الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب كيفية التثنية وجمعي التصحيح
ص: الاسمُ الذي حرفُ إعرابه ألف لازمةٌ مقصور، فإن كان ياء لازمةً تلي كسرةً فمنقوص، فإن كان همزة تلي ألفا زائدة فممدود.
ش: تبيين كيفية التثنية وجمعي التصحيح مفتقر إلى معرفة المقصور والمنقوص والممدود، حتى إذا جرى في الباب ذكر بعضها لم يجهل المعنى به.
فالمقصور هو الاسم الذي حرف إعرابه ألف لازمة. فذكر الاسم مخرج للفعل المضارع الذي حرف إعرابه ألف نحو: يَرْضى، وذكر حرف الإعراب مخرج لكل اسم مبني آخره ألف نحو: إذا وهما، وذكر اللزوم مخرج للمثنى المرفوع على اللغة المشهورة، وللأسماء الستة في حال النصب.
والمنقوص العُرْفي الاسم الذي حرف إعرابه ياء لازمة تلي كسرة، فالاسم مخرج للمضارع الذي حرف إعرابه ياء تلي كسرة نحو: يُعطى، وحرف الإعراب مخرج لكل اسم مبني آخره ياء تلي كسرة نحو: هي، والذي. واللزوم مخرج لنحو الزيدين: وللأسماء الستة في حال الجر.
ولما كان المنقوص في اللغة متناولا لكل ما حذف منه شيء كيدٍ وعِدَة، وكان المقصود هنا غير ذلك قيِّد بالعرفي، لأن العرف الصناعي قد غَلَّب إطلاق المنقوص على نحو: شَجٍ وقاضٍ.
والممدود الاسم الذي حرف إعرابه همزة تلي ألفا زائدة، فذكر الاسم مستغْنًى عنه، لأن المخرَج به في رسم المقصور والمنقوص ما يشبههما من الأفعال المضارعة، إذ لو لم يذكر اسم في رسمهما لتناول رسم المقصور نحو: يَرْضَى، ورسمُ المنقوص نحو يُعطى. وههنا لو لم يذكر اسم لم يتناول رسمُ الممدود فعلا، إذ لا يوجد فعل آخره همزة تلي ألفا زائدة، وإنما تلي ألفا منقلبة كيشاء، ولكن ذكر الاسم ليعلم من أول وهلة أن الممدود ليس من أصنافه غيره.
وذكر حرف الإعراب ليعلم من أول وهلة أن المقصود ممدود معرب.
وذكرت زيادة الألف احترازًا من: داء وماء ونحوهما، فإن الألف في مثل هذا لا تكون زائدة، لأن الحكم بزيادتها يوجب نقصا عن أقل الأصول، وإنما هي بدل من أصل.
ص: فإذا ثُنِّي غيرُ المقصور والممدود الذي همزته بدل من أصل أو زائدة لَحِقَت العلامةُ دون تغيير، ما لم تَنُب عن تثنيته تثنية غيره غالبا.
ش: غير المقصور والممدود المقيد يعم الصحيح الآخر كرجل وامرأة، والمعتل الآخر الجاري مجرى الصحيح كمَرميّ ورَمْي ومَغْزُوّ وغزْو، والمعتل المنقوص كشج وقاضٍ، والمهموز الذي ليس ممدودًا كرَشأ وماء ونَسِئ ومَكْلوء، والممدود الذي همزته أصل كقُرَّاء، وهو الكثير القراءة، فكل هذه وأشباهها لا تغير في التثنية بأكثر من فتح الآخر ولحاق العلامة التي سبق ذكرها.
وأشرت بقولي "ما لم تنب عن تثنيته تثنية غيره" إلى نحو قولهم في تثنية سواء: سِيّان، فإنه تثنية سِيّ، واستغنوا به غالبا عن تثنية سواء. وقلت "غالبا" احترازا عن رواية أبي زيد عن بعض العرب: هذا سواءان. وكذلك استغنوا غالبا بألْيَيْن وخُصْيَيْن عن أليتين وخصيتين، وقد يقولون أليٌ وخُصْيٌ بمعنى خصية، وقد يقال في التثنية أليتان وخصيتان، قال عنترة:
متى ما تَلقَني فَرْدَيْن تَرْجُف
…
رَوانِف ألْيَتَيْك وتُسْتطَارا
وقال طفيل الغنوي:
وإنَّ الفحل تُنْزَعُ خُصْيتاه
…
.فَيَصْبِحُ جافرا قَرِحَ العِجان
ومن الاستغناء بتثنية عن تثنية قولهم في ضَبُع وضِبْعان: ضَبُعان، ولم يقولوا: ضبعانان، وهو القياس، كما يقال في: امرئ وامرأة، وابن وابنة: امرآن وابنان.
ص: وإذا ثُنِّيَ المقصورُ قلِبتْ ألفُه واوا إن كانت ثالثةً بدلا منها، أو أصلا، أو مجهولةً ولم تُمَلْ، وياء إن كانت بخلاف ذلك، لا إن كانت ثالثةَ واويٍّ مكسور الأول أو مضمومِه، خلافا للكسائي. والياءُ –في رَأيٍ- أولى بالأصل والمجهولة مطلقا.
ش: لما كان آخر الاسم إذا ثني مستحقا لفتحة، وكانت الألف لا تقبل حركة، وجب لها عند لقاء علم التثنية أن تحذف أو تبدل حرفا قابلا للحركة، فامتنع الحذف لأنه كان يوقع في الالتباس بالمفرد حال الرفع والإضافة، فتعين القلب. فإن كانت رابعة فصاعدا قلبت ياء، سواء كانت بدل واو كمُعطًى، أو بدل ياء كمَرْمَى، أو زائدة كحُبْلَى وعَلقَى.
وإن كانت ثالثة ردت إلى الواو إن كانت بدلها كقفًا، وإلى الياء إن كانت بدلها كهُدًى، وقد يكون لها أصلان فيجوز فيها الوجهان كرَحًى، فإنها يائية في لغة من قال: رَحَيْـ وواوِيّة في لغة من قال: رَحَوْت، فلمن ثناها أن يقول: رحيان ورحوان، والياء أكثر.
