الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى
1055 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَا مِنَ الْبَحْرَيْنِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَالَ رحمه الله: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَوْضِعِ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ، وَفِي الْعَدَدِ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ، وَفِي الْمَسَافَةِ الَّتِي يُؤْتَى مِنْهَا، أَمَّا الْمَوْضِعُ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ قَرْيَةٍ اجْتَمَعَ فِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلا أَحْرَارًا مُقِيمِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إِقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالُوا: لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ.
وَشَرَطَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ عَدَدِ الأَرْبَعِينَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ وَالٍ، وَالْوَالِي غَيْرُ شَرْطٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ جَمَاعَةٌ فِي قَرْيَةٍ بُيُوتُهَا مُتَّصِلَةٌ، وَفِيهَا سُوقٌ وَمَسْجِدٌ، يُجَمَّعُ فِيهِ، وَجَبَتْ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ، وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْوَالِي.
وَقَالَ عَلِيٌّ: لَا جُمُعَةَ إِلا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ
الرَّأْيِ، قَالُوا: لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ إِلا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ، ثُمَّ تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ بِأَرْبَعَةٍ، وَالْوَالِي شَرْطٌ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: تَنْعَقِدُ بِثَلاثَةٍ إِذَا كَانَ فِيهِمْ وَالٍ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ تَكُونُ جَمَاعَةٌ بِاثْنَيْنِ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ: تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلا، لأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الْجُمُعَة: 11] أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلا اثْنَا عَشَرَ رَجُلا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ أَقَامَ الْجُمُعَةَ بِهِمْ حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً لاشْتِرَاطِ ذَلِكَ الْعَدَدِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ تَرَحَّمْتَ لأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ؟! قَالَ: لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ، يُقَالُ لَهُ: نَقِيعُ
الْخَضِمَاتِ.
قُلْتُ لَهُ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: النَّقِيعُ: بَطْنٌ مِنَ الأَرْضِ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ مُدَّةً، فَإِذَا نَضَبَ الْمَاءُ أَنْبَتَ الْكَلأَ.
وَحَرَّةُ بَنِي بَيَاضَةَ، يُقَالُ: قَرْيَةٌ عَلَى مِيلٍ مِنَ الْمَدِينَةِ.
وَأَمَّا الْمَسَافَةُ الَّتِي يَجِبُ إِتْيَانُ الْجُمُعَةِ مِنْهَا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُقِيمًا فِي مَوْضِعٍ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْعَوَالِي.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى أَهْلِهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ جِدًّا، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا.
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ كَانَ فِي قَصْرِهِ أَحْيَانًا يُجَمِّعُ، وَأَحْيَانًا لَا يُجَمِّعُ، وَهُوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: ائْتِ الْجُمُعَةَ مِنْ فَرْسَخَيْنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَجِبُ إِلا عَلَى مَنْ يَبْلُغُهُمُ النِّدَاءُ مِنْ مَوْضِعِ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ» أَسْنَدَهُ قَبِيصَةُ، وَوَقَفَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
قَالَ رحمه الله: أَمَّا مَنْ كَانَ مُقِيمًا فِي مَوْضِعٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، فَلا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ سَمَاعُ النِّدَاءِ.
قَالَ عَطَاءٌ: إِذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ، فَنُودِيَ بِالصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْهُ.
قَالَ رحمه الله: وَإِذَا وَافَقَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ يُصَلِّي لِلْعِيدِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، بَعْدَ الزَّوَالِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَجَمَّعَهُمَا جَمِيعًا، صَلاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ.
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمَّا بَلَغَهُ فِعْلُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا اجْتَمَعَ عِيدَانِ، أَجْزَأَ عَنْكَ أَحَدُهُمَا.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَقَالٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَوْ صَحَّ: فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ عَنِ الْجُمُعَةِ، أَيْ: عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ، وَلا يَسْقُطُ عَنْهُ الظُّهْرُ، وَأَمَّا صَنِيعُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُحْمَلَ إِلا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى تَقْدِيمَ صَلاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ،
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: كُلُّ عِيدٍ حِينَ يَمْتَدُّ الضُّحَى: الْجُمُعَةُ، وَالْفِطْرُ، وَالأَضْحَى، وَحَكَى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: الْجُمُعَةُ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: إِنْ صَلَّيْتُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلا أُعِيدُهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ، فَعَلَى هَذَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الزُّبَيْرِ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا جُمُعَةٌ، فَجَعَلَ الْعِيدَ فِي مَعْنَى التَّبَعِ لَهَا، هَذَا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