المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

......................................... - شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية - جـ ٣

[الزرقاني، محمد بن عبد الباقي]

الفصل: .........................................

.........................................

لذكرى حبيب هيجت لي لوعة

سفوحا وأسباب البكاء التذكر

بلى إن فقدان الحبيب بلية

وكم من كريم يبتلى ثم يصبر

رأيت خيار المسلمين تواردوا

شعوب وخلفا بعدهم يتأخر

فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا

بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

وزيد وعبد الله حين تتابعوا

جميعا وأسباب المنية تخطر

غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم

إلى الموت ميمون النقيبة أزهر

أغر كضوء البدر من آل هاشم

أبي إذا سيم الظلامة يجسر

فطاعن حتى مال غير موسد

بمعترك فيه فتى متكسر

فصار مع المستشهدين ثوابه

جنان وملتف الحدائق أخضر

وكنا نرى في جعفر من محمد

وفاء وأمرا حازما حين يأمر

وقد زال في الإسلام من آل هاشم

دعائم عزلا يزلن ومفخر

فهم جبل الإسلام والناس حولهم

رضام إلى طود يروق ويقهر

بهاليل منهم جعفر وابن أمه

علي ومنهم أحمد المتخير

وحمزة والعباس منهم ومنهم

عقيل وماء العود من حيث يعصر

بهم تفرج اللأواء في كل مارق

عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر

هم أولياء الله أنزل حكمه

عليهم وفيهم ذا الكتاب امطهر

ص: 357

"‌

‌ذات السلاسل

":

ثم سرية عمرو بن العاصي رضي الله عنه إلى ذات السلاسل.

ذات السلاسل:

"ثم سرية عمرو بن العاصي" بالياء على الصحيح الذي عليه الجمهور كما مر أول الكتاب "رضي الله عنه إلى ذات السلاسل" بمهملتين الأولى مفتوحة على المشهور، وبه جزم البكري على لفظ جمع السلسلة قيل سمي المكان بذلك، لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة، وضبطها ابن الأثير بالضم.

قال: وهو بمعنى السلسال أي السهل، قاله: في الفتح في المناقب، ولذا قال ابن القيم بضم السين وفتحها لغتان، وتبرأ الشامي منه وقوله وصاحب القاموس مع سعة اطلاعه لم يحك إلا الفتح غير قادح فمن حفظ حجة، كيف وقد صرح البرهان بأن غير ذكر اللغتين الضم والفتح وهو المشهور والمجد، وإن اتسع اطلاعه فلم يحط باللغة ولم يستوعبها، وقدمت عن

ص: 357

وسميت بذلك لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا. وقيل: لأن بها ماء يقال له: السلسل، وراء ذات القرى، من المدينة على عشرة أيام.

وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان، وقيل: كانت سنة سبع، وبه جزم ابن أبي خالد في كتاب صحيح التاريخ. ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها كانت بعد غزوة مؤتة، إلا ابن إسحاق فقال: قبلها.

وسببها: أنه بلغه صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة.

الفتح وجه تسميتها بذلك في المناقب وهو صريح في قدم التسمية قبل السرية.

"و" قال هنا ما حكاه المصنف إلا أنه أسقط منه قوله أوله: قيل: "سميت بذلك لأن المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفروا"، وهذا ظاهر في حدوثه بعدها.

ولعل المراد انضموا والتصقوا أخذا من تعبيره بإلى دون الباء لا أنهم ارتبطوا بالفعل؛ لأنه يكون سببا في الظفر بهم، ولعل هذا وجه قول الشامي أغرب من قال هذا القول أو لمنافاته لما في القصة من أنه أتاهم على غفلة وهربوا وتفرقوا إلا أن يقال: تجمعوا أولا خوف الفرار. ثم لما قرب المسلمون منهم ألقي الرعب في قلوبهم فهربوا.

"وقيل: لأن بها ماء يقال له: السلسل" وبه جزم ابن إسحاق وغيره.

