المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة - شرح السنة للبغوي - جـ ٢

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ

- ‌بَابُ نَقْضِ الضَّفَائِرِ

- ‌بَابُ غَسْلِ الْحَيْضِ

- ‌بَابُ غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْغَيْرِ

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ

- ‌بَابُ مُصَافَحَةِ الْجُنُبِ وَمُخَالَطَتِهِ

- ‌بَابُ الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوِ الْعَوْدَ أَوِ الأَكْلَ تَوَضَّأَ

- ‌بَابُ الْمُحْدِثِ يَأْكُلُ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْمَكْثِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌بَابُ الْمُحْدِثِ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ

- ‌بَابُ قَدْرِ مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ

- ‌بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ

- ‌بَابُ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَنْجُسُ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ

- ‌بَابُ طَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ وَالسِّبَاعِ سِوَى الْكَلْبِ

- ‌بَابُ غَسْلِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ

- ‌بَابُ غَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ

- ‌بَابُ الْبَوْلِ يُصِيبُ الأَرْضَ

- ‌بَابُ بَوْلِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ

- ‌بَابُ الأَذَى يُصِيبُ النَّعْلَ

- ‌بَابُ الدِّبَاغِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ

- ‌4 - كِتَابُ الْحَيْضِ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ غِشْيَانِ الْحَائِضِ

- ‌بَابُ مُضَاجَعَةِ الْحَائِضِ وَمُخَالَطَتِهَا

- ‌بَابُ وَقْتِ النُّفَسَاءِ

- ‌بَابُ الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ

- ‌بَابُ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ

- ‌بَابُ مَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ

- ‌بَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ الْغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ

- ‌بَابُ الْغُسْلِ عِنْدَ الإِسْلامِ

- ‌5 - كِتَابُ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الصَّلَوَاتِ الْخِمْسِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ تَارِكِ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الصَّلَوَاتِ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ صَلاةِ الْفَجْرِ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ صَلاةِ الظُّهْرِ

- ‌بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الْعَصْرِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ أَخَّرَ الْعَصْرَ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَوَعِيدِ مَنْ فَاتَتْهُ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ

- ‌بَابُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ

- ‌بَابُ مِنْ كَرِهَ أَنْ تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً

- ‌بَابُ فَضْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ

- ‌بَابُ فَضْلِ صَلاةِ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ فِي الْجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ الْوُسْطَى

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الصَّلاةِ إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ

- ‌بَابُ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ

- ‌بَابُ مِنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنَ الْوَقْتِ

- ‌بَابُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَأَنَّهُ مَثْنَى وَالإِقَامَةُ فُرَادَى

- ‌بَابُ التَّرْجِيعِ فِي الأَذَانِ

- ‌بَابُ التَّثْوِيبِ

- ‌بَابُ الالْتِوَاءِ فِي الأَذَانِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الأَذَانِ

- ‌بَابُ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ

- ‌بَابُ الدُّعَاءِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

- ‌بَابُ أَذَانِ الْمُسَافِرِ

- ‌بَابُ الأَذَانِ لِلصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ

- ‌بَابُ الأَذَانِ لِلْفَائِتَةِ وَالإِقَامَةِ لَهَا

- ‌بَابُ مَتَى يُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ وَمَتَى يَقُومُ الْقَوْمُ

- ‌بَابُ مَنْ لَا يُسْرِعُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌بَابُ الْكَلامِ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌بَابُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ

- ‌بَابُ قِبْلَةِ مَنْ غَابَ عَنْ مَكَّةَ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي الْكَعْبَةِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الصَّلاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالأَقْصَى

- ‌بَابُ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى

- ‌بَابُ مَسْجِدِ قُبَاءَ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْمَسَاجِدِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا

- ‌بَابُ فَضْلِ إِتْيَانِ الْمَسَاجِدِ

- ‌بَابُ الْهَدْيِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابُ الْحَصَى فِي الْمَسْجِدِ وَكَنْسِهِ

- ‌بَابُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ

- ‌بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ لانْتِظَارِ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌بَابُ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوَ الْقِبْلَةِ

- ‌بَابُ مِنْ أَكَلَ الثَّوْمَ فَلا يَقْرَبُ الْمَسْجِدَ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ

- ‌بَابُ الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ وَتَنْظِيفِهَا

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَأَعْطَانِ الإِبِلِ

- ‌بَابُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلاةِ فِيهَا

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ أَنْ يُتَّخَذَ الْقَبْرُ مَسْجِدًا

- ‌بَابُ السَّتْرِ فِي الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ

- ‌بَابُ السَّدْلِ فِي الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي لُحُفِ النِّسَاءِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الصَّلاةِ فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلامٌ

- ‌بَابٌ فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ وَالْحَصِيرِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي النِّعَالِ

- ‌بَابُ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي

- ‌بَابُ الدُّنُوِّ مِنَ السُّتْرَةِ

- ‌بَابُ قَدْرِ السُّتْرَةِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَإِبَاحَةِ دَفْعِهِ

- ‌بَابُ لَا يَقْطَعُ صَلاتَهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ

الفصل: ‌باب تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة

‌بَابُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ

قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [الْبَقَرَة: 144].

وَسُمِّيَتِ الْقِبْلَةُ قِبْلَةً، لأَنَّ الْمُصَلِّي يُقَابِلُهَا وَتُقَابِلُهُ، يُقَال: أَيْنَ قِبْلَتُكَ؟ أَيْ: جِهَتُكَ.

444 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: " لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الْبَقَرَة: 144]، فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ، فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ

ص: 322

الأَنْصَارِ، وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ.

فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ ".

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ

445 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آَتٍ،

ص: 323

فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبَلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ

قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّسْخِ لَا يَلْزَمُ الْمَرْءَ قَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ إِلَيْهِ، لأَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا شَرَعُوا فِي الصَّلاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ النَّسْخِ، لأَنَّ آيَةَ النَّسْخِ نَزَلَتْ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَأَوَّلُ صَلاةٍ صَلاهَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ صَلاةُ الْعَصْرِ، وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى أَهْلِ قُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ انْحَرَفُوا وَبَنَوْا عَلَى صَلاتِهِمْ وَلَمْ يُعِيدُوهَا.

وَيَسْتَدِلُّ بِهَذَا مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ عَنْ وِكَالَتِهِ بِعَزْلِ الْمُوَكَّلِ

ص: 324

مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْخَبَرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، وَاجْتَهَدَ وَصَلَّى إِلَى جِهَةٍ بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ فِي الصَّلاةِ الثَّانِيَةِ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، يُصَلِّي الصَّلاةَ الثَّانِيَةَ إِلَى الْجِهَةِ الأُخْرَى، حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ بِأَرْبَعِ اجْتِهَادَاتٍ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ، لَا يَجِبُ إِعَادَتُهَا.

وَلَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي خِلالِ الصَّلاةِ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، انْحَرَفَ إِلَيْهَا، وَبَنَى عَلَى صَلاتِهِ.

وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 115] أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَجُوا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَهُمُ الضَّبَابُ، وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَتَحَرَّوا الْقِبْلَةَ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَلَّى إِلَى الْمَشْرِقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَلَّى إِلَى الْمَغْرِبِ، فَلَمَّا قَدِمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.

قَوْلُهُ عز وجل: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 115]، قِيلَ: إِنَّ الْوُجُوهَ كُلَّهَا

ص: 325

لِلَّهِ، فَأَيْنَمَا وُجِّهَ أُمَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَعَبُّدِهَا، فَذَلِكَ الْوَجْهُ لَهُ عز وجل.

أَمَّا إِنْ صَلَّى إِلَى جِهَةٍ بِالاجْتِهَادِ، ثُمَّ بَانَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ إِعَادَتِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي خِلالِ الصَّلاةِ، فَفِي جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى مَا مَضَى بَعْدَ الانْحِرَافِ، فَأَظْهَرَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعِيدُ مَا صَلَّى، وَيَسْتَأْنِفُ مَا فِيهِ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ صَلاتَهُ جَائِزَةٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ لَمَّا بَلَغَهُمُ النَّسْخُ اسْتَدَارُوا، وَبَنَوْا عَلَى صَلاتِهِمْ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا يُعِيدُ الصَّلاةَ.

أَمَّا إِذَا بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُنْحَرِفًا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً، وَالْجِهَةُ وَاحِدَةٌ، فَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ بِالاتِّفَاقِ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالْعَمَلِ بِهِ إِذَا كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً عَدْلا، فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، فَلا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]

ص: 326