا ضمن مصادر الدستور في الإسلام.
(1) المرجع السابق، ص 148، د. منير حميد البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص 112.