الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ التَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ
1217 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَأَذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» أَيْ: يَجْهَرُ بِهِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
قَوْلُهُ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَأَذَنِهِ» ، يَعْنِي: مَا اسْتَمَعَ لِشَيْءٍ
كَاسْتِمَاعِهِ، وَاللَّهُ لَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ، يُقَالُ: أَذِنْتُ لِلشَّيْءِ آذَنُ أَذَنًا بِفَتْحِ الذَّالِ: إِذَا سَمِعْتَ لَهُ، قَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} [الانشقاق: 2] أَيْ: سَمِعَتْ: يُرِيدُ: سَمْعَ الطَّاعَةِ.
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " كَأَذَنِهِ لِكُلِّ مَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ، أَيْ: يَجْهَرُ بِهِ " فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ قَوْلَهُ: «يَجْهَرُ بِهِ» تَفْسِيرًا لِلتَّغَنِّي، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكُلُّ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ لِلشَّيْءِ مُعْلِنًا بِهِ، فَقَدْ تَغَنَّى بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ تَفْسِيرًا، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى «التَّغَنِّي» هَهُنَا، وَفِيمَا.
1218 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَنا أَبُو عَاصِمٍ، أَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَنا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
فَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَى «التَّغَنِّي» هُوَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ وَتَحْزِينُهُ، لأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ، وَأَنْجَعُ فِي الْقُلُوبِ.
وَرُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» .
ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَمَعْنَاهُ:«زَيِّنُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالْقُرْآنِ» ، وَيُرْوَى هَكَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا يُقَالُ: عَرَضْتُ النَّاقَةَ عَلَى الْحَوْضِ، أَيْ: عَرَضْتُ الْحَوْضَ عَلَى النَّاقَةِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْمُوعَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَلَيْسَ بِحِكَايَةِ الْقُرْآنِ.
وَقِيلَ: مَعْنَى «التَّغَنِّي» هُوَ الاسْتِغْنَاءُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، فَمَعْنَاهُ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِالْقُرْآنِ عَنْ غَيْرِهِ.
وَسُئِلَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، عَنْ هَذَا، فَقَالَ: كَانَتِ الْعَرَبُ تَتَغَنَّى إِذَا رَكِبَتِ الإِبِلَ، وَإِذَا جَلَسَتْ فِي الأَفْنِيَةِ، وَعَلَى أَكْثَرِ أَحْوَالِهَا، فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ أَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ هِجِّيرَاهُمْ مَكَانَ التَّغَنِّي.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ كَانَ مَعْنَى «يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» عَلَى الاسْتِغْنَاءِ، لَكَانَ «يَتَغَانَى» وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ هُوَ يَتَغَنَّى، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ بِالأَلْحَانِ وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ، وَأَحَبُّ مَا يُقْرَأُ إِلَيَّ حَدْرًا وَتَحْزِينًا.
وَقَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ أَنَسٍ بِلَحْنٍ مِنْ هَذِهِ الأَلْحَانِ، فَكَرِهَ ذَلِكَ أَنَسٌ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: كَانُوا يَرَوْنَ هَذِهِ الأَلْحَانَ فِي الْقُرْآنِ مُحْدَثَةً
1219 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ فَسَمِعَ قِرَاءَةَ رَجُلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ:«لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، اتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى
قَوْلُهُ: «مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ دَاوُدَ نَفْسَهُ خَاصَّةً، لأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ آلِ دَاوُدَ أُعْطِيَ مِنْ حُسْنِ الصَّوْتِ مَا أُعْطِيَ دَاوُدُ.
وَكَانَ الْحَسَنُ إِذَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى آلِ أَحْمَدَ، وَيُرِيدُ نَفْسَ أَحْمَدَ، لأَنَّهُ الْمَفْرُوضُ» .
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ، وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ، أَوْصَى لآلِ فُلانٍ بِمَالٍ، هَلْ: لِفُلانٍ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غَافِر: 46] فَفِرْعَوْنُ أَوَّلُهُمْ، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِآلِ دَاوُدَ: أَهْلَ بَيْتِهِ، وَلا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونُوا أَشْجَى أَصْوَاتًا مِنْ غَيْرِهِمْ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهِ، فَإِنَّا نَجِدُ حُسْنَ الصَّوْتِ يُتَوَارَثُ.