المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الاسم العلم - شرح التسهيل لابن مالك - جـ ١

[ابن مالك]

الفصل: ‌باب الاسم العلم

‌باب الاسم العلم

ص: وهو المخصوصُ مطلقًا غَلَبةً أو تعليقا بمسمًّى غير مقدَّرِ الشياع، أو الشائع الجاري مجراه.

ش: المخصوص مخرج لاسم الجنس فإنه شائع غير مخصوص.

وقولنا "مطلقا" مخرج للمضمرات، فإن كل واحد منها مخصوص باعتبار، غير مخصوص باعتبار، وذلك أن لفظ "أنا" وضع ليخص به المتكلم نفسه، ولكل متكلم منه نصيب حين يقصد نفسه، فهو مخصوص باعتبار كونه لا يتناول غير الناطق به، وغير مخصوص باعتبار صلاحيته لكل مخبر عن نفسه. وكذا اسم الإشارة، فإن لفظة "ذا" وضع ليُخَصَّ به مشارٌ إليه مفردٌ مذكرٌ قريب. فهو مخصوص باعتبار الحال والمحل، غير مخصوص باعتبار صلاحيته لكل ما اتصف بالحال وحصل في المحل.

وقولنا "تعليقا أو غلبة" بيان لصنفَيْ الأعلام، لا إخراج لشيءٍ خِيف دخولُه، ولا إدخال لشيء خيف خروجه، لأنّ ما سواهما مغن لكن بإجمال. والمراد بالتعليق تخصيص الشيء بالاسم قصدا، كتسمية المولود له ابنٌ زيدا. والمراد بالغلبة تخصيص أحد المشتركين أو المشتركات في شائع اتفاقا، كتخصيص عبد الله بابن عمر، ويثرب بالمدينة، ومصنف سيبويه بالكتاب.

وقونا "غير مقدر الشياع" مخرج للشمس والقمر ونحوهما، فإنها مخصوصان بالفعل شائعان بالقوة.

وقولنا "أو الشائع الجاري مجراه" أي الجاري مجرى المخصوص. والإشارة به إلى العلم الجنسي كأسامة للأسد، وذؤالة للذئب، وشبوة للعقرب، فإنها أعلام في اللفظ إذ لا تضاف، ولا يلحقها حرف التعريف، وتوصفُ بالمعرفة دون النكرة، وتجيء مبتدأ بلا شرط، وصاحب حال، ولا يصرف منها ذو سبب زائد على العلمية كثعالة للثعلب، وكيسان للغدر.

وهي باعتبار المعنى شائعة غير مخصوصة، إلا أنها تستعمل استعمال ذي الألف

ص: 170

واللام المعهود، فيقال: هذا أسامة مفترسا، كما يقال: هذا الأسد منظورا إليه. ويقال: أسامة شرٌّ من ذؤالة، فتقصد بهما الشمول، كما تقصد إذا قيل: الأسد شر من الذئب.

ص: وما استعمل قبل العلمية لغيرها، فمنقول منه، وما سواه مرتجل، وهو إما مقيس وإما شاذٌّ، بفكِّ ما يدْغَم، أو فتح ما يُكْسَر أو كسر ما يُفْتَح، أو بتصحيح ما يُعَلّ، أو إعلال ما يصحَّح، وما عَرِي من إضافة وإسناد ومزج مفرد، وما لم يَعْرَ مُرَكّب، فذو الإسناد جملة وغير جملة، وذو الإضافة كنْيةٌ وغيرُ كنْيَة، وذو المزج إن خُتِمَ بغير وَيْه أُعْرِب غير منصرف، وقد يضاف، وإن ختمَ بويه كسِر، وقد يعرب غيرَ منصرف، وربما أضيفَ صدر ذي الإسناد إلى عجُزه إن كان ظاهرا.

ش: قولنا "وما استعمل قبل العلمية لغيرها" يتناول ما كان قبل النقل مصدرا كسَعْد وفَضْل، وما كان اسم فاعل كحارث وغالب، وما كان اسم مفعول كمسعود ومنصور، وما كان صفة مشبهة كحسن وسعيد، وما كان فعلا ماضيا كشَمَّرَ وكعْسَب، وما كان فعلا مضارعا كتغلب ويشكر، وما كان جملة من فعل وفاعل ظاهر أومضمر بارز أو مستتر كبَرَق نحرُه وأطْرقا في قول الشاعر:

على أطْرِقا بالياتِ الخيا

م إلاّ الثَّمام وإلا العِصِيّ

وكقول الراجز:

نُبِّئْتَ أخوالي بني يزيدُ

ظُلْمًا علينا لهم فَدِيد

ولم يرد عن العرب علم منقول من مبتدأ وخبر، ولا منقول من فعل أمر دون إسناد إلا إصْمِت اسما للفلاة الخالية، فإن من العلماء من زعم أنه منقول عن الأمر بالصمت، وذلك عندي غير صحيح لوجهين: أحدهما: أن الأمر بالصمت إما أن يكون من: أصْمَت، وإما أن يكون من: صَمَت، فالذي من أصْمت مفتوح

ص: 171

الهمزة، والذي من صمت مضمومها ومضموم الميم، وإصمت بخلاف ذلك والمنقول لا يغيَّر.

