الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنَ الْأَغنِيَاءِ وَالْأَقْوِيَاءِ
1598 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامٍ، يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، أَنَّ رَجُلَيْنِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَصَعَّدَ فِيهِمَا وَصَوَّبَ، فَقَالَ:«إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي قُوَّةٍ مُكْتَسِبٍ»
قَالَ رحمه الله: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَوِيَّ الْمُكْتَسِبَ الَّذِي يُغْنِيهُ كَسْبُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ظَاهِرَ الْقُوَّةِ دُونَ أَنْ
ضَمَّ إِلَيْهِ الْكَسْبَ، لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكُونُ ظَاهِرُ الْقُوَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ أَخْرَقَ لَا كَسْبَ لَهُ، فَتَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ، وَإِذَا رَأَى الإِمَامُ السَّائِلَ جَلِدًا قَوِيًّا شَكَّ فِي أَمْرِهِ وَأَنْذَرَهُ، وَأَخْبَرَهُ بِالْأَمْرِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ، أَوْ لَهُ عِيَالٌ لَا يَقُومُ كَسْبُهُ بِكِفَايَتِهِمْ، قَبِلَ مِنْهُ وَأَعْطَاهُ.
1599 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، نَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، نَا سُفْيَانُ، قَالَ أَبُو عِيسَى: وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا سُفْيَانُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَيْحَانِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيِّ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
الْمِرَّةُ: الْقُوَّةُ، وَأَصْلُهَا مِنْ شِدَّةِ فَتْلِ الْحَبْلِ، يُقَالُ: أَمْرَرْتُ الْحَبْلَ: إِذَا أَحْكَمْتَ فَتْلَهُ.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقَوِيِّ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ، هَلْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ،
وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ إِذَا لَمْ يَمْلُكْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أُعْطِيَ مِنَ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهُ فَقِيرٌ، فَبَانَ غَنِيًّا، رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ أَجَازَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
أَمَّا إِذَا بَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا، فَلا يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ.
1600 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَ قُتَيْبَةُ نَا شَرِيكٌ، وَقَالَ عَلِيٌّ: أَنا شَرِيكٌ: الْمَعْنَى وَاحِدٌ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ:«خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي حَكِيمِ بْنِ
جُبَيْرٍ، قَالَ أَبُو عِيسَى: نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلان، نَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، نَا سُفْيَانُ، عَن حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، صَاحِبُ شُعْبَةَ: أَوَ غَيْرُ حَكِيمٌ حَدَّثَ بِهَذَا؟ قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُ زُبَيْدًا يُحَدِّثُ بِهَذَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ
الْخُمُوشُ: مِثْلُ الْخُدُوشِ فِي الْمَعْنَى، وَالْكُدُوحُ: آثَارُ الْخُدُوشِ، وَكُلُّ أَثَرٍ مِنْ خَدْشٍ أَوْ عَضٍّ أَوْ نَحْوِهِ، فَهُوَ كُدُوحٌ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ: مُكَدَّحٌ، لِأَنَّ الْحُمُرَ تَعُضِّضُهُ.
1601 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرزيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسْدٍ، قَالَ: نَزَلْتُ أَنَا وَأَهْلِي بَقِيعَ الْغَرْقَدِ، فَقَالَ لِي أَهْلِي: اذْهَبْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْأَلْهُ لَنَا شَيْئًا نَأكُلُهُ، فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدْتُ عِنْدَهُ رَجُلا يَسْأَلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ وَقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا، فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا» ، قَالَ الْأَسْدِيُّ:
فَقُلْتُ: لَلِقْحَتُنَا خَيْرٌ مِنْ وَقِيَّةٍ، فَرَجَعْتُ، وَلَمْ أَسْأَلْهُ
اللِّقْحَةُ: النَّاقَةُ الْمَرِيَّةُ.
الْوَقِيَّةُ: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.
وَقَوْلُهُ: «أَوْ عَدْلُهَا» يُرِيدُ قِيمَتَهَا، وَعَدْلُ الشَّيْءِ: مَا كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الْقِيمَةِ، وَعِدْلُهُ بِكَسْرِهِ: إِذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الصُّورَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ، فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ» ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ:«قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ» .
قَالَ رحمه الله: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَحِلُّ لِلْأَغْنِيَاءِ إلّا لِخَمْسَةٍ اسْتَثْنَاهُمُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْغَنِيِّ الَّذِي يُمْنَعُ أَخْذَ الصَّدَقَةِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ مِنَ الزَّكَاةِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: حَدُّهُ أَنْ يَمْلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَالشَّرْعُ أَمَرَ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، وَدَفْعِهَا إِلَى الْفُقَرَاءِ، وَهَذَا قَدْ ثَبَتَ غِنَاهُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ عَنْ حَدِّ الْفُقَرَاءِ.
