الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [الْبَقَرَة: 144].
وَسُمِّيَتِ الْقِبْلَةُ قِبْلَةً، لأَنَّ الْمُصَلِّي يُقَابِلُهَا وَتُقَابِلُهُ، يُقَال: أَيْنَ قِبْلَتُكَ؟ أَيْ: جِهَتُكَ.
444 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا هَنَّادٌ، نَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: " لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الْبَقَرَة: 144]، فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ، فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ
الأَنْصَارِ، وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ.
فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
445 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آَتٍ،
فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبَلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ
قُلْتُ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّسْخِ لَا يَلْزَمُ الْمَرْءَ قَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ إِلَيْهِ، لأَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا شَرَعُوا فِي الصَّلاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ النَّسْخِ، لأَنَّ آيَةَ النَّسْخِ نَزَلَتْ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَأَوَّلُ صَلاةٍ صَلاهَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ صَلاةُ الْعَصْرِ، وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى أَهْلِ قُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ انْحَرَفُوا وَبَنَوْا عَلَى صَلاتِهِمْ وَلَمْ يُعِيدُوهَا.
وَيَسْتَدِلُّ بِهَذَا مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنْعَزِلُ عَنْ وِكَالَتِهِ بِعَزْلِ الْمُوَكَّلِ
مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْخَبَرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، وَاجْتَهَدَ وَصَلَّى إِلَى جِهَةٍ بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ فِي الصَّلاةِ الثَّانِيَةِ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، يُصَلِّي الصَّلاةَ الثَّانِيَةَ إِلَى الْجِهَةِ الأُخْرَى، حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ بِأَرْبَعِ اجْتِهَادَاتٍ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ، لَا يَجِبُ إِعَادَتُهَا.
وَلَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي خِلالِ الصَّلاةِ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، انْحَرَفَ إِلَيْهَا، وَبَنَى عَلَى صَلاتِهِ.
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 115] أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَجُوا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَهُمُ الضَّبَابُ، وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ، فَتَحَرَّوا الْقِبْلَةَ، فَمِنْهُمْ مَنْ صَلَّى إِلَى الْمَشْرِقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَلَّى إِلَى الْمَغْرِبِ، فَلَمَّا قَدِمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
قَوْلُهُ عز وجل: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [الْبَقَرَة: 115]، قِيلَ: إِنَّ الْوُجُوهَ كُلَّهَا
لِلَّهِ، فَأَيْنَمَا وُجِّهَ أُمَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَعَبُّدِهَا، فَذَلِكَ الْوَجْهُ لَهُ عز وجل.
أَمَّا إِنْ صَلَّى إِلَى جِهَةٍ بِالاجْتِهَادِ، ثُمَّ بَانَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ إِعَادَتِهَا، وَإِنْ كَانَ فِي خِلالِ الصَّلاةِ، فَفِي جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى مَا مَضَى بَعْدَ الانْحِرَافِ، فَأَظْهَرَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعِيدُ مَا صَلَّى، وَيَسْتَأْنِفُ مَا فِيهِ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ صَلاتَهُ جَائِزَةٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَاخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ لَمَّا بَلَغَهُمُ النَّسْخُ اسْتَدَارُوا، وَبَنَوْا عَلَى صَلاتِهِمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا يُعِيدُ الصَّلاةَ.
أَمَّا إِذَا بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُنْحَرِفًا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً، وَالْجِهَةُ وَاحِدَةٌ، فَلا إِعَادَةَ عَلَيْهِ بِالاتِّفَاقِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالْعَمَلِ بِهِ إِذَا كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً عَدْلا، فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، فَلا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]