والثاني: أنه قد قيل: إصمتة، بهاء التأنيث، ولو كان فعل أمر لم تلحقه هاء التأنيث.

وإذا انتقى كونه منقولا من فعل أمر، ولم يثبت له استعمال في غير العلمية، تعين كونه مرتجلا.

وزاد بعضهم في المنقول منقولا من صوت، وعَنى بذلك: بَبَّة، والصحيح أن بَبَّة منقول من قولهم للصبي السمين ببَّةٌ، وقد تَبَب، فهو: بَبٌّ وبَبة إذا سمن.

وما سوى المنقول مرتجل، فإن سُلِك به سبيل نظيره من النكرات فهو مقيس، وإن عدِل به عن سبيل نظيره فهو شاذ بأحد الأوجه التي ذكرت. والشذوذ بفك كمَحْبب، فإنه من مفعل من الحب، فالقياس يقتضي أن يكون مَحَبّا بالإدغام، لأن ذلك حكم كل مفعل مما عينه ولامه صحيحان من مخرج واحد.

والشذوذ بفتح ما يكسر كموهَب فإنه مفعل من وهب، فالقياس يقتضي أن يكون موهِبا بالكسر، لأن ذلك حكم كل مفعل مما فاؤه واو ولامه صحيحة.

والشذوذ بكسر ما يفتح كمَعْدِي كرب، فإن القياس يقتضي أن يكون مَعْدَى، لأن نظيره من النكرات المعتلة اللام يلزمه الفتح كمَرمَى ومَسْعَى ومَوْلى ومأوى ومثْوَى.

ومن الشذوذ بكسر ما حقه الفتح ما حكاه قطرب أن صَيْقِل بكسر القاف اسم امرأة من نساء العرب، فالقياس يقتضي أن يكون بفتح القاف، لأن نظيره من النكرات الصحيحة العين يلزمه الفتح كهَيْثَم وضَيْغَم وصَيْرَف.

والشذوذ بتصحيح ما يعل كمَدْين ومَكْوَزَة، فإن القياس يقتضي إعلالهما بقلب الياء والواو ألفا كما فُعِل بنظائرهما، كمَنال ومَهابة ومفازة.

والشذوذ بإعلال ما حقه التصحيح كداران وماهان، فإن القياس يقتضي تصحيحهما وأن يقال فيهما: دَوران ومَوَهان، كما يقال في نظائرهما من النكرات

ص: 172

كالجَوَلان والطوَفان والدَّوَران.

وإذا لم يكن في العلم إضافة ولا إسناد ولا مزج فهو مفرد.

والمراد بالمزج التركيب بتنزيل عجز المركب منزلة تاء التأنيث، فإن لم يكن عجزه ويه فهو معرب غير منصرف كحضرموت. وقد يضاف صدره إلى عجزه فيقال: هذا حَضْرُمَوْتٍ. وإن كان عجزه ويه بني على الكسر فقيل: هذا سيبويهِ، ورأيت سيبويهِ، ومررت بسيبويهِ. وبعض العرب يعربه ويمنعه من الصرف.

وإذا كان المركب جملة وثاني جزأيها ظاهر فمن العرب من يضيف أول الجزأين إلى الثاني فيقول: جاء برقُ نحرِه.

ص: ومن العَلم اللّقَبُ، ويتلو غالبا اسمَ ما لقب به بإتباع، أو قطعٍ مطلقا، وبإضافة أيضًا إن كانا مفردَيْن.

ش: إذا كان للشخص اسم ولقب وجمع بينهما دون إسناد أحدهما إلى الآخر قدم الاسم، وجعل اللقب عطف بيان أو بدلا، أو قطع بنصب على إضمار أعني، أو برفع على إضمار مبتدأ. فهذه الأوجه الثلاثة جائزة فيهما على كل حال، مُركبين كانا كعبد الله أنف الناقة، أو مركبا ومفردا كعبد الله قفة، وزيد عائذ الكلب، أو مفردين كسعيد كرز. وهذا معنى قولي "بإتباع أو قطع مطلقا، وبإضافة أيضا إن كانا مفردين" فالمفردان يشاركان في الإتباع والقطع، وينفردان بالإضافة كسعيد كرز، ولم يذكر سيبويه فيهما إلا الإضافة، لأنها على خلاف الأصل، فبين استعمال العرب لها، إذ لا مستند لها إلا السماع، بخلاف الإتباع والقطع فإنهما على الأصل. وإنما كانت الإضافة على خلاف الأصل، لأن الاسم واللقب مدلولهما واحد، فيلزم من إضافة أحدهما إلى الآخر إضافة الشيء إلى نفسه، فيحتاج إلى تأويل الأول بالمسمى والثاني بالاسم، ليكون تقدير قول القائل: جاء سعيد كرزٍ، جاء مسمى هذا اللقب، فيخلص من إضافة الشيء إلى نفسه، والإتباع والقطع لا يحوجان

ص: 173

إلى تأول، ولا يوقعان في مخالفة الأصل، فاستغنى سيبويه عن التنبيه عليهما.

وإنما يؤول الأول بالمسمى لأنه المعرض للإسناد إليه، والمسند إليه في الحقيقة إنما هو المسمى. وهذا أيضا موجب لتقديم الاسم على اللقب، لأن اللقب في الغالب منقول من اسم غير إنسان كبطة وقفة وكرز، فلو قدم لتوهم السامع أن المراد مسماه الأصلي، وذلك مأمون بتأخيره، فلم يعدل عنه إلا فيما ندر من الكلام، كقول جنوب أخت عمرو ذي الكلب:

أبْلِغْ هُذَيْلا وأبْلِغْ من يُبْلِّغُها

عني حديثا وبعضُ القول تكذيب

بأنَّ ذا الكلب عمرًا خيرَهم حَسَبا

ببطن شِرْيان يعوي حولَه الذِّيبُ

قدمت اللقب على الاسم.

ص: ويلزم ذا الغَلَبة، باقيا على حاله، ما عُرِف به قَبْلُ دائما إن كان مضافا، وغالبًا إن كان ذا أداة. ومثله ما قارنت الأداةُ نقله أو ارتجاله. وفي المنقول من مُجَرَّدٍ صالح لها مَلْمُوحٍ به الأصل وجهان.

ش: ذو الغلبة من الأعلام هو كل اسم اشتهر به بعض ماله معناه اشتهارا تاما، وهو على ضربين: مضاف كابن عمر وابن رألان، وذو أداة كالأعشى والنابغة. فحق ابن عمر وابن رَألان أن يكون كل واحد منهما عند إطلاقه صالحا لكل أحد من أبناء أبيه، إلا أن الاستعمال جعل عبد الله مختصا بابن عمر. وجابرا مختصا بابن رألان، حتى إذا قصد غيرُهما لم يفهم إلا بقرينة. وكذلك الأعشى والنابغة حقهما إذا أطلقا أن يصلحا لكل ذي عشى ونبوغ، إلا أن الاستعمال صرفهما عن الشياع وجعلهما مختصين. وإن عرض لشيء من هذا القبيل اشتراك اغتفر كما يغتفر في الأعلام المُعَلَّقةِ، إما ردًّا للتنكير لحاجة تعرض، كقول الشاعر:

ص: 174

لا هَيْثَمَ الليلة للمطي

وكقول الآخر: إن لنا عُزَّى ولا عُزَّى لكم

ومثله قول الشاعر:

إذا دَبَرانا منك يوما لقِيتُه

أُؤمِّل أن ألقاك غَدْوًا بأسْعُد

وإما اتكالا على تكميل الوضوح بنعت أو ما يقوم مقامه، كزيد القرشي، والأعشى الهمداني.

وقد يقدر زوال اختصاصه فيجرد ويضاف ليصير مختصا، كقولهم: أعشى تغلب، وأعشى قيس، ونابغة بني ذبيان، ونابغة بني جعدة، ومثله قول الشاعر:

الا أبْلِغْ بني خَلَفٍ رسولا

أحقًا أنَّ أخطلكم هجاني

وكقول الآخر:

فلو بلغت عَوَّا السِّماكِ قبيلةٌ

لزادت عليها نهشل وتَعَلَّت

ص: 175

ولذلك يقدر زوال اختصاص المضاف إليه ابن فيتغير حال المضاف كقولك: مَنْ ابن عمر كابن الفاروق، أو ابن خليفة الصديق. وإلى هذا ونحوه أشرت بقولي "باقيا على حاله" فإن هذه العوارض وما أشبهها غيرت العلم ذا الغلبة عن حاله في المعنى، فجاز أن يتغير حاله لفظا.

وأشرت أيضا إلى تغيير الحال بقصد النداء فيعرى عن الأداة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم "إلا طارقا يطرق بخير يا رحمان" وكقول الشاعر:

يا أقْرَعُ بنَ حابِسٍ يا أقْرَعُ

إنّك إنْ يُصْرَع أخوك تُصْرَعُ

والمراد بقولي "دائما" أن إضافة المضاف من هذا القبيل دائمة غير زائلة ما لم تتغير حاله.

وأما المعرف بالأداة فقد يجرد منها وإن لم تتغير حاله، وذلك قليل، ومنه ما حكى سيبويه من قول بعض العرب: هذا يوم اثنين مباركا فيه. وحكى ابن الأعرابي أن من العرب من يقول: هذا عيوقٌ طالعا، والعيوق من الأعلام التي علميتها بالغلبة. وزعم ابن الأعرابي أن ذلك جائز في سائر النجوم، ومنه قول الشاعر:

تَنَظّرتُ نَصْرا والسِّماكين أيْهما

عليّ من الغيث استهلت مواطره

ويشارك ذا الغلبة المصاحبُ للأداة فيما نسب إليه ما قارنت الأداة نقله كالنضر والنعمان، أو ارتجاله كالسموأل واليسع. فلا يجرد هذان النوعان إلا لنداء أو غيره من العوارض التي يجرد لها "الأعشى" ونحوه من الأعلام الغالبة، بل هذان النوعان أحق بعدم التجرد، لأن الأداة فيهما مقصودة في التسمية قصد همزة أحمد وياء يشكر وتاء تغلب، بخلاف الأداة في الأعشى فإنها مزيدة للتعريف، ثم عرض بعد زيادتها شهرة وغلبة أغنتا عنها، إلا أن الغلبة مسبوقة بوجودها وحاصلة بمصاحبتها، فلم

ص: 176

تنتزع ما دام التعريف مقصودًا، كما لا تنتزع المقارنة للنقل والارتجال.

ومن الأعلام التي قارن وضعَها وجودُ الألف واللام الله تعالى المنفرد به، وليس أصله الإله كما زعم الأكثرون، بل هو علم دال على الإله الحق دلالة جامعة لمعنى الأسماء الحسنى كلها ما علم منها وما لم يعلم، ولذلك يقال: كل اسم سوى الله من الأسماء الكريمة هو من أسماء الله، ولا ينعكس، ولو لم يُرَدّ على من زعم أن أصل الله الإله إلا بكونه مدعيًا ما لا دليل عليه لكان ذلك كافيًا، لأن الله والإله مختلفان في اللفظ والمعنى: أما في اللفظ فلأن أحدهما في الظاهر الذي لا عدول عنه دون دليل مُعْتَلُّ العين، والثاني مهموز الفاء صحيح العين واللام، فهما من مادتين، ورَدُّهما إلى أصل واحد تحكم وزيغ عن سبيل التصريف. وأما اختلافهما في المعنى فلأن الله خاص بربنا تبارك وتعالى في الجاهلية والإسلام، والإله ليس كذلك، ولهذا يستحضر بذكر الله مدلولات جميع الأسماء، ولا يستحضر بالإله إلا ما يستحضر بالمعبود، وهذا بيّن من قول بعض الأنصار رضي الله عنهم:

باسم الإله وبه بَدينا

ولو عبدنا غيرَه شَقِينا

ثم مراد من زعم أن أصل الله الإله لا يخلو من أحد أمرين: أحدهما أن تكون الهمزة حذفت ابتداء ثم أدغمت اللام في اللام. والثاني: أن تكون الهمزة نقلت حركتها إلى اللام الأولى، وحذفت هي على مقتضى النقل القياسي.

فالأول باطل لأن حاصله ادّعاء حذف فاء بلا سبب ولا مشابهة ذي سبب من كلمة ثلاثية اللفظ، فذكر الفاء تنبيه على أن حذفها أشد استبعادا من حذف العين واللام، لأن الأواخر وما اتصل بها أحق بالتغيير من الأوائل. وقولي "بلا سبب" تنبيه على أن الفاء قد تحذف بسبب، كحذف واو عدة، فإنه مصدر يعد، فحمل المصدر على الفعل في الحذف طلبا للتشاكل. وقولي "ولا مشابهة ذي سبب" تنبيه على رِقَة بمعنى وَرِق، فحذفت فاؤه لا لسبب كما في عدة، بل لشبهه بعدة وزنا واعتلالا، ولولا أن رِقَة بمعنى وَرِق لتعين إلحاقه بالثنائي المحذوف اللام كشفة ولثة،

ص: 177

وهذا مع تحقق محذوف ككون الاسم ثنائيا لفظا كحرٍ، أو ثلاثيا مقطوعا بزيادة بعضه كلثة، وما نحن بسبيله ليس ثنائيا لفظا، ولا ثلاثيا مقطوعا بزيادة بعضه ولا مظنونا، فكان حذف فائه أشد استبعادا.