وإن كانت الألف أصلا لكونها في حرف أو شبهه كألا الاستفتاحية ومَتَى، أو كانت مجهولة الأصل كخَسا بمعنى فرد، ولَقَى بمعنى ملْقًى لا يعبَأ به، فالمشهور فيما كان من هذين النوعين أن يعتبر حاله في الإمالة فإن أمالته العرب كبَلى ومَتَى ثُنِّيَ بالياء إذا سمِّي به، وإن لم تمله العرب كإلى وأمَا بمعنى حقا ثنِّيَ بالواو. ومن النحويين من لا يعدل عن الياء في النوعين ثَبتت الإمالة أو لم تثبتْ، ومفهوم قول سيبويه عاضِدٌ لهذا الرأي، لأنه أصَّل في الألف المجهولة أصلا يقتضي ردها إلى الواو إذا كانت موضع العين، وردها إلى الياء إذا كانت موضع اللام، وعلل ذلك بأن انقلابها ثانية عن واو أكثر من انقلابها عن ياء، وأمر الثالثة بالعكس.
وأجاز الكسائي في نحو: رضًى وعُلا من ذوات الواو المكسورة الفاء والمضمومة أن تثنى بالياء قياسًا على ما ندر، كقول بعض العرب: رضى ورضيان، وشذوذ هذا صارف عن إشارة إليه لقياس عليه.
ص: وتبدل واوا همزةُ الممدودِ المبدلة من ألف التأنيث، وربما صُحِّحت أو قُلِبت ياءً، وربما قلبت الأصليةُ واوا، وفِعْل ذلك بالمُلحقة أوْلى من تصحيحها، والمبدلة من أصل بالعكس، وقد تقلب ياء، ولا يقاس عليه خلافا للكسائي.
ش: الهمزة من: صَحْراء أو ثُلاثاء وأرْبعاء وقاصعاء ونُفساء، ونحوها من المؤنث مبدلة من ألف التأنيث لا موضوعة للتأنيث خلافًا للكوفيين والأخفش، ويدل على ذلك ثلاثة أوجه: أحدها: أن كون الألف حرف تأنيث ثابت في غير هذه الأمثلة بإجماع، وكون الهمزة للتأنيث في غير هذه الأمثلة منتف بإجماع، وإبدال همزة من حرف لين متطرف بعد ألف زائدة ثابت بإجماع، والحكم على الهمزة المشار إليها بأنها مبدلة من ألف مانع من مفارقة الإجماع المذكور، فيتعين الأخذ به.
الوجه الثاني: أن القول بذلك مكمل لما قصد من توافق هاء التأنيث وألفه، وتركه مفوت لذلك، فوجب اجتنابه، وذلك أنهم ألحقوا هاء التأنيث بألفه في التزام فتح ما قبلها وجواز إمالته، فألحقوا ألفه بهائه في مباشرة المفتوح تارة، وانفصالها
بألف زائدة تارة، فسَكْرَى نظير تمرة، وصحراء نظير أرطاة، وتُوصِّل بذلك أيضًا إلى إبدال الألف همزة لتوافق الهاء بظهور حركة الإعراب وهذه حكمة لم يبدلها إلا القول بأن الهمزة المشار إليها بدل الألف فوجب اعتقاد صحته.
الوجه الثالث: أن الهمزة لو كانت غير بدل لساوت الأصلية في استحقاق السلامة في التثنية والجمع والنسب فكان يقال بدلا من صَحْراوَيْن وصحرَاوات وصحراويّ: صحراءان وصحراءات وصحرائي، كما يقال: قثاءان وقثاءات وقثائي. بل كانت همزة صحراء أحق بالسلامة، لأن فيها ما في همزة قثاء من عدم البدلية كما زعموا، وتزيد عليها أنها دالة على معنى، وسلامة ما يدل على معنى أحق من سلامة ما لا يدل على معنى، فثبت ما أردناه والحمد لله.
وبعد تقرير هذا فلتعلم أن الهمزة المشار إليها لما كانت بدل ألف كره بقاؤها في التثنية، لأن وقوعها بين ألفين كتوالي ثلاث ألفات، فتوقِّيَ ذلك ببدل مناسب، وهو إما واو وإما ياء، فكانت الواو أولى، لأنها أبعد شبها من الألف، وإنما تركت الهمزة لقربها من الألف، والياء مثلها في مقاربة الألف فتركت، وتعينت الواو.
وبعض العرب يبقي الهمزة، وبعضهم يؤثر الياء لخفتها، وكلاهما نادر. ومثله في الندور إبدال الهمزة الأصلية واوا كقول بعضهم في تثنية قرّاء: قرَّاوان، وفِعْل ذلك بِعلْباء وقوباء ونحوهما أولى من التصحيح، والتصحيح في نحو كساء ورداء أولى من إبدال الهمزة واوا.
وإلى همزة نحو: كساء ورداء أشير بقولنا "والمبدلة من أصل" وأن المقيس عليه قلبُ المبْدَلة من ألف التأنيث واوا كصحراوين، وسلامة الأصلية كقرّاءين، وإجازة وجهين في الملحقة مع ترجيح القلب كعلباوين وعلباءين، وإجازة الوجهين في المبدلة من أصل مع ترجيح السلامة ككساءين وكساوين ورداءين ورداوين، وما سوى ذلك يحفظ ولا يقاس عليه إلا على رأي الكسائي، وقد بُين.
ص: وصَحَّحُوا مِذرَوَيْنِ وثِنايَيْنِ تصحيحَ شَقاوة وسِقاية، للزوم عَلَمي التثنية والتأنيث.
ش: المذْروان طرفا الألية، وطرفا القوس، وجانبا الرأس، ولا يستعمل مفردهما، كذا قال أبو علي القالي في كتاب الأمالي، والمشهور إطلاقه على طرفي الألية قال عنترة:
أحَوْلِي تَنْفُض اسْتُكَ مِذْرَوَيْها
…
لِتَقْتُلَني فهأنذا عُمارا
وهو تثنية مذرى في الأصل، إلا أنه لا يفرد فشبه بمفرد في حشْوه واو مفتوحة كشقاوة، ولو أفرد لقيل في تثنيته مذريا، كما يقال في تثنية ملهى ملهيان، لأن ألف المقصور إذا كانت رابعة فصاعدا قلبت في التثنية ياء مطلقا.
والثِّنايان طرفا العقال، لا يستعمل إلا بلفظ التثنية، هكذا قال الأئمة الموثوق بقولهم، ولو أفرد لقيل فيه ثناء، وفي تثنيته ثناءان وثناوان كما يفعل بكل ممدود همزته مبدلة من أصل، لكنه لم يفرد، فشبه بمفرد في حشوه ياء كسقاية.
