المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هـ - الكوارث الطبيعية: - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ٥

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌الوجيز في مسيرة الأحداث التي كان لهادورها في ثورة السبعين

- ‌ثورة (الأخوان الرحمانيين) في سطور

- ‌الفصل الأولالوضع السياسي العام

- ‌ الموقف على جبهة المشرق

- ‌ عودة إلى محمد علي باشا

- ‌ اللعب بورقة الأمير عبد القادر

- ‌الفصل الثانيالوضع الخاص في الجزائر

- ‌السياسات الاستعمارية

- ‌آ - الهجرة والاستيطان:

- ‌ب - القضاء على مقومات الأمة العربية الإسلامية:

- ‌ج - المسألة اليهودية وقانون كريميو:

- ‌د - التحريض الخارجي (البروسي - العثماني)

- ‌ التحريض البروسي:

- ‌ التحريض الوطني الجزائري (محيي الدين بن عبد القادر):

- ‌ التحريض العثماني

- ‌هـ - الكوارث الطبيعية:

- ‌و - الثورات التمهيدية:

- ‌الفصل الثالثثورة 1871

- ‌ ثورة محمد المقرني (مجانة)

- ‌ ثورة الشيخ الحداد (صدوق)(أو ثورة الإخوان الرحمانيين)

- ‌ ثورة أحمد بو مزراق(سور الغزلان وونوغة)

- ‌ في أفق الثورة

- ‌قراءات

- ‌ 1 -نص القرار الخاص بمصادرةأملاك المقراني

- ‌ 2 -نص قرار مصادرة أملاكعائلة الشيخ الحداد

- ‌ 3 -مصادرة أملاك المقراني والحدادوأفراد عائلتيهما

- ‌آ - مصادرة أملاك المقراني وأفراد عائلته:

- ‌ب - مصادرة أملاك الشيخ الحداد وأفراد عائلته

- ‌ 4 -الحرب الصليبية في الجزائر

- ‌المراجع

- ‌الفهرس

الفصل: ‌هـ - الكوارث الطبيعية:

عن الجزائر مقابل مبلغ مالي نلتزم بدفعه. وإما إعلان الحرب عليها إذا رفضت الأخذ بالحلين الأولين) (1) ويظهر بوضوح أن التحريض العثماني، وجهود (محيي الدين بن عبد القادر)، وكذلك التحريض البروسي، لم يكن بعيد الأثر في تفاعلات ثورة سنة 1871، لا سيما وأن الشواهد المتوافرة لا تؤكد يقينا ارتباط قادة هذه الثورة بالمحرضات الخارجية.

‌هـ - الكوارث الطبيعية:

عرفت الجزائر كل أنواع الكوارث الطبيعية والنكبات الاقتصادية والأزمات السياسية والمآزق الاجتماعية منذ أن وطئت جحافل الغزو الاستعماري الاستيطاني أقدامها ثرى الجزائر. وكانت السياسية الوحشية التي طبقتها السلطات الإفرنسية ضد الجزائريين أساس كل هذه المحن، التي عملت على تحويل الجزائريين إلى طبقة بائسة محرومة من كل ضرورات الحياة ومتطلباتها، فالعمليات العسكرية التي شنها الجيش الإفرنسي، ومنها العمليات في منطقة القبائل عام 1857، أدت إلى فقدان السكان لاستقلالهم السياسي، وتدمير إنتاجهم الزراعي وثروتهم الحيوانية، بالإضافة إلى تخريب صناعتهم التقليدية والقضاء على أسواقهم التجارية، وجاءت الغرامات الحربية الفادحة والضرائب الباهظة المفروضة لتزيد من بؤس المواطنين الجزائريين. ولتلقي على كاهلهم ما لا قبل لأحد باحتماله.

تعرضت الجزائر لغزو أسراب الجراد في العام 1864، وأخذ

(1) تاريخ الرسالة هو 18 محرم 1289 هـ (الموافق 28 أذار - مارس - 1871).

ص: 99

هذا الغزو شكلا خطيرا مع بداية العام 1766 الذي أطلق عليه اسم (عام الجراد). حيث عبرت أفواج الجراد جبال الأطلس من الجنوب إلى حقول الشمال ومزارعه (في شهر نيسان - إبريل) ملتهمة في طريقها كل ما تجده من الخضار والثمار. ففقد الناس إنتاجهم، وتعرضوا لضائقة مادية شديدة، واستمرت بعد ذلك هجمات الجراد في كل عام. وبينما كان الأهالي يعانون هذه المحنة، حدثت زلازل في البليدة وقرى متيجة (متوجة) في مطلع العام 1867. وانتشر مرض الكوليرا والتيفوس. وكان وباء الكوليرا قد ظهر في العام 1866 بشكل محدود، ثم تعاظم خطره في العام 1867، وانتشر في البلاد عن طريق المسافرين الأجانب الذين كانوا يفدون إلى البلاد عن طريق الموانىء. ومع انتشار الكوليرا، انتشر أيضا مرض (التيفوس) فأخذ الجزائريون يموتون بالجملة في القرى والطرقات العامة، مما أرغم السلطات الإفرنسية على تسخير السكان لحفر الخنادق العميقة لدفن الموتى. (وذكر أن عدد الضحايا من المواطنيين الجزائريين هو مما يصعب تقديره، وأن الذين ماتوا خلال شهرين فقط قد وصل إلى مائتي وخمسين ألفا)(1)(وأن ضحايا الكوليرا في منطقة دللس وحدها بلغوا عشرة آلاف مواطن). أما في بسكرة (فقد مات أكثر من ألف مواطن خلال فترة (15) يوما فقط - ما بين 15 و 30 تموز - يوليو - 1867).