فإن قيل: قد حذفت الفاء بلا سبب في الناس، فإن أصله أناس، فلنحكم بذلك فيما نحن بسبيله. قلنا: لو صحَّ كون الناس مُفَرَّعا على أناس لم يجز أن يحمل عليه غيره، لأن الحمل عليه زيادة في الشذوذ، وتكثُّرٌ من مخالفة الأصل دون سبب يلجئ إلى ذلك، فكيف والصحيح أنّ ناسا وأناسا لفظان بمعنى واحد من مادتين مختلفتين، إحداهما أنس، والأخرى نوس. كما أن ألوقة ولُوقة من مادتين مختلفتين، وهما اسمان لتمر معجون بزبد أو سمن. وكما أن أوقية ووقية بمعنى واحد وأحدهما من أوق، والآخر من وقى، وأمثال ذلك كثيرة.

وأما ادّعاء نقل حركة همزة الإله إلى اللام فأحق بالبطلان لأنه يستلزم مخالفة الأصل من وجوه:

أحدها: نقل حركة همزة في كلمتين على سبيل اللزوم، ولا نظير لذلك.

الثاني: نقل حركة همزة إلى مثل ما بعدها، وذلك يوجب اجتماع مثلين متحركين، وهو أثقل من تحقيق الهمزة بعد ساكن، لأن اجتنابه في اللام آكد، إذ هو ملتزم في: أوعَدَ وبابه، بخلاف النقل فإنه لم يلتزم إلا في أفعال الرؤية، مع أن من العرب من لا يلتزمه وهم تيم اللات، قال:

أُرِي عَيْنَيَّ ما لم تَرْأياه

كلانا عَالمٌ بالتُّرَّهات

الثالث من وجوه: مخالفة الأصل من تسكين المنقول إليه الحركة، وذلك يوجب كون النقل عملا كلا عمل، لأن المنقول إليه كان ساكنا ثم حرك بحركة

ص: 178

الهمزة إبقاء عليها وصونا لها من محض الحذف، وإذا سكن فات ذكل، وعاد الحرف إلى ما كان عليه قبل النقل، فكأن النقل لم يكن، ومع هذا ففاعل هذا التسكين بعد النقل بمنزلة من نقل في يَئس فقال ييس، ثم سكن فقال: يَيْس، فلا يخفى ما في هذا من القبح مع كونه في كلمة واحدة، والمدعى في الله من كلمتين، فهو أمكن في الاستقباح، وأحق بالإصلاح.

الرابع: إدغام المنقول إليه فيما بعد الهمزة، وذلك بمعزل عن القياس، لأن الهمزة المنقولة الحركة في تقدير الثبوت فإدغام ما قبلها فيما بعدها كإدغام أحد المنفصلين في الآخر، وقد اعتبر أبو عمرو بن العلاء في الإدغام الكبير الفصل بمحذوف واجب الحذف نحو (ومن يبتغ غير الإسلام) فلم يدغم الغين في الغين فلأن يعتبر الفصل بمحذوف غير واجب الحذف أحق وأولى. ولأجل الاعتداد بالمحذوف تحقيقًا جاز أن يقال في مثل: اغْدَودَن من وأل ووَل، بتصدير واوين، وأصله: أو أوأل، ثم نقلت حركتا الهمزتين إلى الواوين واعتبر بتصديرهما دون قلب أولاهما همزة لانفصالهما بالهمزة تقديرا. ومثل هذا المدعى في الله قد ندر في لكن أنا إذا قيل فيه: لكنا، إلا أن هذا ليس ملتزمًا.

ثم إن الذي زعم أن أصل الله الإله يقول: إن الألف واللام عوض من الهمزة، ولو كان كذلك لم يجمع بينهما في الحذف في قولهم: لاهِ أبوك، يريدون لله أبوك، إذ لا يحذف عوض ومعوض منه في حال واحدة. وقالوا أيضًا: لَهْي أبوك، يريدون: لله أبوك، فحذفوا لام الجر والألف واللام، وقدموا الهاء وسكنوها، فصارت الألف ياء، وعلم بذلك أن الألف كانت منقلبة عنها لتحركها وانفتاح ما قبلها، فلما وليت ساكنا عادت إلى أصلها، وفتحتها فتحة بناء، وسبب البناء تضمن معنى حرف التعريف، هذا قول أبي علي، وهو عندي قول ضعيف، لأن الألف واللام في الله زائدة مع التسمية، مستغنى عن معناها بالعلميّة، فإذا حذفت لم يبق لها معنى يتضمن.

