الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَنْجُسُ
282 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَاءِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْفَلاةِ وَمَا يَرِدُ مِنَ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ، لَيْسَ يَحْمِلُ الْخَبَثَ "
قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ الْمَاءَ إِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ، وَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ، أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ.
وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ يَحْمِلُ الْخَبَثَ» أَيْ: يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا يُقَالُ: فُلانٌ لَا يَحْتَمِلُ الضَّيْمَ، أَيْ: يَأْبَاهُ وَيَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ.
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِإِسْنَادٍ لَمْ يَحْضُرْهُ
ذِكْرُهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ:«بِقِلالِ هَجَرَ» .
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَدْ رَأَيْتُ قِلالَ هَجَرَ، فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَوْلُهُ: «قُلَّتَيْنِ» يَعْنِي: مِنْ هَذِهِ الْحِبَابِ الْعِظَامِ، وَاحِدَتُهَا: قُلَّةٌ، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِالْحِجَازِ، وَالْجَمْعُ: قِلالٌ، وَيُقَالُ: سُمِّيَتْ قُلَّةً لأَنَّهَا لَا تُقِلُّ، أَيْ: تُرْفَعُ.
قَالَ الإِمَامُ: وَقَدَّرَ الشَّافِعِيُّ الْقُلَّتَيْنِ بِخَمْسِ قِرَبٍ، وَقَدَّرَهَا أَصْحَابُهُ بِخَمْسِ مِائَةِ رَطْلٍ وَزْنًا، كُلُّ قِرْبَةٍ مِائَةُ رَطْلٍ.
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى تَحْدِيدِ الْمَاءِ بِالْقُلَّتَيْنِ، وَقَالَ: إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ هَذَا الْحَدَّ، وَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ مِنَ النَّجَاسَةِ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَقَدَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ الْمَاءَ الْكَثِيرَ الَّذِي لَا يَنْجُسُ بِأَنْ يَكُونَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ، وَهَذَا تَحْدِيدٌ لَا يَرْجِعُ إِلَى أَصْلٍ شَرْعِيٍّ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ.
وَحَدَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَكُونَ فِي غَدِيرٍ عَظِيمٍ، بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَ مِنْهُ جَانِبٌ لَمْ يَضْطَرِبْ مِنْهُ الْجَانِبُ الآخَرُ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْجَهَالَةِ، لاخْتِلافِ أَحْوَالِ الْمُحَرِّكِينَ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالْعَطَاءِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَاحْتَجُّوا بِمَا
283 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ، نَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، نَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَوَضَّأُ
مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ، وَلَحْمُ الْكِلابِ، وَالنَّتْنُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَى هَنَّادٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، وَغَيْرُهُمَا، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالُوا: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ.
قَالَ الإِمَامُ رضي الله عنه: وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقُلَّتَيْنِ، لأَنَّ مَاءَ بِئْرِ بُضَاعَةَ كَانَ كَثِيرًا لَا يُغَيِّرُهُ وُقُوعُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ فِيهِ.
قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْتُ قَيِّمَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَنْ عُمْقِهَا؟ قَالَ: أَكْثَرُ مَا يَكُونُ الْمَاءُ فِيهَا إِلَى الْعَانَةِ، قُلْتُ: فَإِذَا نَقَصَ؟ قَالَ: دُونَ الْعَوْرَةِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: مَدَدْتُ رِدَائِي عَلَيْهَا، فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ، وَرَأَيْتُ فِيهِ مَاءً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ.
قَالَ الإِمَامُ رضي الله عنه: إِذَا تَغَيَّرَ لَوْنُ الْمَاءِ، أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ رِيحُهُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ يَنْجُسُ، سَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ قَلِيلا أَوْ كَثِيرًا، وَسَوَاءٌ فِيهِ قَلِيلُ الْمَاءِ أَوْ كَثِيرُهُ، وَإِنْ زَالَ التَّغَيُّرُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ نُظِرَ إِنْ كَانَ قَدْرَ الْقُلَّتَيْنِ، عَادَ طَهُورًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ، فَهُوَ نَجِسٌ حَتَّى يُكَاثِرَ، فَيَبْلُغَ قُلَّتَيْنِ.
وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ طَاهِرٌ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، فَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلا أَوْ كَثِيرًا، فَإِنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ، نُظِرَ إِنْ تَغَيَّرَ بِمَا لَا يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ كَالتُّرَابِ، وَأَوْرَاقِ الأَشْجَارِ، فَهُوَ طَهُورٌ، وَكَذَلِكَ إِنْ تَغَيَّرَ بِمَا لَا يُخَالِطُهُ كَالدُّهْنِ، وَالْعُودِ
يَقَعُ فِيهِ فَيُغَيِّرُهُ، فَهُوَ طَهُورٌ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِخَلِيطٍ يُمْكِنُ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ، كَالزَّعْفَرَانِ، وَالدَّقِيقِ، وَالْخَلِّ، وَاللَّبَنِ، وَنَحْوِهَا، فَهُوَ طَاهِرٌ، غَيْرُ طَهُورٍ إِذَا كَانَ التَّغَيُّرُ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُضَافُ الْمَاءُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلا لَا يُضَافُ الْمَاءُ إِلَيْهِ، فَهُوَ طَهُورٌ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: هُوَ طَهُورٌ، وَإِنْ كَثُرَ التَّغَيُّرُ.
قَالَ الإِمَامُ: وَفِي قَوْلِهِ: «إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ لَا يُطَهِّرُ، حَتَّى لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَنْبِذَةِ، لأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَدًّا، فَهُوَ خَمْرٌ نَجِسٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِجَمِيعِ الأَنْبِذَةِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُجْمَعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ بِهِ وَالتَّيَمُّمِ، وَيُقَالُ: هَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:" سَأَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْجِنِّ: مَا فِي إِدَاوَتِكَ؟، قُلْتُ: نَبِيذٌ، فَقَالَ: تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ ".
وَهَذَا حَدِيثٌ غير ثَابِت، لأَنَّ أَبَا زَيْدٍ مَجْهُولٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:«لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، وَلَئِنْ ثَبَتَ، لَمْ يَكُنْ ذَاكَ نَبِيذًا مُتَغَيِّرًا، بَلْ كَانَ مَاءً مُعَدًّا لِلشُّرْبِ نُبِذَ فِيهِ تَمَرَاتٌ لِتَجْتَذِبَ مُلُوحَتَهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النِّسَاء: 43]، نَقَلَ مِنَ الْمَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ إِلَى التَّيَمُّمِ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يَتَخَلَّلَهُمَا شَيْءٌ آخَرُ، كَمَا فِي الْكَفَّارَةِ، نَقَلَ مِنَ الرَّقَبَةِ إِلَى الصَّوْمِ، فَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} [النِّسَاء: 92] وَلا يَتَخَلَّلُهُمَا غَيْرُهُمَا.
وَكُلُّ مَائِعٍ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، فَإِذَا غُسِلَ بِهِ نَجَاسَةٌ لَا تَطْهُرُ،
لأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى خَصَّ الْمَاءَ بِالتَّطْهِيرِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا، فَقَالَ عز وجل:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الْفرْقَان: 48] وَقَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الْأَنْفَال: 11]، فَلَوْ قُلْنَا:«يُشَارِكُهُ فِي غَيْرِهِ» لَذَهَبَ مَعْنَى التَّخْصِيصِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ.
وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ، مِثْلَ الْخَلِّ، وَمَاءِ الْوَرْدِ، وَالْبُصَاقِ، وَنَحْوِهَا، إِلا الدُّهْنَ وَاللَّبَنَ، وَلَوْ جَازَ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِمَائِعٍ سِوَى الْمَاءِ، لَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ.