المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ثورة الشيخ الحداد (صدوق)(أو ثورة الإخوان الرحمانيين) - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ٥

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌الوجيز في مسيرة الأحداث التي كان لهادورها في ثورة السبعين

- ‌ثورة (الأخوان الرحمانيين) في سطور

- ‌الفصل الأولالوضع السياسي العام

- ‌ الموقف على جبهة المشرق

- ‌ عودة إلى محمد علي باشا

- ‌ اللعب بورقة الأمير عبد القادر

- ‌الفصل الثانيالوضع الخاص في الجزائر

- ‌السياسات الاستعمارية

- ‌آ - الهجرة والاستيطان:

- ‌ب - القضاء على مقومات الأمة العربية الإسلامية:

- ‌ج - المسألة اليهودية وقانون كريميو:

- ‌د - التحريض الخارجي (البروسي - العثماني)

- ‌ التحريض البروسي:

- ‌ التحريض الوطني الجزائري (محيي الدين بن عبد القادر):

- ‌ التحريض العثماني

- ‌هـ - الكوارث الطبيعية:

- ‌و - الثورات التمهيدية:

- ‌الفصل الثالثثورة 1871

- ‌ ثورة محمد المقرني (مجانة)

- ‌ ثورة الشيخ الحداد (صدوق)(أو ثورة الإخوان الرحمانيين)

- ‌ ثورة أحمد بو مزراق(سور الغزلان وونوغة)

- ‌ في أفق الثورة

- ‌قراءات

- ‌ 1 -نص القرار الخاص بمصادرةأملاك المقراني

- ‌ 2 -نص قرار مصادرة أملاكعائلة الشيخ الحداد

- ‌ 3 -مصادرة أملاك المقراني والحدادوأفراد عائلتيهما

- ‌آ - مصادرة أملاك المقراني وأفراد عائلته:

- ‌ب - مصادرة أملاك الشيخ الحداد وأفراد عائلته

- ‌ 4 -الحرب الصليبية في الجزائر

- ‌المراجع

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ ثورة الشيخ الحداد (صدوق)(أو ثورة الإخوان الرحمانيين)

2 -

‌ ثورة الشيخ الحداد (صدوق)

(أو ثورة الإخوان الرحمانيين)

تنتسب الطريقة الرحمانية إلى مؤسسها الأول محمد بن عبد الرحمن (1728 - 1794 م) وهو من مواليد قرية آيت إسماعيل

في فروجة على بعد (15) كيلومترا إلى الشرق من مدية ذراع الميزان بجبال جرجرة. وتلقى تعليمه في قرية آيت إيراثن، ثم أكمل تعليمه بمصر - في الجامع الأزهر - وعاد إلى الجزائر، واستقر في بجاية، ثم انتقل إلى (حي الحامة) قرب العاصمة الجزائر، وعاد أخيرا إلى مسقط رأسه (آيت إسماعيل). وعندما توفي عزم أتباعه وأخوانه بالحامة على نقل جثته إلى الجزائر سرا، ونفذوا ذلك. وحصل خلاف بين أهل الحامة، وأهل آيت إسماعيل، حيث ادعى كل طرف بأن جثة محمد بن عبد الرحمن في منطقته، فأطلق عليه منذ ذلك لقب (بوقبرين) ولا يزال أحفاده حتى اليوم يحملون هذا اللقب.

اشتهر محمد بن عبد الرحمن بالتقى والعلم والورع، وأسس مدرسة دينية (المدرسة الحفناوية نسبة إلى أستاذ محمد بن عبد الرحمن في الأزهر - الشيخ محمد بن سالم الحفناوي). وأصبح لمدرسته أتباع وأنصار كثيرون، ولهم دعاتهم وزواياهم - مدارسهم التعليمية - وعندما غزت فرنسا الجزائر، قام الإخوان الرحمانيون بدور كبير في مناهضة

ص: 144

الغزو الاستعماري ومقاومته. فكان للإخوان دورهم في ثورة الأمير عبد القادر وثورة الشريف بونبلة (سنة 1856). وقاد الحاج عمر مقدم الرحمانيين - زوج لالافاطمة المجاهدة الشجاعة شيخة أيسو مار وإحدى بنات الشيخ علي بن عيسى الخليفة الأول لمؤسس زاوية الرحمانيين - بنفسه مقاومة جماهير الإخوان الرحمانيين ضد الجيش الإفرنسي الذي كان يقوم بعمليات الاستطلاع في جبال جرجرة تمهيدا لغزوها. وعندما نجحت فرنسا بالقضاء على ثورة الإخوان وأبعدت شيخهم الحاج عمر إلى مدينة نفطة التونسية، وتم لها اعتقال لالافاطمة بعد ذلك. تولى الشيخ محمد أمزيان بن علي الحداد مقدم زاوية صدوق الرحمانية قيادة الإخوان الرحمانيين، وأمكن له المحافظة على وحدتهم.

