المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف - شرح السنة للبغوي - جـ ٤

[البغوي، أبو محمد]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ صَلاةِ اللَّيْلِ

- ‌بَابُ مَنْ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ

- ‌بَابُ تَطْوِيلِ قِيَامِ اللَّيْلِ

- ‌بَابُ كَيْفَ الْقِرَاءَةُ بِاللَّيْلِ

- ‌بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ

- ‌بَابُ الاجْتِهَادِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ

- ‌بَابُ الأَخْذِ بِالْقَصْدِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَغَيْرِهِ مِنَ الأُمُورِ

- ‌بَابُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ

- ‌بَابُ تَرْكِ الْعَمَلِ عِنْدَ غَلَبَةِ النَّوْمِ وَالْفُتُورِ

- ‌بَابُ قِيَامِ وَسَطِ اللَّيْلِ

- ‌بَابُ إِحْيَاءِ آخِرِ اللَّيْلِ وَفَضْلِهِ

- ‌بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ

- ‌بَابُ صَلاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَالْوِتْرِ بِوَاحِدَةٍ

- ‌بَابُ الْوِتْرِ بِثَلاثٍ وَبِخَمْسٍ وَسَبْعٍ أَوْ أَكْثَرَ

- ‌بَابُ يَجْعَلُ آخِرَ صَلاتِهِ بِاللَّيْلِ وِتْرًا

- ‌بَابُ مُبَادَرَةِ الصُّبْحِ بِالْوِتْرِ

- ‌بَابُ الْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ

- ‌بَابُ مَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ يُؤَخِّرُ الْوِتْرَ

- ‌بَابُ جَمِيعِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِلْوِتْرِ

- ‌بَابُ إِيقَاظِ الأَهْلِ لِلْوِتْرِ

- ‌بَابُ مَا يُقْرَأُ فِي الْوِتْرِ

- ‌بَابُ فَضْلِ الْوِتْرِ

- ‌بَابُ صَلاةِ اللَّيْلِ قَاعِدًا

- ‌بَابُ مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ قَضَاهُ بِالنَّهَارِ

- ‌بَابُ قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَفَضْلُهُ

- ‌بَابٌ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ

- ‌بَابُ فَضْلِ التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ

- ‌بَابُ صَلاةِ الضُّحَى

- ‌بَابُ عَدَدِ صَلاةِ الضُّحَى

- ‌بَابُ فَضْلِ صَلاةِ الضُّحَى

- ‌بَابُ وَقْتِ صَلاةِ الضُّحَى

- ‌بَابُ فَضْلِ مَنْ تَطَهَّرَ فَصَلَّى عُقَيْبَهُ

- ‌بَابُ الصَّلاةِ عِنْدَ التَّوْبَةِ

- ‌بَابُ صَلاةِ الاسْتِخَارَةِ

- ‌بَابُ صَلاةِ التَّسْبِيحِ

- ‌بَابُ فَضْلِ التَّطَوُّعِ

- ‌أَبْوَابُ صَلاةِ السَّفَرِ

- ‌بَابُ قَصْرِ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ جَوَازِ الْقَصْرِ فِي حَالِ الأَمْنِ

- ‌بَابُ إِذَا مَكَثَ الْمُسَافِرُ فِي مَنْزِلٍ إِلَى كَمْ يَقْصُرُ

- ‌بَابُ صَلاةِ الْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ

- ‌بَابُ مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ

- ‌بَابُ التَّطَوُّعِ وَالْوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ أَيْنَ تَوَجَّهَتْ

- ‌بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ فِي السَّفَرِ

- ‌بَابُ الْجَمْعِ بِعُذْرِ الْمَطَرِ

- ‌6 - كِتَابُ الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ فَرْضِ الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا قِيلَ فِي سَاعَةِ الإِجَابَةِ

- ‌بَابُ وَعِيدِ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ

- ‌بَابُ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى

- ‌بَابُ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ

- ‌بَابُ التَّنَظُّفِ وَالتَّطَيُّبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ التَّبْكِيرِ إِلَى الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ تَعْجِيلِ صَلاةِ الْجُمُعَةِ وَالْقَيْلُولَةِ بَعْدَهَا

- ‌بَابُ التَّسْلِيمِ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَالاعْتِمَادِ عَلَى الْعَصَا

- ‌بَابُ الأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ الْخُطْبَةِ قَائِمًا وَالْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ

- ‌بَابُ قَصْرِ الْخُطْبَةِ

- ‌بَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْخُطْبَةِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ

- ‌بَابُ الإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ وَاسْتِقْبَالِ الإِمَامِ

- ‌بَابُ مَنْ دَخَلَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ مَنْ نَعَسَ يَتَحَوَّلُ

- ‌بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ صَلاةِ الْخَوْفِ

- ‌بَابُ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ فَرَّقَهُمُ الإِمَامُ فِرْقَتَيْنِ فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً

- ‌بَابُ مَنْ قَالَ: تَقُومُ الطَّائِفَةُ الأُولَى فَتُتِمُّ صَلاتَهَا ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الإِمَامُ رَكْعَةً

- ‌بَابُ مَنْ قَالَ يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ

- ‌بَابُ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ صَلَّى الإِمَامُ بِهِمْ جَمِيعًا وَحَرَسُوا فِي السُّجُودِ

- ‌بَابُ الْعِيدَيْنِ

- ‌بَابُ الْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ

- ‌بَابُ لَا أَذَانَ وَلا إِقَامَةَ لِصَلاةِ الْعِيدِ وَتَقْدِيمِ الصَّلاةِ

- ‌بَابُ الأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ

- ‌بَابُ تَكْبِيرَاتِ صَلاةِ الْعِيدِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهَا

- ‌بَابُ مَنْ خَالَفَ الطَّرِيقَ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْمُصَلَّى

- ‌بَابُ الصَّلاةِ قَبْلَ صَلاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا

- ‌بَابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْعِيدَيْنِ

- ‌بَابُ الرُّخْصَةِ فِي اللَّعِبِ يَوْمَ الْعِيدِ

- ‌بَابُ سُنَّةِ عِيدِ الأَضْحَى وَتَأْخِيرِ الأُضْحِيَةِ

- ‌بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الأُضْحِيَّةِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهَا

- ‌بَابُ ثَوَابِ الأُضْحِيَّةِ

- ‌بَابُ ثَوَابِ الْعَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ

- ‌بَابُ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ شَيْئًا

- ‌بَابُ الاشْتِرَاكِ فِي الأُضْحِيَّةِ

- ‌بَابُ الأَكْلِ مِنَ الأُضْحِيَّةِ بَعْدَ ثَلاثٍ فَأَكْثَرَ

- ‌بَابُ صَلاةِ الْخُسُوفِ وَإِطَالَتِهَا

- ‌بَابُ مَنْ صَلَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ وَنِدَاءُ الصَّلاةِ جَامِعَةً

- ‌بَابُ كَيْفِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ الْخُسُوفِ

- ‌بَابُ الْعَتَاقَةِ فِي الْكُسُوفِ

- ‌بَابُ الْخَوْفِ مِنَ الرِّيحِ

- ‌بَابُ رَمْيِ النَّجْمِ

- ‌بَابُ السُّجُودِ عِنْدَ حُدُوثِ آيَةٍ

- ‌بَابُ الاسْتِسْقَاءِ

- ‌بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الاسْتِسْقَاءِ

- ‌بَابُ الاسْتِسْقَاءِ بِأَهْلِ الصَّلاحِ وَأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ

- ‌بَابُ الاسْتِسْقَاءِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ

- ‌بَابُ كَرَاهِيَةِ الاسْتِمْطَارِ بِالأَنْوَاءِ

- ‌بَابُ الْغُيُوبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلا اللَّهُ

- ‌بَابُ الْبُرُوزِ لِلْمَطَرِ

- ‌7 - كِتَابُ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ

- ‌بَابُ فَضْلِ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِهِ

- ‌بَابُ فَضْلِ تِلاوَةِ الْقُرْآنِ

- ‌بَابٌ

- ‌بَابُ فَضْلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ

- ‌بَابُ فَضْلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ

- ‌بَابُ فَضْلِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ

- ‌بَابُ السَّبْعِ الطُّوَلِ

- ‌بَابُ فَضْلِ سُورَةِ الْكَهْفِ

- ‌بَابٌ فِي {الم {1} تَنْزِيلُ} [السَّجْدَة: 1 - 2] السَّجْدَةِ وَتَبَارَكَ

- ‌بَابُ فَضْلِ سُورَةِ الإِخْلاصِ

- ‌بَابُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ

- ‌بَابُ كَيْفَ الْقِرَاءَةُ وَالتَّرْجِيعُ فِيهَا

- ‌بَابُ التَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ

- ‌بَابُ سَمَاعِ الْقُرْآنِ

- ‌بَابُ تَعَهُّدِ الْقُرْآنِ وَوَعِيدِ مَنْ نَسِيَهُ

- ‌بَابٌ فِي كَمْ يُقْرَأُ

- ‌بَابُ

- ‌بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ

- ‌بَابُ جَمْعِ الْقُرْآنِ

- ‌بَابُ لَا يُسَافَرُ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ

الفصل: ‌باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنزل القرآن على سبعة أحرف

‌بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ

1225 -

أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْميدَانِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ.

ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، وَاللَّفْظُ لَهُ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ، فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» .

قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا هَذِهِ الأَحْرُفُ فِي الأَمْرِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَيْسَ يَخْتَلِفُ فِي حَلالٍ وَلا حَرَامٍ.

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ،

ص: 501

عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ

1226 -

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِئِ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَنِيهَا، فَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اقْرَأْ» ، فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«هَكَذَا أُنْزِلَتْ» ، ثُمَّ قَالَ لِي:«اقْرَأْ» فَقَرَأْتُ، فَقَالَ:«هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» .

هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى،

ص: 502

عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.

قَوْلُهُ: «لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ» : إِذَا قَبَضَ عَلَيْهِ يَجُرُّهُ.

وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِئِ، أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، يَقُولُ: مَرَرْتُ بِهِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ مِثْلَهُ

1227 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ، أَنا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، نَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، نَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، نَا أَبِي، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ جَدِّهِ،

ص: 503

عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَرَأَ قِرَاءَةً، أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ، فَقَرَأَ قِرَاءَةً سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلاةَ دَخَلْنَا جَمِيعًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، وَدَخَلَ آخَرُ، فَقَرَأَ سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَرَءَا، فَحَسَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَأْنَهُمَا، فَسَقَطَ فِي نَفْسِي مِنَ التَّكْذِيبِ، وَلا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا قَدْ غَشِيَنِي، ضَرَبَ فِي صَدْرِي، فَفِضْتُ عَرَقًا، وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ عز وجل فَرَقًا، فَقَالَ لِي: " يَا أُبَيُّ ، أُرْسِلَ إِلَيَّ: أَنِ اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَةَ: اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ: أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ: اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا، فَقُلْتُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّتِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ

ص: 504

الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ عليه السلام».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

1228 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَعِيدٍ مَوْلَى الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي جُهَيْمٍ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمَارَيَا فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ كِلاهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ تَلَقَّاهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَمَاشَيَا جَمِيعًا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكِلاهُمَا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمَا سَمِعَا مِنْهُ، فَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «

ص: 505

إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نُزِّلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَلا تُمَارُوا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ مِرَاءً فِيهِ كُفْرٌ»

1229 -

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا آدَمُ، نَا شُعْبَةُ، نَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ الْهِلالِيَّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلا قَرَأَ، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ خِلافَهَا، فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، وَقَالَ:«كِلاكُمَا مُحْسِنٌ، فَلا تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا» .

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قَالَ رحمه الله: قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الأَحْرُفِ السَّبْعَةِ،

ص: 506

وَأَكْثَرُوا فِيهَا الْقَوْلَ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ وَعْدٌ، وَوَعِيدٌ، وَحَلالٌ، وَحَرَامٌ، وَمَوَاعِظُ، وَأَمْثَالٌ، وَاحْتِجَاجٌ.

وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ أَمْرٌ، وَنَهْيٌ، وَحَظْرٌ، وَإِبَاحَةٌ، وَخَبَرُ مَا كَانَ، وَمَا يَكُونُ، وَأَمْثَالٌ.

وَأَظْهَرُ الأَقَاوِيلِ وَأَصَحُّهَا وَأَشْبَهُهَا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ اللُّغَاتُ، وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَهُ كُلُّ قَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ بِلُغَتِهِمْ، وَمَا جَرَتْ عَلَيْهِ عَادَتُهُمْ مِنَ الإِدْغَامِ، وَالإِظْهَارِ، وَالإِمَالَةِ، وَالتَّفْخِيمِ، وَالإِشْمَامِ، وَالإِتْمَامِ، وَالْهَمْزِ، وَالتَّلْيِينِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ اللُّغَاتِ إِلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ مِنْهَا فِي الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ.

