الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب إعراب الصحيح الآخر
ص: الإعرابُ ما جيء به لبيان مقتضى العامل من حركةٍ، أو حرف، أو سكون، أو حذف. وهو في الاسم أصلٌ، لوجوب قبوله بصيغة واحدة معاني مختلفة، والفعل والحرف ليسا كذلك فبنيا، إلا المضارع فإنه شابه الاسم بجواز شبه ما وجب له فأعرب، ما لم تتصل به نون توكيد أو إناث.
ش: الإعراب في اللغة التبيين، يقال: أعرب فلان عما في نفسه إذا بينه، وهو عند المحققين من النحويين عبارة عن المجعول آخر الكلمة مبينا للمعنى الحادث فيها بالتركيب من حركة أو سكون أو ما يقوم مقامهما، وذلك المجعول قد يتغير لتغير مدلوله وهو الأكثر، كالضمة والفتحة والكسرة في نحو: ضرب زيدٌ غلامَ عمرو. وقد يلزم للزوم مدلوله كرفع: لا نَولُك أن تفعل، ولعمرك. وكنصب سبحانَ الله ورويدَك. وكجر الكُلاع وعِرْيَط من ذي الكلاع وأمِّ عريط.
وبهذا الإعراب اللازم يعلم فساد قول من جعل الإعراب تغيرا، وقد اعتذر عن ذلك بوجهين: أحدهما أن ما لازم وجها واحدا من وجوه الإعراب فهو صالح للتغيير فيصدق عليه متغيِّر، وعلى الوجه الذي لازمه تغير. والثاني أن الإعراب تجدد في حال التركيب، فهو تَغير باعتبار كونه مُنتقلا إليه من السكون الذي كان قبل التركيب.
والجواب عن الأول أن الصالح لمعنى لم يوجد بعد لا ينسب إليه ذلك المعنى حقيقة حتى يصير قائما به، ألا ترى أن رجلا صالح للبناء إذا ركب مع لا، وخمسة عشر صالح للإعراب إذا فك تركيبه، ومع ذلك لا ينسب إليهما إلا ما هو حاصل في الحال من إعراب رجل وبناء خمسة عشر، فكذا لا ينسب تغيير إلى ما لا تغير له في الحال.
والجواب عن الثاني أن المبني على حركة مسبوق بأصالة السكون، فهو متغير أيضا، وحاله تغير، فلا يصلح أن يحدّ بالتغيير الإعراب لكونه غير مانع من مشاركة
البناء، ولا يخلص من هذا القدح قولهم: لتغير العامل، فإن زيادة ذلك توجب زيادة فساد، لأن ذلك يستلزم كون الحال المنتقل عنها حاصلة بعاملٍ تغير، ثم خلفه عامل آخر حال التركيب، وذلك باطل بيقين، إذ لا عامل قبل التركيب، وإذا لم يصح أن يعبَّر عن الإعراب بالتغيير صح التعبير عنه بأنه المجعول آخرا من حركة وغيرها على الوجه المذكور.
وقال بعضهم: لو كانت الحركات وما جرى مجراها إعرابا لم تُضف إلى الإعراب، لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه، وهذا قول صادر عمن لا تأمل له، لأن إضافة أحد الاسمين إلى الآخر مع توافقهما معنى أو تقاربهما واقعة في كلامهم بإجماع، وأكثر ذلك فيما يقدر أولهما بعضا أو نوعا، والثاني كلا أو جِنْسا وكلا التقديرين في حركات الإعراب صالح فلا يلزم من استعماله خلاف ما ذكرنا.
وينبغي أن تعلم أن المعاني التي تعرض للكلم على ضربين.
أحدهما ما يعرض قبل التركيب كالتصغير والجمع والمبالغة والمفاعلة والمطاوعة والطلب، فهذا الضرب بإزاء كل معنى من معانيه صيغة تدل عليه، فلا حاجة إلى الإعراب بالنسبة إليه.
