الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أإنْ شِمتَ من نجد بُريْقَا تألّقا
…
تُكابدُ ليلَ مأرْمَد اعتاد أولقا
أراد: ليل الأرمد، فجرّ أرمد بكسرة مع الميم كما يجر بها مع اللام.
ص: والكسرةُ عن الفتحة في نصب أولاتِ،
والجمع بالألف والتاء
الزائدتين، وإن سُمِّيَ به فكذاك، والأعرفُ حينئذ بقاء تنوينه، وقد يجعل كأرطاةَ علما.
ش: أولو وأولات بمعنى ذوي وذوات، إلا أن هذين جمعان لأن مفرديهما من لفظيهما بخلاف أولو وأولات، فلذلك لم يغن عن ذكرهما ذكر جمعي التصحيح، بل أفردا بالذكر تنبيها على أن إعرابهما كإعراب جمعي التصحيح، وقيدت الألف والتاء بالزيادة احترازا من نحو قضاةٍ وأبيات، فإن كلا منهما يصدق عليه أنه جمع بألف وتاء، لكن ألف قضاة منقلبة عن أصل لا زائدة، وتاء أبيات أصل. ولم يتعرض لتأنيث الواحد ولا لسلامة نظمه لأن هذا الجمع قد يكون للمذكر كحمّامات ودريْهمات وأشهر معلومات. وسنبين المطرد من ذلك وغير المطرد، وقد يكون بغير سلامة النظم كتمرات وغرفات وكسرات.
وقولنا: "وإن سمي به فكذلك" أي وإن سمي بهذا النوع الذي تنوب فيه الكسرة عن الفتحة فله بعد التسمية به من ثبوت التنوين ونيابة الكسرة عن الفتحة ما كان له قبل التسمية به، لأنه سُلك بمسلمات ونحوه سبيل مسلمين ونحوه، فقوبل بالتنوين النون، وبالكسرة الياء، ولولا قصد هذه المقابلة لساوى عرفات عرفة في منع التنوين والكسرة، لتساويهما في التعريف والتأنيث مع زيادة ثقل عرفات بعلامة الجمعية، ومن العرب من يكتفي بعد التسمية بتقابل الكسرة والياء ويسقط التنوين فيقول:
هذه عرفاتُ، ورأيت عرفاتِ، ومررت بعرفاتِ. ومنهم من يقول: رأيت عرفاتَ، ومررت بعرفاتَ، فيلحق لفظه بلفظ ما لا ينصرف. وإلى هذه اللغة الإشارة بقولنا "وقد يجعل كأرْطاةَ علما" أي يجعل كواحد زيد في آخره ألف وتاء كأرطاة وسِعلاة وبهماة.
ص: وتنوب الواو عن الضمة، والألف عن الفتحة، والياء عن الكسرة فيما أضيف إلى غير ياء المتكلم من أب وأخ وحم غير مماثل قَرْوًا وقَرْءًا وخَطَأ، وفمٍ بلا ميم، وفي ذي بمعنى صاحب، والتزام نقص هَنٍ أعرف من إلحاقه بهنّ.
ش: في إعراب هذه الأسماء خلاف:
فمن النحويين من زعم أن إعرابها مع الإضافة كإعرابها مجردة، وأن حروف المد بعد الحركات ناشئة عن إشباع الحركات، والحركات قبلها هي الإعراب.
ومنهم من يجعل إعرابها بالحركات والحروف معا.
ومنهم من زعم أن الحركات التي قبل حروف المد منقولة منها، فسلمت الواو في الرفع لوجود التجانس، وانقلبت في غيره بمقتضى الإعلال.
ومنهم من جعل إعرابها منويا في حروف المد، وما قبلها حركات إتباع مدلول بها على الإعراب المنوي، وسيأتي الكلام على هذا الوجه.
ومنهم من جعل إعرابها بحروف المد على سبيل النيابة عن الحركات، وهذا أسهل المذاهب وأبعدها عن التكلف، لأن الإعراب إنما جيء به لبيان مقتضى العامل، ولا فائدة في جعل مقدر متنازع فيه دليلا، وإلغاء ظاهر واف بالدلالة المطلوبة.
ولا يمنع من ذلك أصالة الحروف، لأن الحرف المختلف البيان صالح للدلالة، أصلا كان أو زائدًا، مع أن في جعل الحروف المشار إليها نفس الإعراب مزيد فائدة، وهو كون ذلك توطئة لإعراب المثنى والمجموع على حده، لأنهما فرعان على الواحد، وإعرابهما بالحروف لا مندوحة عنه، فإذا سبق مثله في الآحاد أمن مِنَ استبعاد، ولم يحد عن المعتاد.
فهذه خمسة أقوال، أضعفها الثالث، لأن فيه مخالفة النظائر من ثلاثة أوجه: أحدها النقل في غير وقف إلى متحرك، والثاني جعل حرف الإعراب غير آخر، والثالث التباس فتحة الإعراب بالفتحة التي تستحقها البنية.
وهذا الوجه وارد على القول الثاني مع ما فيه من نسبة دلالة واحدة إلى شيئين. والأول أيضا ضعيف لا، هـ يلزم منه وجوب ما لا يجوز إلا في الضرورة أو الندرة.
والحم أبو زوج المرأة وغيره من أقاربه، هذا هو المشهور، وقد يطلق على أقارب الزوجة. وأشير بعدم مماثلة قروا وقرءًا وخطأ إلى ثلاث لغات يكون فيها معربًا بالحركات في حال إفراده وإضافته فيقال: هذا حَمْوٌ وحَمْوُك، وحَمْءٌ وحَمؤُكَ، وحَمَأ وحَمَؤُك، فيعامل معاملة قَرْوٍ وقَرءٍ وخَطأٍ وأشباهها.
وقيل "وفم بلا ميم" ليعم صور الاستعمال كلها، بخلاف قول من يقول: فوك، فإنه يوهم كون الحكم مقصورا على المضاف إلى الضمير.
وقيل لفظ "ذي بمعنى صاحب" لئلا يذهب الوهم إلى ذي المشاربه إلى مؤنث.
ولما كان "ذو" لا يضاف إلى ياء المتكلم بخلاف ما ذكر قبله لم يجز أن يعطف على المجرور بمن، بل عطف على المجرور بفي وهو "ما" فلذلك أعيدت "في" فقيل "وفي ذي بمعنى صاحب" حرصًا على البيان.
وقد جرت عادة أكثر النحويين أن يذكروا الهن مع هذه الأسماء فيوهم ذلك مساواته لهن في الاستعمال، وليس كذلك، بل المشهور فيه إجراؤه مجْرَى يدٍ في ملازمة النقص إفرادا وإضافة، وفي إعرابه بالحركات، كما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من تَعَزَّى بعزاء الجاهلية فأعضُّوه بهن أبيه ولا تَكْنُوا" وقال علي رضي الله عنه: من يَطُل هنُ أبيه ينتطق به. ومن ذلك قول الشاعر:
رُحتِ وفي رجليكِ ما فيهما
…
وقد بدا هنْك من المِئزَر
أراد: قد بدا هنُك، فشبه بعضد فسكن النون كما تسكن الضاد.
ومن العرب من يقول: هذا هنوك، ورأيت هناك، ومررت بهنيك، وهو قليل، فمن لم ينبه على قلته فليس بمصيب، وإن حظى من الفضائل بأوفر نصيب.
ص: وقد تشدد نونه، وخاء أخ، وباء أب، وقد يقال أخْوٌ، وقد يقصر حَمٌ وهما، أو يلزمهما النقص كيد ودم، وربما قصرا أو ضُعِّفَ دم.
ش: ذكر الأزهري أن تشديد خاء أخ وباء أب لغة، وأنه يقال: استأببت فلانًا بباءين، أي اتخذته أبًا، وقال سُحيم عبد بني الحسحاس في تشديد نون هن:
ألا ليتَ شِعْرِي هل أبيتن ليلة
…
وهَنِّي جاذٍ بين لِهْمزمَتى هند
وقال رجل من طيء في أخْو:
ما المرءُ أخْوَك إن لم تُلْفِه وَزَرًا
…
عند الكريهة مِعْوانًا على النُّوب
وأنشد الفراء:
لِأخْويْنِ كانا أحسنَ الناسِ شيمَةً
…
وأنفعه في حاجةٍ لي أريدُها
وقد يقصر حم وهما، أي الأب والأخ فيقال: هذا أباك، ومررت بأباك، وكذا الأخ والحم، وفي المثل: مُكرَهٌ أخاك لا بطلٌ، ويروى بالواو، وقال الشاعر:
أخاك الذي إنْ تَدْعُه لِمُلمَّةٍ
…
يُجبْك لما تبغى ويكفيك من يبغى
وإن تَجْفُه يوما فليس بمكافئًا
…
فيَطْمَعَ ذو التزوير والوشى أن يصغى
وقال الراجز:
إنّ أباها وأبا أباها
…
قد بلغا في المجد غايتاها
واستعمال الحم مقصورًا مشهور على قلته، قالوا للمرأة حماة.