والذي أراه أن لَهْي مبني لتضمن معنى حرف التعجب، وإن لم يكن للتعجب

ص: 179

حرف موضوع، كما قال الجمهور في اسم الإشارة إنه مبني لتضمن معنى حرف الإشارة، ومرادهم بذلك أن الإشارة معنى من المعاني النسبية الحقيقة بأن يوضع لها حروف، فاستغنى باسم الإشارة عن وضع حرف الإشارة، فلذلك قيل في حد اسم الإشارة: إنه الاسم الموضوع لمسمى وإشارة إليه. فكما بني اسم الإشارة لتضمن معنى الإشارة بنى لَهْي لتضمن معنى التعجب، إذ لا يقع لهَى في غير تعجب، كما لا يقع اسم الإشارة في غير إشارة. وهذا مع بنائه في موضع جر باللام المحذوفة، واللام والمجرور بها في موضع رفع بمقتضى الخبرية، وأبوك مرفوع بالابتداء.

وإذا كان العلم منقولا من صفة أو مصدر أو اسم عين، وكان عند التسمية به مجردا من أداة التعريف جاز استعماله علمًا أن يلمح به الأصل فتدخل عليه الأداة، ولا يلمح فيستدام تجريده. وأكثر دخولها على المنقول من صفة كحسن وعباس وحارث، ويلي ذلك دخولها على منقول من مصدر كفضل وقيس، ويليه دخولها على منقول من اسم عين كليث وخِرْنق. وإلى هذا التفصيل أشرت بقولي:"وفي المنقول من مجرد صالح لها ملموح به الأصل وجهان" واحترزت بصالح لها من المنقول من فعل نحو: يزيد ويشكر فإنه لا تدخل عليه الأداة إلا لضرورة أو عروض تنكير.

ص: وقد يُنَكَّر العلم تحقيقا أو تقديرًا فَيُجْرى مُجْرَى نكرة، ويُسْلَب التعيين بالتثنية والجمع، فَيْجْبَر بحرف التعريف إلا في نحو: جُمادَيَيْنِ، وعَمايتين، وعَرَفات.

ش: كقولك: رأيت زيدًا من الزيدين، وما مِنْ زيد كزيد بن ثابت، وقضيةٌ ولا أبا حسن لها، وكقول نَوْف البِكالِيّ: ليس موسى بني إسرائيل، وإنما موسى آخر.

وتنكيره تقديرا مثل قول أبي سفيان: لا قريش بعد اليوم، وكقول بعض العرب: لا بصرة لكم، وكقول الشاعر:

ص: 180

أزْمان سَلْمَى لا يرى مثلها الرّاءُون

في شام ولا في عِراقْ

وكقول الآخر:

إذا دَبَرانًا منك يوما لَقِيته

أُؤمل أن ألقاك غَدْوا بأسْعُد

وإذا ثنى العلم أو جمع تنكر كقول الشاعر:

رأيت سُعُودا من شعوبٍ كثيرة

فلم أرَ سعدًا مثل سعدِ بن مالك

فإن قصد تعريفه بعد تثنيته أو جمعه عرف بالأداة كقول الشاعر:

وقَبلي مات الخالدان كلاهما

عميدُ بني حَجْوان وابن المُضَلَّل

وكقول الآخر:

أخالِدَ قد عَلِقْتُكِ بعد هندٍ

فشيّبني الخوالدُ والهنود

فإن اشترك في العلم ما لا يفترق لم يحتج إلى الأداة في تثنية ولا جمع كجُمادَيين في الشهرين المعروفين، وعَمايتين في جبلين، وعرفات لمواقف الحج، واحدها عرفة، كقول الشاعر في جماديين:

حتى إذا رجبٌ تَولّى وانقضى

وجُمادَيان وجاء شهرٌ مقبل

وقل آخر في عمايتين:

ص: 181

لو أنّ عُصْمَ عمايتين ويَذْيلٍ

سَمِعا حديثك أنزلا الأوعالا

ثم إن العلم المسمى به ما لا يفترق إن لازم لفظه التثنية كالفرقدين، أو الجمع كعرفات وأذرعات، فله من مصاحبة الألف واللام وعدمها ما لعلم مسمى به مفرد على حسب ما سبق، فللفرقدين ما للدبران، وكذا السّرطان غالبًا، وقُريْشيات وأذرعات بمنزلة المسمى به مجردا مع الإفراد لفظًا ومعنى.

ص: ومُسمياتُ الأعلام أولو العلم، وما يحتاج إلى تعيينه من المألوفات، وأنواعُ معانٍ، وأعيانٌ لا تؤلف غالبًا. ومن النَّوْعِيِّ ما لا يلزم التَّعريف.

