المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌و - الثورات التمهيدية: - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ٥

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الكتاب

- ‌الوجيز في مسيرة الأحداث التي كان لهادورها في ثورة السبعين

- ‌ثورة (الأخوان الرحمانيين) في سطور

- ‌الفصل الأولالوضع السياسي العام

- ‌ الموقف على جبهة المشرق

- ‌ عودة إلى محمد علي باشا

- ‌ اللعب بورقة الأمير عبد القادر

- ‌الفصل الثانيالوضع الخاص في الجزائر

- ‌السياسات الاستعمارية

- ‌آ - الهجرة والاستيطان:

- ‌ب - القضاء على مقومات الأمة العربية الإسلامية:

- ‌ج - المسألة اليهودية وقانون كريميو:

- ‌د - التحريض الخارجي (البروسي - العثماني)

- ‌ التحريض البروسي:

- ‌ التحريض الوطني الجزائري (محيي الدين بن عبد القادر):

- ‌ التحريض العثماني

- ‌هـ - الكوارث الطبيعية:

- ‌و - الثورات التمهيدية:

- ‌الفصل الثالثثورة 1871

- ‌ ثورة محمد المقرني (مجانة)

- ‌ ثورة الشيخ الحداد (صدوق)(أو ثورة الإخوان الرحمانيين)

- ‌ ثورة أحمد بو مزراق(سور الغزلان وونوغة)

- ‌ في أفق الثورة

- ‌قراءات

- ‌ 1 -نص القرار الخاص بمصادرةأملاك المقراني

- ‌ 2 -نص قرار مصادرة أملاكعائلة الشيخ الحداد

- ‌ 3 -مصادرة أملاك المقراني والحدادوأفراد عائلتيهما

- ‌آ - مصادرة أملاك المقراني وأفراد عائلته:

- ‌ب - مصادرة أملاك الشيخ الحداد وأفراد عائلته

- ‌ 4 -الحرب الصليبية في الجزائر

- ‌المراجع

- ‌الفهرس

الفصل: ‌و - الثورات التمهيدية:

‌و - الثورات التمهيدية:

لم تعرف الجزائر المجاهدة الهدوء أو الاستقرار منذ وطئت أقدام الغزاة المستعمرين ثرى الجزائر الطهور، ولم تكن ثورة باي قسنطينة في المشرق، وثورة الأمير عبد القادر في بقية أنحاء القطر الجزائري إلا البدايات الأولى للمقاومة التي لم تتوقف في يوم من الأيام.

1 -

كان في منطقة (سور الغزلان) معلم يعلم القرآن الكريم للأطفال، اسمه محمد الأمجد بن عبد المالك، ولقبه (الشريف بوبغلة)، أغضبه ما كان يقوم به الإفرنسيون من انتهاكات ضد الإسلام والمسلمين، فأعلن ثورته في العام 1851 بعد أن انتقل إلى (بني مليكش) في حوض وادي الساحل الغربي، حيث انضم إليه الحاج عمر شيخ زاوية محمد بن عبد الرحمن الرحمانية وأتباعه الذين امتدت حركتهم إلى معظم مناطق جبال جرجرة والبيبان والبابور وحوض الصومام. وفي سنة 1854، قاد الحاكم العام للجزائر (راندون)(1) قوات ضخمة لاقتحام جبال جرجرة، واغتنم فرصة تمرد السكان ضد (آغاسباو بلقاسم أوقاسي) بتحريض من الشريف (بوبغلة) وتوغل بها إلى حوض سباو لمطاردة الثوار، واستطلاع المنطقة تمهيدا للعمليات العسكرية المقبلة. وأمكن له خلال هذه المطاردة القضاء على (بوبغلة) في كانون الأول - ديسمبر - 1854. غير أن الثورة استمرت في (ذراع الميزان) بقيادة الحاج عمر و (الإخوان الرحمانيين) حتى سنة 1856.

(1) راندون: (RANDON CESAR ALEXANDRE MARECHAL DE FRANCE)

قائد فرنسي، من مواليد غرونوبل (1795 - 1871). قام بدور كبير في حروب الجزائر التي برز فيها اسمه، وهو الذي قمع ثورات منطقة القبائل، وأصبح وزيرا للحربية طوال الفترة من سنة 1851 إلى سنة 1867.

ص: 105

حيث استطاع (راندون) إخمادها والقضاء على الثورة بعد جهود كبيرة، واضطر الحاج عمر إلى الانتقال بقواته في اتجاه شرق البلاد.

2 -

تحرك الحاكم العام (رادون) من جديد في سنة 1857، لإخضاع المناطق الثائرة بقوة تزيد على عشرة آلاف مقاتل (1) وخاض السكان العزل والثوار ضده عددا من المعارك غير المتكافئة، منها معركة (ايشريضن - أو - ايشريدون كما يكتبها الإفرنسيون) وهي المعركة الكبيرة التي وقعت يوم 24 حزيران - يونيو - جنوب شرق قرية الأربعاء - نايث إيراثن - وأبد فيها الثوار بطولة رائعة وشجاعة لا توصف. ولم تتوقف المعارك إلا بعد اعتقال الحاج عمر يوم 7 تموز - يوليو - مما أضعف موقف زعيمة قبيلة بني (لالافاطمة) التي قادت الثورة بكفاءة نادرة حتى وقعت في قبضة القوات الإفرنسية يوم 11 تموز - يوليو وانهارت معها مقاومة قبيلة (إيسومار).

3 -

كان (سي الصادق، بن الحاج) من أولاد سيدي منصور في جبل (أحمر خدون) بالأوراس، قد شارك في مقاومة الغزو الإفرنسي في (واحة الزعاطشة) منذ العام 1849، وعندما تمكنت القوات الإفرنسية من القضاء على الثورة في هذه المنطقة، اعتصم بالمناطق الجبلية. حتى إذا ما قام الإفرنسيون بغزو جبال جرجرة سنة 1857، دعا الناس لحمل السلاح واستئناف الثورة عام 1858 وبقي مستمرا في رفع راية الجهاد ضد الأعداء الإفرنسيين حتى وقع أسيرا في معركة

(1) كذا في ثورة 1871 - الدكتور يحيى أبو عزيز - ص 17. أما في كتاب تاريخ الشعوب الإسلامية - كارل بروكلمان. فذكر إن القوة الإفرنسية تزيد عن (30) ألف مقاتل.

ص: 106

20 كانون الثاني - يناير - 1859، ووقع معه في الأسر عدد كبير من أخواته المجاهدين.

4 -

كان (محمد بن بوخنتاش) من أولاد سيدي رحاب البراكتية في (الحضنة) وقد أظهر غضبه منذ البداية على الغزاة الإفرنسيين الذين انتهكوا حرمة بلاده وقدسيتها. ونجح في دفع سكان الحضنة إلى الثورة سنة 1860، فانضم إليه (سي العربي باش عدل أولاد سحنون ببريكة، وسي أحمد باي من أولاد منصور)، وامتدت ثورته من المسيلة والحضنة حتى الجهات الشمالية، وسطيف. ولم تتمكن القوات الإفرنسية من إخماد نار هذه الثورة في سنة 1860 إلا بعد جهود كبيرة ومكثفة.

هـ - بقيت عائلة أولاد بن عاشور محتفظة بمكانتها القيادية في فرجيوة، ومثلها كانت عائلة أولاد عز الدين في الزواغة بالبابور. وعلى الرغم من خضوع العائلتين ظاهريا للحكم الاستعماري الإفرنسي، إلا أن نار الثورة بقيت متأججة في نفوس الأبناء. حتى إذا ما أقبلت سنة 1864، أثمرت جهود (الإخوان الرحمانيين) في إيقاد نار الثورة بالجنوب الوهراني. وقام أولاد سيدي الشيخ بقيادة الجهاد ضد الإفرنسيين في فرجيوة والزواغة. وقامت السلطات الإفرنسية بقمع هذه الثورة بوحشية، وحولت هذه المناطق إلى مستعمرات عسكرية خاضعة مباشرة لحكم فيالق الغزو والحكام العسكريين (حكم السيف).

ظنت الإدارة الإفرنسية أنها باتت متمكنة من حكم البلاد بعد قضائها على هذه الثورات، وبعد أن أوغلت قواتها في عمق الصحراء. غير أنه تبين أن لهيب الثورة لا زال متقدا في أعماق ضمائر

ص: 107

أبناء الجزائر. وقد عبر هذا اللهيب عن وجوده بمجموعة من الظواهر في بداية سنة 1870، فعندما حل موعد الدراسة في تشرين الأول - أكتوبر - لوحظ مقاطعة الأطفال الجزائريين للمدارس الإفرنسية. خاصة في (برج بوعريريج) حيث رفض خمسة عشر طفلا العودة إلى مدارسهم، رغم أنهم كانوا يتقاضون منحة دراسية. وانتشرت كذلك ظاهرة الاتجار في البارود الذي كان يتسرب إلى البلاد عن طريق مالطا وتونس شرقا، وجبل طارق وطنجة غربا. وكثر تنقل رجال الدين بين المناطق المختلفة للوعظ والإرشاد في الظاهر، ولحض الناس على الجماد في الواقع. وأخذ الناس يهربون حبوبهم وحيوانانتهم وحاجياتهم الثمينة. الهامة - إلى مناطق الجبال النائية والبعيدة عن الأخطار. ويشترون الأسلحة والخيول. وتم قطع عدد من الأسلاك الهاتفية التي تربط بين المناطق المختلفة، مما جعل الأوروبيين يتخوفون من الوضع، فأخلوا حواضر العمل في عدة أماكن.

بقي الوضع مضطربا طوال هذه الفترة في شرق البلاد، حيث كان أولاد سيدي الشيخ الشراقة في منطقة وهران، ما يزالون يحملون السلاح ويخوضون المعارك الكبيرة ضد قوات الجيش الإفرنسي ومنها معركة (ماقورة) في 17 نيسان - إبريل - 1870 بمنطقة الحدود المغربية. ورافق ذلك مجموعة من الأعمال الثورية في جهات مختلفة.

6 -

حركة (ابن خدومة). كان (بو بكر بن قدور بن خدومة) من بلدة زمورة الواقعة قرب (غيليزان) قد اشترك في تمرد محلي بالمدية، مع رجل آخر ادعى أنه (صاحب الساعة) وذلك في سنة 1859، ثم اختفى عن الأنظار، ليظهر من جديد في شهر نيسان - إبريل - 1870

ص: 108

بمنطقة (ذراع الميزان) باسم الحاج محمد بن عبد السلام. وادعى أمام الناس أنه قدم من (فاس) وسبق له أن تعلم في تونس - على الطريقة الشاذلية - ولهذا استضافه الشيخ أحمد - أويحيى الشاذلي في (تازروت) قرب بجاية. وانتشر نفوذ (ابن خدومة) في جرجرة بفضل دعم الشيخ أحمد أويحيى، فأسس زاوية في (ايت عوانه) وتكاثر فيها أتباعه. وشكت السلطات الإفرنسية في سلوكه، فنفته إلى المغرب الأقصى، وهدمت زاويته، رغم تأكيد رئيس المكتب العربي بتيزي أوزرو بأنه لم يكن يقوم بأي نشاط سياسي. ولكنه عاد متخفيا في نهاية شهر أيلول - سبتمبر - إلى الشيخ أحمد أويحيى، ودعا أتباعه إلى الثورة، واعتصم في غابة (بني غبري) بعض الوقت. ثم انتقل إلى منطقة المدية. وأخذ يستميل بعض جنود الصبايحية في البرواقية ومجبر، وبعض أهالي أولاد ديد وسور الغزلان. ولما عجزت السلطة الإفرنسية عن إخضاعه، لجأت إلى الحيلة، واستعانت ببعض أنصارها للتغرير به (قائد قواد أولاد عبيد والحاج الجيلالي بن الحاج). ووقع ابن خدومة في الكمين المنصوب له في أوائل شباط - فبراير - 1871. ونفاه الإفرنسيون مع عدد من أتباعه إلى جزيرة (سان مارقوريت).