ص: وحُكْمُ ما أُلْحِقَ به علامةُ جمع التصحيح القياسيةُ حكم ما ألحق به علامةُ التثنية، إلا أن آخر المقصور والمنقوص يحذفان في جمع التذكير، وتلي علامتاه فتحة المقصور مطلقا، خلافا للكوفيين في إلحاق ذي الألف الزائدة بالمنقوص.
ش: احترز بالقياسية من نحو: بنين وعلانين وربعين، في جمع ابن ورجل علانية وربعة، فإن مقتضى القياس أن يقال في ابن: ابنون، كما يقال في التثنية: ابنان. وأن يقال في علانية وربعة علانيات وربعات، كما يفعل بكل ما فيه تاء التأنيث.
والحاصل أن الصحيح الآخر غير المؤنث بالتاء، والمعَلَّ الجاري مجرى الصحيح، والمهموز غير الممدود، والممدود الذي همزته أصل إذا جُمِع جَمْعَ التصحيح لحقته علامته دون تغيير، كما لحقته علامة التثنية، وأن الممدود الذي همزته
غير أصل ينال همزته في جمع التصحيح ما نالها في التثنية فيقال في: زيد وهند وعلي وأمر مقضيّ ومَحْبُوّ وأمْر مُرْجأ وأمر مَرْجُوّ وإرجاء وزكرياء وصحراء وعطاء علما لرجل: زيدون، وهندات، وعليون، وأمور مقضيات، ومحبوون، وأمور مرجُوّات، ورجال مرجُوون، وأمور مُرْجَآت وإرجاءات، وزكرياءون، وصحراوات، وعطاءون، وسماوات، فتصحح ما تصحح في التثنية وتعل ما أعل فيها.
وأما المقصور فتحذف ألفه في جمع التذكير وتلي الواو والياء الفتحة، ويستوي في ذلك ما ألفه منقلبة عن أصل كالأعلى، وما ألف زائدة كحُبْلى اسم رجل فيقال: جاء الأعلَوْن والحُبْلَون، ومررت بالأعلَيْن والحبلَين. هذا مذهب البصريين.
وأما الكوفيون فيحذفون الألف الزائدة، ويضمون ما قبلها مع الواو ويكسرونه مع الياء، فيقولون: جاء الحبلُون ومررت بالحبلِين، فإن كان المقصور أعجميًا أجازوا فيه الوجهين لاحتمال الزيادة وعدمها.
وأما المنقوص فتحذف ياؤه في جمع التذكير، ويضم ما قبلها مع الواو، ويترك على حاله مع الياء، نحو: جاء القاضُون، ومررت بالقاضِين.
وللمقصور والمنقوص مع ألف جمع التأنيث ما لهما مع ألف التثنية، كقولك في: حُبلى، وأمرٍ بادٍ: حبلَيات، وأمور بادِياتٌ.
ص: وربما حُذِفت خامسةً فصاعدا في التثنية، والجمع بالألف والتاء، وكذا الألف والهمزة من قاصِعاء ونحوه، ولا يقاس عليه، خلافا للكوفيين.
ش: الضمير في "حذفت" عائد على الألف الزائدة، والإشارة بذلك إلى ما روى الفراء من قول بعض العرب في تثنية الخوزلي وخنفساء وباقلاء وعاشوراء:
خوزلان وخنفسان وباقلان وعاشوران، وأنشد:
تَرَوَّحَ في عُمِّية وأعانه
…
على الماء قوم بالهَراوات هوج
بفتح هاء الهَروات وهو جمع هَراوى، وهَراوى جمع هِراوَة. وهذا يدل على أن الألأف قد تحذف وإن لم تكن زائدة، لأن ألف هَراوى منقلبة عن لام الكلمة. والكوفيون يقيسون على هذا، والمنصفون من غيرهم يقلبون ما سمع منه ولا يقيسون عليه لقلته.
ص: وتُحْذَف تاء التأنيث عند تصحيح ما هي فيه، فيعامل معاملة مؤنث عارٍ منها لو صُحِّحَ. ويقال في المراد به من يعقل من: ابن وأب وأخ وهَنٍ وذي: بنون وأبون وأخُون وهَنُون وذَوُو، وفي بِنْت وابنة وأخت وهنَة وذات: بنات وأخوات وهَنات وهنوات وذوات وأمهات في الأم من الناس أكثر من أُمّات، وغيرها بالعكس.
ش: إذا جمع ما فيه تاء التأنيث بالألف والتاء حذفت التاء منه، ووليت ألف الجمع ما كان قبل التاء من تغيير إن لم يكن ألفا ولا همزة ممدود مبدلة كقولك في مسلمة وجارية وعرقوة وقارئة وقراءة: مسلمات وجاريات وعرقوات وقارئات وقراءات، فإن كان الذي قبل التاء المحذوفة ألفًا أو همزة ممدود مبدلة فعل به ما كان يفعل بمثله مباشرا لألف التثنية، فيقال في: فتاة فتيات، وفي قناة قنوات، وفي سماء سماءات وسماوات، وفي باقلاء باقلاوات.
وكان حق ابن وابنة أن يقال في تصحيحهما: ابنون وابنات، كما قيل في تثنيتهما ابنان وابنتان، إلا أن المسموع ما ذكر من بنين وبنات، فنبه عليه. وحاملهم على ذلك الإشعار بأن أصل الباء في الإفراد الفتح.
وأما قولهم في أب وأخ وهن: أبون وأخون وهَنون، فاصلة: أبُوُون وأخُوُون
وهنُوُون بالإتباع، ثم حذفت ضمة الواو تخفيفًا، فالتقى ساكنان فحذف سابقهما، وبقيت ضمة العين مباشرة في اللفظ لواو الجمع، ويقال في غير الرفع، أبِين، والأصل: أبِوِين، ثم عرض السكون والقلب والحذف.
