المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ب - القضاء على مقومات الأمة العربية الإسلامية: - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ٥

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌الوجيز في مسيرة الأحداث التي كان لهادورها في ثورة السبعين

- ‌ثورة (الأخوان الرحمانيين) في سطور

- ‌الفصل الأولالوضع السياسي العام

- ‌ الموقف على جبهة المشرق

- ‌ عودة إلى محمد علي باشا

- ‌ اللعب بورقة الأمير عبد القادر

- ‌الفصل الثانيالوضع الخاص في الجزائر

- ‌السياسات الاستعمارية

- ‌آ - الهجرة والاستيطان:

- ‌ب - القضاء على مقومات الأمة العربية الإسلامية:

- ‌ج - المسألة اليهودية وقانون كريميو:

- ‌د - التحريض الخارجي (البروسي - العثماني)

- ‌ التحريض البروسي:

- ‌ التحريض الوطني الجزائري (محيي الدين بن عبد القادر):

- ‌ التحريض العثماني

- ‌هـ - الكوارث الطبيعية:

- ‌و - الثورات التمهيدية:

- ‌الفصل الثالثثورة 1871

- ‌ ثورة محمد المقرني (مجانة)

- ‌ ثورة الشيخ الحداد (صدوق)(أو ثورة الإخوان الرحمانيين)

- ‌ ثورة أحمد بو مزراق(سور الغزلان وونوغة)

- ‌ في أفق الثورة

- ‌قراءات

- ‌ 1 -نص القرار الخاص بمصادرةأملاك المقراني

- ‌ 2 -نص قرار مصادرة أملاكعائلة الشيخ الحداد

- ‌ 3 -مصادرة أملاك المقراني والحدادوأفراد عائلتيهما

- ‌آ - مصادرة أملاك المقراني وأفراد عائلته:

- ‌ب - مصادرة أملاك الشيخ الحداد وأفراد عائلته

- ‌ 4 -الحرب الصليبية في الجزائر

- ‌المراجع

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ب - القضاء على مقومات الأمة العربية الإسلامية:

الأوروبيين. وكذلك شركة (جنيفواز - السويسرية) التي تألفت عام 1853 من طرف رأسماليين من جنيف، وحصلت خلال عشر سنوات على مساحة (281) ألف هكتار؛ من أجل بناء القرى، لاستقبال المهاجرين الأوروبيين، وخاصة السويسريين. كما منحت (الشركة العامة الجزائرية) مساحة مائة ألف هكتار سنة 1865، لتوطين عشرين ألف عائلة أوروبية، مقابل قرض قدمته للدولة بمبلغ مائة مليون فرنك. ومنحت (الشركة العامة للهبرة ومقطع الحديد) مساحة (25،500) هكتارا عام 1865، مقابل إنشاء سد فرقوق قرب المحمدية. وحصلت (شركة جمعية الغابات) على مساحة (160) ألف هكتارا من الغابات لتستغلها لمدة ستين عاما، فقامت ببيعها إلى ثلاثين معمرا أوروبيا.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن السلطات الإفرنسية كانت تنتزع الأراضي من الجزائريين، وتهبها للجمعيات الدينية المسيحية والهيئات الكنيسة، والتي كانت تبيعها بدورها إلى المعمرين الأوروبيين. ونتج عن هذه السياسة الاستعمارية - الاستيطانية حرمان الجزائريين من أراضيهم وممتلكاتهم وموارد رزقهم وحياتهم، وعزلهم عن مناطق إنتاجهم، فتحولوا إلى طبقة بائسة محرومة من كل الحقوق. وزاد الأمر سوءا بحرمانهم من كل حقوقهم السياسية. فبات المخرج الوحيد هو اللجوء إلى السلاح، كتعبير طبيعي عن حق الوجود، وكانت الإدارة الإفرنسية الاستعمارية تتوقع مثل هذه الردود، وتعد المخططات لاسثمارها من أجل المزيد من التوسع.