كان من أبرز نتائج حركة ابن خدومة أنها أيقظت، أو بعثت، جذوة الجهاد في النفوس المؤمنة، فتكاثر الحجاج إلى (زاوية صدوق) و (استيقظت الحمية الدينية) بشكل واسع حتى في أوساط النساء وأصبح سكان إقليم القبائل يعلنون عن (وصول صاحب الساعة) وحلول وقت الخلاص من السيطرة الإفرنسية. وأصبح من المتوقع اندلاع نار الثورة بين لحظة وأخرى. واستخلص مؤرخ فرنسي العبرة من (حركة ابن خدومة) ولخصها بما يلي: (لم يكن هناك أي

ص: 109

حجة لابن خدومة وغيره في حمل السلاح، والحجة الوحيدة هي أن الجزائري لا يقبل أبدا السيطرة الإفرنسية، فمنذ اليوم الأول للاحتلال وهو على استعداد دائم للثورة. وهو لا يفرط في استثمار الفرص لتحقيق ذلك، سواء في شهر أو في عام أو حتى عشرة أعوام حتى يرمي الإفرنسيين في البحر. ونقل عن الجنرال - دوماس - قوله: خذ عربيا وإفرنسيا وضعهما في قدر واحدة لمدة أربع وعشرين ساعة، لتصنع منهما مرقا. فإنك ستجد في النهاية مرق المسيحي والمسلم منفصلين عن بعضهما، ولن يختلطا أبدأ) (1).

7 -

حركة الصبايحية في الزمالات: كان الحاكم العام للجزائر (راندون) قد نظم فرق (الصبايحية) وطورها في عهد نابليون الثالث

وهي عبارة عن قوات من المتطوعين الجزائريين الذين أطلق عليهم اسم: (الحركة، والأورطة، والصبايحية). وواجبهم هو حراسة المناطق التي يقيمون فيها، ومراقبة السكان سياسيا تحت إشراف الضباط الإفرنسيين، وقد أطلق على الثكنات التي يتمركزون بها اسم (الزمالات) وكان معظم المتطوعين من المتزوجين الذين يتقاضون رواتب شهرية، ويعملون في أراضيهم الخاصة، أو التي تضعها السلطات الإفرنسية تحت تصرفهم. ولم يكن من العادة تجنيدهم للحرب خارج الجزائر، غير أن السلطات الإفرنسية أرادت تجنيد البعض منهم للحرب في فرنسا - في أوائل العام 1871 - فأصدر وزير الحربية الإفرنسية قرارا بتاريخ 18 كانون الثاني - يناير - لنقل عدد منهم إلى أوروبا. وكان ذلك سببا مباشرا لثورة الزمالات في مجبر

(1) SOUVENIR DE L'ARMEE D'AFRIQUE (WATBLED ERNEST) PARIS CHALLAMEL AINE 1877. P.P. 197 - 201

ص: 110

والطارف وبو مجار وعين قطار بشرق البلاد ووسطها. غير أن ثورة الصبايحية كانت قد بدأت في الحقيقة قبل هذا التاريخ. ففي زمالة (مجبر) على بعد ثلاثة عشر كليومترا شمال - شرق (بوغار) بدأت الحوادث فيها أواخر أيلول - سبتمبر - 1870 عندما فر بعض الصبايحية من ثكنتهم إلى مستغانم. غير أن السلطات الإفرنسية اعتقلتهم وأعادتهم إلى بوغار، وحاكمتهم بتهمة السرقة، وفر البعض منهم من السجن واختفوا.

وهرب بعد ذلك خمسة وسبعون جنديا من جنود الزواف في الأيام الأولى لشهر تشرين الثاني - نوفمبر - ومعهم أسلحتهم وأمتعتهم. وغادروا معسكر (بوغار) إلى المدية وقصر البخاري فلاحقهم رجال الدرك والصبايحية وأوقفوهم وأحالوهم على محكمة عسكرية حكمت عليهم بأحكام مختلفة تتراوح بين ستين حتى عشر سنوات سجنا مع الأشغال الشاقة.

وصل قرار وزير الحربية الإفرنسي القاضي بتجنيد الجزائريين، إلى الجزائر، يوم 20 كانون الثاني - يناير - 1871. وكان الصبايحية الذين شملهم القرار في (مجبر - ببوغار) فتم اقتيادهم إلى الجزائر العاصمة يوم 23 من الشهر ذاته، من أجل نقلهم إلى فرنسا. ولكن أبناءهم ونساءهم وأهاليهم اعترضوهم في الطريق خارج البليدة ليحولوا دون ترحيلهم. فحصل اضطراب وهيجان، رافقه إطلاق نار قتل فيه أحد المواطنين، فعاد الصبايحية على الفور إلى زمالتهم. وحضرت مجموعة من فرسان (بوغار) اقتادتهم بالقوة إلى الجزائر العاصمة. غير أن الإدارة الإفرنسية بالجزائر أعلنت أن السفر إلى فرنسا حر للمتطوعين فقط، ولا يجبر أحد على ذلك (1). في هذا الوقت

(1) ثورة 1871 - الدكتور يحيى أبو عزيز. ص 184 - 188.