وَقَالُوا إِذَا أُعْطِيَ الْفَقِيرُ مِنَ الصَّدَقَةِ، يُكْرَهُ أَنْ يُبَلَّغَ بِهِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدُّهُ أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، لِحَدِيثِ الْأَسْدِيِّ.
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ حَدَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ غَنِيًّا بِالدِّرْهَمِ مَعَ كَسَبٍ، وَلا يَكُونُ غَنِيًّا بِأَلْفِ لِضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ، وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ، وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْفَقِيرُ مِنَ الصَّدَقَةِ إِلَى أَنْ يَزُولَ عَنْهُ اسْمَ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ» ، فَهُوَ فِي تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ وَجَدَ غَدَاءَ يَوْمِهِ وَعَشَاءَهُ لَمْ تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ وَجَدَ غَدَاءَهُ وَعَشَاءَهُ عَلَى دَائِمِ الْأَوْقَاتِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مَنْسُوخٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.
1602 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرزيُّ، أَنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ، تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ» ، قَالُوا: فَمَنِ الْمِسْكينُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى فَيُغْنِيهِ، وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلا يَقُومُ فَيسأل النَّاسَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ الْحِزَامِيِّ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ
1603 -
أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: نَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ هَذَا الطَّوَّافَ الَّذِي يَطُوفُ عَلى النَّاسِ، تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَيَسْتَحْيِي أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيتصدّق عَلَيْهِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ
قَالَ رحمه الله: هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِسْكِينَ كَانَ فِي الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُمْ هُوَ الطَّوَّافُ السَّائِلُ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يَسْأَلُ وَلا يُفْطَنُ بِهِ، فَيُعْطَى، لِأَنَّ السَّائِلَ قَدْ تَأْتِيهِ بِمَسْأَلَتِهِ كِفَايَتُهُ، فَتَزُولُ حَاجَتُهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ اسْمُ الْمَسْكَنَةِ، وَلا يَزُولُ عَمَّنْ لَا يُفْطَنُ بِهِ، فَيُعْطَى.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَيْسَ بِفَقِيرٍ مَنْ جَمَعَ الدِّرْهَمَ إِلَى الدِّرْهَمِ، وَالتَّمْرَةَ إِلَى التَّمْرَةِ، وَلَكِنْ مَنِ أَنْقَى نَفْسَهُ وَثِيَابَهُ، لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ {
يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [الْبَقَرَة: 273]، فَذَلِكَ الْفَقِيرُ.
فَفِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَأَنْ يُتَحَرَّى وَضْعُهَا فِي أَهْلِ التَّعَفُّفِ دُونَ الْمُلْحِفِ الْمُلِحِّ.
قَالَ رحمه الله: قَدْ أَثْبَتَ اللَّهُ سبحانه وتعالى لِلْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمًا فِي الصَّدَقَاتِ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِمَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمِسْكِينُ الطَّوَّافُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ: الْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْفَقِيرُ: الَّذِي لَا يَسْأَلُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْفَقِيرُ الَّذِي بِهِ زَمَانَةٌ، وَالْمِسْكِينُ: الصَّحِيحُ الْمُحْتَاجُ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْفَقِيرُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلا حِرْفَةَ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا، زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ، وَالْمِسْكِينُ: مَنْ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ وَلا تُغْنِيهِ، سَائِلا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ، فَالْمِسْكِينُ عِنْدَهُ أَحْسَنُ حَالا مِنَ الْفَقِيرِ، لِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى قَالَ:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الْكَهْف: 79]، أَثْبَتَ لَهُمُ الْمُلْكَ مَعَ اسْمِ الْمَسْكَنَةِ.
وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْفَقِيرَ أَحْسَنُ حَالا مِنَ الْمِسْكِينِ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يَجِدُ الْقُوتَ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ: الْفَقِيرُ: الْمُحْتَاجُ، قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى:{أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر: 15]، أَيِ: الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَالْمِسْكِينُ: الَّذِي أَذَلَّهُ الْفَقْرُ وَأَسْكَنَهُ، أَيْ: قَلَّلَ حَرَكَتَهُ، مِفْعِيلُ مِنَ السُّكُونِ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ عز وجل:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الْكَهْف: 79]، سُمُّوا مَسَاكِينُ لِذُلِّهِمْ وَقُدْرَةُ الْمُلْكِ عَلَيْهِمْ، وَضَعْفِهِمْ عَنِ الانْتِصَارِ مِنْهُ.
وَيَقَعُ اسْمُ الْمِسْكِينِ عَلَى كُلِّ مَنْ أَذَلَّهُ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمَنْ لَمْ تَكُنْ مَسْكَنَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْفَقْرِ.