المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أسماء لازمت النداء - شرح ألفية ابن مالك للشاطبي = المقاصد الشافية - جـ ٥

[الشاطبي الأصولي النحوي]

الفصل: ‌أسماء لازمت النداء

‌أسماء لازمت النداء

هذا الباب يذكر فيه ألفاظا لم تستعمل إلا في النداء، وإنما تذكر في العربية، مع أنها مجرد لغة، لأن منها ما يطرد، وما يقرب من الاطراد.

وذكر معها كلماتٍ هي موقوفة على السماع، وهذا شأن النحوي، قال:

وفل بعض ما يخص بالندا

لؤمان نومان كذا واطردا

في سب الانثى وزن ياخباث

والأمر هكذا من الثلاثي

وشاع في سب الذكور فعل

ولا تقس وجر في الشعر فل

ما ذكره في هذا الباب على ضربين:

أحدهما: ما جاء منقولاً نقلاً لا يجري فيه قياس البتة، وذلك ثلاثة ألفاظ:

أحدهما: (فل) وهو بمعنى (فلان)، قال ابن خروف:"يحتمل أن يكون محذوفا من (فلان) وأن تكون كلمة مرتجلة استعملت في النداء كناية عن رجل". انتهى.

ص: 347

يقال: يا فل أقبل، بمعنى: يا فلان، وفي الحديث:"أي فل هلم"

وقول الكميت:

وجاءت حوادث في مثلها

يقال لمثلي ويهًا فل

فإذا بنينا على أنها كلمة مرتجلة بمعنى (رجل) فهي مختصة بالنداء بإطلاق، وإذا بنينا على أنها محذوفة من (فلان) فاستعمالها محذوفًة هو المختص بالنداء.

وأما إذا استعملت تامًة ففي النداء وغيره، وما جاء في الشعر في غير النداء من استعمال (فل) فلا يقال عليه، وسيذكره.

وقد يقال: (يا فلة) للمؤنث بمعنى: يا فلانة، وعلى هذا نبه بقوله:"وفل بعض ما يخص بالندا" أي إن هذا اللفظ من الألفاظ المخصوص استعمالها بالنداء.

والثاني: (لؤمان) من اللؤم، بمعنى: لئيم، واللئيم هو الدنى الأصل، الشحيح النفس، يقال لؤم لؤمًا، ولامًة، وملأمًة.

ولؤمان - كما / قال - لا يستعمل إلا في النداء.

والثالث: (نومان) وهو من النوم، ويطلق على الكثير النوم، لأن (فعلان) للكثرة والامتلاء نحو: غرثان، وشبعان، وغضبان.

قال الجوهري: ويقال: يا نومان، للكثير النوم، ولا تقل: رجل نومان، لأنه يختص بالنداء.

ص: 348

فهذا معنى قوله: "لؤمان نومان كذا" أي كـ: (فل) لا يستعملان إلا في النداء.

والضرب الثاني: ما جاء من ذلك مقيسًا أو قريبًا من المقيس، وهو ثلاثة أنواع، النوعان منها من هذا الباب، والثالث: ليس منه، لكنه أدخله معهما بالتبع:

أحدها: (فعال) في سب المؤنث، وذلك قوله:"واطردا في سب الآنثى وزن يا خباث" من الخبث، يعني أن ما كان على (فعال) مما يسب به المؤنث فهو مختص بالنداء، وهو مطرد فيه مقيس، لأنه كثر في السماع كثرًة يقاس على مثلها، نحو:(يا خباث) من الخبث، و (يا فساق) من الفسق، و (يا غدار) من الغدر، و (يا لكاع) من اللؤم بمعنى (لكعاء) وهي اللئيمة، وما أشبه ذلك.

فيجوز لك على إطلاق القياس أن تقول: يا لآم، ويا نجاسن ويا قذار، ويا رجاس، من اللؤم، والنجس، والقذر، والرجس.

وكذلك كل ما كان سبًا من الفعل الثلاثي يجوز فيه بناء (فعال) منه، فيختص بالنداء، ولا يقال في غيره.

وهذا النوع مختلف فيه، فمنهم من يجعله قياسًا كالناظم، ومنهم من يقفه على السماع، وهذا الخلاف أصله الشهادة بكونه بلغ في الكثرة مبلغ القياس أولا، والناظم شهد بالأول، فلذلك قاسه.

والثاني: وزن (فعال) المراد به الأمر المبني من الفعل الثلاثي، وهو قوله:"والأمر هكذا من الثلاثي".

