المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب كيفية التيمم - شرح السنة للبغوي - جـ ٢

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ

- ‌بَابُ نَقْضِ الضَّفَائِرِ

- ‌بَابُ غَسْلِ الْحَيْضِ

- ‌بَابُ غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْغَيْرِ

- ‌بَابُ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ

- ‌بَابُ مُصَافَحَةِ الْجُنُبِ وَمُخَالَطَتِهِ

- ‌بَابُ الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوِ الْعَوْدَ أَوِ الأَكْلَ تَوَضَّأَ

- ‌بَابُ الْمُحْدِثِ يَأْكُلُ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْمَكْثِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌بَابُ الْمُحْدِثِ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ

- ‌بَابُ قَدْرِ مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ

- ‌بَابُ أَحْكَامِ الْمِيَاهِ

- ‌بَابُ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَنْجُسُ

- ‌بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ

- ‌بَابُ طَهَارَةِ سُؤْرِ الْهِرَّةِ وَالسِّبَاعِ سِوَى الْكَلْبِ

- ‌بَابُ غَسْلِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ

- ‌بَابُ غَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ

- ‌بَابُ الْبَوْلِ يُصِيبُ الأَرْضَ

- ‌بَابُ بَوْلِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ

- ‌بَابُ الأَذَى يُصِيبُ النَّعْلَ

- ‌بَابُ الدِّبَاغِ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ

- ‌4 - كِتَابُ الْحَيْضِ

- ‌بَابُ تَحْرِيمِ غِشْيَانِ الْحَائِضِ

- ‌بَابُ مُضَاجَعَةِ الْحَائِضِ وَمُخَالَطَتِهَا

- ‌بَابُ وَقْتِ النُّفَسَاءِ

- ‌بَابُ الْحَائِضِ إِذَا طَهُرَتْ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ

- ‌بَابُ حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ

- ‌بَابُ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ

- ‌بَابُ مَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ

- ‌بَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ الْغُسْلِ مِنْ غَسْلِ الْمَيِّتِ

- ‌بَابُ الْغُسْلِ عِنْدَ الإِسْلامِ

- ‌5 - كِتَابُ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الصَّلَوَاتِ الْخِمْسِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ تَارِكِ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ مَوَاقِيتِ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الصَّلَوَاتِ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ صَلاةِ الْفَجْرِ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ صَلاةِ الظُّهْرِ

- ‌بَابُ الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الْعَصْرِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ أَخَّرَ الْعَصْرَ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، وَوَعِيدِ مَنْ فَاتَتْهُ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ

- ‌بَابُ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ

- ‌بَابُ مِنْ كَرِهَ أَنْ تُسَمَّى الْعِشَاءُ عَتَمَةً

- ‌بَابُ فَضْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ

- ‌بَابُ فَضْلِ صَلاةِ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ فِي الْجَمَاعَةِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ الْوُسْطَى

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ الصَّلاةِ إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ

- ‌بَابُ قَضَاءِ الْفَائِتَةِ

- ‌بَابُ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ

- ‌بَابُ مِنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنَ الْوَقْتِ

- ‌بَابُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ وَأَنَّهُ مَثْنَى وَالإِقَامَةُ فُرَادَى

- ‌بَابُ التَّرْجِيعِ فِي الأَذَانِ

- ‌بَابُ التَّثْوِيبِ

- ‌بَابُ الالْتِوَاءِ فِي الأَذَانِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الأَذَانِ

- ‌بَابُ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ

- ‌بَابُ الدُّعَاءِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

- ‌بَابُ أَذَانِ الْمُسَافِرِ

- ‌بَابُ الأَذَانِ لِلصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ

- ‌بَابُ الأَذَانِ لِلْفَائِتَةِ وَالإِقَامَةِ لَهَا

- ‌بَابُ مَتَى يُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ وَمَتَى يَقُومُ الْقَوْمُ

- ‌بَابُ مَنْ لَا يُسْرِعُ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌بَابُ الْكَلامِ بَعْدَ الإِقَامَةِ

- ‌بَابُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ

- ‌بَابُ قِبْلَةِ مَنْ غَابَ عَنْ مَكَّةَ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي الْكَعْبَةِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الصَّلاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالأَقْصَى

- ‌بَابُ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى

- ‌بَابُ مَسْجِدِ قُبَاءَ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْمَسَاجِدِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا

- ‌بَابُ فَضْلِ إِتْيَانِ الْمَسَاجِدِ

- ‌بَابُ الْهَدْيِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابُ الْحَصَى فِي الْمَسْجِدِ وَكَنْسِهِ

- ‌بَابُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ

- ‌بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ لانْتِظَارِ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌بَابُ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوَ الْقِبْلَةِ

- ‌بَابُ مِنْ أَكَلَ الثَّوْمَ فَلا يَقْرَبُ الْمَسْجِدَ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْمِنْبَرِ

- ‌بَابُ الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ وَتَنْظِيفِهَا

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَأَعْطَانِ الإِبِلِ

- ‌بَابُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلاةِ فِيهَا

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ أَنْ يُتَّخَذَ الْقَبْرُ مَسْجِدًا

- ‌بَابُ السَّتْرِ فِي الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ

- ‌بَابُ السَّدْلِ فِي الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي لُحُفِ النِّسَاءِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الصَّلاةِ فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلامٌ

- ‌بَابٌ فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ وَالْحَصِيرِ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ فِي النِّعَالِ

- ‌بَابُ سُتْرَةِ الْمُصَلِّي

- ‌بَابُ الدُّنُوِّ مِنَ السُّتْرَةِ

- ‌بَابُ قَدْرِ السُّتْرَةِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَإِبَاحَةِ دَفْعِهِ

- ‌بَابُ لَا يَقْطَعُ صَلاتَهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ

الفصل: ‌باب كيفية التيمم

‌بَابُ كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [الْمَائِدَة: 6] وَسورَة النِّسَاء آيَة 43.

308 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا الْحَكَمُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ.

فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتِ، فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّمَا يَكْفِيكَ هَذَا» ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ؟، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ: كُنَّا

ص: 108

فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَنا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن، قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ: تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«يَكْفِيكَ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ» ، هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، عَنْ شُعْبَةَ، وَزَادَ: فَقَالَ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ، قَالَ ": إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ

وَالْحَكَمُ: هُوَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيُّ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، يَرْوِي عَنْ ذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيِّ.

قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ، مِنْهَا: جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا

ص: 109

طَهُرَتَا وَعَدِمَتَا الْمَاءَ، صَلَّتَا بِالتَّيَمُّمِ، وَذَهَبَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ إِلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدْ نَسِيَ مَا ذَكَرَهُ لَهُ عَمَّارٌ، فَلَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِهِ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، وَجَوَّزَ لِلْجُنُبِ التَّيَمُّمَ إِذَا عَدِمَ الْمَاءَ.

309 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.

ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ،

ص: 110

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلا كَانَ جُنُبًا أَنْ يَتَيَمَّمَ، ثُمَّ يُصَلِّيَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ اغْتَسَلَ» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ سَلْمِ بْنِ زُرَيْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ سَلْمِ بْنِ زُرَيْرٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ

وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ أَبُو نُجَيْدٍ أَبُو الْخُزَاعِيِّ الأَزْدِيُّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ.

وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: اسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ مِلْحَانَ، وَيُقَالُ: عِمْرَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: عِمْرَانُ بْنُ تَيْمٍ الْبَصْرِيُّ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: كَانَتْ تُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ فَأَمْكُثُ الْخَمْسَ وَالسِّتَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، وَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَمَسَّهُ بَشَرَهُ» .

ص: 111

قَالَ الإِمَامُ رضي الله عنه: وَفِي حَدِيثِ عَمَّارٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ كَافٍ لِلْجُنُبِ كَمَا يَكْفِي لِلْمُحْدِثِ، فَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالتُّرَابِ تَارَةً يَكُونُ بَدَلا عَنْ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ، وَتَارَةً يَكُونُ بَدَلا عَنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي حَقِّ الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ، وَالْمَيِّتِ، عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِعَدَمٍ، أَوْ مَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ الْهَلاكُ أَوْ زِيَادَةُ الْمَرَضِ، وَتَارَةً يَكُونُ بَدَلا عَنْ غَسْلِ لُمْعَةٍ مِنْ بَدَنِهِ بِأَنْ كَانَ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ جُرْحٌ يَخَافُ مِنْ إِيصَالِ الْمَاءِ إِلَيْهِ الْهَلاكَ، أَوْ تَلَفَ الْعُضْوِ، أَوْ زِيَادَةَ الْوَجَعِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَيَتَيَمَّمَ بِالتُّرَابِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَدَلا عَنْ غَسْلِ مَوْضِعِ الْجُرْحِ.

