الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العرف الدستوري فينصرف إلى مجموعة القواعد الدستورية التي تتولد عن العادات والسوابق في ظل دستور دولة معينة (1) والعرف الدستوري قد يوجد في ظل النظام الدستوري الإسلامي فقد تتكون عادات وسوابق دستورية في ظل دستور هذه الدولة الإسلامية، سواء أكان دستورها مدونا أم غير مدون.
[الخلافة والبيعة]
2 -
الخلافة والبيعة: لعل من أهم الوقائع الدستورية في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أمر الخلافة والبيعة، حيث لم يحدد الرسول صلى الله عليه وسلم الطريقة التي تتبع في اختيار الحاكم، وإنما اكتفى بإيضاح القواعد العامة التي يجب أن تراعى، وبين بسنته القولية والعملية المثل العليا التي يجب على الحاكم والمحكومين الالتزام بها، دون ذكر تفاصيل نظام الحكم، إذ أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية وغيرها متغيرة ومتبدلة من زمن لآخر، وهي بلا شك مؤثرة في النظام السياسي.
وبناء عليه فإن على المسلمين في كل عصر تحديد ما يصلح لذلك العصر في إطار القواعد الرئيسة، والمثل العليا، والمبادئ التي جاء بها الإسلام، فالصحابة رضوان الله عليهم واجهوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الخلافة بحزم وعزيمة، حتى استقروا على رأي واحد، حتى أنهم - خوفا من أن ينفلت زمام الأمر قدموا البحث فيه على دفن الرسول صلى الله عليه وسلم وتجهيزه؛ مراعاة للمصلحة وتقديما للأهم قبل المهم.
لقد بادر الأنصار إلى الاجتماع في سقيفة بني ساعدة لبحث أمر رئاسة الدولة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فعلم بذلك
(1) د. محمد حسين عبد العال - القانون الدستوري، ص 89.
المهاجرون، وأسرع أبو بكر وعمر وأبو عبيد رضي الله عنهم للقاء إخوانهم من الأنصار للمشاركة في اتخاذ القرار، فكان النقاش بينهم الذي يمكن بلورته في آراء ثلاثة هي:
أ - رأي الأنصار بأحقيتهم في الخلافة.
ب - رأي المهاجرين، وعبر عنه أبو بكر، وهو الاعتراف بفضل الأنصار، ولكن هذا الفضل لا يلزم أن تكون الخلافة فيهم، ثم ذكر فضل المهاجرين إلى أن قال:" إن العرب لن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا "(1) أي أن الأمر لا بد أن يكون في قريش.
جـ - الرأي الثالث هو رأي الحباب بن المنذر - وهو من الأنصار - يرى بأن يكون من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير.
ودار النقاش بين المجتمعين في أروع صورة للشورى، حيث تكلم كل فريق بما يراه وما يسند رأيه من حجج، وبصراحة تامة لا لبس فيها، بحيث لا يبقى مجال لبس عند اتخاذ القرار، ولم يكن ما حدث في الحقيقة نزاعا من أجل السلطة، أو انتصارا للرأي الشخصي المجرد، بل على العكس من ذلك فهي الشورى بعينها التي حض عليها الإسلام ومدح الله المسلمين بها.
ويشبه بعض الباحثين (2) اجتماع السقيفة بجمعية تأسيسية قامت بوضع مستقبل الأمة السياسي.
وبعد مداولة الرأي استقر رأي المجتمع على اختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة للمسلمين، وتمت البيعة له ممن حضر الاجتماع،
(1) سيرة ابن هشام، جـ 2 ص 659.
(2)
الدكتور. محمد ضياء الدين الريس في كتابه النظريات السياسية الإسلامية، ص 27 - 32، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الخامسة 1969 م.
وهي البيعة الخاصة، وفي اليوم التالي تمت البيعة العامة في المسجد النبوي لأبي بكر من قبل المسلمين في المدينة.
واستمر بعد ذلك نظام رئاسة الدولة مع اختلاف صورة اختيار الخليفة، أو الإمام أو الملك أو الأمير، وكان اختيار رئيس الدولة يتم عن طريق البيعة التي تتم بإحدى طرق أربع (1) هي:
أ - الاختيار، كاختيار أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
ب - الاستخلاف، كاختيار عمر رضي الله عنه.
جـ - الاختيار بين معينين، كاختيار عثمان رضي الله عنه.
د - ولاية العهد، كما في الدولة الأموية والعباسية.
ويمكن تلخيص النقاط التي تستنتج من وقائع اختيار الخليفة والبيعة في عهد الخلفاء الراشدين في النقاط التالية:
أ - تأكيد أن أمر اختيار الخليفة أو رئيس الدولة الإسلامية متروك للمسلمين، يقررون فيه ما يلائم مصالحهم.
ب - تكريس تطبيق مبدأ الشورى دون تحديد طريقة معينة بذاتها، ويتضح هذا من خلال اختيار الخلفاء الراشدين ومبايعتهم.
جـ - تحديد تسمية الخلافة، لتكون هذه التسمية في ذلك الوقت علما على هذا النظام المتميز بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حدد الفقهاء مدلول الخلافة: بأنها خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا (2) .
(1) د. ماجد راغب الحلو، الاستفتاء الشعبي بين الأنظمة الوضعية والشريعة الإسلامية، ص 12، طبعة أولى، 1400هـ، مكتبة المنار الإسلامية، الكويت.
(2)
الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ص 5. مصطفى الحلبي، 1386هـ. مقدمة ابن خلدون، ص 131.