والتزام نقص الثلاثة قليل، ومنه قول الراجز:
بأبه اقتدى عَدِيٌّ في الكَرَم
…
ومَنْ يُشابه أبَه فما ظَلَم
وعلى هذه اللغة قيل في التثنية: أبان، قال الشاعر:
بما عُنِيتَ به من سُودَدٍ ونَدَى
…
يحيى أباك رَهِينَيْ ميتة وبلى
ومثله:
ولستَ وإنْ أعيَا أباك مَجادة
…
إذا لم تَرُمْ ما أسْلَفاه بماجد
ولما جرى ذكر يد ودم أشير غلى ما سمع فيهما من القصر كقول الراجز:
يا رُبَّ سارٍ باتَ ما تَوَسَّدا
…
إلا ذراعَ العَنْسِ أو كفّ اليَدَا
وكقول الشاعر:
كأَطُوم فقدت بُرْغُزَها
…
أعْقَبَتْها الغُبْسُ منه عَدَما
غَفَلتْ ثم أتَتْ تطلُبه
…
فإذا هي بعظام ودما
ومثل تضعيف الدم قول الشاعر:
أهانَ دَمَّك فرْغًا بعد عزته
…
يا عَمْرُو بَغْيُك إصرارا على الحَسَد
فقد شُفِيتَ شفاءً لا انقضاء له
…
وسَعْدُ مُرْدِيك موفورٌ على الأَبَد
وقال آخر: والدمُ يجري بينهما كالجدول
ص: وقد تثلثُ فاء فم منقوصًا أو مقصورا، أو يضعّف مفتوح الفاء أو مضمومها، أو تَتْبَعُ فاؤه حرف إعرابه في الحركة كما فُعِل بفاء مَرْءٍ وعيني امرِئ، وابْنِم، ونحوُها فوك وأخواتُه على الأصح، وربما قيل "فا" دون إضافة صريحة نصبا، ولا يختص بالضرورة نحو:
يصبح ظمآنَ وفي البحر فمُه
خلافا لأبي علي.
ش: في الفم تسع لغات: فتح الفاء وكسرها وضمها مع تخفيف الميم والنقص، وفتحها وضمها مع تشديد الميم، وفتحها وكسرها وضمها مع التخفيف والقصر، وأنشد الفراء:
يا حَبَّذا عينا سُلَيمى والفَما
وحكى ابن الأعرابي في تثنيته فموان وفميان، وهذا يدل على أن الفرزدق ليس مضطرا في قوله:
هما نَفَثا في فِيَّ مِن فَمَوَيْهما
بل هو مختار لأنه قد ثبت القصر في الإفراد، وثبت بنقل ابن الأعرابي رحمه الله أن العرب قالت في تثنيته: فموان وفميان، وأطلق القول. فعلم أن ذلك غير مختص بنظم دون نثر.
وحكى اللحياني أنه يقال: فمّ وأفمام، فعلم بهذا النقل أن التشديد لغة صحيحة لثبوت الجمع على وفقها، فليس بمصيب من زعم أنّ التشديد لم يستعمل في غير ضرورة، بل الصحيح أن للفم ثلاث مواد: إحداها فَ مَ ى، والثانية ف م ووالثالثة ف م م، ومادة رابعة من ف وهـ، وكلها أصول متوافقة في المعنى، لا أن أصلها فَوه كما زعم الأكثرون، لأن ذلك مدَّعًى لا دليل عليه، مع ما فيه من الجمع بين البدل والمبدل منه في غير ضرورة، مع تصرف وتوسع، كما ثبت من اللغات المأثورة بالروايات المشهورة.
واللغة التاسعة النقص وإتباع الفاء الميم في الحركة الإعرابية وغيرها.
ولما أشير إلى هذه اللغة بُيِّنَ ما وافق الفمَ فيها فقيل: كما فعل بفاء مرء وعيني امرئ وابنم. ففي مرء لغتان: إحداهما فتح الميم مطلقا، وهي لغة القرآن، والثانية إتباعها الهمزة في حركات الإعراب.
وفي امرئ وابنم أيضًا لغتان: إحداهما فتح راء امرأ ونون ابنم مطلقًا، والثانية إتباعهما الهمزة والميم في حركات الإعراب، وهذه أفصح اللغتين.