ص: 111

ذاته، كان الصبايحية في شرقي البلاد يعلنون ثورتهم بالطريقة ذاتها أيضا ولكن على نطاق أوسع وبشكل أخطر، سواء كان ذلك (بالطارف) على بعد (22) كيلومترا جنوب - غرب القالة، أو في (بوحجار) على بعد (43) كيلومترا شمال - شرق سوق أهراس، أو في (عين قطار) على بعد (22) كيلومترا جنوب - شرق سوق أهراس أيضا.

وبدأت الثورة في (عين قطار) عندما رفض الصبايحية تنفيذ أوامر السفر إلى فرنسا. وهرب مائة وخمسة وثلاثون منهم بأسلحتهم وأمتعتهم إلى مزرعة (عمي موسى) على بعد أربعة كيلومترات من زمالتهم وذلك يومي 22 و23، كانون الثاني - يناير - وتبعهم في اليوم التالي مائة واثنان آخرون. وتوالى بعد ذلك تجمعهم حتى أصبحوا حوالي ألفي رجل، وتجمع حولهم أهاليهم والغاضبون على السلطة الإفرنسية وانضم إليهم عدد من أهالي (الحنانشة) بزعامة الصالح بن رزقي والفضيل بن رزقي. كما انضم إليهم محمد بن الكبلوتي بن الطاهر بن رزقي الحناشي من تونس. وقام هؤلاء بقتل صف ضابط فرنسي، وأشعلوا الحرائق في بعض مزارع الأوروبيين حول (سوق أهراس) وقتلوا تسعة منهم. ثم زحفوا على (سوق أهراس) نفسها يوم 26 كانون الثاني - يناير - وحاصروها لمدة ثلاثة أيام. وقطعوا أسلاك الهاتف التي تربطها بمدينة (قالة). وخاضوا معركة كبيرة في (عين سنور) يوم 30 من الشهر ذاته. واستمرت الاشتباكات حتى يوم 8 شباط - فبراير - 1871. وارتفع عدد قتلى الإفرنسيين إلى (15) قيلا. ثم انسحب الصبايحية، والكبلوتي، وأتباعه، إلى داخل الحدود التونسية حيث استقبلهم الشيخ الميزوني بحفاوة في مدينة (الكاف). وعلى أثر ذلك، قامت السلطات الإفرنسية بتطبيق عقوبات صارمة

ص: 112

ضد عائلات الثائرين. فحاكمت مائة وأربعة وثلاثين شخصا أمام محكمة عسكرية استثنائية (بعنابة) أصدرت الحكم بالإعدام على خمسة، وبالأشغال الشاقة المؤبدة على عشرين، وبالنفي والإقامة الجبرية على أربعين. وغرمت الثوار بمبلغ (376) ألف فرنك. وأعدم الإفرنسيون عددا من المواطنيين الجزائريين في الساحة العامة لمدينة (سوق أهراس) بعد فك الحصار عنها مباشرة. وصادروا أملاك وأراضي سبعة دواوير (قرى) بالجملة. وأخذوا رهائن من المواطنين حتى يتم دفع الغرامات المطلوبة أما الأوروبيون الذين اتهموا بافتعال الحوادث أو ارتكاب الجرائم، فقد برأتهم المحكمة ولقد وضعت سلطات منطقة (القالة) الإفرنسية تقريرا عن الأحداث جاء فيه: (إن المشاكل السياسية في منطقة الحدود لها دخل في حوادث الصبايحية الذين كانوا يتفجرون غضبا. ولم يكن قرار النقل إلى فرنسا بأكثر من وسيلة لإظهار غضب الصبايحية وانفجارهم. ولقد امتدت أصداء هذه الحوادث إلى المناطق الداخلية البعيدة

) ويعني بذلك أحداث أولاد عيدون بالميلية، والأحداث الأخرى. بما فيها ثورة محمد المقراني.

