الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صَوْمِ الدَّهْرِ
1807 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْمَكِّيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ، إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ، وَنفهت لَهُ النَّفْسُ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ، صَوْمُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ» ، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: «فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلا يَفِرُّ إِذَا لاقَى» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ آدَمَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ
وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمَكِّيُّ هُوَ الشَّاعِرُ، اسْمُهُ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ.
وَقَوْلُهُ: «هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ» ، أَيْ: غَارَتْ وَدَخَلَتْ، وَمِنْهُ هَجَمْتُ عَلَى الْقَوْمِ: إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ، وَهَجَمَ عَلَيْهِمُ الْبَيْتُ: إِذَا سَقَطَ عَلَيْهِمْ.
وَقَوْلُهُ: «نَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ» ، أَيْ: أُعْيَتْ وَكَلَّتْ، وَيُقَالُ لِلْمُعْيِي: مُنَفِّهٌ وَنَافِهٌ، وَجَمْعُ النَّافِهُ نُفَّهٌ.
وَقَوْلُهُ: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ» ، بِمَعْنَى الدُّعَاءِ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَكُونُ لَا بِمَعْنَى لَمْ، كَقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} [الْقِيَامَة: 31].
وَقَوْلُهُ: «وَكَانَ لَا يَفِرُّ إِذَا لاقَى» ، قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَفْرِغُ مَجْهُودَهُ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ، بَلْ يَسْتَبْقِي بَعْضَ الْقُوَّةِ لِلْجِهَادِ، وَغَيْرِهِ مِنَ الأَعْمَالِ.
1808 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ، نَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، نَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَقُولُ: وَاللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَأَنْتَ الَّذِي تَقُولُ: لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتَ؟ "، فَقُلْتُ: قَدْ قُلْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فَإِنَّكِ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ» ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ» ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: «فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ، وَهُوَ أَعْدَلُ الصِّيَامِ» ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ،
عَنِ اللَّيْثِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَزَادَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لأَنْ أَكُونَ قَبِلْتُ الثَّلاثَةَ الأَيَّامِ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي
1809 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى.
ح وَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزَجَانِيُّ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيُّ، أَنا الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ:" كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، قَالَتْ: وَمَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا تَامًّا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلا رَمَضَانَ ".
وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَحْبُوبِيُّ: مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ شَهْرًا كُلَّهُ؟ قَالَتْ: «مَا عَلِمْتُهُ صَامَ شَهْرًا كُلَّهُ إِلا رَمَضَانَ، وَلا أَفْطَرَهُ كُلَّهُ حَتَّى يَصُومَ مِنْهُ، حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ صلى الله عليه وسلم»
قَالَ رحمه الله: وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ
الأَبَدَ»، مَعْنَاهُ: إِذَا لَمْ يُفْطِرْ يَوْمَيِ الْعِيدِ، وَلا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ أَفْطَرَ هَذِهِ الأَيَّامَ، خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ، كَانَ يسْرد الصَّوْمَ، وَلا يُفْطِرُ فِي سَفَرٍ وَلا حَضَرٍ، وَكَذَلِكَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيُّ، كَانَ يسْرد الصَّوْمَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ عليه السلام.
وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ: نُحِبُّ أَنْ نُفْطِرَ أَيَّامًا غَيْرَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ صَوْمِهَا.
1810 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ، أَنا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتقُومُ اللَّيْلَ؟» قُلْتُ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَلا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ
حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِذَا ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»، فَشَدَّدْتُ فَشَدَّدَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ:«فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ، وَلا تَزِدْ عَلَيْهِ» ، قُلْتُ: وَمَا صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ؟ قَالَ: «نِصْفُ الدَّهْرِ» ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
الزَّوْرُ: الزَّائِرُ، يُقَالُ رَجُلٌ صَوْمٌ، أَيْ: صَائِمٌ، وَنَوْمٌ أَيْ نَائِمٌ، وَالزَّوْرُ أَيْضًا جَمْعُ زَائِرٍ، كَقَوْلِهِمْ: رَاكِبٌ وَرَكْبٌ، وَتَاجِرٌ وَتَجْرٌ.
وَفِي قَوْلِهِ: «وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَعَ ضَيْفِهِ، لِيَزِيدَ فِي إِينَاسِهِ مَوَاكَلَتُهُ، وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ إِكْرَامِ الضَّيْفِ.