"الأمر" معطوف على "وزن" و "هكذا" الإشارة بـ (إذا) إلى وزن (خباث) كأنه قال: واطرد الأمر مثل (فعال) من الثلاثي من الأفعال، فأراد أن ذلك مطرد أيضًا مقيس، كما اطرد في اختصاصه بالنداء حين كان وصفا.

ص: 349

والاطراد في الشيء: تبعية بعضه على بعض حتى لا يتخلف، يقال: اطرد الأمر، إذا استقام، واطرد الشر: تبع بعضه بعضا، ومنه اطراد النهر، وهو جريانه.

فأراد أن ذلك استقام في القياس ولم ينكسر.

ومثال ذلك: (نزال) من: انزل، و (حذار) من: احذر، ومنه ما أنشد سيبويه للأعشى:

مناعها من إبل مناعها

ألا ترى الموت لدى أرباعها

وأنشد أيضا قول الآخر:

ص: 350

تراكها من إبلٍ تراكها

ألا ترى الموت لدى أوراكها

فـ (مناع) من: امنع، و (تراك) من: اترك، وانشد أيضا لأبي النجم:

* حذار من أرماحنا حذار *

أي: احذر، وأنشد أيضا لرؤبة:

* نظاركى أركبها نظار *

أي: انظر، بمعنى انتظر، وأنشد لزهير:

ولنعم حشو الدرع أنت إذا

دعيت نزال ولج في الذعر

ص: 351

وأنشد أيضاً:

نعاء ابن ليلى للسماحة والندى

وأيدي شمالٍ باردات الأنامل

/ وأنشد لجرير:

نعاء أبا ليلى لكل طمرةٍ

وجرداء مثل القوس سمحٍ حجولها

أي: انع، من النعي وهو خبر الموت.

فهذا الباب أيضا مقيس عند الناظم، فتقول على هذا (ضراب) من: اضرب، و (خراج) من: اخرج، و (عمال) من: اعمل و (جبار) من: اجبر، و (قتال) من (اقتل) ونحو ذلك.

وقد اختلف في هذا النوع أيضا، فحكي السيرافي عن بعض النحويين، ويذكر ذلك للمبرد، أنه لا يجعل الأمر من الثلاثي مطردا؛ بل يقفه على السماع.

ص: 352

والذي ذهب إليه سيبويه في هذا النوع، وفيما قبله، أنهما مطردان كمذهب الناظم، نص على ذلك في أبواب "ما لا ينصرف" فقال: واعلم أن (فعال) ليس بمطرد في الصفات، نحو: حلاق، ولا في مصدر، نحو: فجار، وإنما يطرد الباب في النداء، وفي الأمر.

وقد مال الشلوبين إلى رأى المبرد، وحمل عليه كلام سيبويه، وزعم أن القياس أداه إلى ذلك، قال: لأن باب الأمر أن يكون بالفعل، والعدل عنه إلى الأسماء ليس بقياس، وعلى هذا المعنى اعتمد، ثم تأول كلام سييبويه على أن المراد بالاطراد الكثرة، وأراد بإطلاق الجواز أنه يريد الجواز على الجملة، على معنى قوله في الاطراد.

وهذا كله خلاف الظاهر من كلامه، وما علل به منع القياس لا يلزم إذا كان السماع بحيث يصلح أن يقاس عليه لكثرته؛ لكن سيبويه شرط في اطراده شرطا، وهو أن يكون مبنيًا من الفعل الثلاثي، فقال: واعلم أن (فعال) جائزة من كل ما كان على بناء (فعل) أو (فعل) أو (فعل) قال: ولا يجوز من (أفعلت) لأنا لم نسمعه من بنات الأربعة، إلا أن تسمع شيئا فتجيزه فيما سمعت، ولا تجاوزه.

وهذا الشرط هو الذي شرط الناظم في قوله: "من الثلاثي" فلا يجوز أن تقول: (كرام) من: أكرم، ولا (خراج) من أخرج، ولا نحو ذلك، وما جاء منه

ص: 353

فمسموع نحو: (دراك) من: أدرك، و (بدار زيدًا) من بادرته، لأنه يقال: بدرت إليه، وبادرته، فهو من (بادرته) المتعدى.

وأنشد يعقوب، قال: أنشدوا:

بدارها من إبل بدارها

قد نزل الموت لدى صغارها

وحذفوا الزيادة لأنها لما كانت غير أصل استسهلوا ذلك فيها.