ش: أولو العلم يعم الملائكة عليهم السلام، وأشخاص الإنس والجن، والقبائل، ويعمُّ ما يحتاج إلى تعيينه من المألوفات: السُّور، والكتب، والكواكب، والأمكنة، والخيلَ والبغالَ والحميرَ، والإبلَ، والبقرَ والغنمَ، والكلابَ، والسلاحَ، والملابسَ، فهذه وما أشبهها تدعو الحاجة إلى تعيين مسمياتها، فاستحقت أن توضع لأفرادها أسماءٌ تتميز بها.

وأما ما لا يحتاج إلى تعيين فرد من أفراده كالمعاني والوحوش فلا يصلح أن يوضع له علم خاص، بل إن وضع لشيء منه علم فللنوع بأسرهن وليس بعض أشخاصه أولى به من بعض، فمثال ما وضع منه للنوع المعنوي: برَّةُ للمبرة، وفجارِ للفجْرة، وخيّاب بن هَيّاب للخسران، ووادي تخيّبَ للباطل.

ومثال ما وضع للنوع العَيْني: أبو الحارث وأسامة للأسد، وأبو جَعْدة وذؤالة للذئب، قال سيبويه: إذا قلت: هذا أبو الحارث، فإنما تريد هذا الأسد، أي هذا الذي سمعت باسمه أو عرفت أشباهه، ولا تريد أن تشير إلى شيء قد عرفته بعينه كمعرفة زيد، ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الاسم. هذا نصه

ص: 182

في باب ترجمته: هذا بابٌ من المعرفة يكون الاسم الخاص فيه شائعًا في أمته ليس واحد منها بأولى من الآخر.

فجعله خاصا شائعا في حال واحدة، فخصوصه باعتبار تعيينه الحقيقة في الذهن، وشياعه باعتبار أن لكل شخص من أشخاص نوعه قسطا من تلك الحقيقة في الخارج.

ولما كان لهذا الصنف من الأعلام خصوص من وجه، وشياع من وجه جاز في بعضها أن يستعمل تارة معرفة فيعطى لفظه ما تعطاه المعارف الشخصية، وأن يستعمل تارة نكرة فيعطى لفظه ما تعطى النكرات، والطريق في ذلك كله السماع.

فمما جاء بالوجهين: فَيْنَة وغَدوَة وبُكرة وعَشِيّة، فلك أن تقول: يأتينا فينةً بتنوين، أي حينا دون حين. فتختلف التقديرات والمراد واحد. وكذلك فلان يتعهدنا غدوة وبكرة وعشية، أي الأوقات المعبر عنها بهذه الأسماء، فلا تنون إذا قصدت بها ما يقصد بالمقرون بالألف واللام عهديتين أو جنسيتين كما تفعل بأسامة وذؤالة، إلا أن لك في غدوة وبكرة وعشية أن تنونها مؤولا لها بمجرد من الألف واللام، وليس لك ذلك في أسامة وذؤالة. ولا علة لذلك إلا مجرد الاتّباع لما صحّ من السماع.

وقد وضعوا لبعض المألوفات أعلاما نوعية، كقولهم للأحمق أبو الدَّغْفاء، وللمجهول شخصه ونسبه هَيّان بن بَيّان، والضَّلالُ بنُ بُهْلُل، وثهْلَل وفَهْلَل.

ومن ذلك قولهم لنوع الأمَة: اقعُدي وقومِي. ولنوع العبد: قنَّور بن قنور. ولنوع الفرس أبو المضاء.

ومن أبي الدغفاء وما بعده احترزت بقولي "لا تؤلف غالبًا" وإلى نحو فَيْنَة أشرت بقولي "ومن النوعي ما لا يلزم التعريف".

ص: ومن الأعلام الأمثلةُ الموزونُ بها. فما كان منها بتاء تأنيثٍ أو على وزنٍ الفعلُ به أولى، أو مزيدًا آخره ألفٌ ونون، أو ألف إلحاقٍ مقصورة لم ينصرف إلا مُنَكّرا.

وإن كان على زنة منتهى التكسير، أو ذا ألف تأنيثٍ لم ينصرف مطلقا، فإن صلحت الألف لتأنيثٍ وإلحاقٍ جاء في المثال اعتباران، وإن

ص: 183

قرن بما ينزله منزلة الموزون فحكمه حكمه.

ش: الأمثلة الموزون بها كقولك: وزن عامِر وطلحة وأرْنب وعُمَر: فاعِل وفَعْلَة وأفعل وفُعَل، فهذه وأشباهها معارف لأن كل واحد منها يدل على المراد دلالة تتضمن الإشارة إلى حروفه وهَيْأته، ولذلك تقع المعرفة بعده صفة والنكرة حالا، كقولك: لا ينصرف فُعَلُ المعدول، بل ينصرف فُعَلٌ غير معدول.