ومن شواهد أخين وأبين قراءة بعض السلف (قالوا نعبد إلهك وإله أبيك إبراهيم وإسماعيل وإسحق) وقال أبو طالب:
ألم تَرَني من بعد هَمٍّ هَممْتُه
…
لفرقَةِ حُرٍّ من أبين كرامِ
وأنشد ابن دريد:
كريمٌ طابت الأعراقُ منه
…
وأشبه فعلُه فعلَ الأبينا
كريم لا تُغَيِّرُه الليالي
…
ولا اللاواء في عهد الأخينا
فجمع أبا على أبين، وأخا على أخين، وقال آخر:
فلما تَبَيَّنَّ أصواتَنا
…
بكَيْنَ وفَدَّيْنَنا بالأبِينا
وأنشد الفراء مستشهدًا على أخ وأخين:
فقُلْنا أسْلِموا إنّا أخوكم
…
وقد بَرِئت مِنَ الإحَن الصُّدور
وأنشد غيره:
وما رحم الأهلين إنْ سالموا العدا
…
بمجدية إلا مضاعفةَ الكرب
ولكن أخو المرء الذين إذا دعا
…
أجابوا بما يرضيه في السلم والحرب
وقال آخر في هن وهنين:
أريدُ هَناتٍ من هَنِينَ وتَلتَوي
…
عَليَّ وآبى من هَنين هناتِ
ولو قيل: حم وحمون لم يمتنع، ولكن لا أعلم أنه سمع.
وأما ذو فقيل فيه ذوُو بتصحيح العين بعد فتحة، ولم يفعل به من الإتباع ما فعل بأخواته لإفضاء ذلك فيه إلى حذف عينه بعد حذف لامه، فتخلص من ذلك برد فائه إلى حركته الأصلية كما فعل في التثنية.
وكان حق بنت وأخت أن يقال فيهما بنتات وأختات لأن تاءهما قد غيرت لأجلها البنية وسكن ما قبلها فأشبهت تاء ملكوت، ولأجل ذلك جمع يونس بينها وبين ياء النسب فقال: بِنتيّ وأخْتِيّ، لكنه وافق ههنا على الامتناع من بنتات وأختات لأن تاء بنت وأخت وإن خالف لحاقهما لحاق تاء التأنيث، فهي مخصوصة ببنية لا يراد بها إلا مؤنث، ولفظها كلفظ المستقلة بالدلالة على التأنيث، فكان اجتماعها مع تاء الجمع أثقل من اجتماعها مع ياء النسب، فلذلك اتفق على حذفها في الجمع، واستغنوا عن أبنات ببنات، كما استغنوا عن أبنين ببنين.
ونظير هنات لثات وسنات، ونظير هَنَوات سَنوات وعِضوات.
وأما ذات وذوات فكقناة وقنوات، لأن تاء ذات وجب لها من الحذف ما وجب لتاء قناة، فباشرت الألف المنقلبة عن العين ألف الجمع فاستحقت الفتح والرد إلى الأصل فقيل: ذوات بحذف اللام، ولو ردت اللام لقيل: ذويات وذايات.
وكان حق "أم" ألا يجمع بالألف والتاء، لأن ذلك حكم ما لا علامة فيه من أسماء الأجناس المؤنثة كعنز وعناق، ولكن العرب جمعته بهما، فلحق بما بابه السماع كسماوات وأرَضات، وزادوا الهاء قبل العلامة في الأناسي غالبًا وفعلوا في البهائم
بالعكس، واجتمع الاستعمالان في قوله:
إذا الأمّهاتُ قَبَحْنَ الوجوه
…
فَرَجْتَ الظَّلامَ بأمّاتكا
ومن ورود أمات في الأناسي قول كلثوم بن عياض:
حماةُ الضيم آباءٌ كرام
…
وأمّاتٌ فأنجدَ واستغارا
وقول عبد الله بن عمرو اللخمي:
أولئك أمّاتي رفعْنَ مقائمي
…
إلى طالع في ذِرْوَةِ المجد صاعد
ومن وروده في البهائم قول حميد بن ثور:
وأمات إطلاءٍ صغارٍ كأنها
…
دمالجُ يجلوها لينفق بائع
وربما قيل في أم أمهة، قال قصي بن كلاب:
إني لدى الحرب رَخِيٌّ لَبَبِي
…
عند تناديهم بهالٍ وهَبِي
مُعتزِم الضربة عال نسبي
…
أُمَّهَتِي خندفُ والياس أبي
ص: والمؤنثُ بهاءٍ، أو مجردا ثلاثيا صحيح العين ساكنةً غيرَ مضاعف ولا صفة تتبع عَيْنَه فاءه في الحركة مطلقا، وتفتح وتُسَكّن بعد الضمة والكسرة، وتُمْنَعُ
الضمةُ قبل الياء، والكسرةُ قبل الواو باتفاق، وقبلَ الياء بِخُلف، ومطلقا عند الفراء فيما لم يُسْمَع، وشذ جروَات.
والتزم فَعْلات في لَجْبَة، وغُلِّبَ في رَبْعَة لقول بعضهم لَجَبة ورَبَعة، ولا يقاس على ما ندر من كَهَلات، خلافا لقطرب، ويسوغ في لَجْبَة القياس وفاقا لأبي العباس، ولا يقال فَعْلات اختيارا فيما استحق فَعَلات، إلا لاعتلال اللام، أو شبه الصفة. وتَفْتح هُذَيْل عين جَوزَات وبَيضات ونحوهما، واتّفق على عِيَرات شُذوذًا.
ش: المراد بذي الهاء نحو: تَمْرَة وغَرْفَة وكِسرة، وبالمجرد نحو: دَعْد وجُمل وهِنْد، فإن سيبويه سوى بينهن فيما ذكرته، فلدعْد وجمْل وهنْد ما لتمرة وغرفة وكسرة إذا جمعن بالألف والتاء.
واحترز بصحيح العين عن معتله نحو: جَوْزَة وديمة ودوْلة. وبساكن العين من متحركه كشجرة وسَمُرة ونَمِرة. وبنفي التضعيف من نحو: حَجَّة وحُجّة وحِجّة، وبنفي الوصفية من نحو: ضخْمة وجِلْفة وحُلوة.
وأشير بإطلاق الإتباع إلى عدم الفرق فيه بين المفتوح الفاء والمضمومها والمكسورها من ذي الهاء والمجرد نحو: تَمَرات وغُرفات وكِسرات، ودَعَدات وجُمُلات وهِندات.