ولم يمكن ذلك في (قرقار) بمعنى قرقر، أي صوت، و (عرعار) بمعنى عرعر، أي اجتمعوا للعب، لأصالة جميع الحروف، فخرج بذلك عن بناء (فعال) إلى ما قرب منه وهو (فعلال) أنشد سيبويه لأبي النجم:

قالت له ريح الصبا: قرقار

وقال النابغة:

ص: 354

متكنفي جنبي عكاظ كليهما

يدعو صبيهم بها عرعار

وكأن الناظم أراد نقل نص سيبويه في المسألة؛ إذ أتى بلفظ الاطراد، وشرط كون الفعل ثلاثيا، فعلى هذا كل ما جرى لشراح الكتاب في عبارة سيبويه من النظر جارٍ هنا من أوله إلى آخره، فهو شرح لكلام ابن مالك هنا.

/ والنوع الثالث: (فعل) في سب الذكور، يعني صفة نظيره (فعال) في سب الأناث، فيريد أن ذلك شائع في كلام العرب، وكثر واشتهر، لكن مختصا بالنداء أيضا، كنظيره في سب الإناث، نحو: يا غدر، ويا فسق، ويا خبث.

لكن لما كان هذا النوع عنده لم يكثر كثرة نظيره، لم يطلق فيه القياس، بل قال:"ولا تقس" فمنع من القياس فيه، ووقفه على النقل وإن كثر وشاع.

وما ذهب إليه مذهب طائفة من النحويين، ومنهم من يجعله قياسا فيقول: يا كذب، ويا لؤم، وما أشبه ذلك، والتحاكم في هذا أيضا إلى السماع.

ثم حكي ما في (فل) شاذًا، وهو مجيئه في غير النداء؛ فقال:"وجر في الشعر فل" يعني أنه يستعمل في غير النداء لكن في الشعر ضرورة.

وعين موضع السماع، وهو كونه جاء مجرورا، تحريًا في النقل، وتعيينًا لموضع الشاهد، وتنبيهًا أنه إنما جاء في موضع واحد وإشارته

ص: 355

بذلك إلى بيت أبي النجم:

* في لجةٍ أمسك فلانًا عن فل *

وهنا تم قصده إلا أنه يرد عليه السؤال من ثلاثة أوجه:

أحدهما: أن هذا النظم إنما المقصود به الإتيان بالأمور القياسية دون السماعية، إلا أن ينبه على السماع تكلمًة بعد تحصيل المراد من القياس، وهو لم يفعل ذلك هنا؛ بل ترك من الأبنية ما هو عند طائفة من النحويين قياس مطرد فيما يختص بالنداء، كـ (فعال) عنده، وأتى بألفاظ شاذًة عوض ذلك، وهي: فل، ولؤمان، ونومان.

فقالوا: إن (مفعلان) في هذا الباب قياس نحو: مكرمان، وملأمان، ومكذبان، ومخبثان، فهذا من المسموع.

وأجازوا أن يقال: على هذا: مفسقان، ويا مغدران، ويا ملكعان، هذا إن اقتصرنا بالقياس على ما بنى للذم (وهو قول بعضهم: إن مفعلان) يختص بالذم) ورد عليه بقولهم: يا مكرمان، فيقال قياسًا عليه أيضا: يا مشرفان، من (شرف) ويا مفقهان، من (فقه) وما أشبه ذلك.

وإذا سلمنا أنه غير قابل للقياس، ففيه من الشياع في الاستعمال، ومن الكثرة، ما يستحق به أن يذكر مع (فعل) فتركه لمثل هذا، وذكره لمثل (فل، ولؤمان) عكس ما عليه الحكمة الصناعية.

ص: 356

والثاني: أنه حين تعرض لذكر الألفاظ المسموعة كان حقه أن يذكر جميعها أو أكثرها، كما فعل في "التسهيل" فأتى بـ (فل، وفلة، ومكرمان وملأمان، وملأم، ولؤمان، ونومان).

وحكي غيره: مخبثان، ومكذبان، وأشياء غير هذه.

وإن سلمنا الإتيان ببعضها فكان حقه أن يأتي بأشهرها في النقل، وأكثرها تداولاً بين النحويين، كمكرمان، وملأمان، ونحو ذلك، ويترك ذكر (لؤمان، ونومان).