وَإِذَا ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى التُّرَابِ، فَعَلِقَ بِهَا تُرَابٌ كَثِيرٌ، فَلا بَأْسَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا حَتَّى يَخِفَّ مَا عَلَيْهَا مِنَ التُّرَابِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، فَلَوْ أَزَالَ بِالنّفخ جَمِيعَ مَا عَلَيْهَا مِنَ التُّرَابِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، حَتَّى قَالُوا: لَوْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَخْرَةٍ صَمَّاءَ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ جَازَ، وَالأَوَّلُ أَوْلَى، لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {

ص: 112

فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [الْمَائِدَة: 6]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" الصَّعِيدُ: هُوَ التُّرَابُ ".

وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلَّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ» .

خَصَّ التُّرَابَ بِكَوْنِهِ طَهُورًا، وَعَنْ هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ:«لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِالزِّرْنِيخِ، وَالنُّورَةِ، وَالْجِصِّ، وَنَحْوِهِ، إِنَّمَا يَجُوزُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ سَبَخِهَا وَمَدَرِهَا وَبَطْحَائِهَا وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْلَقُ بِالْيَدِ مِنْهُ غُبَارٌ» .

وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ التَّيَمُّمَ بِالزِّرْنِيخِ وَالْجِصِّ وَالنُّورَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ طَبَقَاتِ الأَرْضِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«جُعِلَتِ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُجْمَلٌ، وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ مُفَسَّرٌ، وَالْمُفَسَّرُ مِنَ الْحَدِيثِ يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَلِ.

وَفِي حَدِيثِ عَمَّارٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ،

ص: 113

وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَمَّارٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمَكْحُولٍ، وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.

وَمَا رُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ، أَنَّهُ قَالَ:«تَيَمَّمْنَا إِلَى الْمَنَاكِبِ» فَهُوَ حِكَايَةُ فِعْلِهِ، لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ الإِمَامُ: كَمَا حَكَى عَنْ نَفْسِهِ التَّمَعُّكَ فِي حَالِ الْجَنَابَةِ، فَلَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَأَمَرَهُ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ انْتَهَى إِلَيْهِ، وَأَعْرَضَ عَنْ فِعْلِهِ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَمِنَ التَّابِعِينَ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ الصِّمَّةِ، وَهُوَ مَا

310 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ.

ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، عَنِ الأَعْرَجِ،

ص: 114

عَنِ ابْنِ الصِّمَّةِ، قَالَ:«مَرَرْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى قَامَ إِلَى جِدَارٍ فَحَتَّهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعَهُ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيَّ» .

هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

وَفِيهِ فَوَائِدُ، مِنْهَا: وُجُوبُ مَسْحِ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِالأُصُولِ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ فِي الرِّوَايَةِ، هُوَ مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَعْلَقْ بِالْيَدِ غُبَارُ التُّرَابِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَتَّ الْجِدَارَ بِالْعَصَا، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الضَّرْبِ كَافِيًا لَكَانَ لَا يَحُتُّهُ.

وَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُ الطَّهَارَةِ لِذِكْرِ اللَّهِ سبحانه وتعالى.

ص: 115

311 -

أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو عَلِيٍّ الْمَوْصِلِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ، نَا نَافِعٌ، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي حَاجَةٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَضَى ابْنُ عُمَرَ حَاجَتَهُ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ أَنْ قَالَ:" مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سِكَّةٍ مِنَ السِّكَكِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى كَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوَارَى فِي السِّكَّةِ، ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ، وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلامَ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلامَ إِلا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ "

312 -

أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيّ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا عَبْدُ الأَعْلَى، نَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ،

ص: 116

عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ، أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ، وَقَالَ:" إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إِلا عَلَى طُهْرٍ، أَوْ قَالَ: عَلَى طَهَارَةٍ " وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ

فَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّ رَدَّ السَّلامِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا وَاجِبًا، فَالْمُسَلِّمُ عَلَى الرَّجُلِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ مُضَيِّعٌ حَظَّ نَفْسِهِ، فَلا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْكَلامِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ حَيْثُ لَمْ يُخْبِرْهُ، وَلَمْ يَعْتَذِرْ إِلَيْهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ ذِكْرَ اللَّهِ فِي الْحَضَرِ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ وَلا مَاءَ مَعَهُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ.

وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ فِي الْجُنُبِ إِذَا خَافَ طُلُوعَ الشَّمْسِ: لَوِ اغْتَسَلَ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ.

ص: 117

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا خَافَ فَوْتَ صَلاةِ الْجِنَازَةِ، أَوْ صَلاةِ الْعِيدِ، لَوِ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، ولَمْ يُجَوِّزُوا صَلاةَ الْجُمُعَةِ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَهَا مَعَ كَوْنِهَا آكَدَ مِنْ صَلاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ.

فَلا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَدَاءُ صَلاةٍ مَا بِالتَّيَمُّمِ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي الْمِصْرِ مَاءً، صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، وَأَعَادَ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ: إِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ:«إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلا تُرَابًا، صَلَّى لِحَقِّ الْوَقْتِ، ثُمَّ أَعَادَ إِذَا قَدَرَ عَلَى أَحَدِ الطَّهُورَيْنِ» .

وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْمَرِيضِ عِنْدَهُ الْمَاءُ وَلا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ: تَيَمَّمَ، وَأَوْجَبَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إِعَادَةَ الصَّلاةِ إِذَا قَدَرَ عَلَى مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ، فَأَمَّا مَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، أَوْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ مُخْوِفٍ فِي السَّفَرِ أَوِ الْحَضَرِ، ثُمَّ بَرَأَ، أَوْ قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، فَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا أَوْ فَائِتًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الْجُرْفِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَلَمْ يُعِدِ الصَّلاةَ، وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَإِلَيْهِ

ص: 118

ذَهَبَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُعِيدُ إِنْ كَانَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَمَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ.

فَأَمَّا إِذَا وَجَدَ الْمُتَيَّمِمُ الْمَاءَ فِي خِلالِ الصَّلاةِ يُتِمُّهَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الصَّلاةَ بِالْوُضُوءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلاةِ وَلا مَاءَ مَعَهُ، وَكَانَ عَلَى رَجَاءٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ، يُؤَخِّرُ الصَّلاةَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ، وَأَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُعَجِّلُ الصَّلاةَ بِالتَّيَمُّمِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنَ الْجُرْفِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَلَمْ يُعِدِ الصَّلاةَ.

فَأَمَّا إِذَا كَانَ لَا يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يُؤَخِّرُ أَيْضًا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَتَيَمَّمُ حَتَّى يَخَافُ ذَهَابَ الْوَقْتِ.

ص: 119

وَالْجَرِيحُ إِذَا قَدَرَ عَلَى غَسْلِ بَعْضِ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ، عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ، وَيَتَيَمَّمَ لأَجْلِ الْجَرِيحِ، سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَائِهِ صَحِيحًا أَوْ جَرِيحًا، لِمَا

313 -

أَخْبَرَنَا عمر بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَنا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُئِيُّ، نَا أَبُو دَاوُدَ، نَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْطَاكِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خُرَيْقٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، فَاحْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ قَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ.

فَاغْتَسَلَ وَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ، قَالَ:«قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، وَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُعَصِّرَ أَوْ يُعَصِّبَ، شَكَّ مُوسَى، عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ»

ص: 120

وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالتَّيَمُّمِ، بَلْ إِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَائِهِ صَحِيحًا، غَسَلَ الصَّحِيحَ، وَلا تَيَمُّمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الأَكْثَرُ جَرِيحًا اقْتَصَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْجُنُبِ يَخَافُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِلْبَرْدِ، فَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَالْحَسَنُ: يَغْتَسِلُ وَإِنْ مَاتَ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ:«يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَهُوَ كَالْمَرِيضِ» ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:«يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، ثُمَّ يُعِيدُ إِذَا زَالَ الْعُذْرُ وَقَدَرَ عَلَى الْغُسْلِ، لأَنَّهُ مِنَ الْعُذْرِ النَّادِرِ» .

رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، فَتَيَمَّمَ وَتَلا:{وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النِّسَاء: 29] فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يُعَنِّفْ.

ص: 121