الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أفعال المقاربة
ص: منها للشروع في الفعل: طَفِق، وطبق، وجعل، وأخذ، وعلق، وأنشأ، وهبَّ.
ولمقاربته: هلهل، وكاد، وكرب، وأوشك، وأولى.
ولرجائه: عسى، وحرى، واخلولق. وقد ترد عسى إشفاقا.
ويلازمهن لفظ المضي إلا كاد وأوشك.
وعملها في الأصل عمل كان، لكن التزم كون خبرها مضارعا مجردا مع هلهل وما قبلها. ومقرونا بأن مع أوْلى وما بعدها. وبالوجهين مع البواقي، والتجريد مع كاد وكرب أعرف، وعسى بالعكس.
ش: حق أفعال هذا الباب أن تذكر في باب كان، لمساواتها لها في الدخول على مبتدأ وخبر، ورفع الاسم ونصب الخبر، إلا أن هذه الأفعال رفض فيها غالبا ترك الإخبار بجملة فعلية، فلذلك أفردت بباب. وجملتها ستة عشر فعلا: ثمانية منها للشروع، وهي: طفق وهبّ وما بينهما، نحو: طفق زيد يقرأ، وهبّ عمرو يصلى. والأصل: طفق زيد قارئا، وهب عمرو مصليا، إلا أنه من الأصول المرفوضة. وأغرب الثمانية عَلِق وهبَّ.
وخمسة منها للدنو من الفعل حقيقة، وأشهرها كاد، وأغربها أولى، كقول الشاعر:
فعادَى بين هادِيَتَيْن منها
…
وأولى أن يزيدَ على الثلاث
والثلاثة البواقي للإعلام بالمقاربة على سبيل الرجاء، وأغربها حرى، يقال: حرى زيد أن يجيء، بمعنى: عسى زيد أن يجيء.
والتزم في غير ندور كون خبر جميعها مضارعا مجردا من أن مع القسم الأول، لأن أنْ تقتضي الاستقبال، والشروع ينافيه.
ولا بد من مقارنة أن للمضارع المخبر به بعد أولى وحرى واخلولق. وترك ذلك بعد كاد وكرب أولى من فعله، وفعله بعد عسى أولى من تركه، والأمر بعد أوشك سواء.
وورود عسى في الرجاء كثير، وورودها في الإشفاق قليل، وقد اجتمعا في قول الله تعالى:(وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) ومن ورودها إشفاقا قول الشاعر:
عسيتم لدى الهيجاء تلقَوْن دوننا
…
تضافر أعداء وضعف نصير
وقال الشاعر في طفق:
طفق الخَلِيّ بقسوة يلحى الشجى
…
ونصيحة اللاحي الخلي عناء
وقال آخر في جعل:
وقد جعلت إذا ما قمتُ يُثْقلني
…
ثوبي فأنهضُ نهش الشّارب الثَّمِل
وقال آخر في علق:
أراك عَلِقْت تظْلم من أجرنا
…
وظلمُ الجار إذلالُ المجير
وقال آخر في أنشأ:
لمّا تبيّن مَيْن الكاشِحين لكم
…
أنشأت أعربُ عما كان مكتوما
وقال آخر في هب:
هَبَبْتُ ألومُ القلب في طاعة الهوى
…
فلجّ كأني كنت باللوم مُغْريا
وقال آخر في هلهل:
وطئنا بلاد المعتدين فهلهلتْ
…
نفوسُهم قبل الإماتة تزهق
أي كادت.
والشائع في خبر كاد وروده مضارعا غير مقرون بأن كقوله تعالى: (كادوا يكونون عليه لبَدا) ووروده مقرونا بأن قليل، ومنه جاء في حديث عمر رضي الله عنه:"ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب" ومثله قول الآخر:
أبَيْتم قبولَ السّلم منا فكدتم
…
لدى الحرب أن تُغْنوا السيوف عن السَّل
وقال الشاعر في خبر كرب غير مقرون بأن:
وما أنت أمْ مارُسُوم الديار
…
وسِتُّوك قد كرَبَت تكمُلُ
وقال آخر:
كرب القلب من جواه يذوب
…
حين قال الوُشاة هند غَضُوب
وقال في اقترانه بأن:
وقد كَرَبَت أعناقُها أن تقطعا
وقال آخر:
قد بُرْتَ أو كَرَبْتَ أن تبورا
…
لمّا رأيت بَيْهَسًا مَتْبُورا
وقال في خبر أوشك غير مقرون بأن:
يوشك من فرّ من منيته
…
في بعض غِرّاته يوافقها
وقال آخر في الاقتران بأن:
ولو سُئِل الناسُ التراب لأوشكوا
…
إذا قيل هاتوا أن يملُّوا ويمنعوا
ص: وربما جاء خبراهما مفردين منصوبين، وخبر جعل جملة اسمية أو فعلية مصدرة بإذا وليس المقرون بأن خبرا عند سيبويه. ولا يتقدم هنا الخبر، وقد يتوسط، وقد يحذف إن علم، ولا يخلو الاسم من اختصاص غالبا.
ويسند أوشك وعسى واخلولق لأن يفعل فيغنى عن الخبر، ولا يختلف لفظ المسند لاختلاف ما قبله، فإن أسند إلى ضميره اسما أو فاعلا طابق صاحبَه معها،
كما يطابق مع غيرها. وإن كان لحاضر أو غائبات جاز كسر سين عسى.
ش: من عادة العرب في بعض ماله أصل متروك، وقد استمر الاستعمال بخلافه، أن ينبهوا على ذلك الأصل لئلا يجهل، فمن ذلك جعل بعض العرب خبر كاد وعسى مفردا منصوبا، كقول الشاعر في أصح الروايتين:
فأُبْتُ إلى فَهْم وما كدت آئبا
…
وكم مثلِها فارقتها وهي تَصْفِر
فبقوله: ما كدت آيبا، علم أن أصل: كادوا يكونون، كادوا كائنين، كما علم بالقَوَد واستحوذ، أن أصل: قال، واستعاد، قَوَل واستَعْوَد.
ومثال جعل خبر عسى مفردا منصوبا قول العرب: عسى الغُوَيْر أبْؤُسا، وقال الراجز:
أكثرتَ في العَذْل مُلِحّا دائما
…
لا تَلْحَني إني عسيت صائما
وقد يجيء خبر جعل جملة اسمية، كقول الشاعر:
وقد جعلتْ قَلُوصُ بني سُهَيل
…
من الأكْوار مرتعُها قريب
وقد يجيء جملة فعلية ماضوية، كقول ابن عباس رضي الله عنه: فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا.
وليس المقرون بأن في هذا الباب خبرا عند سيبويه، بل هو منصوب بإسقاط حرف الجر، أو بتضمين الفعل معنى قارَبَ، قال سيبويه: تقول: عسيت أن تفعل، فأن هنا بمنزلتها في قولك: قاربت أن تفعل، أي: قاربت ذلك، وبمنزلة: دنوت أن تفعل. واخلولقت السماء أن تمطر، أي: لأن تمطر. وعست بمنزلة اخلولقت السماء، ولا يستعمل المصدر هنا كما لم يستعمل الاسم الذي الفعل في موضعه في قولك:"بذي تسلم" هذا نصه.
قلت: والوجه عندي أن تجعل عسى ناقصة أبدا، فإذا أسندت إلى أن والفعل وجه بما يوجه وقوع حسب عليها في نحو:(أحسب الناس أن يُتركوا) فلما لم تخرج حسب بهذا عن أصلها، لا تخرج عسى عن أصلها بمثل:(وعسى أن تكرهوا شيئا) بل يقال في الموضعين: سدَّت أن والفعل مسد الجزأين. ويوجه نحو: (عسى الله أن يأتي بالفتح) بأن المرفوع اسم عسى، وأن والفعل بدل سدّ مسد جزأي الإسناد، كما كان يسد مسدهما لو لم يوجد المبدل منه، فإن المبدل في حكم الاستقلال في أكثر الكلام، ومنه قراءة حمزة:(ولا تَحْسَبن الذين كفروا أنما نُملي لهم) بالخطاب على جعل أنّ بدلا من الذين، وسدّت مسد المفعولين في البدلية، كما سدت مسدهما في قراءة الباقين (ولا يحسبن) بالياء، على جعل (الذين كفروا) فاعلا ومثله:"حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل" على رواية من رواه بالفتح في صحيح مسلم.
