المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سرية دومة الجندل - شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ٣

[الزرقاني، محمد بن عبد الباقي]

الفصل: ‌سرية دومة الجندل

فرد عليهم.

هذا سيفه، فعرفه زيد، فنزل وصاح بالناس، فاجتمعوا فقال: من كان معه شيء من سبي أو مال فليرده، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، "فرد عليهم" كل ما أخذ لهم ثغرة القوم بضم المثلثة، وسكون المعجمة، وفتح الراء وهاء تأنيث، طريقهم، وختر بفتح المعجمة، وسكون الفوقية وبالراء غدر أي أن الله حرم التعرض لهم لإسلامهم ما لم يحصل غدر، ويحذنا بضم التحتية، وسكون الحاء المهملة، وكسر المعجمة، من أحذاه كذا أعطاه، والمعنى رحم الله من لم يتكلم في حقنا اليوم إلا بخير هذا، وظاهره أنهم كانوا يطأون الجواري بلا استبراء؛ لأن وجوبه إنما كان في سبي هوازن، والله أعلم.

ص: 133

"‌

‌سرية زيد أيضا إلى وادي القرى

":

ثم سرية زيد أيضا إلى وادي القرى أيضا، في رجب سنة ست، فقتل من المسلمين قتلى، وارتث زيد، أي حمل من المعركة رثيثا، أي جريحا وبه رمق -وهو مبني للمجهول، قاله في القاموس.

ثم سرية زيد أيضا إلى وادي القرى:

جمع قرية؛ لأن ذا الوادي كثير القرى.

قال المصباح: موضع قريب من المدينة على طريق الحاج من جهة الشام "أيضا"، يقتضي أن التي قبلها إلى وادي القرى، وقد مر قوله: إن حسمي وراء القرى، فلعله أطلق عليها ذلك لقربها منه، "في رجب سنة ست".

قال ابن إسحاق: لقي به بني فزارة، "فقتل من المسلمين قتلى" منهم رد بن مرداس، رواه ابن عائذ عن عروة، "وارتث" بضم أوله، وسكون الراء، وضم الفوقية وبمثلثة "زيد، أي حمل من المعركة، رثيثا، أي: جريح، وبه رمق وهو" أي: ارتث، "مبني للمجهول،" ففعله رث مشددا بزيادة تاء الافتعال التي هي من حروف الزيادة، فيبقى الحرف الأخير مشددا على أصله، فليس هو ارتث بكسر المثناة، وخفة المثلثة كما توهم.

ص: 133

"‌

‌سرية دومة الجندل

":

ثم سرية عبد الرحمن بن عوف

سرية دومة الجندل:

"ثم سرية عبد الرحمن بن عوف"، القرشي الزهري، أسلم قديما، ومناقبه شهيرة، مات سنة

ص: 133

رضي الله عنه إلى دومة الجندل، في شعبان سنة ست.

قالوا: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف، فأقعده بين يديه، وعممه بيده،

اثنتين وثلاثين، وقيل غير ذلك، أخرج له الجميع، "رضي الله عنه إلى دومة" بضم المهملة، وتفتح، فواو ساكنة، فميم فتاء تأنيث، ويقال: دوماء بالمد "الجندل" بفتح الجيم، وسكون النون، وفتح الدال وباللام، حصن، وقرى من طرق الشام بينها وبين دمشق خمس ليال، وبينها وبين المدية خمس عشرة، أو ست عشرة ليلة "في شعبان سنة ست" كما أرخصها ابن سعد، "قالوا: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف،" هذا الحديث أسنده ابن إسحاق وفي أوله زيادة لا بأس بذكرها، قال: حدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر، قال: كنت عاشر عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده، أبو بكر وعمر وعلي وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود ومعاذ وحذيفة، وأبو سعيد، إذ أقبل فتى من الأنصار فسلم، ثم جلس، فقال: يا رسول الله، أي المؤمنين أفضل؟، قال: "أحسنهم خلقا"، قال: فأي المؤمنين أكيس، قال: "أكثرهم للموت ذكرا، وأكثرهم استعداد له قبل أن ينزل به، أولئك هم الأكياس"، ثم سكت الفتى، وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا نزلن بكم، وأعوذ بالله أن تدركوهن، إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها الأظهر، فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا الذكاء من أموالهم إلا منعوا االقطر من السماء، فلولا البهائم ما مطروا، وما نقضوا عهد الله عز وجل، وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم، فأخذوا ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله، وتجبروا فيما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم"، ثم أمر عبد الرحمن أن يتجهزوا لسرية بعثه عليها، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء فأدناه صلى الله عليه وسلم، "فأقعده بين يديه وعممه بيده" لفظ ابن سعد.

