المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب حكم المستحاضة - شرح السنة للبغوي - جـ ٢

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ

- ‌بَابُ نَقْضِ الضَّفَائِرِ

- ‌بَابُ غَسْلِ الْحَيْضِ

- ‌بَابُ غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْغَيْرِ

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ

- ‌بَابُ مُصَافَحَةِ الْجُنُبِ وَمُخَالَطَتِهِ

- ‌بَابُ الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوِ الْعَوْدَ أَوِ الأَكْلَ تَوَضَّأَ

- ‌بَابُ الْمُحْدِثِ يَأْكُلُ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْمَكْثِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌بَابُ الْمُحْدِثِ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ

- ‌بَابُ قَدْرِ مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ

- ‌بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ

- ‌بَابُ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَنْجُسُ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ

- ‌بَابُ طَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ وَالسِّبَاعِ سِوَى الْكَلْبِ

- ‌بَابُ غَسْلِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ

- ‌بَابُ غَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ

- ‌بَابُ الْبَوْلِ يُصِيبُ الأَرْضَ

- ‌بَابُ بَوْلِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ

- ‌بَابُ الأَذَى يُصِيبُ النَّعْلَ

- ‌بَابُ الدِّبَاغِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ

- ‌4 - كِتَابُ الْحَيْضِ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ غِشْيَانِ الْحَائِضِ

- ‌بَابُ مُضَاجَعَةِ الْحَائِضِ وَمُخَالَطَتِهَا

- ‌بَابُ وَقْتِ النُّفَسَاءِ

- ‌بَابُ الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ

- ‌بَابُ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ

- ‌بَابُ مَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ

- ‌بَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ الْغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ

- ‌بَابُ الْغُسْلِ عِنْدَ الإِسْلامِ

- ‌5 - كِتَابُ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الصَّلَوَاتِ الْخِمْسِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ تَارِكِ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الصَّلَوَاتِ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ صَلاةِ الْفَجْرِ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ صَلاةِ الظُّهْرِ

- ‌بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الْعَصْرِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ أَخَّرَ الْعَصْرَ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَوَعِيدِ مَنْ فَاتَتْهُ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ

- ‌بَابُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ

- ‌بَابُ مِنْ كَرِهَ أَنْ تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً

- ‌بَابُ فَضْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ

- ‌بَابُ فَضْلِ صَلاةِ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ فِي الْجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ الْوُسْطَى

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الصَّلاةِ إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ

- ‌بَابُ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ

- ‌بَابُ مِنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنَ الْوَقْتِ

- ‌بَابُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَأَنَّهُ مَثْنَى وَالإِقَامَةُ فُرَادَى

- ‌بَابُ التَّرْجِيعِ فِي الأَذَانِ

- ‌بَابُ التَّثْوِيبِ

- ‌بَابُ الالْتِوَاءِ فِي الأَذَانِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الأَذَانِ

- ‌بَابُ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ

- ‌بَابُ الدُّعَاءِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

- ‌بَابُ أَذَانِ الْمُسَافِرِ

- ‌بَابُ الأَذَانِ لِلصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ

- ‌بَابُ الأَذَانِ لِلْفَائِتَةِ وَالإِقَامَةِ لَهَا

- ‌بَابُ مَتَى يُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ وَمَتَى يَقُومُ الْقَوْمُ

- ‌بَابُ مَنْ لَا يُسْرِعُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌بَابُ الْكَلامِ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌بَابُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ

- ‌بَابُ قِبْلَةِ مَنْ غَابَ عَنْ مَكَّةَ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي الْكَعْبَةِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الصَّلاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالأَقْصَى

- ‌بَابُ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى

- ‌بَابُ مَسْجِدِ قُبَاءَ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْمَسَاجِدِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا

- ‌بَابُ فَضْلِ إِتْيَانِ الْمَسَاجِدِ

- ‌بَابُ الْهَدْيِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابُ الْحَصَى فِي الْمَسْجِدِ وَكَنْسِهِ

- ‌بَابُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ

- ‌بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ لانْتِظَارِ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌بَابُ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوَ الْقِبْلَةِ

- ‌بَابُ مِنْ أَكَلَ الثَّوْمَ فَلا يَقْرَبُ الْمَسْجِدَ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ

- ‌بَابُ الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ وَتَنْظِيفِهَا

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَأَعْطَانِ الإِبِلِ

- ‌بَابُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلاةِ فِيهَا

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ أَنْ يُتَّخَذَ الْقَبْرُ مَسْجِدًا

- ‌بَابُ السَّتْرِ فِي الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ

- ‌بَابُ السَّدْلِ فِي الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي لُحُفِ النِّسَاءِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الصَّلاةِ فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلامٌ

- ‌بَابٌ فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ وَالْحَصِيرِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي النِّعَالِ

- ‌بَابُ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي

- ‌بَابُ الدُّنُوِّ مِنَ السُّتْرَةِ

- ‌بَابُ قَدْرِ السُّتْرَةِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَإِبَاحَةِ دَفْعِهِ

- ‌بَابُ لَا يَقْطَعُ صَلاتَهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ

الفصل: ‌باب حكم المستحاضة

‌بَابُ حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ

324 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشِّيرَزِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي لَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاةَ؟ قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ،

ص: 140

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ هِشَامٍ

وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ:«وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» .

وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ:«وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ» .

ص: 141

325 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدِّمَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا، فَلْتَتْرُكِ الصَّلاةَ قَدْرَ ذَلِكَ، فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ، فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ، ثُمَّ لِتُصَلِّ» .

وَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَجُلا أَخْبَرَهُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ، وَقَالَ:«فَإِذَا خَلَّفَتْ ذَلِكَ، وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَلْتَغْتَسِلْ» بِمَعْنَاهُ

وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أَخُو عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ.

ص: 142

قَالَ الإِمَامُ: إِذَا اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ فَجَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ، فَهِيَ إِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً بِأَنْ كَانَتْ تَرَى زَمَانًا دَمًا أَسْوَدَ ثَخِينًا قَوِيًّا، ثُمَّ تَرَى رَقِيقًا مُشْرِقًا، فَزَمَانُ الدَّمِ الْقَوِيِّ حَيْضُهَا تَدَعُ فِيهِ الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ، فَإِذَا تَغَيَّرَ إِلَى الرِّقَّةِ وَالإِشْرَاقِ، فَهُوَ زَمَانُ الاسْتِحَاضَةِ، عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، وَتُصَلِّيَ، وَتَصُومَ، ثُمَّ بَعْدَهُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ فَرِيضَةٍ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ زَمَانُ الدَّمِ الْقَوِيِّ فَتَدَعُ الصَّلاةَ، وَهَذَا مَعْنَى حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يَقُولُ لَهَا:«فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ، فَاتْرُكِي الصَّلاةَ» إِلا وَهِيَ تَعْرِفُ إِقْبَالَهَا وَإِدْبَارَهَا.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا:«إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ، فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلاةِ» .

وَقَالَ مَكْحُولٌ: النِّسَاءُ لَا يُخْفَى عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَةُ إِنَّ دَمَهَا أَسْوَدُ غَلِيظٌ، فَإِذَا ذَهَبَ ذَلِكَ، وَصَارَتْ صُفْرَةً رَقِيقَةً، فَإِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ، فَلْتَغْتَسِلْ وَلِتُصَلِّ.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ أَنَّهَا تَعْمَلُ بِالتَّمْيِيزِ، وَلا تَنْظُرُ إِلَى عَادَتِهَا، لأَنَّ فِي الْعَمَلِ بِالتَّمْيِيزِ اعْتِبَارًا لِشَيْءٍ

ص: 143

بِذَاتِهِ، وَبِخَاصِّ صِفَاتِهِ، وَهُوَ نَفْسُ الدَّمِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنَ اعْتِبَارِ زَمَانِهِ.

قَالَ الإِمَامُ: فَإِنَّهَا تَعْمَلُ بِالتَّمْيِيزِ بِثَلاثِ شَرَائِطَ، أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَنْتَقِصَ الدَّمُ الْقَوِيُّ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَنْتَقِصَ الدَّمُ الضَّعِيفُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ الْقَوِيَّيْنِ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

فَإِذَا تَخَلَّف شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ، بَطَلَ الْعَمَلُ بِالتَّمْيِيزِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مُسْتَحَاضَةٍ تَرَى الدَّمَ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ.

وَسَبِيلُ هَذِهِ أَنْ تُرَاعِيَ عَادَتَهَا فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ فِي سَالِفِ أَيَّامِهَا، فَبِقَدْرِ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ تَدَعُ الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَبَعْدَهُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ فَرِيضَةٍ إِلَى انْقِضَاءِ قَدْرِ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ، وَهَذَا مَعْنَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ:«لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ الَّتِي تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا» .

وَإِنْ كَانَ مُبْتَدَأَةً اسْتُحِيضَتْ أَوَّلَ مَا رَأَتِ الدَّمَ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَرُدُّهَا إِلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَتَدَعُ الصَّلاةَ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَخْذًا بِالْيَقِينِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي سَائِرَ الشَّهْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرُدُّهَا إِلَى غَالِبِ عَادَاتِ مَنْ هِيَ فِي مِثْلِ سِنِّهَا مِنْ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ.

وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ عِلَّةٌ حَدَثَتْ بِهَا مِنْ تَصَدُّعِ الْعُرُوقِ، وَاتَّصَلَ الدَّمُ، وَلَيْسَ بِدَمِ الْحَيْضِ الَّذِي يَقْذِفُهُ الرَّحِمُ لِمِيقَاتٍ مَعْلُومٍ.

قَوْلُهُ: «فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَتَرَبَّصُ شَيْئًا بَعْدَ ذَهَابِ زَمَانِ حَيْضِهَا.

ص: 144

وَقَالَ مَالِكٌ: «الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَرَبَّصُ بَعْدَ زَمَانِ حَيْضِهَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، إِلا أَنْ يَزِيدَ الدَّمُ عَلَى خَمْسَةِ عَشَرَ، فَلا تَتَرَبَّصُ الزِّيَادَةَ عَلَى خَمْسَةِ عَشَرَ» .

قَالَ الْحَسَنُ: «تُمْسِكُ عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَحَاضَةٌ» .

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بِثَوْبٍ» ، فَالاسْتِثْفَارُ أَنْ تَشُدَّ ثَوْبًا تَحْتَجِزُ بِهِ عَلَى مَوْضِعِ الدَّمِ لِيَمْنَعَ السَّيَلانَ، وَمِنْهُ ثَفْرُ الدَّابَّةِ يُشَدُّ تَحْتَ ذَنَبِهَا، فَعَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ إِذَا أَرَادَتِ الصَّلاةَ أَنْ تُعَالِجَ نَفْسَهَا عَلَى قَدْرِ الإِمْكَانِ بِمَا يَسُدُّ الْمَسْلَكَ، وَيَرُدُّ الدَّمَ مِنْ قُطْنٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ غَلَبَ الدَّمُ فَقَطَرَ، أَوْ سَالَ بَعْدَ الْمُعَالَجَةِ بِالاسْتِثْفَارِ وَالشَّدِّ عَلَى قَدْرِ الإِمْكَانِ، تَصِحُّ صَلاتُهَا، وَلا إِعَادَةَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ حُكْمُ سَلَسِ الْبَوْلِ.

رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي» .

وَيَجُوزُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ الاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالطَّوَافُ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا، كَمَا تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلاةُ وَالصَّوْمُ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ،

ص: 145

وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، قَالُوا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ:«تُصَلِّي وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَيَغْشَاهَا زَوْجُهَا» .

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتِ:«الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا» .

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا، وَلا تَصُومُ، وَلا تَمَسُّ الْمُصْحَفَ، إِنَّمَا رُخِّصَ لَهَا فِي الصَّلاةِ.

قَالَ الإِمَامُ رضي الله عنه: وَعَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلاةٍ فَرِيضَةٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ:«تَقْعُدُ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا، ثُمَّ تَغْتَسِلُ غُسْلا وَاحِدًا، وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ» .

قَالَ الإِمَامُ: وَلا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ صَلاتَيْ فَرْضٍ، وَلا بَيْنَ طَوَافَيْ فَرْضٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ فَرِيضَةً وَمَا شَاءَتْ مِنَ النَّوَافِلِ، وَأَنْ تَحْمِلَ الْمُصْحَفَ، وَكَذَلِكَ سَلِسُ الْبَوْلِ.

وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ فَرَائِضٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.

وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ مَا لَمْ يُصِبْهَا حَدَثٌ غَيْرُ الدَّمِ.

ص: 146

فَأَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ إِذَا كَانَتْ قَدْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا، لَا تَعْرِفُ وَقْتَهَا، وَلا عَدَدَهَا، يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلاةٍ، وَتَصُومَ جَمِيعَ رَمَضَانَ، ثُمَّ تَقْضِيَ، وَيَجْتَنِبَهَا زَوْجُهَا أَبَدًا، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:«أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا بِالْغُسْلِ لِكُلِّ صَلاةٍ» .

قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أُمَّ حَبِيبَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ فَعَلَتْهُ هِيَ.