لم تقف الكوارث الطبيعية عند حدود انتشار الأوبئة، وإنما تجاوزتها بسبب ما حدث من القحط والجفاف، مما أدى إلى نفاد المحصولات الزراعية والغذائية. فمنذ العام 1865 والمطر يشح ولا ينزل إلا بمقدار، وفي أيام قليلة من فصل الشتاء. ودام هذا القحط

(1) ثورة 1871، الدكتور يحيى أبو عزيز ص 83 - 92.

ص: 100

ثلاث سنوات، وخاصة عام 1867 الذي قلت فيه حتى مياه الشرب، وجفت الينابيع في الصيف، واشتد البرد في الشتاء، فيبست الحشائش، وماتت المواشي، خاصة في الهضاب العليا. وتفشت من جراء ذلك المجاعة في البلاد، حتى أصبح الناس يؤرخون بها ويقولون حدث ذلك (عام الشر).

أخذ سكان الهضاب العليا يهاجرون أفواجا وجماعات إلى أقليم التل بحثا عن الطعام. وكان سكان التل الذين توجه إليهم هؤلاء المنكوبون يعيشون في ضيق شديد. وأقدم بعض الأهالي على ارتكاب جرائم القتل والسرقات، حتى يلقى عليهم القبض فيضمنوا لقمة العيش داخل السجون. وعندما كثر ازدحامهم في الطرقات والساحات العامة بمدن الشمال وقراه بحثا عما يسد الرمق، تصايح الأوروبيون، وطلبوا إلى السلطات الحاكمة أن تطردهم. بدعوى أنهم كانوا يهددون - الأمن والصحة العامة. واستجابت هذه السلطات للأوروبيين، فأعطت أوامرها لضباط الجيش من أجل إقامة المعسكرات - لحشد المواطنين الجزائريين المنكوبين في مليانة والأصنام وغيليزان، وبالفعل، تم فيها حشد حوالي خمسمائة وأربعين ألف مواطن. وقضت هذه المجاعة على أكثر من ثلاثمائة ألف جزائري - في حين قدر بعضهم عدد الضحايا بضعف هذا الرقم. ففي ولاية (عمالة) قسنطينة مات مائة وستون ألف شخص، وفي مدينة الجزائر بلغ عدد الموتى مائة ألف شخص. وتجاوز عدد الموتى في عمالة وهران مائة ألف شحص. وتناقص عدد مواطني القطر الجزائري خلال عشر سنوات، نتيجة التناقص المستمر في معدل الولادات منذ الاحتلال من جهة، وبسبب الكوارث الطبيعية من جهة ثانية، بأكثر من أربعمائة ألف شخص حتى سنة 1871. وبينما كان الأهالي يتناقصون على هذا

ص: 101

النحو، كان عدد الأوروبيين يتعاظم باستمرار. فقد كان عددهم (220) ألفا سنة 1861، وارتفع هذا العدد إلى (272) ألفا عام 1872. وذلك راجع لعدم تأثرهم بالأزمة لأنهم كانوا يملكون الأراضي الجيدة والمسقية في المناطق الساحلية كثيرة الأوطار، ولأنهم كانوا يحتفظون بمدخرات كافية من المواد الغذائية.

استغل اليهود المجاعة عامي 1867 و1868، لتنمية ثرواتهم وأرباحهم عن طريق القروض التي كانوا يقدمونها للمنكوبين بفوائد فاحشة تتراوح بين أربعين ومائة بالمائة لمدة شهرين أو ثلاثة فقط من العام. مما جعل الكثيرين من الجزائريين يفقدون في نهاية الأمر أملاكهم ويتحولون إلى عمال بالخماسة. وبات من المحال على الجزائريين الوفاء بديونهم حتى عندما تخصب أراضيهم ويرتفع مردودها؛ إذ كان السماسرة اليهود والمعمرون من الأوروبيين، يتدخلون لخفض أسعار الحبوب بنسبة عشرين وحتى ثلاثين بالمائة. مما حمل الحاكم ماكماهون على القول: بأن رؤساء الأهالي الجزائريين دفعوا كل ثرواتهم التي استردوها من صغار الفلاحين إلى السماسرة اليهود أرباحا فاحشة عن القروض التي أخذوها منهم.