والثاني من الضربين ما يعرض مع التركيب كالفاعلية والمفعولية والإضافة، وكون الفعل المضارع مأمورا به أو معطوفا أو علة أو مستأنفا، وهذا الضرب تتعاقب معانيه على صيغة واحدة فتفتقر إلى إعراب يميز بعضها عن بعض، والاسم والفعل المضارع شريكان في قبول ذلك مع التركيب، فاشتركا في الإعراب، لكن الاسم عند التباس بعض ما يعرض له ببعض ليس له ما يغنيه عن الإعراب، لأن معانيه مقصورة عليه، فجعل قبوله لها واجبا، لأن الواجب لا محيص عنه، والفعل المضارع وإن كان قابلا بالتركيب لمعان يخاف التباس بعضها ببعض فقد يغنيه عن الإعراب تقدير اسم مكانه نحو: لا تُعنَ بالجفاء وتمدح عمرا، فإنه يحتمل أن يكون نهيا عن الفعلين مطلقا، وعن الجمع بينهما، وعن الجفاء وحده مع استئناف الثاني، فالجزم دليل الأول، والنصب دليل الثاني، والرفع دليل الثالث، ويغني عن ذلك وضع اسم موضع كل واحد من المجزوم والمنصوب والمرفوع نحو أن تقول: لا تُعنَ بالجفاء ومدحؤ عمرٍو، ولا تعن بالجفاء مادحا عمرا، ولا تعن بالجفاء ولك مدحُ عمرو، فقد ظهر بهذا
تفاوت ما بين سببي إعراب الاسم وإعراب الفعل في القوة والضعف، فلذا جعل الاسم أصلا والفعل المضارع فرعا.
والجمع بينهما بما ذكرته أولى من الجمع بينهما بالإبهام والتخصيص، ولام الابتداء، ومجاراة المضارع اسم الفاعل في الحركة والسكون، لأن المشابهة بهذه الأمور بمعزل عما جيء بالإعراب لأجله، بخلاف المشابهة التي اعتبرتها، ولأن في الفعل الماضي من مشابهة الاسم ما يقاوم المشابهة المعزوة للمضارع، ولعلها أكمل، فمن ذلك أن الماضي إذا ورد مجردا من قد كان مبهما من بُعْدِ الماضي وقربه، وإذا اقترن بقد فقد تخلص للقرب، فهذا شبيه بإبهام المضارع عند تجرده من القرائن، وتخلصه للاستقبال بحرف التنفيس.
وأما لام الابتداء، وإن كان للمضارع بها مزيد شبه بالاسم، لكونها لا تدخل إلا عليهما، فتقاومها اللام الواقعة بعد لو، فإنها تصحب الاسم والفعل الماضي خاصة كقوله تعالى (ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة) و (ولو أسمعهم لتولَّو) وليس الاعتبار بتلك أحق من الاعتبار بهذه، ولو لم يظفر بهذه لقاوم تلك تاء التأنيث فإنها تتصل بآخر الماضي كما تتصل بآخر الاسم، فحصل للماضي بذلك من مشابهة الاسم مثل ما حصل للمضارع بلام الابتداء.
ويقاوم لام الابتداء أيضا مباشرة مذ ومنذ، فإن المضاي يشارك الاسم فيهما دون المضارع.
وأما مجاراة المضارع اسم الفاعل في الحركة والسكون، فالماضي غير الثلاثي شريكه فيها، وإنما يختص بها المضارع إذا كان الماضي على فَعَل مطلقا، أو على فَعِل متعديا. وللماضي ما يقاوم الفائت من اتحاد وزنه ووزن الصفة والمصدر وتقاربهما، فالاتحاد نحو: طَلَبَ طَلَبا، وحَلب حلبا، وغلب غلبا، وفرِح وأشِر وبطر، فهو فرح وأشِر وبطر، والتقارب نحو: تَعب تَعبا وحسب حَسْبا، وكذب كذِبا.
ولا ريب في أن التوازن في هذا الضرب أكمل منه في: يضرب فهو ضارب، فبان بما ذكرناه تفضيل ما اعتبرناه.
وفي قولنا في المضارع "فأعرب ما لم تتصل به نون توكيد أو إناث" إشعار بأن المضارع لا يُحكم ببنائه لتوكيده بالنون مطلقا، بل المؤكد بها معرب ومبني، فالمعرب ما أسند إلى ضمير اثنين أو جمع أو مخاطبة، نحو: هل تفعلانِّ، وهل تفْعَلُنّ، وهل تفعِلنَّ، والمبني ما ليس كذلك.
