الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الثالث وقائع دستورية في العهود الإسلامية الأخرى]
[رئاسة الدولة]
المبحث الثالث: وقائع دستورية في العهود الإسلامية الأخرى: في هذا المبحث سنتطرق إلى بعض الوقائع الدستورية في العهود الإسلامية فيما بعد عصر الخلافة الراشدة إلى العصر الحديث، وفيما يلي نذكر نماذج من هذه الوقائع:
أولا: رئاسة الدولة: جدت أمور لها أهميتها الدستورية في رئاسة الدولة الإسلامية، حيث غلب تسلسل الحكم في أسر عريقة ينقاد الناس إليها، كالأمويين، والعباسيين، والعثمانيين، وغيرهم ممن حكم في الدول الإسلامية التي قامت في الشرق أو الغرب، ولكن نظام البيعة للحاكم ظل مستمرا، ومما جد البيعة لولي عهد الخليفة أو الأمير أو الملك، على أن تتم البيعة له بالحكم بعد توليه مباشرة.
وهذه الطريقة، وإن كان فيها اختلاف عما كان عليه الأمر في عهد الراشدين، إلا أن الإسلام لم يحدد طريقة معينة لتولية الحاكم، كما لم يحدد أسلوبا خاصا للشورى، فبأي كيفية تتم الشورى، ويرضى الناس حاكما يبايعونه على كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم يكون الحاكم شرعيا.
[نظام الوزارة]
ثانيا: نظام الوزارة: لفظ الوزارة معروف عند العرب قبل الإسلام، وقد ورد في القرآن الكريم في موضعين، هما قوله تعالى:{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} [طه: 29](1)
(1) سورة طه، آية:29.
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} [الفرقان: 35](1) .
كما أنه ورد في عدة مواضع من السنة النبوية مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق، إن نسى ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك، جعل له وزير سوء، إن نسى لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه» (2) .
وفي أقوال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في السقيفة، في كلامه للأنصار رضي الله عنهم حيث قال:(نحن الأمراء وأنتم الوزراء)(3) .
ولكن الوزارة لم تعرف بشكلها الذي يعني معاونة الخليفة في تصريف وشؤون الدولة إلا في العصر الأموي، الذي كانت الدولة الإسلامية فيه تشكل رقعة كبيرة من العالم، حيث تحدها الصين شرقا، وجبال البرانس " شمال أسبانيا " غربا، فكان من البديهي أن يكون إلى جانب الخليفة من يساعده في تصريف شؤون الدولة، إذ ليس من المعقول أن يشرف الخليفة بنفسه على كل كبيرة وصغيرة، إلا أن هذا المنصب لم يوجد في هذا العصر بشكله المنظم الذي عرف فيما تلاه من العصور، وحتى المصطلح؛ الذي يطلق على من يعمل في هذا المنصب، وهو مسمى الوزير لم يطلق على من يقوم بمهام هذا المنصب، بل كان يسمى كاتبا أو مشيرا، والوزارة لم تنظم قواعدها إلا في عهد الدولة العباسي حيث تقررت قوانين الوزارة، وسمي الوزير وزيرا، ويعتبر أبو سلمة الخلال حفص بن سليمان أول وزراء الدولة العباسية، أي أنه أول من تولى الوزارة بعد تنظيم
(1) سورة الفرقان، آية:35.
(2)
روي الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وأخرجه أبو داود في الإمارة رقم (2932) .
(3)
روي الحديث عن عائشة رضي الله عنها وأخرجه البخاري - كتاب فضائل الصحابة، باب (5) ، (3668) .
قواعدها، وتطورت الوزارة في العهد العباسي، حيث أضيفت إليها الكتابة، أي كانت وظيفة تابع للوزارة فالكاتب تبع الوزير، وقد يرقى الكاتب إلى رتبة وزير.
ويقسم علماء السياسة الشرعية الوزارة إلى قسمين: وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ:
1 -
فوزير التفويض يباشر الحكم وينظر في المظالم، وليس ذلك لوزير التنفيذ.
2 -
ولوزير التفويض الاستقلال في تقليد الوزراء، وليس ذلك لوزير التنفيذ.
3 -
ويقوم وزير التفويض بمهمة تسيير الجيوش وتدبير الحروب، دون وزير التنفيذ.
4 -
ويتصرف وزير التفويض في أموال الدولة العامة بقبض المستحق ودفع الواجب دون وزير التنفيذ.
5 -
يحدد علماء السياسة الشرعية شروطا لوزير التفويض هي: الحرية والإسلام، والعلم بأحكام الشرع، والمعرفة بأمور الحرب والخراج، وهذه الشروط غير معتبرة في وزير التنفيذ.
وعندما نشأ هذا الوضع الدستوري في الدولة الإسلامية وهو وجود الخليفة مع تفويض اختصاصاته إلى رجل آخر يسمى وزيرا، وليس وزيرا بالمعنى المعروف وإنما قائم عن الخليفة أو نائب له، سموا من تكون هذه صفته وله هذه الاختصاصات بوزير التفويض؛ تفريقا له عن الوزير العادي، أو من سموه بوزير التنفيذ، والذي حدد عمله في مهمة معينة، ومن وزراء التفويض في الدولة العباسية يحيى بن خالد حين قلده هارون