المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: وَالْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ هِىَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ، تَعَالَى اسْمُهُ. ــ إقامَةُ البَيِّنَةِ بعدَ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٣٠

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: وَالْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ هِىَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ، تَعَالَى اسْمُهُ. ــ إقامَةُ البَيِّنَةِ بعدَ

‌فَصْلٌ:

وَالْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ هِىَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ، تَعَالَى اسْمُهُ.

ــ

إقامَةُ البَيِّنَةِ بعدَ ذلك. قال فى «الرِّعايَةِ» : وتحْلِيفُه عندَ حاكمٍ آخَرَ.

قوله: وإِنْ أَبَوْا، حَلَفَ لكُلِّ واحِدٍ يَمِينًا. بلا نِزاعٍ.

فائدة: لو ادَّعَى واحدٌ حُقوقًا على واحدٍ، فعليه فى كلِّ حقٍّ يمِينٌ.

قوله: واليَمِينُ المَشْرُوعَةُ هى اليَمِينُ باللَّهِ، تعالَى اسْمُهُ. فتُجْزِئُ اليمينُ بها، بلا

ص: 120

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نِزاعٍ.

ص: 121

وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَغلِيظَهَا بِلَفْظٍ، أَوْ زَمَنٍ، أَوْ مَكَانٍ، جَازَ، فَفِى اللَّفْظِ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِى لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الطَّالِبِ الْغَالِبِ، الضَّارِّ النَّافِعِ، الَّذِى يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ. وَالْيَهُودِىُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِى أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَفَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ، وَأَنْجَاهُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ. وَالنَّصْرَانِىُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِى أَنْزَلَ الإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَجَعَلَهُ يُحْيِى الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ. وَالْمَجُوسِىُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِى خَلَقَنِى وَصَوَّرَنِى وَرَزَقَنِى. وَالزَّمَانِ، يُحَلِّفُهُ

ــ

وقوله: وإنْ رَأَى الحَاكِمُ تَغْلِيظَها بلَفْظٍ، أو زَمَنٍ، أو مَكانٍ،

ص: 123

بَعْدَ الْعَصْرِ، أَوْ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ. وَالْمَكَانِ، يُحَلِّفُهُ بِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَفِى الصَّخْرَةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِى سَائِرِ البُلْدَانِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. وَيُحَلِّفُ أَهْلَ الذِّمَّةِ فِى الْمَوَاضِعِ الَّتِى يُعَظِّمُونَهَا.

ــ

جازَ. وهو المذهبُ. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «التَّرْغِيبِ» ، و «الوَجِيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، وغيرِهم. قال فى «النُّكَتِ»: قطَع به فى «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه، واخْتارَه القاضى وغيرُه. انتهى. وقدَّمه فى

ص: 124

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: يُكْرَهُ تغْلِيظُها. قدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» . واخْتارَ المُصَنِّفُ أنَّ ترْكَه أَوْلَى، إلَّا فى مَوْضِعٍ ورَدَ الشَّرْعُ به وصَحَّ. وذكَر فى «التَّبْصِرَةِ» رِوايةً، لا يجوزُ تغْليظُها. واخْتارَه أبو بَكْرٍ، والحَلْوانِىُّ. قالَه فى «الفُروعِ» . ونصَرَ القاضى وجماعَةٌ، أنَّها لا تُغَلَّظُ؛ لأنَّها حُجَّةُ أحَدِهما، فوَجَبَتْ مَوْضِعَ الدَّعْوَى، كالبَيِّنَةِ. وعنه، يُسْتَحَبُّ تغْلِيظُها مُطْلَقًا. قال ابنُ خَطِيبِ السَّلامِيِّةِ فى «نُكَتِه»: اخْتارَه أبو الخَطَّابِ. وقال الشَّيْخُ

ص: 125

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: أحدُ الأقْسامِ، معْنَى الأَقْوَالِ أنَّه يُسْتَحَبُّ إذا رآه الإِمامُ مصْلَحَةً. ومالَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، وصاحِبُ «النُّكَتِ» إلى وُجوبِ التَّغْليظِ إذا رَآه الحاكِمُ وطَلَبَه، على ما يأْتِى فى كلامِهما. وقيل: يُسْتَحَبُّ تغْلِيظُها

ص: 126

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

باللَّفْظِ فقط. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو (1) ظاهرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، أيضًا. وظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ تغْلِيظُها فى حقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ خاصَّةً. قالَه الزَّرْكَشِىُّ. وإليه مَيْلُ أبى محمدٍ. قال الشَّارِحُ وغيرُه: وبه قال أبو بَكْرٍ.