‌ب - القضاء على مقومات الأمة العربية الإسلامية:

لم يرض الأوروبيون، ولم يقنعوا، بما تم تطبيقه من سياسة

ص: 74

استعمارية في إطار الهجرة والاستيطان فانطلقوا لشن الحملات الصحافية ضد السلطة العسكرية والمكاتب العربية، مع المطالبة بدمج الجزائر سياسيا في إطار نظام مدني، وبطرد الجزائرين من أراضيهم، وتشجيع بيعها للمستوطنين بصورة أوسع (1). واستجابت حكومة الإمبراطور نابليون الثالث لمطالبهم، فأنشأت يوم 24 حزيران - يونيو - 1858 ما أطلق عليه إسم (وزارة الجزائر والمستعمرات) وأسندت رئاستها إلى (الأمير جيروم نابليون) الذي كان له دور في هذا التغيير لما له من تأثير على عمه الإمبراطور فاستحدث مجلسا أعلى إلى جانبه، ومجالس إقليمية في كل مقاطعة، بهدف الإدماج الكامل للجزائر في فرنسا (2) ومن أجل ذلك تم إنشاء ست دوائر عمالية مدنية، وجرت محاولة لإدماج العدالة الإسلامية في القضاء الإفرنسي - المدني .. ولم يبق للسلطة العسكرية بعد هذه الإجراءات سوى منصب القيادة العليا للقوات البرية والبحرية التي أسندت رئاستها إلى ماكماهون.

وكان من المفروض أن تسير الأمور سيرا طبيعيا. ولكن الوزير الجديد

(1) يمكن هنا الإشارة إلى العريضة التي وقعها (420) مهاجرا أوروبيا ورفعوها إلى الحكومة الإفرنسية يوم 27 شباط - فبراير - 1863، وفيها ما يلي:(إذا ما توقفت الحكومة عن الاستجابة لمتطلبات المستعمرين الأوروبيين، ولم تترك لهم حرية إستثمار المناطق، إلا ما تم انتزاعه من القبائل منذ الاحتلال وحتى اليوم فإن ساعة الجلاء عما حصل عليه المنتصرون في سنة 1830 قد حانت. وستظهر حكومة عربية، أي أمة بدون جنسية، أو تجمع من المتوحشين ورجال القبائل المتصارعين بعضهم ضد البعض الآخر).

(2)

من المعروف، أن نابليون الثالث، لم يفكر أبدا في التخلي عن الجزائر، بعكس ما تشير إليه بعض المصادر. وهو الأمر الذي عبر عنه لويس نابليون بونابرت يوم 6 أيار - مايو - 1865 بقوله:(إن الجزائر هي لفرنسا، كما إن إيرلندا لإنكلترا، وكما إن بولونيا لروسيا، وليست الجزائر إلا كرة كبيرة، فقطعوها إلى شرائح، واجتثوا منها حياتها، فيسهل عليكم الإمساك بالكرة) السياسات الاستعمارية في المغرب - شارل روبرت - ص 63 و 68

.

ص: 75

وجد نفسه في أوضاع غير مرضية، لكونه اختلف مع عمه الإمبراطور حول سياسته بإيطاليا. كما اصطدم بمعارضة العسكريين بالجزائر لسياسته التي تؤيد بصورة مطلقة إتجاه المعمرين الأوروبيين الذين يرون أن الجزائر فتحت بالقوة، ومن حقهم أن يطردوا لذلك الجزائريين من أراضيهم وممتلكاتهم، ليستولوا عليها ويتقاسموها. وقد أكد (ماكماهون) بأن الأمير وإن كان قد درس جميع الوسائل الاستعمارية في الأمريكيتين، إلا أنه رغم ذلك لم يكن يحسن (فهم المعضلة الجزائرية). ولم يكن يضع في اعتباره حساب مليونين ونصف مليون من الجزائريين الشجعان (الذين صمموا على القتال دفاعا عن استقلالهم ودينهم). وأوضح أن السلطات الإفرنسية بما تنشره - صحافتها - من سباب وإهانات للجزائريين قد أسهمت بدفعهم للثورة الدائمة. وأن الأمير لم يعمل على إيقاف ذلك بالرغم من إلحاح القيادة العسكرية وضباط الشؤون العربية عليه في ذلك. كما أوضح (ماكماهون) بأن الذين كانوا ينشرون مقالات الطعن والسباب ضد الجزائريين معظمهم من المنفيين المعارضين لسياسة الإمبراطور وحكومته. وبنتيجة هذه المشاكل كلها، اغتنم الأمير جيروم فرصة ذهابه إلى إيطاليا لعقد قرانه على ابنة ملك سردينيا، فأعلن من هناك تنازله عن منصب وزارة الجزائر والمستعمرات يوم 7 آذار - مارس - 1859 فتم تعيين (الكونت شاسلو لوبا) بصورة رسمية في مكانه، وتعرض هذا بدوره لعداء العسكريين، وانتهى الأمر بإلغاء هذا النظام تماما. وتم بدلا عنه تشكيل الحكومة العامة للجزائر في كانون الأول - ديسمبر - 1860 تحت رئاسة القائد العام للقوات البرية والبحرية، والذي كان عليه الاتصال مباشرة بالإمبراطور في الأمور السياسية تحت مراقبة وزير الحربية، على أن يكون إلى جانبه مجلس