كان الموطن الأصلي لأجداد الحداد هو قرية بني منصور في جبال البيبان، على الضفة اليمنى لوادي الساحل والصومام - في مواجهة السفوح الشرقية لجبال جرجرة - (وغير بعيد من قرية أقبو الحالية). وانتقل البعض من هذه القرية إلى قرية (تيفرة) و (إيمولة) و (صدوق - أو فلة الفوقانية) ببني العيدل على الضفة اليمنى لوادي الصومام. وقد اكتسبت العائلة اسمها من احترافها لمهنة (الحدادة). وقد ولد محمد أمزيان الحداد سنة 1208 هـ 1793 م. وتلقى تعليمه في زاوية الشيخ ابن أعراب في قرية (آيت إيراثن) بجبال جرجرة حتى إذا ما توافر له القدر الكبير من العلم والمعرفة عاد إلى صدوق، وتفرغ للوعظ والإرشاد، وتكاثر الطلاب حوله بالزاوية التي أنشأها. فكان عدد الطلاب الملازمين لزاويته أكثر من مائتي طالب، يأكلون ويشربون ويقيمون مجانا، في حين ارتفع عدد الإخوان من المئات إلى الآلاف. وتدفقت على الزاوية أموال الهدايا والزيارات، وحبس الإخوان عليها

ص: 145

أوقافا كثيرة من الأراضي ذات المردود الواسع من الحبوب والغلال والخضار، مما ساعدها على أداء مهمتها الثقافية والدينية والاجتماعية، ومكنها من تقديم إعانات كثيرة للمعوزين والمنكوبين خلال المجاعة الكبيرة عامي 1867 و 1868. وعندما نفت السلطات الإفرنسية شيخ الرحمانيين الحاج عمر. أصبح الشيخ محمد الحداد هو الزعيم الملهم للإخوان الرحمانيين وامتدت سلطته الروحية ونفوذ زاويته على كل المنطقة الواسعة التي تشمل جبال البابور وحوض الصومام وجبال جرجرة وحوض الحضنة.

عرف عن الشيخ محمد الحداد عزوفه عن السلطة الرسمية، وقوة عاطفته الدينية، فكان أتباعه هم الممثلين الحقيقيين للطبقة الشعبية الفقيرة. ومن هنا جاءت المنافسة مع أولاد عبد السلام المقراني الذين كانوا يطمعون في التعاون مع السلطات الإفرنسية لدعم سلطتهم الدنيوية. وهذا ما حمل الحاج محمد المقراني لبذل وساطته في نهاية عام 1870 لتأمين الوفاق بين أبناء عمومته والشيخ الحداد. وأمكن له إزالة أسباب الخلاف وتوثيق الروابط بين مجانة (الحاج محمد المقراني) وصدوق (الشيخ محمد الحداد). وعندما أشعل الحاج محمد المقراني ثورته في (مجانة) وأخذ في العمل على توسيع نطاقها، أرسل وفدا إلى (صدوق) يوم 6 نيسان - إبريل - 1871 يضم ابن عمه الحاج بوزيد وصديقه محمد العربي بن حمولة وأربعة مقدمين آخرين من زعماء بني عباس، سلموا إلى الشيخ محمد الحداد رسالة (دعاه فيها إلى إعلان الثورة ودفع أخوانه إليها).