وفي القاموس السلسل كجعفر وخلخال الماء العذب أو البارد كالسلاسل بالضم "وراء ذات القرى" مر له نظيره مرتين وتقدم تأويله والذي عند ابن سعد، كما في الفتح: وراء وادي القرى "من المدينة على عشرة" أي بينها وبين المدينة عشرة "أيام وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان" كما قاله ابن سعد والجمهور فيكون تأمير عمرو عقب إسلامه بنحو أربعة أشهر على ما صدر به المصنف فيما مر أنه كان في صفر سنة ثمان.

وفي الشامية أن بعثه كان بعد سنة من إسلامه وهو إنما يأتي على قول الحاكم أسلم سنة سبع، وقيل كانت سنة سبع" حكاهما ابن سعد، "وبه جزم ابن أبي خالد في كتاب صحيح التاريخ، ونقل ابن عساكر الاتفاق على أنها كانت بعد غزوة مؤتة إلا ابن إسحاق فقال: قبلها"، وهو قضية ما ذكر عن ابن سعد، وابن أبي خالد قاله الحافظ وتعقبه الشامي بأنه غير واضح إن ابن سعد قال: كانت في جمادى الآخرة سنة ثمان وإن مؤتة في جمادى الأولى منها، وأما ابن إسحاق فالذي في رواية البكائي عنه تأخيرها عن مؤتة بعد غزوات وسرايا ولم يذكر أنها قبلها فيحتمل أنه نص على ما ذكره ابن عساكر في رواية غير زياد البكائي، "وسببها" كما قال ابن سعد: "أنه بلغه صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة" هم كما قال ابن إسحاق عن يزيد عن عروة، هي أي ذات

ص: 358

قد تجمعوا للإغارة فعقد له لواء أبيض وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار. ومعهم ثلاثون فرسا.

فسار الليل وكمن النهار، فلما قرب منهم بلغه أن لهم جمعا كثيرا، فبعث رافع بن مكيث -بفتح الميم- الجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح، وعقد له لواء.

السلاسل بلاد بلى وعذرة وبني القين نقله عنه البخاري.

قال الحافظ: الثلاثة بطون من قضاعة وبلى بفتح الموحدة وكسر اللام الخفيفة بعدها ياء النسب قبيلة كبيرة ينسبون إلى بلى بن عمرو بن الحارث بن قضاعة، وعذرة بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة قبيلة كبيرة ينسبون إلى عذرة بن سعد ونسبه إلى قضاعة وبنو القين بفتح القاف وسكون التحتية قبيلة كبيرة ينسبون إلى القين ونسبه إلى قضاعة، قال: ووهم ابن التين. فقال: بنو القين قبيلة من تميم "قد تجمعوا للإغارة" وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدينة، كما هو المنقول عن ابن سعد، وذكر ابن إسحاق أن أم أبيه العاصي بن وائل كانت من بلى فبعث صلى الله عليه وسلم عمرا يستفز العرب إلى الشام ويستألفهم.

قال في الروض: واسمها سلمى فيما ذكر الزبير، وأما أم عمرو فهي ليلى تلقب بالنابغة.

قال الحافظ: ويمكن الجمع بين السببين. انتهى.

وروى أحمد والبخاري في الأدب صححه أبو عوانة، وابن حبان، والحاكم عن عمرو بن العاصي. قال بعث إليّ النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني أن آخذ ثيابي، وسلاحي، فقال:"يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله ويسلمك". قلت: إني لم أسلم رغبة في المال، قال:"نعم المال الصالح للمرء الصالح". "فعقد له لواء أبيض وجعل معه راية سوداء، وبعثه في ثلاثمائة من سراة المهاجرين والنصار" بفتح المهملة، وقد تضم جمع سري بفتح فكسر وهو النفيس الشرف وقيل السخي ذو مروءة، قاله ابن الأثير.