وإنما كان الأمر كذلك لأن المؤكَد بالنون إنما بني لتركيبه معها وتنزُّله منها منزلة صدر المركب من عجزه، وذلك منتف من يفعلانِّ وأخويه. هذا مذهب المحققين، ويدل على صحته أن البناء المشار إليه إما بالتركيب، وإما لكون النون من خصائص الفعل، فضعف بلحاقها شَبَهُ الاسم، إذ لا قائل بغير ذلك، والثاني باطل لأنه مرتب على كون النون من خصائص الفعل، ولو كان ذلك مؤثرا لبنى المجزوم، والمقرون بحرف التنفيس، والمسند إلى ياء المخاطبة، لأنها مساوية للمؤكد في الاتصال بما يخص الفعل، بل ضَعف شبه هذه الثلاثة أشد من ضعف شبه المؤكد بالنون، لأن النون وإن لم يَلِقْ لفظها بالاسم فمعناها به لائق، بخلاف لم وحرف التنفيس وياء المخاطبة بالفعل لكان ما اتصل به أحد الثلاثة مبنيا، لأنها أمكن في الاختصاص، وفي عدم بناء ما اتصلت به دلالة على أن موجب البناء التركيب إذ لا ثالث لهما. وإذا ثبت أن موجب البناء هو التركيب لم يكن فيه لتفعلانِّ وأخويه نصيب، لأن الفاعل البارز حاجز، وثلاثة أشياء لا تركب.
وأيضا فإن الوقف على نحو: هل تَفعلين، بحذف نون التوكيد وثبوت نون الرفع، فلو كان قبل الوقف مبنيا لبقي بناؤه، لأن الوقف عارض، فلا اعتداد بزوال ما زال لأجله، كما لا اعتداد بزوال ما زال لالتقاء الساكنين نحو: هل تذكر الله، والأصل: تذكرنْ، فحذفت النون الخفيفة لالتقاء الساكنين، وبقيت فتحة الراء الناشئة عن النون مع كونها زائلة، لأن زوالها عارض فلم يعتد به، ولا فرق بين العروضين، فلو كان لتفعلُنْ ونحوه قبل الوقف بناء لاستصحب عند عروض الوقف كما استصحب بناء هل تذكرَنْ عند عروض التقاء الساكنين.
وهذا منتهى القول في المؤكد بالنون بالنسبة إلى بنائه وإعرابه دون تعرض إلى ما سوى ذلك من أسباب توكيده بها.
وسائر أسباب بنائه ما ذهب إليه سيبويه من أنه مبني حملا على الماضي المتصل بها، لأن أصل كل واحد منهما البناء على السكون، فأخرج عنه المضارع إلى الإعراب للمناسبة المتقدم ذكرها، وأخرج عنه الماضي إلى الفتح تفضيلا على الأمر لشبهه بالمضارع لوقوعه صفة وصلة وحالا وشرطا ومسندا بعد كان وإن وظن وأخواتها، بخلاف الأمر، فاشتركا في العود إلى الأصل بالنون، كما اشتركا في الخروج عنه بالمناسبتين المذكورتين.
وقيل إنما بني المتصل بنون الإناث لتركيبه معها، لأن الفعل والفاعل كالشيء الواحد معنى وحكمًا، فإذا انضم إلى ذلك أن يكون مستحقًّا للاتصال لكونه على حرف واحد تأكد امتزاجه وجعله مع ما اتصل به شيئًا واحدًا. فمقتضى هذا أن يبنى المتصل بألف الضمير أو واوه أو يائه، لكن منع من ذلك شبهه بالاسم المثنى والمجموع على حده، كما منع من بناء "أي" مع ما فيها من تضمن معنى الحرف شبهها ببعض وكل معنى واستعمالا.
وقيل إنما بني المتصل بنون الإناث لنقصان شبهه بالاسم لأنها لا تلحق الأسماء، وما لحقته من الأفعال إن باين الاسم ازدادت بها مباينته، وإن شابهه نقصت بها مشابهته.
