الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الأَخْذِ بِالْقَصْدِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَغَيْرِهِ مِنَ الأُمُورِ
قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النِّسَاء: 171] أَيْ: لَا تُجَاوِزُوا فِيهِ الْقَدْرَ، وَقِيلَ: لَا تُشَدِّدُوا فَتُنَفِّرُوا.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» .
932 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَنا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، نَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:" مَا كُنَّا نَشَاءُ أَنْ نَرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلا رَأَيْنَاهُ، وَمَا نَشَاءُ أَنْ نَرَاهُ نَائِمًا إِلا رَأَيْنَاهُ، وَقَالَ: كَانَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ مِنْهُ شَيْئًا، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ مِنْهُ شَيْئًا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ حُمَيْدٍ
933 -
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، نَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي امْرَأَةٌ، قَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: فُلانَةُ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا، وَكَانَ أَحَبَّ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
934 -
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِنْدِي امْرَأَةٌ حَسَنَةُ الْهَيْئَةِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: هَذِهِ فُلانَةُ بِنْتُ فُلانٍ، وَهِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ:«مَهْ، خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَأَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، كِلاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ
قَوْلُهُ: «لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» مَعْنَاهُ: لَا يَمَلُّ اللَّهُ وَإِنْ مَلِلْتُمْ، لأَنَّ الْمَلالَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْطَعُ عَنْكُمْ فَضْلَهُ حَتَّى تَمَلُّوا سُؤَالَهُ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا يَتْرُكُ اللَّهُ الثَّوَابَ وَالْجَزَاءَ مَا لَمْ تَمَلُّوا مِنَ الْعَمَلِ.
وَمَعْنَى الْمَلالِ: التَّرْكُ، لأَنَّ مَنْ مَلَّ شَيْئًا تَرَكَهُ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَكَنَّى بِالْمَلالِ عَنِ التَّرْكِ لأَنَّهُ سَبَبُ التَّرْكِ.
935 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، نَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
قَوْلُهُ: «سَدِّدُوا» أَيِ: اقْصِدُوا السَّدَادَ، وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى {وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الْأَحْزَاب: 70] أَيْ: قَصْدًا مُسْتَقِيمًا لَا مَيْلَ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ: «قَارِبُوا» أَيْ لَا تَعْجَلُوا، وَقِيلَ: الْمُقَارَبَةُ: الْقَصْدُ فِي الأُمُورِ الَّذِي لَا غُلُوَّ فِيهِ وَلا تَقْصِيرَ.
فَفِي الْحَدِيثِ الأَمْرُ بِالاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَةِ، وَتَرْكُ الْحَمْلِ عَلَى النَّفْسِ بِمَا يَئُودُهَا، فَإِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لَمْ يَتَعَبَّدْ خَلْقَهُ، بِأَنْ يَنْصَبُوا آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَلا يَسْتَرِيحُوا، بَلْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ وَظَائِفَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، فَلِيَخْلِطُوا طَرَفَ اللَّيْلِ بِطَرَفِ النَّهَارِ، وَلِيُجِمُّوا فِيمَا بَيْنَهُمَا أَنْفُسَهُمْ.
وَفِي بَعْضِ الْمَرَاسِيلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، يَرْفَعُهُ:«إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلا ظَهْرًا أَبْقَى» .
وَيُرْوَى هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَزَادَ «وَاعْمَلْ عَمَلَ امْرِئٍ يَظُنُّ أَنْ لَا يَمُوتَ إِلا هَرِمًا، وَاحْذَرْ حَذَرَ امْرِئٍ يَخْشَى أَنْ يَمُوتَ غَدًا» .
قَوْلُهُ: «فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ» فَالإِيغَالُ: السَّيْرُ الشَّدِيدُ، وَالإِمْعَانُ فِيهِ، وَالْوُغُولُ: الدُّخُولُ فِي الشَّيْءِ، وَإِنْ لَمْ يَبْعُدْ فِيهِ، وَيُقَالُ لِلطُّفَيْلِيِّ: وَاغِلٌ.
وَالْمُنْبَتُّ: الَّذِي انْقَطَعَ فِي سَفَرِهِ، وَعَطِبَتْ رَاحِلَتُهُ، فَشَبَّهَ الْمُجْتَهِدَ
فِي الْعِبَادَةِ حَتَّى يَحْسِرَ بِالَّذِي يُتْعِبُ نَفْسَهُ فِي السَّيْرِ بِلا فُتُورٍ حَتَّى تَعْطَبَ دَابَّتُهُ، فَيَبْقَى مُنْبَتًّا مُنْقَطِعًا، لَمْ يَقْضِ سَفَرَهُ، وَقَدْ أَعْطَبَ ظَهْرَهُ.
وَقَدْ قَالَ مُطَرِّفٌ لابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: الْعِلْمُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ، وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ، وَخَيْرُ الأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، وَشَرُّ السَّيْرِ الْحَقْحَقَةُ.
فَقَوْلُهُ: «وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ» يُرِيدُ أَنَّ الْغُلُوَّ فِي الْعَمَلِ سَيِّئَةٌ، وَالتَّقْصِيرَ سَيِّئَةٌ، وَالْحَسَنَةَ الْقَصْدُ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الْفرْقَان: 67] وَقَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الْإِسْرَاء: 29].
وَالْحَقْحَقَةُ: أَنْ تَحْمِلَ الدَّابَّةَ عَلَى مَا لَا تُطِيقُهُ حَتَّى يُبْدِعَ بِرَاكِبِهَا.
قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ دِينَ اللَّهِ وُضِعَ فَوْقَ التَّقْصِيرِ وَدُونَ الْغُلُوِّ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ.
936 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، جَمِيعًا عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُرَيْدَةَ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا مَاشٍ فِي الطَّرِيقِ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ خَلْفِي، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَ بِيَدِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ يُصَلِّي يُكْثِرُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، قَالَ: فَقَالَ لِي: «يَا بُرَيْدَةُ أَتُرَاهُ يُرَائِي؟» ثُمَّ أَرْسَلَ يَدَهُ مِنْ يَدِي، وَجَمَعَ يَدَيْهِ جَمِيعًا، وَجَعَلَ يَقُولُ:«عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا، إِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبْهُ»