المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المنادى المضاف إلى ياء المتكلم - شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية - جـ ٥

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌ المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

}‌

‌ المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

{

بوب هنا على الإضافة إلى الياء، وإن كان قد وضع لها فضلاً في "باب الإضافة" لأن لها في "باب النداء" حكمًا زائدا على ما تقدم هنالك، كما فعل هنا في التوابع؛ إذ كان لها حكم مختص بالنداء.

وذكر هنا ثلاث مسائل هي المشهورة في الباب:

إضافة المنادى إلى الياء مباشرًة، [وإضافته إلى المضاف إليها]، وإضافته إلى الياء مع حذفها، والتعويض منها.

فأما المسألة الأولى فهي التي في قوله:

واجعل منادًى صح إن يضف ليا

كعبد عبدي عبد عبدا عبديا

يريد أن المنادى إذا أضيف إلى الياء - يعني ياء المتكلم - فإنه يجوز لك أن تجعله كهذه الأمثلة الخمسة؛ لكن بشرط أن يكون صحيح الآخر، فإن المنادى تاره يكون صحيح لآخر، وتارة يكون معتله.

فإن كان معتل الآخر بالألف، فلك فيه وجهان:

إبقاء الألف على حالها، وفتح ياء المتكلم بعدها على حده لو لم يكن منادى نحو: يا فتاى. وقلبها ياًء وإدغامها في ياء المتكلم، وفتح ياء المتكلم نحو: يا فتى، وهو لغة هذيل. وإن كان معتل الآخر بالياء أدغمتها في ياء المتكلم، وفتحت فقلت: يا قاضي.

ص: 334

وهذا كله قد تقدم في "باب الإضافة"، فلم يحتج إلى إعادته هنا؛ إذ لا يختلف الحكم فيه بالنداء. وإن كان صحيح الآخر: فهو المقصود، لأنه الذي يتصور فيه تلك الأوجه، وهي خمسة:

أحدها: أن تحذف الياء، وتبقى الكسرة دليلاً عليها، وهو مقتضى المثال الأول، ومنه في القرآن الكريم: } يا عباد فاتقون {، } قال رب احكم بالحق {، على قراءة السبعة، } وقال نوح رب لا تذر {، وهو كثير جدا.

ووجه حذفها أنها عوض من التنوين؛ إذ هما متعاقبان، وأيضًا. فالياء حرف واحد كاتنوين، وأيضًا لا تقوم بنفسها / حتى توصل بغيرها كالتنوين، وأيضًا موضعها الطرف كالتنوين، فلما أشبهت التنوين من هذه الوجوه، وكان التنوين يحذف في النداء - حذفت الياء كذلك، ولا محظور في ذلك؛ إذ الكسرة التي كانت قبلها باقية لتدل عليها.

والثاني: إثبات الياء ساكنة نحو: يا غلامي، وهو الذي أعطى مثاله الثاني ومنه ما روى عن أبي عمرو: } يا عبادي فاتقون {، وقرأ هو ونافع وابن عامر: } يا عبادي لا خوف عليكم اليوم {.

ص: 335

وحكى سيبويه عن يونس أنها لغة، ثم أنشد لعبد الله بن عبد الأعلى القرشي:

وكنت إذ كنت إلهي وحدكا

لم يك شيء يا إلهي قبلكا

ووجه إثباتها أنه الأصل، لكنها أسكنت لأنها شبيهه بالتنوين في تطرفه وكونه على حرف واحد، والتنوين ساكن، فأسكنت لذلك.

وأيضًا: فالحركة مستثقلة على حرف العلة على الجملة، وذلك من أسباب إعلاله كقام وباع، فحذفت الحركة لذلك، وهذه العلة غير مختصة بالنداء؛ بل هي جارية في إسكان ياء المتكلم على الإطلاق.

والثالث: حذف الياء وإزالة الكسرة وبناء الاسم على الضم، وهو الذي ينبغي أن يضبط به المثال الثالث في كلام الناظم، فإنه يمكن في ضبطه الضم. والفتح بغير ألف، وإن كان محكيًا في المسألة، فهي لغة ضعيفة لم يحكها سيبويه بخلاف لغة الضم، فإنها قوية فتقول: يا غلام، إذا ناديت غلامك، حكاها سيبويه عن بعض العرب.

ص: 336

ومنه ما حكي في قراءة: } قل رب احكم بالحق {، وهي قراءة أبي جعفر، وقرأ أيضًا: } قال رب انصرني بما كذبون {، وشبه ذلك بضم الياء، أراد (ربي) ولم يرد المنادى المفرد، بدليل حذف حرف النداء؛ إذ حذفه كذلك قليل، كما تقدم، فلا يحمل عليه مع وجود غيره.