ونحوهما فوك وأخواته عند سيبويه وأبي علي، وهو مذهب قوي من جهة القياس، لأن الأصل في الإعراب أن يكون بالحركات ظاهرة أو مقدرة، فإذا أمكن التقدير على وجه يوجد معه النظير فلا عدول عنه، وقد أمكن ذلك في هذه الأسماء فوجب
المصير إليه، واقتصر القول عليه. وإذا كان التقدير مرعيا في المقصور نحو: جاء الفتى، وفي المحكي كقولك: من زيدا؟ لقائل: رأيت زيدا، وفي المتبع كقراءة بعضهم (الحمد لله) وكقولهم: واغلام زيداه، مع عدم ظاهر تابع للمقدر، فهو عند وجود ذلك أحق بالرعاية وأولى، وهذا هو حال الأسماء الستة على القول المشار إليه.
ولهذا القول أيضا مرجح آخر وهو أن من الأسماء الستة ما يعرض استعماله دون عامل فيكون بالواو كقولك: أبو جاد هواز، فلو كانت الواو من الأسماء المذكورة قائمة مقام ضمة الإعراب لساوتها في التوقف على عامل، وفي عدم ذلك دليل على أن الأمر بخلاف ذلك.
وهذا الرد أيضا وارد على ادعاء أن الإعراب في الأسماء المذكورة هو الحروف مع الحركات، أو الحركات دون الحروف، لأن ذلك كله غير متوقف على عامل في المثال المذكور وما أشبهه. وإذا بطلت تلك الأقوال صح ما اختاره سيبويه وتعين المصير إليه، ومثل هذا قول الشاعر:
وداهيةٍ من دواهي المَنُو
…
نِ يَرْهَبُها الناسُ لا فَالها
فأقحم اللام ونوى الإضافة، وكقولهم: لا أبالك.
وزعم الفارسي أن قوله:
يصبح ظمآن وفي البحر فمه
من الضرورات، بناء على أن الميم حقها ألا تثبت في غير الشعر، وهذا من تحكماته العارية من الدليل، والصحيح أن ذلك جائز في النثر والنظم، وفي الحديث
الصحيح "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
ومثال قولهم "فا" دون إضافة صريحة قول الراجز:
خالط من سَلْمَى خَياشْيم وَفا
أراد خياشيمها وفاها، فحذف المضاف إليه ونوى الثبوت، وأبقى المضاف على الحال التي كان عليها.
ص: وتنوب النون عن الضمة في فعل اتصل به ألفُ اثنين، أو واو جمع، أو ياء مخاطبة، مكسورةً بعد الألف غالبا، مفتوحةً بعد أختيها، وليست دليل الإعراب خلافًا للأخفش.
ش: قد علم بما تقدم أيُّ فعلٍ هو المعرب، فلم يحتج هنا إلى تقييد بمضارعة بل أطلق القول لأمن اللبس، ويتناول قولنا "ألف اثنين أو واو جمع" كونهما ضميرين نحو: أنتما تذهبان، وأنتم تذهبون. وكونهما علامتي تثنية الفاعل وجمعه كقوله صلى الله عليه وسلم "يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار" فالنون الواقعة بعد الألف بحاليها، وبعد الواو بحاليها نائبة عن الضمة الإعرابية وكذلك النون المتصلة بياء المخاطبة نحو: أنت تفعلين. وقد كان ينبغي أن يستغنى بتقدير الإعراب قبل الحروف الثلاثة عن هذه النون، كما استغنى بتقديره قبل ياء المتكلم في نحو: غلامي، لكن سهل الاستغناء بالتقدير في نحو: غلامي، كونُ الاسم أصيلَ الإعراب فلا يذهب الوهم إلى بنائه دون سبب قوي، بخلاف الفعل، فإن أصله البناء فلم يستغن فيه متصلا بهذه الحروف بتقدير الإعراب لئلا يذهب الوهم إلى مراجعة الأصل، كما راجعه
مع نون الإناث، بل جيء بعد هذه الحروف بالنون المذكورة قائمة بثبوتها مقام الضمة، وبسقوطها مقام الفتحة والسكون، حملا للنصب على الجزم في الفعل لأن الجزم في الفعل نظير الجر في الاسم، وقد حملوا النصب على الجر في المثنى وجمعي التصحيح نحو: مررت بالزيدين والهندات، ورأيت الزيدين والهندات، فحمل أيضًا النصب على الجزم في نحو: لم يذهبا ولن يذهبا، ولم يذهبوا ولن يذهبوا، ولم تذهبي ولن تذهبي.
وأشير بكسرة هذه النون بعد الألف غالبًا إلى فتح بعض العرب إياها كقراءة بعض القراء (أتعدانني أن أخرج).
وزعم الأخفش أن هذه النون دليل إعراب مقدر قبل الثلاثة الأحرف، وهو قول ضعيف، لأن الإعراب مجتلب للدلالة على ما يحدث بالعامل، والنون وافية بذلك، فادعاء إعراب غيرها مدلول عليه بها مردود، لعدم الحاجة إليه، والدلالة عليه.