ص: 76

استشاري ومجلس أعلى وعين (الماريشال بيليسييه) حاكما عسكريا جديدا، وبذلك عاد الحكم العسكري بسرعة إلى الجزائر. واتبع (بيليسي) سياسة (راندون) ذاتها فيما يخص مصادرة الأراضي لصالح الهجرة والاستيطان الاستعماري، ومد الطرق المعبدة، والسكك الحديدة، لخدمة مشاريع الأوروبيين الاقتصادية، ومستقبلهم السياسي. وكان في نيته تطوير هذه السياسة والوصول بها إلى أبعد الحدود. ولكن الإمبراطور نابليون الثالث، كان يفكر في سياسة جديدة تجاه الجزائريين خاصة بعد زيارته القصيرة للجزائر في العام 1860، حيث شعر بالقلق نتيجة تجريد المواطنين المسلمين من ملكيتهم الشخصية. فقرر إصدار قانون يمنحهم حق البقاء في الأراضي التي يستثمرونها ويعيسون عليها. ونصح الأوروبيين بالتوجه للمجالات الأخرى مثل استثمار الغابات والمعادن واستصلاح الأراضي وإنشاء السدود والطرقات والصناعات المتنوعة. كما نصح بالحد من هجرة الأوروبيين إلى الجزائر، وختم رسالته التي وجهها إلى (بيليسييه) بهذا الشأن في 6 شباط - فبراير - 1863 بما يلي:(إن الجزائر مملكة عربية، وأنا إمبراطور العرب مثلما أنا إمبراطور الإفرنسيين). غير أن هذه السياسة - الليبيرالية - لم تعجب العسكريين الذين كانوا يطالبون بالعودة إلى (نظام السيف) باعتباره الوسيلة الوحيدة لإخضاع الجزائر الثائرة. وأمام هذه الضغوط أصدرت السلطة الإفرنسية قانون 7 تموز - يوليو - 1864 الذي أعاد السلطة للحكام العامين للفيالق العسكرية على الحكام المدنيين للمقاطعات الجزائرية الثلاثة. وبذلك اشتدت قبضة العسكريين على الجزائر التي تحولت إلى مستعمرة عسكرية، كما كانت خلال الفترة الأولى للاحتلال (فترة حكم بيجو). وتم تعيين المارشال (ماكماهون) حاكما

ص: 77

جديدا للجزائر في أيلول - سبتمبر - 1864 من أجل تنفيذ هذه السياسة. غير أن المدنيين والعسكريين على السواء استقبلوا (ماكماهون) بالغضب رغم كونه سيمارس سياسة سلفه (بيليسييه) الأمر الذي اضطر نابليون الثالث للقيام بجولته الثانية في الجزائر (3 أيار - مايو - حتى 7 حزيران - يونيو 1865) حتى تنقل في جهات كثيرة، قابل خلالها شخصيات أوروبية وعربية، وعندما عاد إلى فرنسا، وضع سياسته الجديدة في رسالة بعث بها إلى (ماكماهون) في 20 حزيران - يونيو 1865 وانتقد فيها الأوضاع السائدة. ومما تضمنته رسالته - كما سبقت الإشارة إلى ذلك -:(بأن الجزائر مملكة عربية، ومستعمرة فرنسية ومعسكر أوروبي. وأنه من الضروري الاعتماد على أريحية الجزائريين في التطوير، ذلك لأنه من المحال القضاء على ثلاثة ملايين جزائري أو رميهم في الصحراء كما فعل الأمريكيون بالهنود الحمر. واعترف أن هناك بالجزائر عسكريون يمكرون بالجزائريين. كما أن مصالح الغابات تضايقهم كثيرا، وتمنعهم من قطع ولو محراث خشبي. وذكر أن من أخطاء فرنسا أنها تطبق بالجزائر قوانين وضعت خصيصا لفرنسا - مثل قانون الصيد - وذلك مما جعل الجزائريين يفقدون أملاكهم ويتعرضون للإفلاس).

لقد كانت سياسة نابليون الثالث قائمة على المرونة وكسب الوقت لتعميق جذور الاستعمار، مع التظاهر بعملية (النقد الذاتي) لتغطية سوءات الاستعمار، ورفع الشعارات الفاضلة، بهدف التضليل والخداع. وقد طلب نابليون إلى العرب إظهار أريحتهم لتطوير الجزائر، كما طلب إلى الجيش الإفرنسي في حديثه يوم 9 حزيران - يونيو - 1864 ما يلي: (إنكم أول من يجب عليه مد يد العون.