وقد قالت العرب: يا أبت ويا أمت، والتاء فيهما عوض من الياء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قال شيخنا الأستاذ رحمه الله: هذا الوجه ينبغي ألا يجوز إلا في موضع البيان لئلا يلتبس بغير المضاب، حتى يكون مثل قراءة من قرأ: } قل رب احكم بالحق {بضم الباء، لأن الداعي مقر بالعبودية، لأنه في مقام الخضوع والاستكانة.

قال: وحذف حرف النداء هنا دليل آخر، لأنه لا يطرد حذفه من النكرة المقصودة، واطراد حذفه في هذا الوجه دليل على أنه ليس بنكرة مقصودة.

وقد حمل ابن جنى القراءة على أنها مثل: "افتد مخنوق" و"أصبح ليل"، والأظهر خلافه.

ووجه هذه اللغة التكملة لشبه الياء بالتنوين من حيث أزيلت الكسرة المحرزة لها حين لم يكن للتنوين عندهم محرز.

ص: 337

ويمكن أن يكون نبه على لغة الفتح وإن كانت نادرة، وذلك قولك:

يا عبد، تريد يا عبدي، واستشهد على ذلك بقولك الشاعر:

فلست براجعٍ ما فات مني

بلهف ولا بليت ولا لواني

قالوا: أراد (يا لهفا) فحذف الألف / اجتزاًء بالفتحة منها، كما اجتزى بالكسرة من الياء في: يا عبد.

والرابع من الأوجه: تحويل كسرة ما قبل الياء فتحةً، وقلب ياء المتكلم ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها نحو: يا غلاما أقبل، وهو مقتضى المثال الرابع.

قال سيبويه: وقد يبدلون مكان الياء الألف، ثم قال: وتقول: يا عما لا تفعل، ويا أمننا لا تفعلي، أخبرنا بذلك يونس، عن العرب الموثوق بهم، ثبت هذا في النسنخة الشرقية.

ووجه هذه اللغة: الفرار من الياء المتحركة المكسور ما قبلها، مع كثرة الاستعمال.

وكل ما تقدم من التصرفات وأنواع الحذف إنما أعانهم عليه كثرة الدوران على ألسنتهم، فإن للنداء في ذلك كثرًة، ولذلك وقع فيه الترخيم وغيره، وإذا وقفت في هذا الوجه وقفت بهاء السكت فقلت: يا غلاماه، ويا عماه، فيضاهي المندوب.

ص: 338

والخامس: البقاء على الأصل من إثبات الياء وفتحها، وهو مفهوم المثال الأخير من أمثلته فتقول: يا غلامي أقبل، ويا عبدي لا تقم.

ووجه ذلك أن ياء المتكلم في مقابلة كاف المخاطب، فوجبت لها الحركة لذلك، وكانت الفتحة لخفتها على الياء دون الكسرة.

وقوله: (كعبد عبدي) إلى آخره، على حذف العاطف، أي كعبد، وعبدي، وعبد، وعبدا، وعبدي.

* * *

وأما المسألة الثانية من هذا الباب: فهي إضافة المنادى إلى المضاف إلى الياء، وذلك قوله:

وفتح أو كسر وحذف اليا اشتهر

في يا ابن أم يا ابن عم لا مفر

ومقصوده أن (الابن) المنادى إذا كان مضافا إلى (الأم) أو إلى (العم) وهما مضافان إلى الياء، ففيه من أوجه الاستعمال ما ذكر.

وبيان ذلك، على مقتضى كلامه، وإشارته، أن المنادى إذا أضيف إلى الياء فحكمه كحكم غير المنادى. هذا هو الأصل كما تقدم في "باب الإضافة".

إلا أن العرب استثنت من هذا الحكم اسمًا واحدا، وهو (الإبن) إذا أضيف إلى (الأم) أو (العم) نحو: يا ابن أمي، ويا ابن عمي.

ويلحق بهما ما أضيف إليهما (الابنة) عوض (الابن) فإن هذا له حكم آخر سيذكره.

ص: 339

وبقي ما سوى ذلك على ما تقدم، نحو: يا ابن غلامي، ويا ابنه أخي، ويا أخا أمي، ويا صاحب عمي، ويا غلام أخي، وما أشبه ذلك.

والذي ذكر الناظم في هذين اللفظين بالنص وجهان:

أحدهما: فتح الميم من (أم) فتقول: يا ابن أم، ويا ابن عم، ومنه قراءة الحرميين وأبى عمرو وحفص، عن عاصم (قال ابن أم إن القوم استضعفوني). الآية، (قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي).

والثاني: كسر الميم من غير ياء، فتقول: يا ابن أم، ويا ابن عم، ومنه قراءة من سوى المذكورين من السبعة.

وهذا الوجه هو قوله: (أو كسر وحذف اليا). فقوله: (وحذف اليا) قيد للكسر فقط، لأن الياء لا تثبت / مع الفتحة، فلا يصح نفي ما لا يصح ثبوته حقيقًة أو توهمًا.

ويمكن أن يرجح حذف الياء إلى الفتح والكسر معا، لأن الألف أصلها الياء، فكأنه اعتبر مع الفتح أصلها، فيكون على هذا التقدير قد أشار في الكسر والفتح إلى وجهين، كما سيذكر.

ص: 340

ومثل هذا في إطلاقه لفظ الياء على الألف المنقلبة عن الياء إطلاق سيبويه على الألف هنا لفظ الياء وهي ألف؛ إذ قال: وإن شئت قلت: حذفوا الياء لكثرة هذا في كلامهم، قال: وعلى هذا قال أبو النجم:

* يا ابنة عما لا تلومي واهجعي *

يريد في (يا ابن أم) و (يا ابن عم) حال الفتح.

وقاله الجرمي في بيت أبي النجم قال: يمكن أن يريد (يا ابن أمي) ثم قلب الياء ألفا، ثم حذفت استخفافا.

وقال ابن خروف: يريد سيبويه بقوله: (حذفوا الياء) قلبوا الياء ألفًا، ثم حذفوها، فعلى هذا يكون قول الناظم:(حذف الياء) من هذا القبيل.

وقوله: (اشتهر) الضمير فيه عائد على الفتح، أو الكسر مع حذف الياء، فاعتبر لفظ (أو) ويريد أن هذين الوجهين هما اللذان اشتهرا في الكلام، فهما أحسن من غيرهما.

واقتضى هذا الكلام أن هنالك من الأوجه ما لم يشتهر، وقد أشار مفهوم الصفة في قوله:(وحذف اليا) إلى ذلك، لأن التقدير أن الفتح والكسر مع حذف الياء اشتهر، فهما إذا مع عدم حذفهما لم يشتهرا، وهذا صحيح، فقد قالوا: يا ابن أمين ويا ابن عمي - بإثبات الياء 0 ويجوز فيها الفتح والإسكان. وقالوا: يا ابن أما، ويا ابن عما، فالمجموع خمسة أوجه، هذه الثلاثة منها قليلة،

ص: 341

فمن إثبات الياء قول أبي زبيد الطائي أنشده سيبويه:

يا ابن أمي ويا شقيق نفسي

أنت خليتني لأمرٍ شديد

وقال معد يكرب المعروف بغلفاء:

يا ابن أمي ولو شهدتك إذتد

عوتميمًا وأنت غير مجاب

ويحتمل ألا يكون لقوله: (وحذف اليا) مفهوم، لأنه في قوة مفهوم اللقب، ويكون قوله:(اشتهر) هو المشير إلى ما يشتهر.

وفي تقريره "الشهرة" في الوجهين ما ينبه على خلاف ما يظهر من الزجاجي في "الجمل"، من أن أثبات الياء أجود من حذفها، والأمر عند النحويين بخلاف ما قال، وقد اعترضوا عليه في هذا الموضع.

ويبقى النظر هنا في مسألتين:

إحداهما: في تنزيل هذه الأوجه وتوجيهها، فأما من يبقى ذلك على الأصل، فلا إشكال فيه، ووجهه ظاهر، فالنداء عنده لم يحدث أمرًا زائدًا على

ص: 342

ما كان قبل، والأسمان في هاتين اللغتين - أعني لغة فتح الياء ولغة إسكانها - غير مركبين؛ بل جاريان بالإعراب على ما ينبغي.

وأما ما عداهما: فالاسمان فيهما مركبان، جعلا كاسمٍ واحد لكثرة الاستعمال؛ إذ / كان استعمالهم لهذين اللفظين كثيرًا، حتى صاروا يستعملونهما في غير موضعهما، فيقولون للأجنبي: يا ابن أم عم، فلما كان كذلك صير وهما كخمسة عشر، ولذلك يجوز كتبهما موصولين هكذا: يا ابنؤم ويا ابنعم، تشبيها ببعلبك، وكذا وقع رسمه في المصحف.

ثم منهم: من أبقى الاسم على كسره بعد حذف الياء، كما قالوا: يا غلام ويا عم.