ص: وتحذف جزما ونصبا، ولنون التوكيد، وقد تحذف لنون الوقاية، أو تدغم فيها، ونَدَر حذفها مفردة في الرفع نظما ونثرا.
ش: قد تقدم الكلام على حذف النون جزمًا ونصبًا، وعلى حذفها لأجل نون التوكيد، عند الكلام على المؤكد بها متى يكون مبنيًّا ومتى يكون معربًا، وأما اجتماعها مع نون الوقاية فعلى ثلاثة أوجه:
أحدها الفك نحو (أتعدانني أن أخرَج).
والثاني الإدغام نحو "أتعدانِّي" وهي قراءة هشام عن ابن عامر.
والثالث الحذف نحو (أين شركائي الذين كنتم تشاقُّون فيهم) قرأ بها نافع.
وقرأ غيره "تشاقُّونَ" وقرأ ابن عامر (أفغيرَ الله تأمرونني) وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكوفيون بالإدغام.
وفي المحذوف خلاف، فأكثر المتأخرين على أن المحذوفة في التخفيف نون الوقاية وأن الباقية نون الرفع. ومذهب سيبويه والأخفش عكس ذلك، وهو الصحيح لوجوه: أحدها أن نون الرفع قد تحذف دون سبب، مع عدم ملاقاتها لنون الوقاية، ولا تحذف نون الوقاية المتصلة بفعل محض غير مرفوع بالنون، وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد حذفه.
وأيضا فإن نون الرفع نائبة عن الضمة، وقد حذفت الضمة تخفيفًا في الفعل نحو قوله تعالى (إن الله يأمرْكم) و (وما يُشعرْكم) في قراءة للسوسي.
وفي الاسم كقراءة بعض السلف (ورُسلْنا لديهم يكتبون) بسكون اللام و (وبُعولتْهن أحق) بسكون التاء، فحذف النون النائبة عنها تخفيفًا أولى، وليؤمن بذلك تفضيل الفرع على الأصل.
وأيضا فإن حذف نون الرفع يؤمن معه حذف نون الوقاية إذ لا يعرض لها سبب آخر يدعو إلى حذفها، وحذف نون الوقاية أولا لا يؤمن معه حذف نون الرفع عند الجزم والنصب، وحذفُ ما يؤمَن بحذفه حذفٌ أولى من حذف ما لا يؤمن بحذفه حذف.
وأيضًا لو حذفت نون الوقاية لاحتيج إلى كسر نون الرفع بعد الواو والياء، وإذا حذفت نون الرفع لم يحتج إلى تغيير ثان، وتغيير يؤمن معه تغيير أولى من تغيير لا يؤمن معه تغيير.
ومثال حذفها مفردة في الرفع نظما قول الراجز:
أبِيتُ أسْرِي وتَبِيتِي تَدلُكِي
…
وَجهَكِ بالعَنْبَرِ والمِسْك الذكي
وقال أبو طالب:
فإن يَكُ قومٌ سَرَّهم ما صنعتم
…
سَيَحتَلِبُوها لاقِحًا غير باهِل
ومن حذفها في الرفع نثرًا قراءة أبي عمرو من بعض طُرُقه (قالوا ساحران تظّاهرا) بتشديد الظاء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم "والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا".
ص: وما جِيء به لا لبيان مقتضى العامل من شبه الإعراب، وليس حكاية، أو إتباعا، أو نقلا، أو تخلّصا من سكونين فهو بناء. وأنواعه: ضم وفتح وكسر ووقف.
ش: شبه الإعراب يعم البناء اللازم والعارض، والوارد منه بسكون كمن وقُمْ ولمْ، وبفتحة كأين وذهبَ وسوف، وبكسرة كأمس وجيرِ، وبضمة كنحنُ ومنذُ. وبنائب عن ضمة كيا زيدون ويا زيدان، وبنائب عن فتحة كلا رجلين، وبنائب عن سكون كاخش وافعلا.
ويعم الحكاية نحو: مَنْ زيدٍ؟ لقائل: مررت بزيدٍ، ومنون؟ لقائل: جاء رجالٌ.
ويعم الإتباع (كالحمدِ لله) و (للملائكةُ اسجدوا) والأولى قراءة
زيد بن علي، والثانية قراءة أبي جعفر المدني.
والنقل نحو (ألم تعلمَ أن الله) وهي قراءة لورش.
والتخلص من سكونين (من يشأِ الله يضلله) ولكلٍّ موضعٌ يُبَيّنُ فيه إن شاء الله تعالى.