الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المعرفة والنكرة
ص: الاسم معرفة ونكرة.
فالمعرفة: مُضْمرٌ، وعلم، ومشار به، ومُنادى، وموصول، ومضاف، وذو أداة.
وأعرفُها ضميرُ المتكلم، ثم ضميرُ المخاطب، ثم العلم، ثم ضميرُ الغائب السالمُ من إبهام، ثم المشارُ به، والمنادى، ثم الموصول، وذو الأداة، والمضافُ بحسب المضاف إليه. وقد يَعْرِض للمفوق ما يجعله مساويا أو فائقا.
والنكرة ما سوى المعرفة.
وليس ذو الإشارة قبل العلم خلافا للكوفيين، ولا ذو الأداة قبل الموصول، ولا مَنْ وما المستفهمُ بهما معرفتين خلافا لابن كَيْسانَ في المسألتين.
ش: من تعرض لحَدِّ المعرفة عجز عن الوصول إليه دون استدراك عليه، لأن من الأسماء ما هو معرفة معنى نكرة لفظا، وعكسه، وما هو في استعمالهم على وجهين.
فالأول: نحو قولهم: كان ذلك عاما أول. وأول من أمس، فإن مدلول كل واحد معين لا شياع فيه، ولكنهما لم يستعملا إلا نكرتين.
والثاني: نحو قولهم للأسد: أسامة، فإنه يجري في اللفظ مجرى حمزة في منع الصرف، والاستغناء عن الإضافة والألف واللام، وفي وصفه بالمعرفة دون النكرة، واستحسان مجيئه مبتدأ وصاحب حال، وهو في الشياع كأسد.
والثالث: كواحد أمِّه وعبد بطنه، فإن بعض العرب يجريهما معرفتين بمقتضى الإضافة، وبعض العرب يجعلهما نكرتين، ويدخل عليهما رب، وينصبهما على الحال، ذكر ذلك أبو علي.
ومثلهما في إعطاء حكم المعرفة تارة وحكم النكرة أخرى ذو الألف واللام
الجنسيتين، فإنه من قبل اللفظ معرفة، ومن قبل المعنى لشياعه نكرة، فلذلك يجوز أن يوصف بمعرفة اعتبارا بلفظه وهو الأكثر، ويجوز أن يوصف بنكرة اعتبارا بمعناه نحو: مررتُ بالرجل خيرٍ منك. وعلى ذلك حمل المحققون قوله تعالى (وآيةٌ لهم الليلُ نسلخ منه النهار) فجعلوا "نسلخ" صفة الليل، والجمل لا يوصف بها إلا النكرات.
فإذا ثبت كون الاسم المعرفة بهذه المثابة، فأحسنُ ما يُبيَّن به ذكرُ أقسامه مستقصاة، ثم يقال: وما سِوى ذلك فهو نكرة.
وأكثرهم يجعل أقسامه خمسة: فيغفلون المعرف بالنداء، ويعبرون بالمبهم عن اسم الإشارة والموصول، ثم يقولون: والمبهم على ضربين: اسم إشارة وموصول، فَيَئول ذلك إلى أن أقسامه ستة.
واختلف فيما كان نكرة ثم تعرف بالنداء، فقال قوم: تعريفه بحرف حذف لفظا وبقي معنى، كما بقي معنى الإضافة في نحو قوله تعالى (وكُلاًّ ضربنا له الأمثال) وقال قوم: بل تعريفه بالمواجهة والإشارة إليه، وهذا المعنى مفهوم من ظاهر قول سيبويه. وإذا كانت الإشارة دون مواجهة مُعَرِّفة لاسم الإشارة، فأنْ تكونُ معرّفة ومعها مواجهة أولى وأحرى. وهذا أظهر وأبعد عن التكلف.
وأمكنها في التعريف ضمير المتكلم، لأنه يدل على المراد بنفسه، وبمشاهدة مدلوله، وبعدم صلاحيته لغيره، وبتميز صوته. ثم ضمير المخاطب لأنه يدل على المراد بنفسه، وبمواجهة مدلوله. ثم العلم لأنه يدل على المراد به حاضرا وغائبًا على سبيل الاختصاص. ثم ضمير الغائب السالم من إبهام نحو: زيد رأيته. فلو تقدم اسمان وأكثر نحو: قام زيد وعمرو كلمته، لَتطرَّق إليه إبهام ونقص تَمَكُّنهُ في التعريف. ثم المشار به والمنادى وهما متقاربان. ثم الموصول، وهو بحسب صلته
فيكمل تعريفه بكمال وضوحها وينقص بنقصانها. ثم المعرَّفُ بالأداة، والمعرَّف بالإضافة بحسب المضاف إليه.
وسيأتي عند ذكر كل واحد منها ما يختص به من بيان وتفصيل.
وقد يعرض للمفوق ما يجعله مساويا أو فائقًا، كقولك لرجلين حضراك دون ثالث: لك مَبَرَّةٌ، بل لك، فإنهما لا يعرفان بمجرد هذا اللفظ المعطوف من المعطوف عليه ما لم يُعْضَد اللفظ بمواجهة أو نحوها. بخلاف قوله: للكبير منكما مبرة بل للصغير، أو بالعكس. أو يقول: للذي سبق منكما مبرة بل للذي تأخر، فإنهما لا يرتابان في مراده بالأول والثاني، فقد عرض لذي الأداة والموصول ما جعلهما فائقين في الوضوح لضمير الحاضر.