ومنهم من قلبها ألفا، كما قلبها في: يا غلاما.

ومنهم: من حذف وفتح الآخر إتباعًا لحركة نون (ابن) على العكس من: يا زيد بن عمرو.

أو بنى على الفتح تشبيها بخمسة عشر.

وقد نزل ابن أبي الربيع هذه الأوجه في التركيب على اللغات الخمس في (يا غلام) فمن أثبت الياء في (غلامي) ساكنة أو متحركة، أثبتها هنا، ومن حذف وكسر في ياء (غلام) قال هنا: يا ابن أم.

ومن فتح هنالك مع إثبات الياء مقلوبًة ألفا فعل كذلك هنا.

ص: 343

وأما من ضم في (يا غلام) فلا يمكنه هنا إلا الفتح، لأن الضم مختص بالمفرد، و (يا ابن أم) غير مفرد، فبني على الفتح.

وتبعه على هذا الأستاذ أبو عبد الله بن الفخار شيخنا، رحمه الله.

وللنحويين هاهنا اختلاف في التوجيه كثير، فتأمله.

والثانية: في حكم (ابنة) في هذا الباب، ولم يذكر الناظم ذلك، فيوهم أن حكمها مخالف لحكم (ابن) وليس كذلك، ولذلك استشهد سيبويه ببيت "أبي النجم" في الكلام على (ابن) فأتى في الشاهد (بإبنة)، فهذا دليل على جريانهما مجرًى واحدًا مع (الأم، والعم) فتقول: يا ابنة أمي، ويا ابنة أم، ويا ابنة أم ويا ابنة أما، كما في (الابن) سواء، وقد نص ابن عصفور على ذلك.

فهذا فيه ما ترى، ولا جواب لي عنه، إلا إذا ثبت أن ما قاله ابن عصفور ليس كما قال، أو يقال لما لم يذكر ذلك الجمهور، ولم يفصلوا القول في (ابنه) كما فصلوه في (ابن) داخله الريب في إثبات ذلك الحكم له، وهكذا فعل في "التسهيل" و"الفوائد المحوية"، والله أعلم بما أراد.

وأما المسألة الثالثة من هذا الباب فهي في إضافة المنادى إلى الياء مع حذفها والتعويض منها، فقال فيها:

ص: 344

وفي الندا أبت أمت عرض

واكسرأوا فتح ومن اليا التا عوض

ويريد أن (الأب، والأم) هما المختصان بهذا الحكم، وهو إلحاق التاء لهما عوضًا من ياء المتكلم، وذلك أن الأصل: يا أبي، ويا أمي، إلا أنه كثر في ألسنتهم، واستعملوها كثيرا، فحذفوا الياء على عادتهم، فكأنهم أرادوا ألا يخلوا بالاسم حين حذفت الياء منه، فألحقوا هاء التأنيث من ذلك المحذوف، كما أتوا بها في (الزنادقة) عوضًا من ياء (زناديق)، واختص النداء بهذا الحكم، كما اختص بأشياء كثيرة، فلأجل هذا المعنى قال الناظم:(ومن اليا التا عوض) فإذًا لا يصح الجمع بينهما /، فلا يقال: يا أبتي، ولا: يا أمتي، كما لا يجمع بين ياء (زناديق) وهاء (زنادقة) غير أنك إذا لم تلحق التاء عوضًا، فلك في (الأب، والأم) ما لك في المضاف إلى ياء المتكلم، من تلك الأوجه الخمسة، فتقول: يا أبي، ويا أب، ويا أب ويا أبا ويا أبى، فلذلك قال:(وفي الندا أبت أمت عرض)

ولم يلزم ذلك الحكم؛ بل جعله عارضًا وواردًا على ما يتصور من الأوجه في مثله، قاله السيرافي.

فإذا تقرر هذا ففي تحريك التاء عنده وجهان نص عليهما، وهما الكسر والفتح، فتقول: يا أبت، ويا أمت، ويا أبت ويا أمت، وقد قرئ

ص: 345

بهما: } يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا {، } يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر {، وذلك كثير، والفتح لابن عامر، والكسر للباقين من السبعة، وقد حكي الضم في التاء وهو قليل، فلذلك لم يذكره الناظم، ولا أشار إليه.

وقوله: (ومن اليا التا عوض) قصر الياء والتاء على عادته، و"التاء" مبتدأ خبره (عوض) و (من الياء) متعلق به، لأنه بمعنى معوض، على حد قولهم: زيدًا أجله محرز.

* * *

ص: 346