ولم يكن الإخوان الرحمانيون بحاجة لمن يستثيرهم للثورة، فقد كانوا في حالة ثورة دائمة، غير أن اشتراكهم كان - إفراديا - إذ صح

ص: 146

التعبير. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فقد كان الشيخ الحداد متقدما في العمر، ويميل بطبيعته للسلم، وبفضل التفرغ لأمور الدين، غير أنه كان من المحال فصل الدين عن أمور الدنيا، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالجهاد ضد أعداء الدين. ولم يكن الشيخ الحداد لينفرد في معالجة مثل هذا الأمر الخطير بنفسه، فكلف ابنيه (سى عزيز) و (محمد) بدعوة كل المقدمين المجاورين لصدوق للتشاور معهم، فأخذوا يتوافدون حتى أكمل جمعهم صباح يوم 8 نيسان - إبريل - واحتشدوا بجوار القرية - وخرج إليهم شيخهم الوقور المسن ذو اللحية البيضاء، متكئا على عصاه. وحوله ابناه (سي عزيز) و (محمد) وبعض المقدمين المقربين إليه فوعظهم وأرشدهم، وأعلن لهم عن خلافة ابنيه له من بعده، ودعاهم بعد ذلك إلى الجهاد. وسلم لهم علم الجهاد الذي صنع قبل ذلك، وصاح قائلا - بعد أن رمى عصاه على الأرض -:(بإذن الله وعون رسوله سنرمي الإفرنسيين في البحر، ونطردهم من البلاد)(1).

ما كاد الشيخ الحداد يعلن ثورته، حتى اندفع كل الناس لحمل السلاح تحت راية (الإخوان الرحمانيين). في ولايتي (عمالتي) الجزائر وقسنطينة، من جحوط ومليانة وشرشال غرب مدينة الجزائر إلى جيجل والقل شرقا، وباتنة وبوسعادة وسور الغزلان جنوبا. وشمل ميدان الثورة جبال البابور والوادي الكبير وحوض الصومام وجبال جرجة والبيبان وحوض الحضنة وجبالها. وامتدت إلى سهل متيجه (متوجة) وحاصر الثوار مراكز الإفرنسيين وقلاعهم العسكرية في بجاية ودلس وتيزي أوزو وأربعاء نايث إيراثن وبرج منايل وذراع الميزان،

(1) ثورة 1871 - الدكتور يحيى بو عزيز - ص 235 - 240.

ص: 147

وابن هني (الأخضرية حاليا)، وسطيف ونقاوس وجيجل والقل وشرشال وبوداود وغيرها. واندفع إلى الثورة في أقل من شهر أكثر من مائة وعشرين ألف رجل محارب. في حين لم يستطع المقراني قبل ذلك تجنيد أكثر من (25) ألفا من مناطق برج بوعريرج وسور الغزلان وبوسعادة.

أصيبت الإدارة الإفرنسية في الجزائر بالذعر، وانطلقت الأبواق الاستعمارية للهجوم على الثورة، ومما قيل فيها:(باتت المراكز الدينية مصدر خطر كبير على الإفرنسيين. ولم تعد الزوايا مكانا لتعليم القرآن فقط وإيواء البؤساء، وإنما تحولت إلى مراكز للثورة من أجل القضاء على المسيحيين. وهذا ما فعله الأخوان الرحمانيين بالجزائر بزعامة الشيخ الحداد، بفضل التأثير الديني والسياسي الكبير لهم، وارتباطهم بالقاعدة الشعبية ارتباطا وثيقا)(1).

وقيل أيضا: (من أن النيران التي اشتعلت في كل الجزائر، كانت مدعمة بالتعصب الديني للإخوان الرحمانيين الذين انتشروا في

مصيف جرجرة، ومن حدود المغرب الأقصى إلى حدود تونس. وأن إخوان 1863 و1865 ما يزالون اليوم يقودون الحرب الدينية، وجاءوا من مكة لزرع التشويش الديني في الجزائر) (2).

قد لا تكون هناك حاجة للتوقف عند مثل هذه المقولات التي

(1) LES CONFRERIES ISLAMIQUES EN ALGERIE، RAHMANIATID-JANIA (SIMON- MARCEL) ALGER JOURDAN 1910 - PP. 35 - 42، 56 - 65.

(2)

L'INSURRECTION DE LA GRANDE KABYLIE EN 1871. (ROBIN. N COLONEL) PARIS، IMP: HENRI- CHARLES- LAVOUSELLE 1901 - PI97.

ص: 148

باتت معروفة الأهداف، منذ أن طور الغرب هجومه الصليبي ضد العالم الإسلامي. فوصف (التعصب الديني) ليس إلا وسيلة لدفع المسلمين من أجل التخلي عن أراضيهم الإسلامية الصلبة، والتحلل من التزاماتهم، وأولها الجهاد في سبيل الله ضد أعداء الله. وهنا يمكن الاتفاق مع بعض مؤرخي الغرب في القول - إذا ما كان هناك تعصب:(بأنه لم يثر التعصب الإسلامي إلا التعصب المسيحي الذي دل عليه ما لجأ إليه الصليبيون من سفك الدماء)(1) وأما الهجوم على الزوايا والمساجد والمدارس الإسلامية فليس من هدف له إلا تدمير قواعد الصمود. يبقى هدف الهجوم على مكة المكرمة - عبر اتهامها بإرسال من يقوم (بالتشويش الديني بالجزائر) هو تمزيق الرابطة التي تربط المسلمين بمقدساتهم، علما أن هذه الأماكن المقدسة - الحجاز - كانت معزولة عن العالم العربي - الإسلامي في تلك الحقبة، بفضل جهود محمد علي باشا حاكم مصر، وحلفائه من الإفرنسيين. المهم في الأمر:(هو أن ثورة الإخوان الرحمانيين، أثرت على أصدقاء فرنسا من تونس إلى المغرب الأقصى، وأصبح الشيخ عزيز مثل السلطان لكل مكان بلاد القبائل)(2).

وما إن رفع الشيخ محمد الحداد لواء الجهاد في سبيل الله، حتى انطلق ولداه (سي عزيز ومحمد) للعمل الجاد، فأمر (سي عزيز) بقطع خط الهاتف الذي يربط بجاية بأربعاء نايث إيراثن (يوم 10 نيسان - إبريل) وكلف أتباعه ومقدمي أبيه بالدعاية الواسعة لحشد الناس في صف الثورة. وأمر بإشعال النيران ليلا على الربوات وقمم الجبال

(1) تاريخ الحروب الصليبية - رنسيمان - 1/ 405.

(2)

ثورة 1871، الدكتور يحيى بو عزيز - ص 239.

ص: 149

لإشعار الإخوان الرحمانيين بانطلاقة الثورة. وأخذ الرسل والدعاة في التنقل بسرعة إلى كل الجهات، لإبلاغ نداء الشيخ الحداد إلى السكان. وشرع سي عزيز في جمع الرجال وتنظيمهم، وتعيين القادة والرؤساء، فاستمال إليه زعيم (بني يمل - المدعو أورابح) وعينه قائدا على ثوار الجبابرة، بينما فر القائد أحمد أورابح بأسرته إلى بجاية. وبعد أن تجمع لدى سي عزيز عدد كبير من المحاربين، نظمهم وقسمهم إلى قسمين: قسم وضعه تحت قيادته المباشرة ويتكون من خمسة آلاف محارب تقريبا، يعاونه القائد عبد الله بن عبد القادر الوهراني - مقدم بني سليمان - والبشير بن علي وعبد الله بن الأعلى. أما القسم الثاني، فقد وضعه تحت قيادة أخيه محمد، ويتكون من أربعة آلاف محارب، يعاونه القائد عمر أبو جمعة، وبو جمعة بن نحمان، والعريف حمو (الذي كان من ضمن حرس ابن علي الشريف وانضم إلى الثوار).

ونظم (سي عزيز) جهاز الاستخبارات فعين جماعة لهذه الغاية تعمل تحت قيادة عبد العزيز صهر الشيخ محمد بن الحداد، ومحمد أكلي بن بوعرون مقدم بني سليمان، ومحمد أو يحيى مقدم فيانة ورزقي بن بوزيان من الجبابرة.

أكمل سي عزيز وأخوه استعداداتهما، ثم أقاما معسكرهما في قرية (ذراع تاقاعت) شمال الضفة اليمنى لوادي الصومام يوم 12 نيسان - إبريل - وفي هذا الوقت ذاته كان ثوار (بني) و (غليس) في الضفة اليسرى يحشدون الناس للجهاد، وكانت العقبة الرئيسية لهما تتمثل في معارضة (ابن علي الشريف - باشآغا شلاطة) و (محمد أمزيان ابن الموهوب - شيخ زاوية العراش). فوجها إليهما رسالتي تهديد في اليوم التالي لإعلان الثورة. كما كتبا رسائل مماثلة إلى شخصيات أخرى - ولم يترددا في مهاجمة برج شيخ العراش في - إيمولة - بعد يومين

ص: 150

من إنذاره، لرفضه الانضمام إلى الثورة، وألحقا به أضرارا فادحة. وخربا له منزل سكناه. وعندئذ استنجد (ابن علي الشريف) بحاكم بجاية الإفرنسي، الذي كان يعسكر في قرية القصر منذ يوم 9 نيسان -إبريل - فأمده ببعض البنادق القديمة، التي لم تفده. فاستنجد بالجنرال الإفرنسي (لاباسي) الذي وصل بقواته بحرا إلى بجاية يوم 14 نيسان - إبريل - غير أن هذا اعتذر عن تقديم الدعم بحجة أن الثوار قد باتوا مسيطرين على الطريق في سيدي عيش وتاقريت، مما يجعل إرسال النجدات أمرا صعبا.

انتقل (سي عزيز) بقواته يوم 16 نيسان - إبريل من (ذراع بلوزير) إلى (جبل عديسة)، وعاقب بني جليل لتقاعسهم عن الاستجابة السريعة لنداء الثورة، وفرض عليهم غرامات مالية. وبدأ هو وأخوه بعد ذلك في ممارسة أعمال العنف ضد أعداء الثورة من الجزائريين والأوروبيين ثم توجها إلى (بجاية) لمهاجمتها عبر منطقة الجبابرة. بينما كان ثوار (إفناين وآيت إسماعيل) يعسكرون أمامها على يمين معسكر القصر. وجرت اشتباكات بسيطة، تراجع بعدها سي عزيز وأخوه إلى (إيغيل) أو عزوز - أمام مضيق تيزي الجمعة. وفي يوم 20 نيسان - إبريل - وصلت رسالة ثانية من الحاج محمد المقراني إلى سكان (يلولة أو سامر) يحثهم على الجهاد، ويتبرأ من (ابن علي الشريف) الذي (يثبط الناس عن الجهاد). وأبلغهم بأنه ذاهب إلى سور الغزلان لاعتراض القوات الإفرنسية. ووعدهم أن يتجه فور عودته إلى (أقبو) ليتعاون مع الشيخ عزيز - في تخريب (عزيبه) ومنازل السكان الذين تبعوه. ولكن المقراني لم يعد من هذه العمليه، إذ قتل في معركة واد سقلات - كما سبق ذكره. فبدأ سي عزير تقدمه من جديد

ص: 151

- الشيخ عزيز بن الحداد

Si AZIZ -

CHEF DE L'INSURRECTION KABYLE

ص: 152

على رأس قواته يوم 21 نيسان - إبريل - وهدفه الرصول إلى بجاية عبر وادي الصومام. وعندما وصلت طلائع قواته على مسافة (13) كيلومترا من المدينة، اصطدمت بطلائع القوات الإفرنسية، فتراجع سي عزيز بقواته إلى قرية (تاوديرت الأربعاء)، وانسحب قسم كبير من القوات الإفرنسية إلى الجزائر العاصمة بعد أن تلقت هذه القوات مهمة جديدة هي الدفاع عن قرى سهل متيجة (متوجة) وحماية العاصمة التي باتت مهددة بقوات الثوار.

تمركز الشيخ محمد بن الحداد (بعد اشتباكات يوم 21 نيسان - إبريل) في ثلاثة مواقع لمتابعة حصار مدينة (بجاية) على بعد سبعة كيلومترات منها. فوضع قوة في (بوشامة داخل جبل قوراية) ووضع قوة ثانية في (تيزي)، أما القوة الثالثة فتمركزت في (تيرياهنت) على الضفة اليمنى لوادي الصومام. وحدثت بعض الاشتباكات جرح خلالها القائد أحمد أورابح المتعاون مع الإفرنسيين. وفي هذا الوقت ذاته، كان الثوار في (إيلولن) يهاجمون ابن علي الشريف في شلاطة.

خاض (سي عزيز) والمجاهدون معركة كبيرة ضد الإفرنسيين في جبل طافات يوم 30 نيسان - إبريل - واتجه في اليوم الأول من أيار - مايو - لمهاجة برج بلقاسم بن حبيلس المتعاون مع الإفرنسيين بمنطقة البابور،، بصحبة صهره وعدد من وجهاء أولاد مقران وزعماء المنطقة، وذلك ليسهل عليهم الطريق للزحف على مدينة سطيف نفسها، غير أن ابن حبيلس حصن برجه، واستدعى أخاه عمر بن حبيلس وجماعة من بني فوغال للدفاع عنه. وأمكن له إيقاف هجوم الثوار.

وكلف (سي عزيز) بعضا من قواته بمهاجمة قرية (العلمة) وحاول

ص: 153

هو أن يهاجم قرية (الوديسية) ولكنه فشل في محاولته - كما حاول استمالة الزروق بن يللس وداوود بن كسكاس وضمهما إلى صف الثورة، ففشل في محاولته هذه أيضا. وحدثت بعد ذلك مجموعة من المعارك يومي 6 و7 أيار - مايو، تمكن خلالها سي عزيز من التقدم إلى زمالة عين عبيسة وتدمير برجها، وذلك بالرغم من النجدات الإفرنسية وحملات أنصار الإفرنسيين من أمثال داوود بن كسكاس، وأحمد بن زيدان قائد قرقور، والحاج بوعكاز. واستطاع سي عزيز تدمير القوة الإفرنسية المدافعة عن (برج عين عبيسة) هي ومن كان معها من الصبايحية والقواد وأولاد تابت.

ترددت أصداء انتصارات سي عزيز هذه بقوة، واستقبل الناس أخبارها بحماسة، فأقبلوا على الانضمام إليه. وعسكر بمن معه في جبل عنيني، وكان عددهم حوالي ستة آلاف محارب. وتصدت هذه القوات للإفرنسيين بعين رواح في ثنية الماجن. كما خاض ثوار أولاد ناصر معارك ضد داوود بن كسكاس على بعد عشرين كيلومترا من جبل باوش في عين الكحلة، واستشهد في هذه المعارك عدد من المجاهدين. وعلى أثر هذه المعارك، انسحب (سي عزيز) إلى عموشة لاستشارة أولاد صالح واستنهاض هممهم. في حين انسحبت القوات الإفرنسية إلى تاقيطونت، تحت وابل رصاص الثوار.

غادر سي عزيز بعد ذلك عموشة، وانضم إلى معسكر أخيه الشيخ محمد في (تيزي الجمعة) حول بجاية. ولم يلبث أن انضم إليها بومزراق يوم 16 أيار - مايو - وتم تنظيم مجموعة من الهجمات ضد القوات الإفرنسية وأعوانها في المنطقة. وقامت البوارج الإفرنسية بقصف القرى المجاورة لمصب وادي الصومام. ثم اتجه سي عزيز

ص: 154

وبومزراق إلى عموشة حيث التقيا بمقدم فرجيوة - القريشي بن سيدي سعدون - في قرية تاسة، والذي كان الإفرنسيون قد هاجموا زاويته يوم 17 أيار - مايو - ودمروها تدميرا تاما بمساعدة بلقاسم بن حبيلس. وكان ثوار (عموشة) قد باغتوا القوات الإفرنسية التي أرادت أن ترغمهم على الاستسلام في (وادي البرد) وقتلوا منها ثمانية جنود، وجرحوا عشرين، كما حاصروا قوة منها غير أن النجدات الإفرنسية تمكنت من رفع الحصار وإنقاذ القوة التابعة لها. وأثناء ذلك، قام عبد الرحمن بلقندوز المقراني، ومحمد بن عبد الله من أولاد ريغة وأتباعهما، بمهاجمة معسكر القائد ابن الجودي من أولاد موصلي الموالي للإفرنسيين. واشترك عدد من ثوار أولاد صابة وبني ملول وأولاد عبد الله بن علي وبني سعيد بالبابور، في مهاجمة برج بلقاسم بن حبيلس انتقاما منه لمساعدة الإفرنسيين ضدهم.

خاض المجاهدون الثوار بزعامة سي عزيز وبومزراق عددا من المعارك بداية من يوم (20) أيار - مايو - وشمل مسرح العمليات: ربوات ثنية الغنم وقرية تاسة والحمام وحول عموشة. جرح خلالها المقدم القريشي بن سيدي سعدون. كما وقعت معركة كبيرة في (جبل منتانو) يوم 25 أيار - مايو. وحاول ثوار أولاد صالح اعتراض أرتال القوات الإفرنسية التي كانت تحاول التوغل في وادي البرد وشعبة عيسى، وذلك قبل أن يتجه سي عزيز إلى أولاد عزيز وبني فوغال في تابابورت وجيجل عبر جبال البابور، حيث وصل إلى (بو مراو) يوم (26) أيار - مايو - ثم إلى الحامة. حيث التقى بصهره عمر بو عرعور الذي أحاطه علنا بالصعوبات والمشاكل التي كان يثيرها ضده وضد الثوار - أخوه محمد بو عرعور والصبايحية التابعون له، ومحمد أمقران قائد بني سيار، الذي يرجع أصله إلى عائلة المقراني وعائلة ابن منية

ص: 155

وعائلة ابن حبيلس. وعلى أساس هذه المعلومات، حاول سي عزيز أن يضع استراتيجية جديدة للحرب. فقسم قواته يوم 28 أيار - مايو إلى خمس كتائب: الأولى، وجهها إلى بني عزيز لتدمير برج القائد بلقاسم بن حبيلس الذي رفض الإجابة على رسائله والتجأ إلى جيجل. ونفذت هذه الكتيبة مهمتها بنجاح. أما الكتيبتين الثانية والثالثة فقد وجههما إلى (بني فوغال) على طريق فج العوانة وقرية سلمة. وكلفت الكتيبتان الرابعة والخامسة بالتوجه عبر منخفض دار الوادي لمهاجمة بعض قرى بني فوغال التي عارض سكانها حركة الثورة.

شهدت قرية سلمة وأحوازها معارك كثيرة، وقام سي عزيز خلال يومي 29 و 30 أيار - مايو - بإحراق كل مراكز الأوربيين والقادة الجزائريين الموالين لهم والذين التجؤوا إلى جيجل. وعسكر يوم 31 أيار - مايو - في أولاد خديم علام، بعد أن غادر فج سلمة، ودمر برج القائد أحمد بن منية في يوم 1 حزيران - يونيو - بسبب رفضه التعاون مع الثورة.

غادر سي عزيز منطقة جيجل إلى عموشة - عبر فرجيوة - في اليوم الثاني من حزيران - يونيو - وخلف وراءه المقدمين الثلاثة: القريشي ابن سيدي سعدون وعمر بوعرعور والطيب بن مبارك بودفيش، لإدارة الأعمال القتالية ضد جيجل، مع عدد من النواب والقادة الآخرين. فاتجه القريشي وعمر بن أمقران - مقدم بني شقوال بقواتها إلى الشمال - نحو ساحل البحر - وترك - القريشي - عددا من الثوار لحراسة سكان وادي جنجن من بني يدر وبني حبيبي. واتجه هو إلى جيجل بمن معه من الثوار يوم 7 حزيران - يونيو - وتعرض لقصف

ص: 156

البوارج الإفرنسية من البحر، وعاود الهجوم على المدينة صباح يوم 9 حزيران - يونيو - من أعاليها الغربية، واستمر في هجومه حتى منتصف النهار. وكررت قواته الهجوم يوم (11) من عدة جهات، ودمرت قنوات المياه التي تزود المدينة بمياه الشرب، واستشهد في هذه المعارك عدد كبير من الثوار. وتعاونت القوات البرية الإفرنسية مع القوات البحرية في صد هجوم الثوار عن جيجل، كما قصفت البوارج الإفرنسية مركزا للثوار طوال معارك الأيام الثلاثة، مما اضطر القريشي وابن أمقران إلى الانسحاب نحو شرق المدينة، لإعادة تنظيم القوات للمعركة ومواجهة الموقف الجديد، بينما تابع عمر بو عرعور حصار المدينة من أحوازها بعدد من الثوار. وقد اتجه عمر بو عرعور والقريشي إلى بني حبيب قرب مصب الوادي الكبير، ومن هناك إلى زاوية سيدي ورتيز لمقابلة شيخها ومقدمها الرحماني - محمد بن فيالة - ودعوته إلى حمل السلاح. وراسل القريشي القائد بلقاسم بن رابح بوزيان قائد أولاد عوات، لاستمالته وضمه إلى صف الثورة. غير أن هذا الأخير قام يتسليم الرسالة إلى الحاكم الإفرنسي لمنطقة المليلة.