والثالث: أنه ذكر الشذوذ في (فل) وهو من الأفراد المسموعة التي لو أهمل ذكرها لم يلم على ذلك، وترك ذكر الشذوذ في (فعال) المطرد عنده، لأنهم قد استعملوا (لكاع) / في غير النداء، وأنشد النحويون على ذلك:

أطوف ما أطوف ثم آوى

إلى بيتٍ قعيدته لكاع

وقد تقدم أيضا شذوذ باب (فعال) في الأمر، وهو لم ينبه على ذلك، مع أنه آكد من ذكر الشذوذ في (فل).

ص: 357

والجواب عن السؤال الأول: أن القياس في (مفعلان) غير ثابت عنده؛ إذ لم يبلغ ما سمع منه مبلغ ذلك، فيكون ذاهبًا فيه مذهب من اقتصر على المسموع. وهذا لا اعتراض فيه.

وأما كونه لم يذكره فيما شاع اختصاصه بالنداء (كما ذكر فعل) فإنما ذلك، والله أعلم، لأنه لم يتحقق عنده اختصاصه بالنداء) ابتداًء، وذلك لأنه قد حكي: رجل مكرمان، ورجل ملأمان، وامرأة ملأمانة.

وحكي ابن خروف عن أبي الحسن أنه قال في "باب من التأنيث": فأما مفعلان نحو: مكرمان، وملأمان، ومخبثان، وملكعان، وما بنى على هذا البناء فإذا جعلته للمؤنث ألحقت فيه الهاء، نحو: مكرمانة ومخبثانة، وهذا يجعل معرفة، تقول: هذا مكرمان مقبلاً، ومكرمانة مقبلًة.

قال ابن خروف: وفي هذا شيئان:

أحدهما: استعمالها في غير النداء، الثاني: استعمال الباب في المدح. انتهى.

فإذا كان الحكم هكذا فأي شياعٍ يثبت لـ (مفعلان) في استعماله مخصوصا بالنداء؟

والجواب عن الثاني: أنه إنما قصد أن يأتي بالبعض منبها على الباب، وموضع استيفاء المثل كتب اللغة أو المطولات في النحو، فالتنبيه في مثل هذا المختصر بالبعض يكفي، وقد بين أن ما ذكره بعض من جملة حين قال:"بعض ما يخص بالنداء" فعليك أنت بالبحث عنها.

ص: 358

وأما كونه لم يأت بالمشهور من تلك الألفاظ فذلك، والله أعلم، لأن ما أتى به هو الذي تحقق عنده أنه لم يستعمل في غير النداء، إذ كان غيرها قد نقل فيه الاستعمال في غيره حسبما وقع التنبيه عليه آنفا، ولم يكن ذلك كختصًا بالضرورة كما قال في (فل) بل استعمل في الكلام فلم يعبأ به، وأتى بما يتخلص به من الاعتراض عليه، وهو الألفاظ الثلاثة التي ذكر.

والجواب عن الثالث: أنه ذكر الشذوذ في (فل) ولم يذكره في المقيس وهو موجود فيه، لأن المقيس إذا اطرد لم يضره المخالف الشاذ في اطراده؛ بل يبقي على حاله من الاطراد، ويوقف المسموع على محلة، بخلاف المسموع إذا عارضه في استعماله استعمال آخر نحو:(فل) فإن للقائل أن يقول: قد استعمل في النداء وغير النداء، فليس مختصا، فيعارض بذلك، فلا يتخلص له المثال من الاعتراض، فبين أن ما جاء في غير النداء إنما جاء في محل (الضرورة) لا في محل (الاختيار). ولذلك لم يسمع في غير بيت أبي النجم، كما نبه عليه بقوله:"وجر في الشعر فل" وبقي ما عدا هذا الموضع مشتعملا فيه (فل) في النداء خاصة استعمالاً شهيرا، يشهد فيه أنه اختص بالنداء.

وهذا النوع من المسموعات الموقوفات على النقل قد يتفق كثيرا.

ألا ترى إلى استغنائهم بـ (ترك) عن / (وذر، وودع) وذلك مسموع، ثم

ص: 359

إنهم حكموا (ودع) ولم تكن حكايته بمخرجةٍ له عن قاعدة الاستغناء، لأن الاستغناء عنه شهير، وترك الاستغناء غير شهير، فكذلك مسألتنا، ولها نظائر كثيرة.

فتأمل مقصد الناظم في التنبيه على الشذوذ في (فل) وعدم التنبيه عليه في (فعال) يظهر لك أنه لو عكس الأمر لتوجه الاعتراض عليه، وهذا حسن من التنبيه، وبالله التوفيق.

ص: 360