الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْهِلالِ
1724 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، نَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلالَ.
فَقَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟» قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: «يَا بِلالُ، أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غَدًا» .
وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ سِمَاكٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مُرْسَلا.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا كَانَ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمًا.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي رَأَيْتُهُ، «فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» .
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّ رَجُلا شَهِدَ عِنْدَهُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلالِ رَمَضَانَ، فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا، وَقَالَ: أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّ هِلالَ رَمَضَانَ لَا يَثْبُتُ إِلا بِعَدْلَيْنِ، قِيَاسًا عَلَى هِلالِ شَوَّالٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى ثُبُوتِهِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ؟ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى قَبُولِهِ، لِأَنَّ بَابَهُ بَابُ الإِخْبَارِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إِلا بِقَوْلِ رَجُلٍ عَدْلٍ حُرٍّ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَلا يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الإِخْبَارِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَلا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ: أَخْبَرَنِي فُلانٌ عَنْ فُلانٍ أَنَّهُ رَأَى الْهِلالَ.
أَمَّا هِلالُ شَوَّالٍ، فَلا يَثْبُتُ إِلا بِقَوْلِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَنَّهُ
أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ، وَمَالَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ.
وَإِذَا رُئِيَ الْهِلالُ بِبَلَدٍ، وَرَأَى أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ بَعْدَهُ بِلَيْلَةٍ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مِنَ التَّابِعِينَ، الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعِكْرِمَةُ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ كُرَيْبٍ، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ مِنَ الشَّامِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلالَ؟ قُلْتُ: رَأَيْتُهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَرَآهُ النَّاسُ.
فَصَامُوا وَصَامَ
مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ أَوْ نَرَاهُ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: إِذَا ثَبَتَ بِخَبَرِ النَّاسِ أَنَّ أَهْلَ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ قَدْ رَأَوْهُ قَبْلَهُمْ، فَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ مَا أَفْطَرُوا.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ رحمهم الله.