والضمير في "تفتح وتسكن" عائد إلى العين، أي ويجوز مع ضم العين في المضموم الفاء الفتح والتسكين، وهما أيضًا جائزان في المكسور الفاء، فيكون في كل واحد منهما ثلاثة أوجه، وسكت عن ذكر عدم الإتباع في المفتوح الفاء، فعلم أن الإتباع فيه لازم فلا يعدل عن فتح عينه وهو مستوف للشروط، إلا إذا اعتلت لامه فإن ذلك يفتح عند قوم من العرب لتسكين العين في الاختيار، ومن ذلك: ظبِيات وشرْيات في جمع ظبية وشرية، حكاه أبو الفتح، واللغة المشهورة ظَبَيات وشرَيات. وربما عدل عن الفتح إلى السكون لشبه الصفة كقولهم: أهْل وأهْلات، وأهَلات بالفتح أشهر وأنشد سيبويه:
وهمْ أهَلات حولَ قيس بن عاصم
…
إذا أدْلَجُوا باللّيل يَدعُونَ كَوثرا
وقيل أيضًا: أهْلة بمعنى أهل، حكاه الفراء، فالأولى بأهْلات أن يكون جمعا له لا لأهل.
وقد تسكن عين فعْلات جمع فعْلة إذا كان مصدرًا كحسْرات، تشبيها بجمع فعلة صفة، لأن المصدر قد يوصف به، قال أبو الفتح: ظبْيات أسهل من رفْضات لاعتلال اللام، ورفْضات أسهل من تمْرات لأن المصدر يشبه الصفة.
قلت: فإذا قيل: امرأة كلبة، ففي جمعه الفتح باعتبار الأصل، والتسكين باعتبار العارض.
ولا يُعْدل عن فعَلات إلى فعْلات فيما سوى ذلك إلا في ضرورة، وهو من أسهل الضرورات، لأن العين المفتوحة قد تسكن في الضرورة وإن لم تكن في جمع ولا ساكنة في الأصل، فلأن تسكن إذا كانت في جمع وكانت ساكنة في الأصل أحق وأولى، ومن تسكينها مع كونها غير جمع وغير ساكنة في الأصل قول الشاعر:
وعَرْبة أرضٌ لا يُحِلُّ حرامها
…
من الناسِ إلا اللوْذَعيٌّ الحُلاحِل
أراد عَرَبة وهي أرض مكة. وقال آخر:
الموتُ يأتي بمقدار خَواطِفُه
…
وليس يُعْجزه هَلْكٌ ولا لُوح
أراد هَلكا، والهَلك ما بين كل أرض إلى الأرض السابعة. واللوح ما بين السماء والأرض. وقال آخر:
يا عَمْرُو يا بنَ الأكْرَمينَ نَسْبا
…
قد نَحبَ المجد عليك نَحْبا
وقال آخر:
وما كلُّ مبْتاع ولو سَلْفَ صَفْقُه
…
يراجعُ ما قد فاته برَدادِ
أراد: ولو سَلَف، فسكن اللام ضرورة.
وحكى يونس في جمع جِرْوَة جرِوات بكسر الراء، وهي في غاية من الشذوذ.
ويقال للشاة إذا قل لبنها: لجْبة بسكون الجيم وفتح اللام وكسرها وضمها، ويقال لها أيضًا: لجَبة بفتح الجيم واللام. وأكثر النحويين يظنون أنه جمع لجبة الساكن الجيم فيحكمون عليه بالشذوذ، لأن "فعْلة" صفة لا تجمع على فعَلات بل على فعْلات، وحملهم على ذلك عدم اطلاعهم على أن فتح الجيم في الإفراد ثابت. وكذا اعتقدوا أن "رَبعات" بفتح الباء جمع "ربْعة" بالسكون وإنما هو جمع رَبَعة بمعنى ربْعة للمعتدل القامة، ذكر ذلك ابن سيده.
وأجاز أبو العباس المبرد أن يقال في جمع لجَبَة لجْبات بالسكون، وأجاز قطرب فَعَلات في فعْلة صفة كضخْمة وضخَمات قياسًا على ما ليس بصفة. ويعضد قوله ما روى أبو حاتم من قول بعض العرب: كَهْلة وكَهَلات بالفتح، والسكون أشهر.
ونبهت بقولي "وتُمْنع الضمة قبل الياء والكسرة قبل الواو" على أن نحو: مُنْية لا يجوز ضم عينه، ونحو: ذِرْوة لا يجوز كسر عينه، بل يقتصر فيهما على التسكين أو الفتح تخييرا، لأن الضمة قبل الياء والكسرة قبل الواو مستثقلان، لا سيما إذا كانت الياء والواو لامين، مع وُجدان مندوحة عن ذلك. فلو كانت لام المكسور الفاء ياء كلِحية، ففي كسر عينه خلاف، فمن البصريين من منعه لاستثقال الياء بعد كسرتين، ومنهم من أجازه.
ومنع الفراء فِعِلات مطلقًا، واحتج بأن فِعلات يتضمن فِعلا، وفِعِل وزن أهمل إلا فيما ندر كإبل وبِلز، ولم يُثْبت سيبويه منه إلا إبلا، وما استثقل في الإفراد
حتى كاد يكون هملا حقيق بأن يُهمل ما يتضمنه من أمثلة الجموع، لأن الجمع أثقل من المفرد. والجواب من أربعة أوجه: أحدها: أن المفرد وإن كان أخف من الجمع قد يستثقل فيه ما يستثقل في الجمع لأنه معرض لأن يتصرف فيه بتثنية وجمع ونسب، وإذا كان على هيئة مستثقلة يُضاعف استثقالها بتعرُّض ما هي فيه إلى استعمالات متعددة، بخلاف الجمع فإن ذلك فيه مأمون.
الثاني: أن فِعِلا أخفُّ من فُعُل، فمقتضى الدليل أن تكن أمثلة فِعل أكثر من أمثلة فعُل، إلا أن الاستعمال اتفق وقوعه بخلاف ذلك، فأي تصرف أفضى إلى ما هو أحق بكثرة الاستعمال فلا ينبغي أن يجتنب، بل يجوز أن يؤثر جَبرا لما فات من كثرة الاستعمال، ويؤيد هذا أنهم لا يكادون يسكنون عين إبل، بخلاف فعُل فإنه يسكن كثيرا.
الثالث: أن فُعُلات يتضمن فُعُلا وهو من أمثلة الجمع، وفِعِلات يتضمن فِعِلا وليس من أمثلة الجمع، وهو أحق بالجواز، لأنه جمع لا يشبه جمع الجمع، بخلاف فُعلات فإنه يشبه جمع الجمع، والأصل في جمع الجمع الامتناع، فما لا يشبهه أحق بالجواز مما يشبهه.
الرابع: إن فعِلات قد استعملته العرب جمعا لفِعْلة كنعمة ونِعمات. وقد أشار سيبويه إلى أن العرب لم تجتنب استعماله كما لم تجتنب استعمال فِعْلات، وقد رجح بعض العرب فِعِلات على فُعُلات إذ قال في جمع جِرْوة: جرِوات، فاستهل النطق بكسر عين فِعلات فيما لامه واو، ولم يستسهل النطق بضم عين فعْلات فيما لامه ياء، فبان بما ذكرته إن فعِلات في جمع فِعلة كفُعُلات في جمع فُعْلة، أو أحق منه بالجواز.
والتزم غير هذيل في نحو: جوزة وبيضة سكون العين، فسوَّوْا في ذلك الأسماء والصفات، وأما هذيل فسلكوا بهذا النوع سبيل ما صحت عينه، فقالوا: جوَزات وبَيضات، كما قال جميع العرب: تَمَرات وجَفَنات. وقالوا في الصفات: جوْنات
وغيْلات بالسكون، كما قال الجميع: ضخْمات وصعْبات.
وأما عِيرات في جمع عِير فجائز عند جميع العرب مع شذوذه عن القياس، لأنه مؤنث مكسور الفاء، فلم يكن في تحريك يائه بفتحة بعد الكسرة ما في بَيضات بتحريك الياء، لأن تحرك الياء بعد فتحة يوجب إبدالها ألفا، فتحريكها إذا كان أصلها السكون بعد فتحة تعريض لها إلى الإبدال أو إلغاء سبب الإعلال، إلا أن هذيلا لم يكترثوا بذلك لعروضه، ومنه قول بعضهم:
أخَو بَيضات رائح مُتأوِّب
…
رفيقٌ بمسْح المَنكبين سَبُوح
فصل: ص: يُتَم في التثنية من المحذوف اللام ما يتمُّ في الإضافة لا غير، وربما قيل: أبان وأخان ويدَيان ودَميان ودَمَوان وفَمَيان وفَمَوان. وقالوا في ذات: ذاتا على اللفظ، وذَواتا على الأصل.
ش: المحذوف اللام يتناول المنقوص العرفي المنون في غير النصب، والأسماء الستة، واسما واستا وابنًا ويدًا ودمًا وفمًا وحِرًا وغَدًا وظبة وسنة ونحو ذلك، والذي يتم منها في الإضافة المنقوص العرفي، وأب وأخ وحم في أكثر الكلام وهن في لغة بعض العرب، ومن التزم النقص في الإفراد التزمه في التثنية، وعلى ذلك قيل: أبان وأخان، ومنه قول رجل من طيء.
إذا كنت تهوى الحمدَ والمجد مُولَعا
…
بأفعالِ ذي غيّ فلستَ براشد
ولست وإن أعيا أباك مجادة
…
إذا لم تَرُم ما أسلفاه بماجد
وقد تقدم أن من العرب من قصر يدا ودما وفمًا، فعلى ذلك قيل في التثنية: يديان ودميان وفميان وفموان، والمشهور في تثنية ذات: ذواتا بالرد إلى الأصل،
وقد ثنى على لفظه بالنقص فقيل: ذاتا، قال الراجز:
يا دارَ سلمى بين ذاتي عوج
ص: ويثنى اسمُ الجمع والمُكسَّرُ بغير زنه منتهاه.
ش: مقتضى الدليل ألا يثنى ما دل على جمع، لأن الجمع يتضمن التثنية، إلا أن الحاجة داعية إلى عطف جمع على جمع، كما كانت داعية إلى عطف واحد على واحد، فإذا اتفق لفظا جمعين مقصودٍ عطف أحدهما على الآخر استغنى فيهما بالتثنية عن العطف، كما استغنى بها عن عطف الواحد على الواحد، ما لم يمنع من ذلك عدم شبه الواحد، كما منع في نحو: مساجد ومصابيح. وفي المثنى والمجموع على حده مانع آخر وهو استلزام تثنيتهما اجتماع إعرابين في كلمة واحدة، ولأجل سلامة نحو: مساجد ومصابيح من هذا المانع الآخر جاز أن يجمع جمع تصحيح كقولهم في أيامن: أيامنون، وفي صواحب: صواحبات. وامتنع ذلك في المثنى والمجموع على حده.
والمسوغ لتثنية الجمع مسوغ لتكسيره، والمانع من تثنيته مانع من تكسيره، ولما كان شبه الواحد شرطا في صحة ذلك كان ما هو أشبه بالواحد أولى به، فلذلك كانت تثنية اسم الجمع أكثر من تثنية الجمع، كقوله تعالى (قد كان لكم آية في فئتين التقتا) وكذا قوله تعالى (يوم التقى الجمعان) وكقول النبي صلى الله عليه وسلم "مَثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين".
ص: ويُختار في المضافين لفظا أو معنى إلى مُتَضَمِّنَيْهما لفظُ الإفراد على لفظ التثنية، ولفظُ الجمع على لفظِ الإفراد. فإن فُرِّق مُتَضمِّناهما اختير الإفراد،
وربما جُمع المنفصلان إنْ أُمِنَ اللَّبْسُ، ويقاس عليه وفاقا للفراء، ومطابقةُ ما لهذا الجمع لمعناه أو لفظِه جائزة.
ش: المضافان لفظًا إلى مُتضَمِّنَيْهما كقوله تعالى (فقد صَغَتْ قلوبُكما) والمضافان إليهما معنى كقول الشاعر:
رأيْتُ ابني البَكْرِيِّ في حَوْمَةِ الوَغى
…
كفاغِرَي الأفواه عند عرين
وهذه العبارة متناولة ما أضيف فيه جزءان أو ما هما كجزأين إلى ما يتضمنهما من مثنى المعنى وإن لم يكن مثنى اللفظ. وسواء كانت الإضافة صريحة "كصغت قلوبكما" أو غير صريحة "كفاغري الأفواه" فإن الأفواه غير مضافة في اللفظ وهي في المعنى مضافة، والتقدير: كفاغِرَيْن أفواههما، يعني أسدين فاتحين أفواههما عند عَرِينِهما ذابَّيْن عن أشبالهما.
فإذا وجدت الشروط في المضافين المذكورين فلفظ الجمع أولى به من لفظ الإفراد، ولفظ الإفراد أولى به من لفظ التثنية، وذلك أنهم استثقلوا تثنيتين في شيئين هما شيء واحد لفظا ومعنى، وعدلوا إلى غير لفظ التثنية، فكان الجمع أولى لأنه شريكهما في الضم، وفي مجاوزة الإفراد. وكان الإفراد أولى من التثنية لأنه أخف منها والمراد به حاصل، إذ لا يذهب وهم في نحو: أكلت رأس شاتين، إلى أن معنى الإفراد مقصود. ولكون الجمع به أولى جاء به الكتاب العزيز نحو (فقد صغت قلوبكما) و (فاقطعوا أيديهما) وفي قراءة ابن مسعود "فاقطعوا أيمانهما" وفي الحديث "إزْرَةُ المؤمن إلى أنصاف ساقيه" وجاء لفظ الإفراد أيضًا في الكلام الفصيح دون ضرورة، ومنه الحديث في وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم
"ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما" ولم يجئ لفظ التثنية إلا في شعر كقوله:
فتخالسا نفسَيْهما بنوافذ
…
كنوافذ العُبط التي لا تُرْقَع
ولما استقر التعبير عن الاثنين بلفظ الجمع عند وجود الشرط المذكور، صارت إرادة الجمع به متوقفة على دليل من خارج، ولذلك انعقد الإجماع على ألا يقْطعَ في السرقة إلا يد من السارق ويد من السارقة. ولو قصد قاصد الإخبار عن يَدَيْ كل واحد من رجلين لم يكتف بلفظ الجمع، بل تضم إليه قرينة تزيل توهم غير مقصوده، كقوله: قطعت أيديهما الأربع.
وإذا فرق المضاف إليه كان الإفراد مختارًا كقوله تعالى (لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داودَ وعيسى ابن مريم) وفي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: حتى شرح الله صدري لما شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ولو جيء في مثل هذا بلفظ الجمع أو لفظ التثنية لم يمتنع.
وإن لم يكن المضاف جزأي المضاف إليه ولا كجزأيه لم يعدل عن لفظ التثنية غالبًا نحو: قضيت درهميكما، لأن العدول في مثل هذا عن لفظ التثنية إلى لفظ الجمع موقع في اللبس غالبًا، فإنْ أمن اللبسُ جاز العدول إلى الجمع سماعا عند غير الفراء، وقياسًا عنده، ورأيه في هذا أصح، لكونه مأمون اللبس، مع كثرة وروده في الكلام الفصيح، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما "ما أخرجكما من بيوتكما" وقوله لعلي وفاطمة رضي الله عنهما "إذا أويتما إلى مضاجعكما فسبحا الله تعالى ثلاثا وثلاثين الحديث" وفي حديث آخر "هذه فلانة وفلانة تسألانك عن إنفاقهما على أزواجهما ألهما فيه أجر" وفي حديث علي وحمزة رضي الله عنهما "فضرباه بأسيافهما" وأمثال ذلك كثيرة.
ومطابقة ما لهذا الجمع لمعناه دون لفظه كقول الشاعر:
قلوبُكما يغشاهما الأمنُ عادةً
…
إذا منكما الأبطال يغشاهم الذعر
وقال آخر:
وساقان كَعْباهما أصْمَعان
…
أعاليهما لُكَّتا بالديم
وقال آخر:
رأوْا جَبَلا هَزَّ الجبالَ إذا التقت
…
رُءوس كبيريهن ينتطحان
وعلى هذا حمل أبو العباس المبرد قول الشاعر:
أقامت على رَبْعَيهما جارتا صفا
…
كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما
فأعاد الضمير المضاف إليه المصطلى على الأعالي لأنها مثناة في المعنى، وهو توجيه حسن.
ومطابقة ما لهذا الجمع للفظه دون معناه كقول الشاعر:
خَلِيليَّ لا تهلك نفوسُكما أسى
…
فإنْ لها فيما به دُهِيَتْ أسا
فقال دهيت لأنه راعى مطابقة جمع اللفظ، ولو راعى مطابقة المعنى لقال: دهيتا، كما قال الآخر، لُكّتا.
ص: ويعاقبُ الإفرادُ التَّثنيةَ في كلِّ اثنين لا يُغْني أحدُهما عن الآخر، وربما تعاقبا مطلقا. وقد يقع افْعلا ونحوُه موقع افْعَل ونحوِه.
ش: المراد بكل اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر: العينان والأذنان والجفنان والجوربان ونحو ذلك، فيقال: عيناه حسنتان، وعيناه حسنة، وعينه حسنة، وعينه حسنتان.
فالأول أكثر لأنه الأصل، ومنه قول الشاعر:
وعينان قال اللهُ كُونا فكانتا
…
فَعُولانِ بالألباب ما تفعل الخَمر
وقال آخر:
له أذنان تعرفُ العِتق فيهما
…
كسامِعَتي مذعُورة وسطَ ربرب
ومن الثاني قول امرئ القيس:
لمن زُحلُوفَةٌ زُلُّ
…
بها العينان تَنْهَلّ
وقال آخر:
وكأن في العينين حَبَّ قرَنْفل
…
أو سُنبلا كُحِلت به فانهلت
وقال آخر:
سأجزيك خذلانا بتقطيعي الصُّوَى
…
إليك وخفا زاحفٍ تقطُر الدِّما
ومن الثالث قول الشاعر:
ألا إن عينا لم تَجُد يوم واسِط
…
عليك بجاري دمعها لجمودُ
وقال آخر:
أظن انهمال الدَّمع ليس بمنته
…
عن العينِ حتى يَضمَحِل سوادُها
ومن الرابع قول الشاعر:
إذا ذَكَرت عيني الزمانَ الذي مضى
…
بصحراءِ فلجٍ ظلتا تكفان
والمراد بتعاقب الإفراد والتثنية مطلقًا وقوع أحدهما موقع الآخر، وإن لم يكونا مما تقدم الكلام عليه كاليدين والخفين، ولا من المزال عن لفظ التثنية لأجل الإضافة، فمن وقوع المفرد موقع المثنى قوله تعالى (فاتيا فرعونَ فقولا إنا رسولُ ربّ العالمين) وقوله تعالى (عن اليمين وعن الشمال قعيد)، وشبيه به قول حسان رضي الله عنه:
إنَّ شَرْخ الشباب والشَّعَر الأسْـ
…
ـوَد ما لمْ يُعاصَ كان جُنونا
ومن وقوع المثنى موقع المفرد قول الشاعر:
إذا ما الغلامُ الأحمق الأم سامَني
…
بأطراف أنفيه استمر مقَارعًا
وقد تقدمت الإشارة إلى هذا، وذكرت أيضا له شواهد.