وروى الدارقطني في الأفراد عن ابن عمر: دعا النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، فقال:"تجهز فإني باعثك في سرية من يومك هذا، أو من الغد، إن شاء الله تعالى".

قال عبد الله: فسمعت ذلك، فقلت: لأصلين مع رسول الله الغداة، فلأسمعن وصيته له، وفي حديثه عند ابن إسحاق فأدناه منه ثم نقضها، ثم عممه بها، فأرسل من خلفه أربع أصابع، أو نحوا من ذلك، ثم قال:"هكذا يا ابن عوف، فاعتم فإنه أحسن وأعرف"، ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء، فدفعه إليه فحمد الله وصلى على نفسه، ثم قال: "خذه يا ابن عوف، اغزوا جميعا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا، فهذا عهد

ص: 134

وقال: "أغر، بسم الله، وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، ولا تغدر، ولا تقتل وليدا، وبعثه إلى كلب بدومة الجندل، وقال: إن استجابوا لك فتزوج، ابنة ملكهم".

فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل، فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبي، وكان نصرانيا، وكان رئيسهم، وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام من أقام على إعطاء الجزية.

وتزوج عبد الرحمن تماضر -بضم المثناة الفوقية، وكسر الضاد المعجمة- بنت الأصبغ، وقدم بها المدينة

الله وسيرة نبيه فيكم"، فأخذ عبد الرحمن اللواء، "وقال" كما عند ابن سعد: "أغز بسم الله، وفي سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، ولا تغدر" ثلاثي، أي: تترك الوفاء "ولا تقتل وليدا" أي: صبيا، فكان اختلاف الأمر جمعا، وإفرادا من تصرف الرواة، أو خاطبه مرة، وجميع الجيش أخرى، و"بعثه في سبعمائة، كما عند الواقدي "إلى كلب بدومة الجندل، وقال: "إن استجابوا لك" أطاعوك فأسلموا، "فتزوج ابنة ملكهم"، فسار عبد الرحمن" بجيشه، "حتى قوم دومة الجندل، فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام".

زاد الدارقطني: وقد كانوا أبو أول ما قدم أن لا يعطوا إلا السيف، "فأسلم" في اليوم الثالث "الأصبغ" بفتح الهمزة، وسكون الصد المهملة، وفتح الموحدة، وبالغين المعجمة "ابن عمرو" بن ثعلبة بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب "الكلبي" القضاعي، ذكره صاحب الإصابة في القسم الثالث، فيمن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، ولذا قال البرهان: لم تثبت له صحبة، "وكان نصرانيا وكان رئيسهم، وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام من أقام على إعطاء الجزية، وتزوج عبد الرحمن تماضر".

قال الواقدي: وهي أول كلبية نكحها قرشي.

"بضم المثناة الفوقية، وكسر الضاد المعجمة" ومنع الصرف للعلمية، والتأنيث "بنت الأصبغ"، وقيل: بنت رباب بن الأصبغ، كما في الإصابة، "وقدم بها المدينة"، ففازت بشرف الصحبة، والمصنف تابع في هذا الذي ذكره في هذه السرية، لابن سعد، وقد أسنده عن شيخه الواقدي بسند له مرسل عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.

وعند الدارقطني: فكتب عبد الرحمن مع رافع بن مكيث الجهني إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره، وأنه أراد أن يتزوج فيهم، فكتب إليه صلى الله عليه وسلم أن يتزوج ابنة الأصبغ، فتزوجها، وقد يمكن الجمع بين الروايتين، بأن عبد الرحمن لم يكتف بقوله أولا:"فإن استجابوا لك، فتزوج ابنة ملكهم" لاحتمال

ص: 135