قال الجوهري: وهو جمع عزيز أن يجمع فعيل على فعلة ولا يعرف غيره، وفي القاموس أنه اسم جمع "ومعهم ثلاثون فرسا" قال ابن سعد وأمره أن يستعين بمن مر به من بلى وعذرة وبلقين "فسار الليل وكمن النهار فلما قرب منهم" بأن وصل إلى الماء المسمى بالسلاسل "بلغه أن لهم جمعا كثيرا فبعث رافع" براء وفاء "ابن مكيث بفتح الميم" وكسر الكاف وسكون التحتية وبمثلثة "الجهني" بضم الجيم وفتح الهاء والنون صحابي شهد الحديبية والفتح ومعه لواء جهينة "إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده"، أي: يطلب منه مددا أي جيشا يعينونه "فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح" القرشي أمين هذه الأمة، "وعقد له لواء" لم نر من عين لونه إلا قوله في بعض

ص: 359

وبعث معه مائتين من سراة المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأمره أن يلحق بعمرو، وأن يكونا جميعا ولا يختلفا.

فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو: إنما قدمت عليّ مددا، وأنا الأمير، فأطاع له بذلك أبو عبيدة، فكان عمرو يصلي بالناس.

وسار حتى وصل إلى العدو: بلى وعذرة، فحمل عليهم المسلمون غافلين، فهربوا في البلاد وتفرقوا.

النسخ أبيض ولا أخال صحتها، "وبعث معه مائتين من سراة المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما وأمره أن يلحق بعمرو وأن يكونا" الظاهر أنها ناقصة خبرها "جميعا" أي مجتمعين، ويجوز أنها تامة وجميعا حال وهو قيد في عاملها لكن الأول أتم فائدة لجعله جزء الكلام "ولا يختلفا" بيان للمراد من الاجتماع، كأنه قال: كونا متفقين غير مختلفين "فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو: إنما قدمت عليّ مددا" معينا ومقويا "وأنا الأمير" ولا إمارة لك حتى تؤم.

وعند ابن إسحاق: قال أبو عبيدة: لا ولكني على ما أنا عليه وأنت على ما أنت عليه وكان أبو عبيدة رجلا لينا سهلا هينا عليه أمر الدنيا. فقال له عمرو: بل أنت مدد لي، فقال أبو عبيدة: يا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: "لا تختلفا". وإنك إن عصيتني أطعتك. قال: فإني الأمير عليك وأنت مدد لي. قال: فدونك "فأطاع له بذلك أبو عبيدة فكان عمرو يصلي بالناس وسار حتى وصل إلى العدو بلى" بالجر بدل قبيلة كبيرة من قضاعة "وعذرة" قبيلة كبيرة أيضا تنسب إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بضم اللام ابن الحارث بن قضاعة، "فحمل عليهم المسلمون غافلين، فهربوا في البلاد وتفرقوا".

والمصنف اختصر كلام ابن سعد وما وفى به فأوهم أنه لم يقع بينهم حرب ولفظه بعد قوله يصلي بالناس وسار حتى وجأ بلاد بلى ودوخها حتى أتى إلى أقصى بلادهم وبلاد عذرة وبلقين ولقي في آخر ذلك جمعا، فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرقوا، وبعث عوف بن مالك الأشجعي بريدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بقفولهم وسلامتهم، وما كان في غزاتهم.

وذكر موسى بن عقبة نحو هذه القصة وبلقين أي بني القين كقولهم بلحارث في بني الحارث ودوخها بفتح المهملة وشد الواو وخاء معجمة استولى عليها وقهرها وعند الواقدي أنهم لما لقوا ذلك الجمع وليسوا بالكثير اقتتلوا ساعة وحمل المسلمون عليهم، فهزموهم وتفرقوا وأقام هناك أياما، وكان يبعث الخيل فيأتون بالشاء والنعم فينحرون ويأكلون، ولم يكن في ذلك

ص: 360