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ أَحَدِهِمْ: هَلُمَّ، وَتَعَالَ، وَأَقْبِلْ.

ص: 507

ثُمَّ فَسَّرَهُ ابْنُ سِيرِينَ، فَقَالَ: فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ «إِنْ كَانَتْ إِلا زَقْيَةً وَاحِدَةً» وَهِيَ فِي قِرَاءَتِنَا {صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 29] وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَبْعَةِ أَحْرُفٍ: يَعْنِي: سَبْعَ لُغَاتٍ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَرْفِ الْوَاحِدِ سَبْعُ لُغَاتٍ، وَلَكِنَّ هَذِهِ اللُّغَاتِ السَّبْعَ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْقُرْآنِ، فَبَعْضُهُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ، وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ هَوَازِنَ، وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ هُذَيْلٍ، وَبَعْضُهُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ اللُّغَاتِ، وَمَعَانِيهَا فِي هَذَا كُلِّهِ وَاحِدَةٌ، مَعْنَاهُ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ مَأْذُونًا لِلْقَارِئِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى أَيِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ شَاءَ، قَالُوا: وَكَانَ ذَلِكَ تَوْسِعَةً مِنَ اللَّهِ عز وجل، وَرَحْمَةً عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ، إِذْ لَوْ كُلِّفَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ تَرْكَ لُغَتِهِمْ، وَالْعُدُولَ عَنْ عَادَةٍ نَشَئُوا عَلَيْهَا إِلَى غَيْرِهَا، لَشَقَّ عَلَيْهِمْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ، فَقَالَ: " يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ، مِنْهُمُ الْعَجُوزُ، وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْغُلامُ، وَالْجَارِيَةُ، وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ «.

ص: 508

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْحُرُوفِ اللُّغَاتُ، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهَا الأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ، لَمْ يَكُنْ بَعْضُ الْوُجُوهِ أَيْسَرَ مِنْ بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَالتِّلاوَةِ، وَلأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَارِئَيْنِ» هَكَذَا أُنْزِلَتْ "، وَلَوْ كَانَ الاخْتِلافُ بَيْنَهُمَا فِي حَلالٍ، أَوْ حَرَامٍ، أَوْ وَعْدٍ، أَوْ وَعِيدٍ، أَوْ خَبَرٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَدِّقْهُمَا جَمِيعًا، لِمَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ مِنَ الْخُلْفِ، وَالتَّنَاقُضِ، وَكَلامُ اللَّهِ سبحانه وتعالى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ.

قَالَ رحمه الله: وَلا يَكُونُ هَذَا الاخْتِلافُ دَاخِلا تَحْتَ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النِّسَاء: 82] إِذْ لَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْحُرُوفِ أَنْ يَقْرَأَ كُلُّ فَرِيقٍ بِمَا شَاءَ فِيمَا يُوَافِقُ لُغَتَهُ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ، بَلْ كُلُّ هَذِهِ الْحُرُوفِ مَنْصُوصَةٌ، وَكُلُّهَا كَلامُ اللَّهِ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» ، فَجَعَلَ الأَحْرُفَ كُلَّهَا مُنَزَّلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَارِضُ جِبْرِيلَ فِي كُلِّ شَهْرِ رَمَضَانَ بِمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنَ الْقُرْآنِ، فَيُحْدِثُ اللَّهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ، وَيَنْسَخُ مَا يَشَاءُ، وَكَانَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَرْضَةٍ وَجْهًا مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ بِهِ، وَكَانَ يَجُوزُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَمْرِ اللَّهِ سبحانه وتعالى أَنْ يَقْرَأَ وَيُقْرِئَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَهِيَ كُلُّهَا مُتَّفِقَةُ الْمَعَانِي، وَإِنِ اخْتَلَفَ بَعْضُ حُرُوفِهَا، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ جِبرِيلَ، قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ:«اقْرَإِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ» ، فَقَالَ لَهُ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ، فَقَالَ: عَلَى حَرْفَيْنِ، حتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ، كَقَوْلِكَ: هَلُمَّ وَتَعَالَ

ص: 509

مَا لَمْ يَخْتِمْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِآيَةِ عَذَابٍ، وَآيَةَ عَذَابٍ بِآيَةِ رَحْمَةٍ.

وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " يَا أُبَيُّ، إِنِّي أُقْرِئْتُ الْقُرْآنَ، فَقِيلَ لِي: عَلَى حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ؟ فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي: قُلْ: عَلَى حَرْفَيْنِ، فَقُلْتُ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَقِيلَ لِي: عَلَى حَرْفَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ؟ فَقَالَ الْمَلَكُ: قُلْ: عَلَى ثَلاثَةِ أَحْرُفٍ، قُلْتُ: عَلَى ثَلاثَةِ أَحْرُفٍ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ مِنْهَا إِلا شَافٍ كَافٍ، إِنْ قُلْتَ: سَمِيعًا عَلِيمًا، عَزِيزًا حَكِيمًا، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ ".

وَكَانَ الأَمْرُ عَلَى هَذَا حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبَعْدَهُ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِالْقِرَاءَاتِ الَّتِي أَقْرَأَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَقَّنَهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ عز وجل، إِلَى أَنْ وَقَعَ

ص: 510

الاخْتِلافُ بَيْنَ الْقُرَّاءِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَاشْتَدَّ الأَمْرُ فِيهِ بَيْنَهُمْ حَتَّى أَظْهَرَ بَعْضُهُمْ إِكْفَارَ بَعْضٍ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ، وَخَافُوا الْفُرْقَةَ، فَاسْتَشَارَ عُثْمَانُ الصَّحَابَةَ فِي ذَلِكَ، فَجَمَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى الأُمَّةَ بِحُسْنِ اخْتِيَارِ الصَّحَابَةِ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ هُوَ آخِرُ الْعَرَضَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَمَرَ بِكِتْبَتِهِ جَمْعًا بَعْدَ مَا كَانَ مُفَرَّقًا فِي الرِّقَاعِ بِمَشُورَةِ الصَّحَابَةِ حِينَ اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَخَافُوا ذَهَابَ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ بِذَهَابِ حَمَلَتِهِ، فَأَمَرَ بِجَمْعِهِ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، لِيَكُونَ أَصْلا لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَرْجِعُونَ إِلَيْهِ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ عُثْمَانُ بِنَسْخِهِ فِي الْمَصَاحِفِ، وَجَمَعَ الْقَوْمَ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بِتَحْرِيقِ مَا سِوَاهُ، قَطْعًا لِمَوَادِ الْخِلافِ، فَكَانَ مَا يُخَالِفُ الْخَطَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْمَنْسُوخِ وَالْمَرْفُوعِ كَسَائِرِ مَا نُسِخَ وَرُفِعَ مِنْهُ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ.

وَالْمَكْتُوبُ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنَ اللَّهِ عز وجل لِلْعِبَادِ، وَهُوَ الإِمَامُ لِلأُمَّةِ، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْدُوَ فِي اللَّفْظِ إِلَى مَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ رَسْمِ الْكِتَابَةِ وَالسَّوَادِ.

فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِاللُّغَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَمَا يُوَافِقُ الْخَطَّ وَالْكِتَابَ، فَالْفُسْحَةُ فِيهَا بَاقِيَةٌ، وَالتَّوْسِعَةُ قَائِمَةٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا بِنَقْلِ الْعُدُولِ عَنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، عَلَى مَا قَرَأَ بِهِ الْقُرَّاءُ الْمَعْرُوفُونَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم.

ص: 511

رُوِيَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَأَرَادَ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ اتِّبَاعَ مَنْ قَبْلِنَا فِي الْحُرُوفِ وَفِي الْقِرَاءَةِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، لَا يَجُوزُ فِيهَا مُخَالَفَةُ الْمُصْحَفِ الَّذِي هُوَ إِمَامٌ، وَلا مُخَالَفَةُ الْقِرَاءَةِ الَّتِي هِيَ مَشْهُورَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ سَائِغًا فِي اللُّغَةِ، أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى هَذَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ سُنَّةٌ، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ حَرْفًا إِلا بِأَثَرٍ صَحِيحٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَافِقٍ لِخَطِّ الْمُصْحَفِ أَخَذَهُ لَفْظًا وَتَلْقِينًا.

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ» يُرِيدُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْ هَذِهِ الأَحْرُفِ السَّبْعَةِ شَافٍ لِصُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ، لاتِّفَاقِهَا فِي الْمَعْنَى، وَكَوْنِهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَتَنْزِيلِهِ وَوَحْيِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44] وَهُوَ كَافٍ فِي الْحُجَّةِ عَلَى صِدْقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لإِعْجَازِ نَظْمِهِ، وَعَجْزِ الْخَلْقِ عَنِ الإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

ص: 512