وقد يقع الفعل المسند إلى ضمير واحد مخاطب بلفظ المسند إلى ضمير مخاطبين، إذا كان أمرًا أو مضارعًا، والقصد بذلك التوكيد والإشعار بإرادة التكرار، ومن ذلك ما روى من قول الحجاج: يا حَرَسِيّ اضربَا عُنُقَه، ومنه قول الشاعر:
فإنْ تَزْجُراني يابنَ عَفّانَ أزْدجر
…
وإن تَدَعاني أحْمِ عِرْضا مُمَنَّعا
وقال آخر:
فقلتُ لصاحِبي لا تَحْبِسانا
…
بِنَزْع أصولِه واجْتَز شِيحا
وجعل بعض العلماء من ذلك قوله تعالى (ألقيا في جهنمَ كلَّ كفارٍ عنيد).
ص: وقد تُقَدّرُ تسميةُ جُزْء باسم كُلٍّ فيقعُ الجمعُ موقعَ واحدِه أو مثناه.
ش: وقوع الجمع موقع واحده على تقدير تسمية كلِّ جزء من أجزائه باسم
الجمع كقول الشاعر:
قال العواذلُ ما لجهلِكَ بعدما
…
شابَ المَفارِقُ واكتسين قَتِيرا
وقال آخر:
ولَقدْ أرُوحُ على التِّجار مُرَجَّلا
…
مَذِلاً بمالِي لَيِّنًا أجْيادِي
ووقوع الجمع موقع مثناه كقول الشاعر:
فالعينُ بعدَهم كأنْ حِدَاقها
…
سُمِلَتْ بِشوكٍ فهي عُورٌ تدْمَع
أراد بالعين العينين، وبالحِداق الحَدَقتين، وأراد بقوله فهي عور: فهما عوراوان. ومن وقوع الجمع موقع المثنى قول الآخر:
أشكُو إلى مَولايَ من مَوْلاتي
…
تربط بالحبل أكَيْرِعاتي
ومن كلام العرب: رَجُلٌ عظيم المناكب والهادي، وغليظ الحواجب والوجنات، وشديد المرافق، وماش على كراسيعه.
فصل: ص: يُجْمَعُ بالألف والتاء قياسا، ذُو تاء التأنيث مطلقا، وعلمُ المؤنث مطلقا، وصفة المذكر الذي لا يعقِل، ومُصَغَّرُه، واسمُ الجنس المؤنث بالألف إن لم يكن فَعْلى فَعْلان أو فَعْلاء أفعل غير منقولين إلى الاسمية حقيقة أو حكما. وما سِوى ذلك مقصور على السماع.
ش: ذو تاء التأنيث يعم ذا التاء المبدلة هاءً في الوقف كتمرة، وذا التاء السالمة من ذلك كبنت وأخت، فلا يقال في جمعها إلا بَنات وأخَوات، سمِّي بهما أو لم
يسَمَّ بهما. وكذلك ذَيْت وكيْتَ لو سمي بهما لقيل في جمعهما ذَيات وكيَات، مذكرًا كان المسمى بهما أو مؤنثًا، نص على ذلك سيبويه.
وذكرت "مطلقًا" ليدخل في ذلك العلم واسم الجنس والمدلول فيه بالتاء على تأنيث أو مبالغة. وذكرت "مطلقًا" بعد علم المؤنث ليتناول العاري من علامة والمتلبس بعلامة كزينب وسَلَمةَ وسُعدَى وعفراء.
وأشرت بصفة المذكر الذي لا يعقل إلى نحو: جبال راسيات، وأيام معدودات.
وبمصغر المذكر الذي لا يعقل إلى نحو: دريهم ودريهمات، وكتيب وكتيبات.
وأشرت باسم الجنس المؤنث بالألف إلى نحو: بُهْمى وبهميات، وحبلى وحبليات، وصحراء وصحراوات، وقاصعاء وقاصعاوات.
واستثنيت فعلى وفعلاء المقابلين لفعلان وأفعل لأنهما لا يجمعان بالألف والتاء كما لم يجمع مذكراهما بالواو والنون. ولا يلزم هذا المنع فيما كان من الصفات على فعلاء ولا مذكر لها على أفعل نحو قولهم: امرأة عجْزاء، وديمة هطلاء، وحُلة شوْكاء، لأن منع الألف والتاء من نحو حمراء تابع لمنع الواو والنون من أحمر، وذلك مفقود في عجزاء وأخواتها، فلا منع من جمعهما بالألف والتاء، على أن الجمع بالألف والتاء مسموع في "خَيفاء" وهي الناقة التي خَيِفتْ أي اتسع جلد ضرعها، وكذا سمع في "دَكَّاء" وهي الأكمة المنبسطة، وكلاهما نظير ما ذكرت من عجزاء وهطلاء وشوكاء في أنهن صفات على فعلاء لا مقابل لها على أفعل، فثبت ما أشرت إليه والحمد لله.
ونبهت بقولي "غير منقولين إلى الاسمية حقيقة أو حكمًا" على نحو: حوَّاء، فإن "حواء" علم امرأة منقول من "حواء" أنثى أحْوى، وبطحاء صفة مقابلة في الأصل لأبطح، إلا أنها غلب استعمالها مستغنية عن موصوف، فأشبهت
الأسماء، فجاز أن تعامل في الجمع معاملة صحراء.
والمراد "بما سوى ذلك" ما لا علمية فيه ولا علامة من أسماء المؤنث وصفاته فتدخل في ذلك نحو: شمس ونفس، وأتان وعناق، وامرأة صبور، وكف خضيب، وجارية حائض ومعطار، فلا يجمع شيء من هذه الأسماء والصفات ونحوها بالألف والتاء إلا إذا سمع، فيعد من الشواذ عن القياس، ولا يُلْحقُ به غيره.
فمن الشاذ: سماء وسماوات، وأرض وأرَضات وعُرُس وعُرُسات وعِير وعِيرات، وشمال وشمالات، وخَوْد وخَوْدات، وثيب وثيبات.
وأشذ من هذا الجمع بعض المذكرات الجامدة المجردة كحسام وحسامات، وحمّام وحمامات، وسرادق وسرادقات، وكل هذا شاذ مقصور على السماع.