ولا تتقدم أخبار هذه الأفعال، فلا يقال في: طفقت أفعل: أفعل طفقت.
والسبب في ذلك أن أخبار هذه الأفعال خالفت أصلها بلزوم كونها أفعالا، فلو قدمت لازدادت مخالفتها للأصل. وأيضا فإنها أفعال ضعيفة لا تصرف لها، إذ لا تَرِد إلا بلفظ الماضي إلا كاد وأوشك، فإن المضارع منهما مستعمل، فلهن حال ضعف بالنسبة إلى الأفعال الكاملة التصرف، وحال قوة بالنسبة إلى الحروف، فلم تتقدم أخبارها لتَفْضُلَها كان وأخواتها المتصرفة، وأجيز توسيطها تفضيلا لها على إن وأخواتها، فيقال: طفق يصليان الزيدان، وكاد يطيرون المنهزمون. وحكى الجوهري مضارع طفق.
ويجوز في هذا الباب حذف الخبر إن علم، كقوله:"من تأنَّى أصاب أو كاد، ومن عجل أخطأ أو كاد". ومنه قول المرقش:
وإذا ما سمعتِ من نحو أرض
…
بمُحِبٍّ قد مات أو قيل كادا
فاعلمي غيرَ علم شك بأني
…
ذاكِ وابكى لمُقْصَدٍ لن يُقادا
أي لن يؤخذ له بقَوَد. وقال آخر:
قد هاج سارٍ لسارٍ ليلةً طربا
…
وقد تَصَرَّم أو قد كاد أو ذهبا
الساري الأول البرق.
ومن حذف الخبر لدليل قوله تعالى: (فطَفِق مَسْحا بالسُّوق والأعناق) فحذف الخبر وهو يمسح، وترك مصدره دليلا عليه.
وحق الاسم في هذا الباب أن يكون معرفة أو مقاربا لها، كما يحق ذلك لاسم كان، وقد يرد نكرة محضة كقول الشاعر:
عسى فرجٌ يأتي به الله إنه
…
له كلَّ يوم في خليقته أمرُ
وقد يسند أوشك وعسى واخلولق لأن يفعل، فيغني عن الخبر، كقوله تعالى:(وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) فلو وقعت عسى وأن يفعل خبر اسم قبلها، فللمتكلم بذلك أن يضمر في عسى ضميرا هو اسمها أو فاعلها، ويحكم على موضع أن يفعل بالنصب، وله أن يجرد عسى من الضمير، ويحكم على موضع أن يفعل بالرفع مستغنى به عن زائد، كما استغنى به بعد حسب عن مفعول ثان.
وأوشك واخلولق مثل عسى في هذين الاستعمالين، فيقال: الزيدان أوشكا أن يفعلا، وأوشك أن يفعلا، والعمران اخلولقا أن يفوزا، واخلولق أن يفوزا، أشار إلى ذلك في الثلاثة سيبويه رحمه الله تعالى.
وإن أسندت عسى إلى ضمير متكلم أو مخاطب أو إناث غائبات جاز كسر سينها وفتحها، والفتح أشهر، ولذلك قرأ به ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكوفيون، ولم يقرأ بالكسر إلا نافع.
ص: وقد يتصل بها الضمير الموضوع للنصب اسما عند سيبويه حملا على لعل، وخبرا مقدما عند المبرد، ونائبا عن المرفوع عند الأخفش، وربما اقتصر عليه.
ويتعين عود الضمير من الخبر إلى الاسم، وكون الفاعل غيره قليل.
وتُنْفى كاد إعلاما بوقوع الفعل عسيرا، أوبعدمه وعدم مقاربته.