بينما كان القريشي ورفاقه تخوضون المعارك حول جيجل في محاولة لاقتحامها والسيطرة عليها، كان (سي عزيز) يخوض معارك أخرى ضد الإفرنسيين في كدية البيضاء قرب الوديسية، وضد الإفرنسيين وأنصارهم من أولاد نابت وأولاد صعدة في جنوب سطيف. وقامت القوات الإفرنسية بإحراق عدد من القرى في خراطة وذراع القايد وساحل قبلي وبني سليمان. ودافع الثوار ببسالة عن شرفهم، غير أنهم تعرضوا لخسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات. ثم توجه (سي عزيز) إلى (جرمونة) يوم 22 حزيران - يونيو - 1871 - ووجه فور وصوله إليها نداءا طالب فيه سكان بني سليمان وصدوق

ص: 157

بالتوحه إلى قرى شمال سطيف عن طريق الساحل القبلي، نظرا لما كان يجابهه المجاهدون من صعوبات في عملياتهم ضد القوات الإفرنسية في قصر الطير. وعقد اجتماعا مع زعماء الثوار في جرمونة صباح يوم 24 حزيران - يونيو - تم فيه الاتفاق على مهاجمة معسكر الإفرنسيين في كدية البيضاء، وتالة وزران - أو إيفاسن - وتوجهت القوات التي كان عدد مقاتليها يزيد على (80) ألف رجل إلى (تالة وزران) وخاضت هناك معارك ضارية في ظروف غير متكافئة استشهد خلالها حوالي مائة وخمسون من المجاهدين مقابل ثمانية من قتلى الأوروبيين. وعلى أثرها اتجه سي عزيز إلى صدوق، وعلامات الفشل بادية عليه وعلى أتباعه. وهناك، في صدوق، أصيب سي عزيز بإحباط جديد، فقد وجد جبهة أخيه الشيخ محمد وهي في حالة سيئة من التمزق، بحيث لم يتمكن من إحراز أي نصر منذ معركة (تالة وريان) في أواخر شهر نيسان - إبريل - وعندئذ انتقل سي عزيز إلى جبال جرجرة. فوجد فيها الأوضاع متدهورة إلى درجة سيئة، فقد خاض المجاهدون معركة (إيشر يضن) يوم 24 حزيران - يونيو - وهي المعركة التي تعاونت فيها القوات الإفرنسية حتى أنزلت بالثوار خسائر فادحة، وألحقت بهم الهزيمة، وقامت بعد ذلك بإحراق قراهم وتشتيت عائلاتهم على نحو ما كانت قد فعلته من قبل في معركة عام 1857 في نفس اليوم وفي المكان ذاته، مما أدى إلى إضعاف الثوار في هذه المنطقة. واتجه سي عزيز إلى معسكر (علي أوقاسي) الذي كان يعاني هو الآخر من مصاعب لا نهاية لها. وعندئذ قرر سي عزيز الأخذ بنصيحة والده، والاستسلام لأعدائه.

كانت الخطوة الأولى في هذا المضمار قيام (علي أوقاسي) بتوجيه

ص: 158

رسالة إلى حاكم (تيزي أوزو) الإفرنسي يوم 27 حزيران يونيو - يعلمه فيها بأنه سيقود بنفسه في اليوم التالي (44) مدنيا أوروبيا. سبق للثوار إلقاء القبض عليهم وأسرهم في برج منايل. وفي الموعد المحدد، وصل المعمرون الأوروبيون إلى مسجد سيدي بو بهير تحت حراسة محمد أمقران أوقاسي، ومحمد السعيد وموسى وأحمد بن يسر، وأحمد بن محيي الدين من تاورقة ثم انتقل هؤلاء الأسرى، وهم تحت الحراسة - إلى سبت آيت يحيى حيث تسلم قائد الحامية الإفرنسية المدنيين الإفرنسيين. وتتابعت بعد ذلك الأحداث بسرعة.

فقد استسلم سي عزيز للإفرنسيين في معسكر آيت هيشم يوم 30 حزيران - يونيو - ومعه علي أوقاسي ومحمد أمقران أوقاسي ومحمد لونيس أوقاسي.

وتم اعتقال إخوة الشيخ محمد قرب بجاية يوم 2 تموز - يويو - واستسلم الشيخ محمد أمزيان بن الحداد يوم 12 تموز - يوليو - وتم وضع الجميع في السجن تمهيدا لمحاكمتهم كمجرمين عاديين، وكان استسلام (آل حداد). نقطة تحول حاسمة في مسيرة الثورة - إذ لم يلبث الإخوان الرحمانيون أن أصيبوا بالانهيار. فبدءوا بالتساقط تباعا تحت ضربات الإفرنسيين.

ص: 159