وكذلك يعرض للعلم ما يجعله أعرف من ضمير المتكلم كقول من شُهرَ باسم لا شركة له فيه لمن قال له: من أنت؟ أنا فلان. ومنه قوله تعالى (أنا يوسف) فالبيان لم يستفد بأنا بل بالعلم بعده.
وقد يعرض للموصول مثل الذي عرض للعلم كقول من شُهرَ بفعل لا شركة فيه لمن قال: من أنت؟ أنا الذي فعل كذا. ومن هذا القبيل: سلام الله على من أنْزِل عليه القرآن، وعلى من سجدت له الملائكة، ومن حفر بئر زمزماه.
وتمييز النكرة بعد عَدِّ المعارف بأن يقال: وما سوى ذلك نكرة، أجود من تمييزها بدخول رُبَّ والألف واللام، لأن من المعارف ما تدخل عليه الألف واللام كفضل وعباس، ومن النكرات ما لا تدخل عليه رُبَّ ولا الألف واللام كأينَ وكيفَ وعَرِيبٍ ودَيّار.
واسم الإشارة عند الكوفيين أعرف من العلم، ولهم في ذلك شبهتان: إحداهما: أن اسم الإشارة ملازم للتعريف غير قابل للتنكير، والعلم بخلاف ذلك، فكان تعريفه دون تعريف اسم الإشارة، والثانية: أن تعريف اسم الإشارة حسي وعقلي، وتعريف العلم عقلي لا غير، وتعريفٌ من جهتين أقوى من تعريف من جهة.
والجواب عن الأولى أن يقال: لزوم الشيء معنى لا يوجب له مزية، فيتعرف بالإضافة مع عدم لزومه لها، ولم يتعرف "غيرك" بها مع لزومه لها، كما ثبت للجميع على الجماء في قولهم: جاءوا الجماءَ الغفيرَ، بحيثُ عدَّ الجميع معرفة غير مؤولة بنكرة مع عدم لزوم الألف واللام، وأول الجماء الغَفير بنكرة مع لزوم الألف واللام.
والجواب عن الثانية أن يقال: المعتبر في كون المعرفة معرفة الدلالة المانعة من الشياع، سواء حصل ذلك من جهة واحدة أو من جهتين. والمعتبر في ترجيح التعريف قوة منع الشياع وزيادة الوضوح، ومعلوم أن اسم الإشارة وإن عين المشار إليه حقيقته لا تستحضر به على التزام، ولذلك لا يستغني غالبا عن صفة تكمل دلالته، بخلاف العلم، لا سيما علم لم تعرض فيه شركة، كإسرائيل وطالوت وأُدَد ونِزار ومكة ويثرب.
وذهب ابن كيسان إلى أن ذا الأداة أعرف من الموصول، وشبته أن ذا الأداة يوصف بالموصول كقوله تعالى (قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى) والموصوف به إما مساو وإما دون الموصوف، ولا قائل بالمساواة، فثبت كون الذي أقل تعريفا من الكتاب.
والجواب أن نقول: لا نسلم كون الذي في الآية صفة، بل هو بدل أو مقطوع على إضمار فعل ناصب أو مبتدأ، وعلى تقدير كون الذي صفة فالكتاب علم بالغَلَبة، لأن المَعْنيِّين بالخطاب بنو إسرائيل، وقد غلب استعمال الكتاب عندهم مرادا به التوراة، فألحق في عرفهم بالأعلام، فلا يلزم من وصفه بالذي جواز وصف غيره مما لم يلحق بالأعلام.
وبالجواب الأول يجاب من أورد نحو قوله تعالى (لا يصْلاها إلا الأشقى* الذي كذَّب وتولى* وسيُجنَّبها الأتقى* الذي يُؤتي ماله يتزكى) وقد تقدمت الإشارة إلى أن الموصول قد تتضح صلته وضوحا تجعله في رتبة العلم، ولا يكون ذلك في ذي
الأداة غالبا إلا إذا عرض له ما عرض "للنَّجم والصَّعِق" من الغلبة الملحقة بالأعلام الخاصة.
وقد ألحق ابن كيسان بالمعارف "مَنْ وما" الاستفهاميتين، نظرا إلى أن جوابهما يكون معرفة، والجواب يكون مطابقا للسؤال، فإذا قيل: مَنْ عندَك؟ فجوابه: زيد، ونحوه. وإذا قيل: ما دعاك إلى كذا؟ فجوابه: لقاؤك، أو نحوه. فدل تعريف الجواب على تعريف المجاب.
وهذا ضعيف لوجهين: أحدهما: أن تعريف الجواب غير لازم، إذ لمن قيل له: من عندك؟ أن يقول: رجل من بني فلان. ولمن قيل له: ما دعاك إلى كذا؟ أن يقول: أمرٌ مهم.
والثاني: أنّ "مَنْ وما" في السؤالين قائمان مقام: أي إنسان؟ وأي شيء؟ وهما نكرتان، فوجب تنكير ما قام مقامهما. والتمسك بهذا أقوى من التمسك بتعريف الجواب، لأن تطابق شيئين قائم أحدهما مقام الآخر ألزم وآكد من تطابق الجواب والسؤال. وأيضا فالتعريف فرع، فمن ادعاه فعليه الدليل بخلاف ادعاء التنكير.