ولا تُزاد كاد خلافا للأخفش.
واستعمل مضارع كاد وأوشك خصوصا، وندر اسم فاعل أوشك.
ش: إذا كان المعمول عسى ضميرا، فحقه أن يكون بلفظ الموضوع للرفع، نحو: عسيتُ وعسينا وعسيتَ وعسيتُم، كما يقال كنتُ وكنا وكنتَ وكنتم. وهذا الاستعمال هو المشهور، وبه نزل القرآن، قال الله تعالى:(قال هل عسَيْتُم إن كُتِب عليكم القتالُ ألا تقاتلوا) ومن العرب من يقول: عساني وعساك وعساه،
فيكتفى بالموضوع للنصب عن الموضوع للرفع، كقول الشاعر:
ولي نفسٌ أقول لها إذا ما
…
تُنازعني لعلي أو عساني
وكقول الآخر:
أصِخْ فعساك أن تُهْدَى ارعواء
…
لقلبِك بالإصاخة مستفاد
فالتكلم بهذا وأمثاله جائز بإجماع، ولكن اختلف في الضمير: أهو منصوب المحل أم مرفوعه؟ فاتفق سيبويه والمبرد على أنه منصوب المحل، وأن الفعل في موضع رفع، إلا أن سيبويه يجعل المنصوب اسما والمرفوع خبرا حملا على لعل. والمبرد يجعل المنصوب خبرا مقدما، وأن والفعل اسما مؤخرا.
وذهب الأخفض إلى أن الضمير ? وإن كان بلفظ الموضوع للنصب ? محله رفع بعسى نيابة عن الضمير الموضوع للرفع، كما ناب الموضوع للرفع عن الموضوع للنصب في نحو: مررت بك أنت، وأكرمته هو. وقول الأخفش هو الصحيح عندي لسلامته عن عدم النظير، إذ ليس فيه إلا نيابة ضمير غير موضوع للرفع عن موضوع له، وذلك موجود كقول الراجز:
يابنَ الزُّبير طالما عصيكا
…
وطالما عَنَّيْتَنا إليكا
أراد عصيت، فجعل الكاف نائبة عن التاء. ولأن نيابة الموضوع للرفع موجودة في نحو: ما أنا كأنت، ومررت بك أنت، فلا استبعاد في نيابة غيره عنه. ولأن العرب قد تقتصر على عساك ونحوه، فول كان الضمير في موضع نصب لزم منه الاستغناء بفعل ومنصوبه عن مرفوعه، ولا نظير لذلك. بخلاف كونه في موضع
رفع، فإن الاستغناء به نظير الاستغناء بمرفوع كاد في نحو:"من تأنى أصاب أو كاد، ومن عجل أخطأ أو كاد". ولأن قول سيبويه يلزم منه حمل فعل على حرف في العمل، ولا نظير لذلك.
وقال السيرافي: وأما عساك وعساني ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: قول سيبويه وهو أن عسى حرف بمنزلة لعل، وذكر القولين الأخيرين. وفي هذا القول أيضا ضعف، لتضمنه اشتراك فعل وحرف في لفظ واحد بلا دليل، إلا أن فيه تخلصا من الاكتفاء بمنصوب فعل عن مرفوعه في نحو: علك أو عساك، في نحو: عساك تفعل بغير أن، ولا مخلص للمبرد من ذلك.
ويلزم المبرد أيضا مخالفة النظائر من وجهين آخرين: أحدهما: الإخبار باسم عين جامد عن اسم معنى.
والثاني: وقوع خبر في غير موقعه بصورة لا تجوز فيه إذا وقع موقعه، وذلك أنك إذا قلت في: عساك أن تفعل، عسى أن تفعل إياك لم يجز، وما لم يجز في الحالة الأصلية حقيق بألا يجوز في الحالة الفرعية.
فتبين أن قول أبي الحسن في هذه المسألة هو الصحيح والله أعلم.
