الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي يمكن لها التجاوب مع مطالب الجماهير، وخلق حالة من الفراغ القيادي الذي لا يملؤه إلا الوجود الاستعماري، وهو ما يؤكده تعميم الحاكم العام للجزائر (راندون) يوم 14 تشرين الثاني - نوفمبر - 1868 والذي جاء فيه:(علينا الإفادة من عامل الوقت باستمرار، وتسخير كافة الظروف للقضاء على وظائف الخليفة والباشآغا والآغا حتى لا يبقى من يمارس القيادة في أقاليم الجزائر الثلاثة إلا القائد والشيوخ) وكان راندون هذا قد كتب رسالة في يوم 21 آذار - مارس - 1866 جاء فيها: (يجب تكثيف الجهود لاتباع سياسة متحفظة وحكيمة هدفها إبطال النفوذ الذي تتمتع به العائلات الجزائرية منذ أجيال عديدة)(1).
قد يكون من المحال بعد ذلك جمع كل المقولات والشواعد المتعلقة بالسياسات الإستعمارية الإفرنسية، وما تم تطبيقه من ممارسات إجرامية على أرض الجزائر، بسبب وفرة تلك المقولات والشواهد التي يضيق البحث عن حصرها واستيعابها. غير أنه بالمستطاع حصر الخطوط العامة لتلك السياسات بما يل:
آ - الهجرة والاستيطان:
ظنت الحكومة الإفرنسية أنها بقضائها على الثورتين الرئيسيتين اللتين تزعمهما بالمشرق أحمد باي قسنطينة، وفي بقية الجزائر الأمير عبد القادر. قد باتت قادرة على الانطلاق من المناطق الساحلية المحتلة للتوغل - دونما مقاومة - في عمق الوطن الجزائري. فكان أن شجعت الحكومة الإفرنسية جيشها على غزو المناطق الداخلية في البلاد: (فاتبع
(1) رسالة راندون إلى ماكماهون - محفوظات وزارة الحرب الإفرنسية:
(AG. H 265 ET AN F80 - 1680)
الجيش أسلوب الأرض المحروقة، وأحرق عشرات القرى، وقطع آلاف الأشجار من التين والزيتون، أملا في الوصول إلى نتيجة إيجابية، هي إرغام السكان على الخضوع للسيطرة الإفرنسية) (1). وعندما عين (راندون) حاكما عاما على الجزائر في كانون الأول - ديسمبر - 1851، عزم على تطوير سياسة التوسع والغزو لبلاد (جرجرة) و (البابور)، وكان من أتباع مدرسة سلفه (بيجو) في الاحتلال بواسطة التجويع والحرق والتخريب وقطع الأشجار المثمرة - واهتم بإنشاء شبكة من طرق المواصلات لتسهيل عملية الغزو وشجعته حكومة الإمبراطور على عمليات التوسع هذه، فجهز جيشا كبيرا سنة 1853 اقتحم به الشمال القسنطيني مرة أخرى، وغزا وسيطر على المنطقة الممتدة بين جيجل والقل وقسنطينة بجبال البابور. وبعد ذلك أخذ (راندون) بغزو المنطقة الغربية من جبال جرجرة. وفي العام 1856 غزا بقواته منطقة ذراع الميزان. واكتفى ببعض العمليات العسكرية التي اعتبرت بمثابة تظاهرة عسكرية ذات هدف استطلاعي تمهيدا لعمليات أكثر اتساعا وشمولا. وفي العام 1857، أذنت حكومة الإمبراطور نابليون الثالث لحاكم الجزائر (راندون) بغزو جبال جرجرة، واحتلالها بصورة رسمية. فجهز حملة كبيرة صمت أكثر من عشرة آلاف رجل، وانطلق بها من (تيزي أوزو) في ثلاثة اتجاهات ابتداء من يوم 24 أيار - مايو - وانتهت عمليات هذه الحملة بفرض غرامات حربية ضخمة على السكان زادت على مليون فرنك، علاوة على ما لحق بالعرب المسلمين من تدمير لقراهم وتخريب لمساكنهم
(1) HISTOIRE DE L'ALGERIE CONTEMPORAINE CH. JULIEN - PARIS 1964 P.P 385 - 387.
ومزارعهم وإبادة لحيواناتهم. وانطلقت القوات الاستعمارية بعد ذلك من جرجرة والبابور إلى جهات كثيرة من البلاد.
استمرت سياسة الغزو والتوسع الاستعماري طوال عشرين سنة رافقت عهد الإمبراطورية الثانية، وعانى الجزائريون ويلات الحروب والتشرد والدمار. غير أن هذه السياسية لم تكن إلا وسيلة لتطبيق أساليب الهجرة التي فتحت أمام الأوروبيين عامة وأمام الإفرنسيين خاصة لتوطينهم في الجزائر المحتلة. ولقد ارتبطت عملية الهجرة والاسيطان بعملية الاستعمار، منذ البداية. غير أنه ما أن تم الإعلان عن قيام إمبراطورية نابليون الثالث (في تشرين الثاني - نوفمبر - 1852) حتى فتحت حكومة الإمبراطور أبواب الجزائر على مصاريعها أمام أفواج المجرمين العاديين والخصوم السياسيين وزعماء المعارضين وكل المغامرين والطامعين، وخلاصة القول، فقد حاولت الحكومة الإمبراطورية حل كل مشكلاتها دفعة واحدة على حساب الجزائر. ونشطت حركة الهجرة بعدئذ، حيث تقرر تهجير مائة ألف أوروبي، واعتمد المجلس الوطني الإفرنسي مبلغ خمسين مليون فرنك لإنشاء مراكز استيطانية ومستعمرات أوروبية. وتم تخصيص الأراضي للمهاجرين من 2 - 20 هكتارا، بالإصافة إلى المنازل والحيوانات والآلات. وبلغ عدد القرى الاستعمارية التي أنشئت فيما بين أعوام 1851 و 1857 ما مجموعه ثمان وستين قرية (1).
(1) كانت الحكومة الإفرنسية مرغمة على إيجاد الحوافز لتشجيع الهجرة، وقد أثار ذلك انتباه جيروم بونابرت الذي قال:(يكلف جهاز الإدارة الإفرنسي الذي يضم - 180 - ألف أوروبي في الجزائر، بأكثر ما تبلغه موازنة بلجيكا بكاملها - السياسات الاستعمارية في المغرب - ص 54 - كما جاء في الصفحة (60) من المصدر ذاته ما يلي: تتطلب إقامة العائلة وتوظيفها مبلغ أربعة ألاف فرنك، وعلى هذا فالعائلة الإفرنسية التي تحصل على مبلغ كهذا =
عملت حكومة الإمبراطور نابليون الثالث على تدمير القيادات، العربية - الإسلامية، وهي القيادات التقليدية، بحجة القضاء على ما أطلقت عليه اسم (الأرستقراطية العربية) وذلك بهدف خلق نوع من الفراغ السياسي - على نحو ما سبقت الإشارة إليه - ومقابل ذلك:(تبنى الإمبراطور عددا من المشاريع لإقامة مستعمرات عسكرية يتولى إدارتها القادة الكبار من الفرنسيين. وكان هدفه من ذلك خلق أرستقراطية عسكرية فرنسية قائمة على امتلاك الإقطاعات الكبيرة من قبل القادة ذوي الرتب العليا العاملين في خدمة الجيش الإفرنسي)(1) واعتمدت حكومة الإمبراطور أيضا على كبار الرأسماليين لدعم الهجرة والاستيطان، وكذلك الشركات الرأسمالية الكبرى، باعتبار أن كثيرا من رجال الأعمال والمصارف (البنوك) وكبار الرأسماليين - وخاصة السويسريين - كانت تربطهم صداقات شخصية الإمبراطور، الذي كان بدوره يميل إلى دعم هذه السياسة حتى لا تتكلف حكومته بتحمل أعباء اقتصادية، أو تضطر إلى تقديم المعونات المالية. وهو الأمر الذي دفعه لإصدار ما عرف باسم (مشروع بياريتز) والذي يسمح لهؤلاء بتأسيس المشاريع الكبرى بالجزائر لصالح الاستعمار الاستيطاني. وكان من استفاد من هذه السياسة على سبيل المثال - المقاول الباريسي (دومونشي) الذي منح سنة 1854 أرضا بلغت مساحتها 2672 هكتارا في تيبازة طرد منها ست وتسعين عائلة جزائرية، ليقيم فوقها وحدات سكنية للمهاجرين
= في فرنسا، فإنها لن تهاجر إلى الجزائر، وعلينا أمام هذا الموقف السلبي، تشجيع الرأسمالين للتوجه نحو الجزائر، مع إيجاد المغريات لهم. وبذلك يتأمن للجزائر الذراع الذي تحتاجه.
(1)
السياسات الاستعمارية في المغرب - ص 68
.