ص: 78

إلى العرب الممزقين بروح من الصداقة، والتعامل معهم بكرم وعدل، باعتبارهم جزءا من العائلة الإفرنسية الكبيرة). وكان مشروع نابليون للإصلاح يتضمن: (إعادة تنظيم قبائل المخزن وإقامة مجالس في مناطق القبائل. وإقامة جامعة عليا للقانون الإسلامي في الجزائر.

وإعادة تنظيم المدارس الابتدابة، حيث كان هناك 2313 مدرسا يدرسون القرآن الكريم وعلوم الدين لطلاب المرحلة الابتدائية الذين كان عددهم يزيد على (26،500) طالب وبذلك يتم إخراج التعليم من أيدي المشايخ) (1). وعلى كل حال، فقد جاءت الممارسات والأعمال التطبيقية لتفضح كل المزاعم الإيديولوجية والمقولات النظرية. وظهر بوضوح أن (السياسة العربية للإمبراطور) لم تكن إلا الوسيلة لخدمة المصالح الإفرنسية فمحاولة اسمتمالة الجزائريين:(لم تكن إلا لدعم مركز فرنسا، وتأمين سلامة الجيش الإفرنسي وضمان أمن المهاجرين، وإمداد الجيش الإفرنسي بالمقاتلين الجزائريين الذين عرفت القوات الإفرنسية شجاعتهم في حروبها بالقرم وإيطاليا والصين والمكسيك وكذلك خدمة الاقتصاد الإفرنسي باسثمار ثروات الجزائر الوطنية التي ستسفر عنها حركة تجارية عظيمة لمصلحة فرنسا).

أما هدفه من الاهتمام بالزوايا الإسلامية (فليس المقصود منه تطوير التعليم العربي - الإسلامي، وإنما هدفه تشكيل طبقة من (العملاء والجواسيس) تعتمد عليهم فرنسا في تحقيق سياستها وفرض رقابتها الفكرية والسياسية، والحيلولة دون قيام حركات ثورية ضدها تنطلق من داخل تلك الزوايا، (2) ولم يكتف بفرض هذه الرقابة على

(1) السياسات الاستعمارية في المغرب. ص 69.

(2)

LETTRE SUR LA POLITIQUE DE LA FRANCE EN ALGERIE (L'EMPEREUR NAPOLEON III) PARIS 20 JUIN 1865 P.P.3 - 10

ص: 79

الزوايا، فعمل على تدعيم الوجود الكنسي في هذا البلد العربي المسلم. ورفع درجة أسقف مدينة الجزائر إلى مستوى الأبرشية، وأمر بتأسيس أبرشيتين في كل من قسنطينة ووهران. وكشفت اقتراحات نابوليون الثالث - حول التركيز الاستعماري، حقيقة نواياه ومشاريعه التوسعية - الاستعمارية. حيث خصص معظم مناطق التل للجاليات الأوروبية، والتوطن الاستعماري في المقاطعات الثلاثة. وذلك يعني تحطيم المجتمع الجزائري وطرده من أراضيه الخصبة إلى قسم الجبال الجرداء والصحراء القاحلة. وحتى عندما اقترح تخصيص مائة مليون فرنك للتطوير الاقتصادي بالجزائر، وزعها توزيعا لا يخدم سوى مصالح الجالية الأوروبية فقط ومشاريعها الاقتصادية، ولم يخصص أي مبلغ لصالح الجزائريين. وبالإضافة إلى هذا طالب بالاقتصاد في النفقات، وعدم الاهتمام بالأمور الفنية لأن البلد في نظره، حديث، والغرض، إنجاز الأعمال بكيفية أكثر بساطة تؤدي إلى (تركيز الاستعمار). وبعد أن أكد على ضرورة تدعيم فرق رجال المخزن على أطراف إقليم التل، لتخفيف الأعباء على الجيش الإفرنسي فيما يخص الحراسة والمراقبة، وتقوية فرق (الزمالات والصبايحية) والاختيار المناسب لرؤساء المكاتب العربية من رجال المخابرات واقترح - نابليون الثالث - اعتبار الجزائريين فرنسيين، تطبيقا للقوانين والتشريعات الإفرنسية السابقة التي تعتبر الجزائر أرضا إفرنسية مكملة للتراب الإفرنسي منذ سنة 1848. ولكي يرغب الجزائريين في حمل الجنسية الإفرنسية، نص اقتراحه على السماح لهم بالاحتفاظ بدينهم الإسلامي، إلا من يرغب في غير ذلك بعد أن يطلب إليه الاختيار، هذا إلى جانب فتح أبواب الوظائف العمومية لهم، على أساس خدمة

ص: 80

المدني في الجزائر والعسكري في سائر أنحاء الإمبراطورية (1).