ولا بد من عود ضمير من الخبر في هذا الباب إلى الاسم، كما لا بد منه في غير هذا الباب، ولكن الضمير في غير هذا الباب لا يشترط كونه فاعلا، بخلاف الضمير في هذا الباب فإن الفاعل لا يكون غيره إلا على قلة، ولا يكون ما ورد على قلة إلا مؤولا بأنه هو، فمن ذلك قول الشاعر:
وقد جعلتُ إذا ما قمتُ يُثقلني
…
ثوبي فأنهضُ نَهْضَ الشارب الثَّمِل
فجاء فاعل الفعل المخبر به غير ضمير الاسم، لأن المعنى: وقد جعلت إذا
ما قمت أثقل وأضعف، فصح لذلك. وكذا قول الآخر:
وَقَفْتُ على رَبْع لميةَ ناقتي
…
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبُثُّه
…
يكلمني أحجاره وملاعبُه
فجاز هذا لأن معناه: كاد يكلمني. وإلى هذا ونحوه أشرت بقولي: "وكون الفاعل غيره قليل".
وزعم قوم أن كاد ويكاد إذا دخل عليهما نفي فالخبر مثبت، وإذا لم يدخل عليهما نفي فالخبر منفي، والصحيح أن إثباتهما إثبات للمقاربة، ونفيهما نفي للمقاربة، فإذا قيل: كاد فلان يموت، فمقاربة الموت ثابتة، والموت لم يقع. وإذا قيل: لم يكد يموت، فمقاربة الموت منفية، ويلزم من نفي مقاربة الموت نفي وقوعه بزيادة مبالغة، كأن قائلا قال: كاد فلان يموت، فرد عليه بأن قيل: لم يكد يموت.
وقولك: لم يكد يموت أبلغ في إثبات الحياة من قولك: لم يمت، ولهذا قيل في قوله تعالى:(إذا أخرج يده لم يكد يراها) إن معناه: لم يرها ولم يقارب أن يراها. وفي قوله تعالى: (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) إن معناه: لا يسيغه ولا يقارب إساغته.
وقد يقول القائل: لم يكد زيد يفعل، ويكون مراده أنه فعل بعسر لا بسهولة، وهو خلاف الظاهر الذي وضع له اللفظ أولا. ولإمكان هذا، رجع ذو الرمة في قوله:
إذا غيرُ النَّايُ المحبين لم يكد
…
رسيسُ الهوى من حبِّ ميةَ يبرحُ
إلى أن جعل بدل: يكد، يجد، وإن كان في يكد من المبالغة والجزالة ما ليس في يجد.
وأما قوله تعالى: (وما كادوا يفعلون) فمحمول على وقتين، وقت عدم الذبح وعدم مقاربته، ووقت وقوع الذبح، كما يقول القائل: خلص فلان وما كاد يخلص.
وأجاز الأخفش استعمال كاد زائدة، ومما استشهد به قوله تعالى:(إنّ الساعة آتية أكاد أخفيها) وقول حسان:
وتكادُ تكسَل أن تجيء فِراشها
…
في حسم خَرْعَبَة وحُسن قوام
والصحيح أنها لا تزاد، وأما قوله تعالى:(أكاد أخفيها) فقيل معناه: إن الساعة آتية أكاد أخفيها فلا أقول: هي آتية. وقيل معناه: أكاد أخفيها عن نفسي. وقراءة أبي الدرداء وسعيد بن جبير: (أكاد أَخفيها) بفتح الهمزة، من خَفَيْتُ الشيء أخفيه إذا أظهرته، وبه فُسِّر قول امرئ القيس:
فإن تدفنوا الداء لا نَخْفِه
…
وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
وأما قول حسان فالمعنى فيه وصف المذكورة بمقاربة الكسل دون حصوله، وذلك بين.
ولازمت أفعال هذا الباب لفظ المضي إلا كاد وأوشك، فإنهما اختصا باستعمال
مضارعيهما، وشذ استعمال اسم فاعل أوشك في قول الشاعر:
فموشِكةٌ أرضنا أن تعود
…
خلافَ الخليط وحُوشا يَبابا
وذكر الجوهري: يَطْفَق، ولم أره لغيره، والله أعلم.