قوله: وَالنَّصْرانِىُّ يَقُولُ: واللَّهِ الَّذِى أَنْزَلَ الإِنْجِيلَ على عِيسَى، وجَعَلَه يُحْيِى المَوْتَى، ويُبْرِئُ الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ. هكذا قال جماهيرُ الأصحابِ. وقال بعضُهم:

(1) زيادة من: أ.

ص: 127

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى (1) تَغْليظِ اليمينِ بذلك فى حقِّهم نظَرٌ؛ لأنَّ أكْثَرَهم إنَّما يعْتَقِدُ أنَّ عيسى ابنٌ للَّهِ. قوله: والمَجُوسِىُّ يَقُولُ: واللَّهِ الَّذِى خَلَقَنِى ورَزَقَنِى. وهذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وذكَر ابنُ أبى مُوسى، أنه يَحْلِفُ، مع ذلك، بما يُعَظِّمُه مِنَ الأَنْوارِ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 128

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِها. وفى «تَعْليقِ» أبى إسْحاقَ ابنِ شَاقْلَا، عن أبى بَكْرِ بنِ جَعْفَرٍ، أنَّه قال: ويحْلِفُ المَجُوسِىُّ، فيقالُ له: قُلْ: والنُّورِ والظُّلْمَةِ. قال القاضى: هذا غيرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يَحْلِفُوا، وإنْ كانتْ مخْلوقَةً،؛ يحْلِفُونَ فى المواضِعِ التى يُعَظِّمُونَها، وإنْ كانتْ مَواضِعَ يُعْصَى اللَّهُ فيها. قالَه فى «النُّكَتِ» . ونقَل المَجْدُ مِن «تَعْليقِ» القاضى، تُغلَّظُ اليمِينُ على المَجُوسِىِّ باللَّهِ الذى بَعَثَ إدْرِيسَ رسُولًا؛ لأنَّهم يعْتَقِدونَ أنَّه الذى جاءَ بالنُّجومِ التى يعْتَقِدُونَ تعْظِيمَها، ويُغَلَّظُ على الصَّابِئِ باللَّهِ الذى خلَق النَّارَ؛ لأنَّهم يعْتَقِدُونَ تَعْظِيمَ النَّارِ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ

ص: 129

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الدِّينِ، رحمه الله: هذا بالعَكْسِ؛ لأنَّ المَجُوسَ تُعَظِّمُ النَّارَ، والصَّابِئَةَ تُعَظِّمُ النُّجومَ.

فائدة: لو أبَى مَنْ وَجَبَتْ عليه اليمينُ التَّغْلِيظَ، لم يَصِرْ ناكِلًا. وحُكِىَ إجْماعًا. وقطَع به الأصحابُ. قال فى «النُّكَتِ»: لأنَّه قد بذَل الواجِبَ عليه، فيجِبُ الاكْتِفاءُ به، ويَحْرُمُ التَّعَرُّضُ له. قال: وفيه نظَرٌ؛ لجَوازِ أن يُقالَ: يجبُ التَّغْليظُ إذا رَآه الحاكمُ وطَلَبَه. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: قِصَّةُ مَرْوانَ مع زَيْدٍ تدُلُّ على أن القاضِىَ إذا رَأَى التَّغْليظَ، فامْتَنَعَ مِن الإِجابَةِ، أَدَّى (1) ما ادُّعِىَ به، ولو لم يكُن كذلك، ما كان فى التَّغْليظِ زَجْرٌ قَطُّ. قال فى «النُّكَتِ»: وهذا

(1) فى الأصل: «ادعى» .

ص: 130

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الذى قالَه صحيحٌ، والرَّدْعُ والزجْرُ علةُ التَّغْليظِ، فلو لم يجِبْ برأىِ الإِمامِ، لتَمَكَّنَ كلُّ أحَدٍ مِنَ الامتِناعِ منه؛ لعدَمِ الضَّرَرِ عليه فى ذلك، وانْتفَتْ فائِدَته. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، أيضا: متى قُلْنا: هو مُسْتَحَب. فيَنْبَغِى أنّه إذا امتَنَعَ منه الخَصمُ، يصِيرُ ناكِلًا.

قوله: وفى الصخْرَةِ ببَيْتِ المَقْدسِ. وهذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وقطَعُوا به. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، أنَّها لا تُغلظُ عندَ الصَّخْرَةِ، بل عندَ المِنْبَرِ، كسائرِ المساجدِ، وقال عن الأَوَّلِ: ليس له أصل فى كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، ولا غيرِه مِنَ الأئمةِ. وإليه مَيْلُ صاحِبِ «النُّكَت» فيها.

قوله: وفى سائرِ البُلْدَانِ عندَ المِنْبَرِ. وهذا المذهبُ مُطْلَقا. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به أكثرُهم. وقال فى «الواضِحِ» : هل يَرقَى مُتَلاعِنان المِنْبَر؟ الجوازُ وعدَمُه. وقيل: أَنْ قل النَّاس، لم يَجُزْ. وقال أبو الفَرَجِ: يرقَيانِه. وقال فى «الانْتِصارِ» : يُشْتَرَطُ أَنْ يرقَيا (1) عليه.

قوله: ويُحَلِّفُ أهلَ الذِّمَّةِ فى المَواضِعِ التى يُعَظِّمُونها. بلا نِزاعٍ. وقال فى

(1) فى الأصل: «يرتقيا» . وانظر الفروع 6/ 533، والمبدع 10/ 291.

ص: 131

وَلَا تُغَلَّظُ الْيَمِينُ إلَّا فِيمَا لَهُ خَطَر؛ كَالْجِنَايَاتِ، وَالْعَتَاقِ، وَالطَّلاقِ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزكَاةُ مِنَ الْمَالِ. وَقِيلَ: مَا يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ.

ــ

«الواضحِ» : ويحْلِفُونَ أيضًا فى الأزْمِنَةِ التى يُعَظمُونَها، كيومِ السَّبت والأحدِ.

قوله: ولا تُغَلَّظُ اليَمِينُ إلَّا فيما له خَطَر -يعنِى حيثُ قُلْنا: يَجُوزُ التَّغْلِيظُ-

ص: 132

وَإِنْ رَأى الْحَاكِمُ تَركَ التَّغْلِيظِ فَتَرَكَهُ، كَانَ مُصِيبًا.

ــ

كالجِناياتِ، والطَّلاقِ، والعَتاقِ، وما تَجِبُ فيه الزَّكاةُ مِنَ المالِ. وهذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «المُذْهبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «النَّظْم» ، و «الوَجِيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِى» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: تُغلَّظُ فى قَدرِ نِصابِ السرِقَةِ فأَزْيدَ. وظاهرُ كلامِ الخِرَقِى، والمَجْدِ فى «مُحَررِه» التَّغْليظُ مُطْلَقًا.

فائدة: لا يُحَلَّفُ بطَلاقٍ. ذكَرَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّين، رحمه الله، وِفاقًا للأئمَّةِ الأربَعَةِ، رَحِمَهم اللَّه تُعالَى. وحكَاه ابنُ عَبْدِ البَر، رحمه الله، إجْماعًا. قال فى «الأحكامِ السلْطانِيَّةِ»: للوالِى إحْلافُ المَتْهومِ؛ اسْتِبراءً وتغْلِيظًا فى الكَشْفِ فى حقِّ اللَّهِ تعالَى، وحق آدَمِى، وتحلِيفُه بطَلاقٍ، وعِتْقٍ، وصَدَقَةٍ، ونحوِه، وسَماعُ شَهادَةِ أَهْلِ المِهَنِ إذا كثروا، وليس للقاضِى ذلك، ولا إحْلافُ أحدٍ إلَّا باللَّهِ، ولا على غيرِ حق. انتهى.

ص: 133