الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ قَالَ: تَقُومُ الطَّائِفَةُ الأُولَى فَتُتِمُّ صَلاتَهَا ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الإِمَامُ رَكْعَةً
1094 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنِ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلاةَ الْخَوْفِ:«أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَصَفَّتْ طَائِفَةٌ، وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، فَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى، فَصَلَّى لَهُمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» ، قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلاةِ الْخَوْفِ.
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، كِلاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ، قَالَ: أَنا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ
قَالَ رحمه الله: صَلاةُ الْخَوْفِ أَنْوَاعٌ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ أَحْوَالِ الْعَدُوِّ، إِحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ يُصَلُّونَ بِالإِيمَاءِ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، رِجَالا أَوْ رُكْبَانًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [الْبَقَرَة: 239].
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ خَافَ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ سَبُعٍ، أَوْ حَرِيقٍ، أَوْ سَيْلٍ، فَهَرَبَ وَصَلَّى فِي حَالَةِ الْهَرَبِ بِالإِيمَاءِ يَجُوزُ، وَمَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ، فَلا يُصَلِّي صَلاةَ الْخَوْفِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ،
حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: إِذَا انْقَطَعَ الطَّالِبُونَ عَنْ أَصْحَابِهِمْ، وَخَافُوا عَوْدَةَ الْمَطْلُوبِينَ، لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِالإِيمَاءِ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ لِيَقْتُلَهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ، وَحَضَرَتْ صَلاةُ الْعَصْرِ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا إِنْ أُؤَخِّرَ الصَّلاةَ، فَانْطَلَقْتُ أَمْشِي، وَأَنَا أُصَلِّي أُومِئُ إِيمَاءً نَحْوَهُ.
وَقَالَ أَنَسٌ: حَضَرْتُ مُنَاهَضَةَ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ، وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاةِ، فَلَمْ نُصَلِّ إِلا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ قَارِّينَ فِي مُعَسْكَرِهِمْ فِي غَيْرِ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ، فَيَجْعَلُ الإِمَامُ الْقَوْمَ فِرْقَتَيْنِ، فَتَقِفُ طَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَتَحْرُسُهُمْ، وَيَشْرَعُ الإِمَامُ مَعَ طَائِفَةٍ فِي الصَّلاةِ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِذَاتِ الرِّقَاعِ، ثُمَّ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَوَى سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، أَنَّهُ صَلَّى بِتِلْكَ الطَّائِفَةِ رَكْعَةً، ثُمَّ قَامَ فَثَبَتَ قَائِمًا حَتَّى أَتَمُّوا صَلاتَهُمْ، وَذَهَبُوا إِلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ أَتَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَثَبَتَ جَالِسًا حَتَّى أَتَمُّوا صَلاتَهُمْ، وَسَلَّمَ بِهِمْ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ الإِمَامَ بَعْدَ مَا قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، تَذْهَبُ الطَّائِفَةُ الأُولَى فِي خِلالِ الصَّلاةِ إِلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ، فَيُصَلِّي بِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَيُسَلِّمُ وَهُمْ لَا يُسَلِّمُونَ، بَلْ يَذْهَبُونَ إِلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ، وَتَعُودُ الطَّائِفَةُ الأُولَى فَتُتِمُّ صَلاتَهَا، ثُمَّ تَعُودُ الثَّانِيَةُ، فَتُتِمُّ صَلاتَهَا.
فَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ هَذَا مِنَ الاخْتِلافِ الْمُبَاحِ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَكِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَةٌ، غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَأَحْوَطُ لِلصَّلاةِ، وَأَبْلَغُ فِي حِرَاسَةِ الْعَدُوِّ،
وَذَلِكَ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ:{فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النِّسَاء: 102] أَيْ: إِذَا صَلَّوْا، ثُمَّ قَالَ:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} [النِّسَاء: 102] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّائِفَةَ الأُولَى قَدْ صَلَّوْا، وَقَالَ:{فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النِّسَاء: 102]، فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُصَلُّوا تَمَامَ الصَّلاةِ لَا بَعْضَهَا، فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تُفَارِقُ الإِمَامَ بَعْدَ تَمَامِ الصَّلاةِ، وَالاحْتِيَاطُ لأَمْرِ الصَّلاةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَكْثُرُ فِيهَا الْعَمَلُ، وَالذِّهَابُ، وَالْمَجِيءُ، وَالاحْتِيَاطُ لِلْحِرَاسَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ إِذَا كَانُوا خَارِجِينَ عَنِ الصَّلاةِ، يَكُونُ أَمْكَنَ لِلْحَرْبِ، وَلِلْهَرَبِ إِنِ احْتَاجُوا إِلَيْهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ: أَنَّ الإِمَامَ يَرْكَعُ بِهِمْ، ثُمَّ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ، فَيَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُونَ.
وَإِنْ صَلَّى الإِمَامُ بِهِمْ صَلاةً ذَاتَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ يُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الأُولَى رَكْعَتَيْنِ، وَثَبَتَ قَائِمًا فِي الثَّالِثَةِ، فَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ ثَبَتَ جَالِسًا فِي التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ، حَتَّى أَتَمُّوا جَازَ، ثُمَّ صَلَّى بِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَثَبَتَ جَالِسًا حَتَّى أَتَمُّوا، فَسَلَّمَ بِهِمْ، فَلَوْ أَنَّ الإِمَامَ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُولَى تَمَامَ الصَّلاةِ وَسَلَّمَ بِهِمْ، ثُمَّ صَلاهَا مَرَّةً أُخْرَى بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ،
فَجَائِزٌ، رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلاةَ الظُّهْرِ فِي الْخَوْفِ بِبَطْنِ نَخْلٍ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ صَلاةِ الْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ، لأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ كَانَتْ صَلاتُهُمْ فَرْضًا، وَصَلاةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ نَفْلا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلاةِ الْخَوْفِ أَنَّهُ صَلَّى بِهَؤُلاءِ رَكْعَةً، وَبِهَؤُلاءِ رَكْعَةً، وَلَمْ يَقْضُوا.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَكَانَتْ لِلْقَوْمِ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ، وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَانِ.
وَتَأَوَّلَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى صَلاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ: لَيْسَتَا بِقَصْرٍ، إِنَّمَا الْقَصْرُ وَاحِدَةٌ عِنْدَ الْقِتَالِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ سَمَّيْنَاهُمْ فِي بَابِ صَلاةِ السَّفَرِ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّ الْخَوْفَ لَا يُنْقِصُ مِنَ الْعَدَدِ شَيْئًا.
حُكِيَ عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ، قَالَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: كُلُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي أَبْوَابِ صَلاةِ الْخَوْفِ، فَالْعَمَلُ بِهِ جَائِزٌ، رُوِيَ فِيهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ، أَوْ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