ص: ويَمْنَعُ إعرابَ الاسم مُشابهةُ الحرفِ بلا مُعارِض، والسَّلامةُ منها تَمَكُّن، وأنواعُ الإعراب رفعٌ ونصب وجر وجزم.
ش: الحرف أمكن في عدم الإعراب من الفعل، لأن من الأفعال ما يعرب وليس من الحروف ما يعرب. وما لا يعرب من الأفعال شبيه بما يعرب: أما الماضي فلمشاركته المضارع في وقوعه مواقعه المذكورة، وفي كونهما مخرجين على الأصل،
مردودين بنون الإناث إليه، ولشبهه بالمعرب لم يجز أن تلحقه هاء السكت وقفا، إذ لا يلحق متحركا بحركة إعرابية ولا شبيهة بإعرابية، كاسم لا التبرئة، والمنادى المضموم.
وأما الأمر فشَبَهُهُ بالمجزوم بَيِّن، لأنه يجرى مجراه في تسكين آخره إن كان صحيحًا، وفي حذفه إن كان معتلا، ولا يعامل هذه المعاملة غيره من المبنيات المعتلة، بل يكتفي بسكون آخره كالذي والتي. وإذا ثبت أن المبني من الأفعال يُشَبّه بالمعرب، ضعف جعل مناسبته سببًا لبناء بعض الأسماء، فهذا بيان ضعف القول بأن أسماء الأفعال بنيت لمناسبة الأفعال التي هي واقعة موقعها كنَزالِ وهَيْهات، فإنهما بمعنى أنزِل وبَعُد واقعان موقعهما، ويزيده ضعفًا أيضًا أن مثل هذه المناسبة موجودة في المصادر الواقعة دعاء، كسقْيًا له، فإنه بمعنى سقاه "الله" وفي الواقعة أمرًا كقوله تعالى (فضرب الرقاب) فإنه بمعنى اضربوا الرقاب، وهما معربان بإجماع.
وأيضًا فمن أسماء الأفعال ما هو بمعنى المضارع وواقع موقعه، كأفٍّ وأوّه بمعنى أتضجر وأتوجع، فلو كان بناء نَزالِ وهيهات لوقوعهما موقع مبنيين، لكان أفّ وأوّه معربي لوقوعهما موقع مضارعين، فثبت بهذا وبما قبله أن بناء أسماء الأفعال ليس لمناسبتها الأفعال بل لمناسبتها الحروف لأنها شبيهة بالحروف الناسخة للابتداء في لزوم معنى الفعل والاختصاص بالاسم، وكونها عاملة غير معمولة، وسنذكر في مواضع الأسماء المبنية ما لكل منها من وجوه شبه الحرف.
ومما يشكل أمره من الأسماء المبنية ما بني قبل التركيب كحروف التهجي المسرودة، وهي أيضًا غير خالية من شبه الحرف، لأنها كلها غير عاملة في شيء ولا معمولة لشيء، فأشبهت الحروف المهملة كهل ولو ولولا. وامتنع بعض النحويين من الحكم عليها بالبناء وقال: لو كانت مبنية لم تسكن أواخرها وصلا بعد ساكن نحو: سين قاف، إذ ليس في المبنيات ما يكون كذلك. ولا يلزم أصلا من عدم الإعراب لفظًا عدمه حكمًا، ولو لزم ذلك لم يقل في الإفراد: فتى ونحوه،
لأن سبب الإعلال في مثله فتح ما قبل آخره، مع تحركه أو تقدير تحركه، ولكان الموقوف عليه مبنيا، وكذا المحكي والمتبع، وهذا القول غير بعيد من الصواب.
والإشارة بقولنا "بلا معارض" إلى نحو "أي" فإنها في جميع أحوالها تناسب الحروف، إلا أن هذه المناسبة تعارضها مخالفة "أي" لسائر الموصولات ولأدوات الاستفهام والشرط بإضافتها، وكونها بمعنى بعض إن أضيفت إلى معرفة، وبمعنى كل إن أضيفت إلى نكرة، فعارضت مناسبة أي للمعرب مناسبتها للحرف، فغلبت مناسبة المعرب لأنها داعية إلى ما هو مستحق للاسم بالأصالة، وليثبت بذلك مزية ما له جابر على ما لا جابر له، ولأن إلغاء شبه الحرف في أي لما فيها من شبه التمكن، كإلغاء عُجمة لِجامٍ ونحوه لما فيه من شبه الاسم العربي بقبول الألف واللام والإضافة.