والحقيقة، أن سعي اليهود وراء الأرباح الباهظة، لم يكن بالأمر الغريب عليهم، وهو ما أشار إليه أحد الأوروبيين في رسالة له بعثها إلى الإمبراطور (نابليون الثالث) في 10 أيار - مايو - 1865 وفيها:(أحيط جلالتكم علنا بأن الشعب الأهلي لعمالة وهران يدفع لصالح (ربا) اليهود، مبالغ تعادل أربعة أضعاف ما يدفعونه لفرنسا من ضرائب). وقد زادت الأزمة الاستعمارية حدة، عندما رفض بنك الجزائر تقديم (سلف - أو تسبيقات) لجمع المحصولات كما كان معتادا.

ص: 102

واستعجل الدائنون بقسنطينة في استعادة قروضهم، وخاصة من الحاج محمد المقراني، الذي كان قد اضطر إلى أخذ القروض من البنوك والسماسرة اليهود بأرباح عالية، حتى يساعد الفلاحين على توفير البذار. ولما كان الوطنيون الجزائريون عاجزين عن دفع ديونهم، فقد أحدث ذلك موجة من السخط والغضب في كثير من الجهات، وخاصة في منطقة حكم المقراني التي باتت تعيش حالة من اليأس القاتل.

ولم تحاول السلطات الاستعمارية في الجزائر مد يد العون للوطنيين الجزائريين. وانطلق دهاقنة الاستعمار ومبشريه في إلقاء اللوم والمسئولية على الجزائريين أنفسهم، ومما قاله القسيس بورزي على سبيل المثال:(لم يقاوم العرب الجراد، وقالوا بأن الله الذي بعثه هو الذي سيطرده) في حين قال بعضهم: (لقد حدثت المجاعة بسبب كسل الجزائريين الفطري عن العمل، وكذلك لا يمكن، ولا ينبغي مساعدتهم). (وفي حين كان الجزائريون يعانون من انعدام وسائل الوقاية الصحية لهم، ومن سوء حالتهم الاقتصادية والمعاشية، وعدم اهتمام السلطات الإفرنسية بتحمل مسؤولياتها في مجابهة هذه الأوضاع، بينما كان الأمر مختلفا في أوساط الأوروبيين الذين كانت حالتهم الاقتصادية حسنة، والوقاية الصحية متوافرة لديهم). وكان كل ما فعلته فرنسا - كعادتها - إرسال لجنة للتحقيق في أسباب مجاعة 1867، وقد تقدم إلى هذه اللجنة بعض النواب الجزائريين هم (حسن بريهمات والمكي بن باديس وأحمد ولد القاضي). وجاء في شهاداتهم ما يلي:

(

كان معظم الفلاحين يحتفظون بفائض منتجاتهم الزراعية - من الحبوب - في المطامير لاستخدامه في أيام الجوع أو القحط (وقت

ص: 103

المسغبة) ليدفعوا الضر عن أنفسهم. ولما حل بهم غلو السعر في استئجار الأراضي التي احتلها المستوطنون، مع الزيادة في المغارم، صارت الحاجة تدعوهم إلى الاستدانة، والحصول على القروض بفوائد فادحة تزيد على الستين بالمائة، ممن انتصب لذلك ولم يرحم خلق الله. واضطر الفلاحون الجزائريون إلى بيع الزرع والصرف قبل أوانه بأقل من نصف القيمة. فصار الزرع الذي يحصدونه في الصيف، يخرج كله من أيديهم في الشأن المذكور - ولم يبق بأيديهم فاضل يدخرونه). ولقد حاول شيوخ الجزائر وزعماؤها في الواقع بذل كل جهد مستطاع لتقديم المساعدات الطبية والمواد الغذائية. وأخرجت الأسر الموسرة ما عندها من مخزون الحبوب ووافر المال وقامت بتوزيعها على المتضررين والمنكوبين. واضطر بعض هؤلاء الزعماء - ومنهم محمد المقراني - إلى الاقتراض من السماسرة اليهود بأرباح فاحشة من أجل إسعاف المحتاجين. وقد وجهت حكومة (ماكماهون) نداءأ لكبار التجار، طلبت منهم أن يقدموا قروضا مالية - بضمان الدولة - لرؤساء الأهالي، ليقدموها بدورهم إلى مواطنيهم الجزائريين. واستجاب المقراني وتسلف من اليهودي (مسرين) الذي كان يملك أسهما في بنك الجزائر، قرضا بمبلغ ثلاثمائة وخمسين ألف فرنك، في شكل صكوك (سندات) غير أن هذا المبلغ لم يلبث أن ارتفع بالفوائد إلى نصف مليون فرنك. كما اقترض - المقرني أيضا - مبلغ مائتي ألف فرنك من اليهودي (عبادي - من عائلة لافي) وثلاثمائة ألف من اليهودي (أبو قاية) فارتفعت ديونه بذلك إلى مليون فرنك. وكان ذلك سببا في إيقاعه بمشكلات ومصاعب لا نهاية لها مع دائنيه.

ص: 104