أقامت الإدارة الإفرنسية في الجزائر، منذ الأيام الأولى للاستعمار، مكتبا خاصا أطلق عليه اسم (المكتب العربي) بمهمة تأمين الاتصال بالجزائريين. وقد أطلق على هذا الاسم اعتبارا من سنة 1837 (مصلحة الشؤون العربية) وكانت هذه المصلحة تعمل تحت إشراف الضباط الإفرنسيين. وفي نهاية شباط - فبراير - 1844 صدر قرار بإنشاء وظيفة (مدير الشؤون العربية) لإدارة المصلحة السابقة تحت إشراف الحاكم الأعلى في كل دائرة وناحية وبذلك برزت (المكاتب العربية) التي حدد واجبها بتنظيم شرطة العرب، وجباية الغرامات والضرائب، ومساعدة الرؤساء الجزائريين الخاضعين لفرنسا، ومراقبة السكان من الناحية السياسية. وعلى هذا الأساس اعتبر الإفرنسيون نظام المكاتب العربية ورؤساء الأهالي مهما لهم (يؤدي خدمة جليلة ومفيدة). وقد توسمت سلطات هذه المكاتب العربية بالتدريج وقوي نفوذها حتى أصبح ديوان المكتب العربي هو المركز الحقيقي للسلطة بالجزائر، وصارت تمارس مسؤوليات الحراسة والمراقبة، والتوجيه السياسي والديني والمالي والعسكري والإداري. كما صارت إدارة مستقلة حتى عن الجيش، ويخضع لها تسعة أعشار البلاد. واعتمد ضباطها في إدارتهم على الزعماء الوطنيين. ولكن ذلك لم يمنع الأوروبيين من التمتع بحقوق وامتيازات سياسية متعاظمة اعبارا من سنة 1848. كما لم يمنعهم ذلك من تنظيم معارضة شديدة ضدها ومناصبتها العداء طوال عهد الإمبراطورية، مع محاولة القضاء

(1) صدر المرسوم المنظم لمنح هذه الجنسية في 14 تموز - يوليو - سنة 1865. وحدد امتيازاتها وطريقة حصول الجزائريين عليها.

ص: 81

عليها باعتبارها تمثل في نظرهم حاجزا ضد تسلطهم على البلاد سياسيا وإداريا، واعتبروها دعامة للسلطة العسكرية التي يعارضون وجودها باستمرار - منذ سنة 1848 - . ودفع ذلك السلطة الإفرنسية إلى إصدار تعليماتها في 21 أذار - مارس - 1867 والتي نصت على إشراف الحكام العسكريين للمقاطعات والنواحي، على توقيع الأوامر والتعليمات، وعلى حصر عمل المكاتب العربية في إدارة بشؤون الأهالي وجعل ضباطها (مجرد ضباط إتصال بين السلطتين المدنية والعسكرية).

لقد كان الجدل بين المدنيين والعسكريين من دهاقنة الاستعمار مركزا في الواقع على أفضل السبل لتأمين (النهب الاستعماري) بأفضل الوسائل وأكثرها سهولة. والشواهد على ذلك غير محدودة، ومن ذلك على سبيل المثال:(تحتاج الجزائر إلى سيف الأباء حتى تتوافر فيها السعادة. والحكومة العسكرية هي التي تستطيع ممارسة الحكم بدون أن تصاب (بالارتعاش). وهي التي يمكن لها تذليل العقبات أمام المعمرين غير المدربين والمعزولين في كل مكان) وكذلك ما قيل: (من أنه بعد ثمانية وثلاثين عاما من الاحتلال العسكري لا زالت فرنسا أجنبية عن هذا الشعب، مثل اليوم الذي وصلت فيه إلى الجزائر. وهذا ما يفرض دعم الحكم العسكري حتى لا تضيع الجزائر، وحتى لا تفقد فرنسا الطاقات العسكرية التي تستفيدها منها) ولم تتورع المجلة العسكرية الإفرنسية من دعم هذا الاتجاه فجاء في أحد أبحاثها ما يلي: (إن القوة وسيطرة الجيش هما الوسيلة الوحيدة للمحافظة على الأمن، وكسب ود الأهالي، وجلبهم إلى الحضارة الأوروبية)(1) هذا في حين حاولت بعض المصادر الإفرنسية معالجة

(1) LA REGIME DU SABRE EN ALGERIE (LA REVUE MILITAIRE FRANCAISE PARIS 1869 P.P.13،17،31?48)

ص: 82