وقولنا "والسلامة منها تَمَكُّن" أي سلامة الاسم من مناسبة الحرف المؤثرة تمكن، أي تَثَبُّت في مقام الأصالة.
فالاسم ضربان: متمكن وهو المعرب، وغير متمكن وهو المبني.
والمتمكن ضربان: أمكن وهو المنصرف، وغير أمكن وهو ما لا ينصرف.
ولما كان المضارع شريك الاسم في الإعراب، وكان الكلام في الإعراب عموما، لم يستغن عن ذكر الأنواع الأربعة، وقدم الرفع والنصب للاشتراك فيهما، وقدم الرفع لأن الكلام قد يستغنى به عن غيره، وقدم الجر لأنه خاص بما هو أصل، وأخر الجزم لأنه خاص بما هو فرع.
ص: وخُصَّ الجرُّ بالاسم لأن عامله لا يستقل، فيحمل غيره عليه، بخلاف الرفع والنصب، وخُصَّ الجزم بالفعل لكونه فيه كالعوض من الجر.
ش: لما كان الاسم في الإعراب أصلا للفعل، كانت عوامله أصلا لعوامله فقبل رافع الاسم وناصبه أن يُفرَّع عليهما، لاستقلالهما بالعمل وعدم تعلقهما بعامل آخر، بخلاف عامل الجر فإنه غير مستقل، لافتقاره إلى ما يتعلق به من فعل أو ما يقوم مقامه، فموضع المجرور نصب بما يتعلق به الجار، ولذلك إذا حذف الجار نصب معموله، وإذا عطف على المجرور جاز نصب المعطوف، وربما اختير النصب.
فشارك المضارع الاسم في الرفع والنصب لقوة عامليهما بالاستقلال، وإمكان التفريع
عليهما، وضعف عامل الجر لعدم استقلاله عن تفريع غيره عليه، فانفرد به الاسم، وجعل جزم الفعل عوضا مما فاته من المشاركة في الجر فانفرد به ليكون كل واحد من صنفي المعرب ثلاثة أوجه من الإعراب بتعادل، وذلك أن الجزم راجح باستغناء عامله عن تعلق بغيره، والجر راجح بكونه ثبوتا، بخلاف الجزم فإنه بحذف حركة أو حرف فتعادلا بذلك.
ص: والإعرابُ بالحركة والسكون أصلٌ، وينوب عنهما الحرفُ والحذفُ، فارفع بضمة، وانصب بفتحة، وجرّ بكسرة، واجزم بسكون، إلا في موضع النيابة.
ش: أي إعراب غير المجزوم بحركة أصلٌ لإعرابه بحرف، وإعراب المجزوم بسكون أصل لإعرابه بحذف.
والدليل على أن الحركة أصل للحرف أنها لا يصار إلى غيرها إلا عند تعذرها، ولذلك اشترك الاسم والفعل في الرفع بضمة، والنصب بفتحة، ولم يشتركا في الإعراب بحرف، وإنما كانت أصالة الإعراب في غير الجزم للحركة لأنها أخف من الحرف وأبين، أما رجحانها في الخفة فظاهر، وأما كونها أبين فلأنها لا تخفى زيادتها على بنية الكلمة لسقوطها وإدراك مفهوم الكلمة بدونها، بخلاف الحرف فإن سقوطه في الغالب مخل بمفهوم الكلمة، ولذلك اختلف في المعرب بحرف هل هو قائم مقام الحركة، أو الحركة مقدرة فيه أو فيما قبله؟
وإنما كان السكون في الجزم أصلا لأن بنية الفعل لا تنقص به، بخلاف حذف آخره، ولذلك قد يستغنى عن حذفه بتقديره ظاهر الحركة قبل الجزم كألم يأتيك.