8 -

ثورة أولاد عيدون بالميلية وأولاد خليفة بتبسة. انفجرت الثورة في الوادي الكبير (بالميلية) ولم يكن قد مضى على انتهاء أحداث الصبايحية بسوق أهراس أكثر من أسبوع واحد. فقد أعلن أولاد عيدون ثورتهم يوم 14 شباط فبراير - 1871 في أكثر من عشرين نقطة. وزحفوا على مدينة الميلية في اليوم الثاني، وحاصروها بحوالي ألفي رجل، وقطعوا عنها قنوات مياه الشرب وأملاك الهاتف، وأرغموا عددا من الحراس والأوروبيين والصبايحية ورجال المخزن وقائد

ص: 113

الحامية الإفرنسية على الاعتصام بقلعة المدينة. وأحرقوا عددا من مزارع الأوروبيين بالمنطقة. واقتفى (بنو تليلان) أثر أولاد عيدون. فحملوا السلاح، وهاجموا قافلة نجدة واستطلاع فرنسية بين مدينة قسنطينة والماء الأبيض يومي 22 و23 من الشهر ذاته. وبعد أن نجح الإفرنسيون في رفع الحصار عن (الميلية) يوم 27 شباط - فبراير - تمركز الثوار في (كاف الغراب) والقرى المجاورة له. وحاول الإفرنسيون القضاء على هذة الثورة الخطيرة بإمكاناتهم الخاصة فعجزوا عن ذلك، فما كان منهم إلا أن لجؤوا إلى خصوم الثوار - من المواطنين الجزائرينن - واستعانوا بهم على أهلهم، وجندوا حوالي ستمائة من جنود البحرية الإفرنسية، وسبعة فيالق أخرى، فرضوا بها الحصار على المنطقة، وأحرقوا معظم القرى المعزولة. واعتصم الثوار (بجبل سروج) وخاضوا معركة (كاف زرزور) يوم 26 شباط - فبراير. أي قبل أن يفكوا الحصار على المليلة بيوم واحد. وقد أخذ الإفرنسيون كعادتهم أربعمائة رجل من أولاد عيدون كرهائن. وسجنوا عددا آخر منهم. وصادروا الأسلحة التي عثروا عليها وهي تزيد على تسعمائة بندقية.

أما في المنطقة الشرقية، فقد أفاد أولاد خليفة من قيام حاكم منطقة تبسة باعتقال عدد من المواطنيين بحجة الاشتباه بهم، والقيام بمحاولة استطلاع (مضيق رفانة) فأعلنوا ثورتهم، وحملوا السلاح، واعترضوا سبيله، وانضم إليهم أولاد سيدي عبيد والعلاونة والرشايش والبرارشة، وهاجموا قطعان مواشي أحد الأوروبيين، وقتلوا شريكه الجزائري. وأخذوا يحرضون الناس على الجهاد لمحاربة الإفرنسيين، واضطر هؤلاء إلى اللجوء إلى (مسكيانة) وتابع الثوار جهادهم، فأحرقوا بعض مزارع الأوروبيين ومطاحن الحبوب وأكوام

ص: 114

التبن (القش) في أحواز تبسة التي اعتصم بها الأوروبيون، وأغلقرا أبوابها عليهم. كما اعترضوا سبيل قافلة إفرنسية بوادي الحميمة، حيث دارت مجموعة من المعارك القاسية في الوادي، وعند بحيرة الأرنب ورأس الذيب. غير أن عدم التكافؤ بالقوى ووسائط القتال والكفاءة القيادية أرغم الثوار على الانسحاب واللجوء إلى داخل الحدود التونسية. في الوقت الذي كانت ثورة محمد المقراني قد انطلقت من (مجانة) وأخذت تنتشر في جبال البابور والبيبان وونوغة والهضاب العليا لقسنطينة (1).

(1) يذكر أن القوات الإفرنسية تعاونت مع القائد ابن باحمد والقائد علي بن العربي والقائد بو ضياف بن صالح الذين حشدوا قواتهم بين حلوفة ومسكيانة ودعموا هجوم القوات الإفرنسية (ثورة 1871 - الدكتور يحيى أبو عزيز - ص 189 - 192).

ص: 115

- صدوق- مهد الثورة الكبرى لعام 1871 م إقليم بجاية ووادي الصومام

ص: 116