الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ لَا يُسْرِعُ بَعْدَ الإِقَامَةِ
441 -
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَلَكِنِ ائْتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ، فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ
442 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، وَإِسْحَاقَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا، سَمِعَا أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ فَلا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَائْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السِّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاةٍ مَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنِ حُجْرٍ وَغَيْرِهِمَا، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ
وَقَوْلُهُ: «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ» أَرَادَ الإِقَامَةَ، وَكُلُّ دَاعٍ مُثَوِّبٌ، قُلْتُ: الْمُرَادُ مِنَ السَّعْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الإِسْرَاعُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ سبحانه وتعالى فِي الْجُمُعَةِ:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الْجُمُعَة: 9] فَالْمُرَادُ مِنْهُ: الْفِعْلُ.
رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الْجُمُعَة: 9] قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْرَؤُهَا «فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ» ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا السَّعْيُ فِي كِتَابِ
اللَّهِ: الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ، لَا السَّعْيُ عَلَى الأَقْدَامِ، يَقُولُ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ} [الْبَقَرَة: 205]، {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [اللَّيْل: 4]، وَالسَّعْيُ قَدْ يَكُونُ مَشْيًا، كَقَوْلِهِ:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الْجُمُعَة: 9] وَقَدْ يَكُونُ عَدْوًا، كَقَوْلِهِ تبارك وتعالى:{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [الْقَصَص: 20] أَيْ: يَشْتَدُّ وَيَعْدُو، وَيَكُونُ عَمَلا كَقَوْلِهِ:{وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النَّجْم: 39] أَيْ: عَمِلَ، وَيَكُونُ تَصَرُّفًا، كَقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 102] أَيْ: أَدْرَكَ التَّصَرُّفَ فِي الأُمُورِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ يَخَافُ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُسْرِعُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: يُهَرْوِلُ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ سَمِعَ الإِقَامَةَ وَهُوَ بِالْبَقِيعِ، فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَأَيْتُ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ يُهَرْوِلُ إِلَى الْمَسْجِدِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ الإِسْرَاعَ، وَاخْتَارَ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى وَقَارٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرُوِيَ عَنْ إِسْحَاقَ، لَا بَأْسَ أَنْ يُسْرِعَ إِنْ خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى.
وَقَوْلُهُ: «وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» هَكَذَا رَوَى الزُّبَيْدِيُّ، وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، كَمَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَكَذَا رَوَاهُ الأَعْرَجُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَأَنَسٌ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «فَأَتِمُّوا» .
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَحْدَهُ «فَاقْضُوا» .
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُدْرِكُهُ الْمَسْبُوقُ مِنْ صَلاةِ إِمَامِهِ هُوَ أَوَّلُ صَلاتِهِ، وَإِنْ كَانَ آخِرَ صَلاةِ الإِمَامِ، لأَنَّ الإِتْمَامَ يَقَعُ عَلَى بَاقِي شَيْءٍ تَقَدَّمَ أَوَّلُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمَكْحُولٌ، وَعَطَاءٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.
وَذَهَبَ مُجَاهِدٌ، وَابْنُ سِيرِينَ، إِلَى أَنَّ الَّذِي أَدْرَكَ آخِرُ صَلاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ بَعْدَهُ أَوَّلُهَا، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» ، وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَلَى مَا قُلْنَا.
وَمَنْ رَوَى «فَاقْضُوا» فَقَدْ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الأَدَاءِ وَالإِتْمَامِ، كَقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا} [الْجُمُعَة: 10] وَكَقَوْلِهِ عز وجل: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [الْبَقَرَة: 200] وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ قَضَاءَ شَيْءٍ فَائِتٍ، فَكَذَلِكَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ:«فَاقْضُوا» أَيْ: أَدُّوهُ فِي تَمَامٍ.