الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَحْرِيمِ غِشْيَانِ الْحَائِضِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [الْبَقَرَة: 222]، يَعْنِي: حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [الْبَقَرَة: 222] يَعْنِي: اغْتَسَلْنَ {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [الْبَقَرَة: 222].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ» .
قَالَ مُجَاهِدٌ: «أُمِرُوا أَنْ يَأْتُوا مِنْ حَيْثُ نُهُوا» .
وَالْحَيْضُ وَالْمَحِيضُ: هُوَ سَيَلانُ الدَّمِ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَالَ: {قُلْ هُوَ أَذًى} [الْبَقَرَة: 222] وَهُوَ مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ؟ قِيلَ: الأَذَى هُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِي لَيْسَ بِشَدِيدٍ جِدًّا، كَقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى} [آل عمرَان: 111].
وَقَوْلُهُ: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ} [النِّسَاء: 102]، فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَذًى يَسِيرٌ يَعْتَزِلُ مَوْضِعَهُ لَا غَيْرَ، وَلا يَتَعَدَّى إِلَى سَائِرِ بَدَنِهَا فَتُجْتَنَبُ وَتُخْرَجُ مِنَ الْبُيُوتِ، كَفِعْلِ الْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ.
314 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ، أَنا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ السَّهْلِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ، نَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُوَجِّهِ، أَنا صَدَقَةُ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، نَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [الْبَقَرَة: 222]، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«افْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا الْجِمَاعَ» ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودُ، فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ لَنَا شَيْئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،
فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا، فَعَرَفَا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا "، وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا حَمَّادٌ، بِهَذَا وَقَالَ:«جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، وَاصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ النِّكَاحِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ
قَالَ الإِمَامُ: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ غِشْيَانِ الْحَائِضِ، وَمَنْ فَعَلَهُ عَالِمًا عَصَى، وَمَنِ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ، لأَنَّهُ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلا يَرْتَفِعُ التَّحْرِيمُ حَتَّى يَنْقَطِعَ الدَّمُ وَتَغْتَسِلَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ، لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [الْبَقَرَة: 222] أَيِ: اغْتَسَلْنَ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ غِشْيَانُهَا بَعْدَ مَا انْقَطَعَ دَمُهَا لأَكْثَرِ الْحَيْضِ قَبْلَ الْغُسْلِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِوَطْءِ الْحَائِضِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْقَاسِمِ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِإِتْيَانِ الْحَائِضِ، وَمِنْهُمْ قَتَادَةُ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ، لِمَا
315 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ:«إِنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا، فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ صُفْرَةً، فَنِصْفُ دِينَارٍ»
قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ الْكَفَّارَةِ فِي إِتْيَانِ الْحَائِضِ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مَوْقُوفًا، وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ:«إِنْ أَصَابَهَا فِي فَوْرِ الدَّمِ تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ، فَنِصْفُ دِينَارٍ» .
وَقَالَ قَتَادَةُ: «دِينَارٌ لِلْحَائِضِ، وَنِصْفُ دِينَارٍ إِذَا أَصَابَهَا قَبْلَ الْغَسْلِ» ، وَقَالَ أَحْمَدُ:«يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الدِّينَارِ وَالنِّصْفِ» ، وَقَالَ الْحَسَنُ:«عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ» .
وَمَنْ لَمْ يُوجِبِ الْكَفَّارَةَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَصِحُّ مُتَّصِلا مَرْفُوعًا