الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د - الشعور بأهمية القيادة السياسية فإن اختيار أبي بكر رضي الله عنه تم بأسرع وقت، بل وحتى قبل دفن الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كره أصحاب رسول الله أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة، فكان هذا الوعي السياسي في اجتماع كلمة المسلمين وتجنب الفتن والخلاف.
بالإضافة إلى أن وجود القيادة السياسية يكفل استمرار مسيرة الدعوة الإسلامية التي بدأها الرسول صلى الله عليه وسلم ويجعل الدولة (سندا للدين)(1) .
[الخطابات والعهود]
3 -
الخطابات والعهود: من تلك الوقائع التي تعتبر دستورية في طبيعتها بعض الخطابات الموجهة من الحكام لأفراد الأمة، والتي تعتبر ميثاقا يبين منهج الحاكم السياسي وكذلك العهود والمواثيق الموجهة من الحكام إلى الولاة إلى الدول الأجنبية، ونجد عصر الراشدين مليء بالأمثلة على هذا الضرب من الوقائع الدستورية، ومن أمثلة ذلك الخطبة التي ألقاها أبو بكر الصديق رضي الله عنه غداة مبايعته خليفة للمسلمين، حيث قال: " أما بعد، أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة: والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه (2) إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله (3) .
(1) محمد العوا، في النظام السياسي للدولة الإسلامية، ص 81.
(2)
أي حتى آخذ له حقه.
(3)
سيرة ابن هشام، ص 661، جـ 2.
هذا الميثاق الذي أعلنه أبو بكر رضي الله عنه غداة تسلمه مهام منصبه خليفة للمسلمين، يعتبر وثيقة دستورية هامة في تاريخ الدولة الإسلامية فهو على قصره من جوامع الكلم، أوضح فيه أبو بكر طريقته التي سيسير عليها في الحكم، ومنهجه السياسي الذي اختطه لنفسه بعد مبايعته إماما للمسلمين، ويمكن أن يستنتج من هذا الميثاق بعض الأمور الدستورية منها ما يلي:
أ - من حق الحاكم على الرعية إعانته عند سيره سيرا صحيحا.
ب - من حقه أيضا النصح له وبيان ما عليه من أخطاء عندما يسيء استخدام سلطته كأي فرد من المسلمين، وهذا المبدأ فيه إقرار لحقوق الرعية.
ب - الحض على بعض الأمور الأخلاقية من الصدق وعدم الكذب وعدم انتشار الفواحش، هذه الأخلاقيات التي تشكل سياجا لبناء الأمة وأساسا لبقائها.
د - المساواة بين الرعية والعدل بينهم في الحقوق والواجبات.
هـ - الحث على الجهاد الذي هو أساس عزة الأمة وكرامتها.
و إعلانه أن حقه في طاعتهم له مرتبط بالتزامه بطاعة الله، فإن عصى الله سقط هذا الحق عنهم، وهذا تكريس لقاعدة دستورية إسلامية عظيمة وهي أن طاعة الرعية للراعي مقيدة بطاعة الله وليست مطلقة وذلك يؤدي إلى صيانة حقوق الرعية من الاستبداد والتسلط والظلم وهو ما تدعو إليه النظم الدستورية المعاصرة، حيث نلحظ سبق النظام الدستوري الإسلامي لهذه النظم.
ومن الوقائع الدستورية كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري عندما ولاه القضاء في البصرة، والمشهور بكتاب سياسة القضاء
وتدبير الحكم (1) الذي يشرح له فيه سياسة القضاء والفصل بين الناس والقواعد المتبعة في هذا الشأن، وقد عده العلماء قاعدة وأساسا في تنظيم السلطة القضائية.
من هذا الضرب أيضا المعاهدات التي تمت بين الدولة الإسلامية والأقليات الأخرى من أهل البلاد المفتوحة، مثل معاهدة أهل أصبهان في عهد بن الخطاب رضي الله عنه التي تنص على ما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من عبد الله للفاذ وسنان وأهل أصبهان وحواليها إنكم آمنون ما أديتم الجزية بقدر طاقتكم في كل سنة، تؤدونها إلى الذي يلي بلادكم عن كل حالم (2) ودلالة المسلم، وإصلاح طريقه، وقراره يوما وليلة، وحملان الراجل إلى مرحلة (3) لا تسلطوا على مسلم، وللمسلمين نصحكم، وأداء ما عليكم، ولكم الأمان ما فعلتم، فإذا غيرتم شيئا أو غيره منكم ولم تسلموه فلا أمان لكم، ومن سب مسلما بلغ منه (4) فإن ضريه قتلناه (5) .
هذا العهد أو المعاهدة وأمثالها من الأمور الدستورية بطبعها وذلك لأهميتها، وتوضح هذه المعاهدة في فقراتها الحقوق والواجبات لكل طرف من أطراف المعاهدة.
(1) محمد حميد الله، انظر: مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة، ص 343 - 356، طبعة ثالثة، 1389، دار الإرشاد بيروت.
(2)
حالم: أي بالغ.
(3)
حملان الرجل إلى مرحلة: أي حمل الماشي من المسلمين، وإركابه إلى المرحلة التي تلي المرحلة التي بلادكم فيها.
(4)
بلغ منه: أي اقتص منه وعوقب.
(5)
محمد حميد الله، مجموع الوثائق السياسية، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، جـ 4، ص 141، دار المعارف بمصر.