والأمثلة المشار إليها بالنسبة إلى الصرف ومنعه على أربعة أقسام: قسم ينصرف مطلقا، وقسم لا ينصرف مطلقا، وقسم لا ينصرف في التعريف دون التنكير، وقسم له اعتباران هو في أحدهما كالثاني، وفي الآخر كالثالث.

فالأول كفُعَل، لأنه ليس فيه مع العلمية سبب ثان.

والثاني كفعلاء وفعلى مما فيه ألف التأنيث ممدودة أو مقصورة، وكمفَاعِل ومفاعيل مما فيه زنة منتهى التكسير.

والثالث كفَعْلة وأفعل وفعلان وفعلى، مما فيه التأنيث أو وزن الفعل أو الألف والنون المزيدتان أو ألف الإلحاق المقصورة، فهذه لا تنصرف ما دامت معارف، وتنصرف إذا وقعت موقعا يوجب تنكيرها، كقولك: كل فَعْلة صحيح العين فجمعه فَعَلات إن كان اسما، وفَعْلات إن كان صفة. وكل فعلان ذي مؤنث على فَعْلى لا ينصرف، وكل أفعل غير علم ولا صفة ينصرف.

والرابع الذي له اعتباران فعلى بفتح الفاء وكسرها، فإن ألفه صالحة للتأنيث وصالحة للإلحاق، فإن حكم بتأنيثها كان ما هي فيه غير منصرف في تعريف ولا تنكير، وإن حكم بكونها للإلحاق كان ما هي فيه غير منصرف في التعريف منصرفا في التنكير.

وإن قُرِن بالمثال ما ينزله منزلة الموزون، فحكمه حكم ما نزل منزلته، كقولك: هذا رجلٌ أفعل، فحكم أفعل هنا حكم أسود ونحوه من الصفات، لأن اقترانه برجل نزله منزلة الموزون، فتساويا في الحكم وامتناع الصرف. وخالف سيبويه المازنيُّ في هذا الأخير فقال: ينبغي أن يصرف. ورد المبرد عليه وصوب قول سيبويه.

ص: 184

ص: وكذا بعض الأعداد المطلقة.

ش: المراد بالأعداد المطلقة المدلول بها على مجرد العدد دون تقييد بمعدود، كقولهم: ثلاثة نصف ستة، وأربعة نصف ثمانية. فهذه الأسماء قد حكم بعلميتها ومَنْع صرفها للتعريف والتأنيث، وهي جديرة بذلك، لأن كلّا منها يدل على حقيقة معَينة دلالة مانعة من الشركة، متضمنة الإشارة إلى ما ارتسم منها، ولو عومل هذه المعاملة كلُّ عدد مطلق لصح، ولو عومل بذلك غير المعدود من أسماء المقادير لم يجز، لأن الاختلاف في حقائقها واقع، بخلاف العدد فإن حقائقة لا تختلف بوجه.

ص: وكَنَوْا بفلانٍ وفلانة عن نحو: زيد وهند، وبأبي فلانٍ وأمِّ فلانةَ عن أبي بكر وأم سَلَمَة، وبالفلانِ والفلانةِ عن نحو: لاحقٍ وسكاب وبهَنٍ وهَنَةٍ أو هَنْت عن اسم جنس غير علم، وبهَنيْتُ عن جامَعْت، وبكيْتَ أو كيَّة وبذَيْتَ أو ذَيَّة أو كذا عن الحديث، وقد تُكْسَرُ أو تضم تاء كيتَ وذيتَ.

ش: فلانٌ وفلانة وأبو فلان وأم فلانة أسماءٌ يكْنى بها عن أعلام أولى العلم، إلا أن فلانا كناية عن اسم مذكر علم كزيد وعبد الله، وأبو فلان كناية عن كنية مذكر علم كأبي زيد وأبي عبد الله، وفلانة كناية عن اسم امرأة كهند وأمة الله، وأم فلان كناية عن كنية امرأة كأم خالد وأم سليم.

ودعتهم الحاجة إلى الكناية عن أعلام البهائم المألوفة، فكنوا عن مذكرها كلاحق بالفلان، وعن مؤنثها كسكابِ بالفلانة، فزادوا الألف واللام فرقا بين الكنايتين.

وكما كُنِي عن علم المذكر بفلان، وعن المؤنث بفلانة، كنى عن مذكر اسم الجنس بهَنٍ، وعن مؤنثة بهَنة أو هنت إذا كان للمتكلم غرض في السر. ولذاك كثرت الكناية به عن الفرج، وعن فعل الجماع بهَنيتُ. ويقال للمرسل بحديث قل: ذيْتَ وكيْتَ. أو قل: كيْتَ وذيت، بفتح التاء وكسرها وضمها، وليس مع التشديد إلا الفتح، وقد يقع مكانها كذا وكذا.

ص: 185