ص: 147

326 -

أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَغَيْرُهُ، قَالا: نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، نَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، قَالَتْ: " كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَرَى فِيهَا؟ قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ، قَالَ:«أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ» ، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:«فَاتَّخِذِي ثَوْبًا» ، قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيَّهُمَا فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الآخَرِ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا، فَأَنْتِ أَعْلَمُ» ، قَالَ لَهَا: «إِنَّمَا هَذِهِ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ، وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي ثَلاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ،

ص: 148

وَكَذَلِكَ افْعَلِي كُلَّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ، وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ، فَتَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَتُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ، وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ، فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَدَرْتِ عَلَى ذَلِكَ»، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«وَهَذَا أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ» ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ،

ص: 149

وَأَخْبَرَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ الْوَهَّابِ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ، إِلَى قَوْلِهِ: " مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ

وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ تَمَامَ هَذَا الْحَدِيثِ، فَظَنَّ النَّاقِلُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مِنْ كَلامِهِ، فَلَمْ يُنْقِلْهَا فِي الْحَدِيثِ.

الْكُرْسُفُ: الْقُطْنُ.

وَقَوْلُهَا: «أَثُجُّ ثَجًّا» مِنَ الْمَاءِ الثَّجَّاجِ وَهُوَ السَّائِلُ.

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لَهَا: «تَلَجَّمِي» قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: «تَلَجَّمِي» أَيْ: شُدِّي لِجَامًا، وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ: «

ص: 150

اسْتَثْفِرِي».

وَقَوْلُهُ: «تَحَيَّضِي» أَيِ: اقْعُدِي أَيَّامَ حَيْضِكِ، وَدَعِي الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ.

قَالَ الإِمَامُ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَالِ حَمْنَةَ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَتْ مُبْتَدَأَةً اسْتُحِيضَتْ، فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى غَالِبِ عَادَاتِ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا.

وَقَوْلُهُ: «تَحِيضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً» لَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ، بَلْ عَلَى مَعْنَى اعْتِبَارِ حَالِهَا بِحَالِ مَنْ هِيَ مِثْلُهَا، وَفِي مِثْلِ سِنِّهَا مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ عَادَةُ مِثْلِهَا سِتًّا، قَعَدَتْ سِتًّا، وَإِنْ كَانَتْ سَبْعًا فَسَبْعًا.

وَقِيلَ: كَانَتْ حَمْنَةُ مُعْتَادَةً نَسِيَتْ أَنَّ عَادَتَهَا كَانَتْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَحَرَّى وَتَجْتَهِدَ، وَتَبْنِيَ أَمْرَهَا عَلَى مَا تَيَقَّنَتْ مِنْ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:«فِي عِلْمِ اللَّهِ» أَيْ: فِيمَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِكِ مِنْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ.

327 -

أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ يَعْنِي: ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ اسْتُحِيضَتْ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، فَلَمَّا جَهَدَهَا

ص: 151

ذَلِكَ، أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ، وَتَغْتَسِلُ لِلصُّبْحِ»

328 -

وَبِهَذَا الإِسْنَادِ نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، نَا أَبِي، نَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:«اسْتُحِيضَتِ امْرَأَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأُمِرَتْ أَنْ تُعَجِّلَ الْعَصْرَ وَتُؤَخِّرَ الظُّهْرَ، وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلا وَاحِدًا، وَأَنْ تُؤَخِّرَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلَ الْعِشَاءَ، وَتَغْتَسِلَ لَهُمَا غُسْلا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ غُسْلا»

قَالَ الإِمَامُ رحمه الله: هَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِي مُسْتَحَاضَةٍ نَسِيَتْ عَادَتَهَا، لَا تَعْرِفُ وَقْتَهَا وَلا عَدَدَهَا، يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلاةٍ، لأَنَّهُ

ص: 152

مَا مِنْ وَقْتِ صَلاةٍ إِلا وَيُحَتْمَلُ فِيهِ انْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ، وَوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا.

قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: إِلا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى الأَمْرَ قَدْ طَالَ عَلَيْهَا، وَقَدْ جَهَدَهَا الاغْتِسَالُ لِكُلِّ صَلاةٍ، رَخَّصَ لَهَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، كَالْمُسَافِرِ رَخَّصَ لَهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ.

قَالَ الإِمَامُ: وَذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ: عَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَمَكْحُولٍ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَتُفْرِدُ صَلاةَ الصُّبْحِ بِغُسْلٍ» .

ص: 153