الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ ثُمَّ أفْطَرَ
1767 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ.
ح وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَارِفُ، قَالا: أَنا أَبُو بَكْرٍ الْحِيرِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنا الرَّبِيعُ، أَنا الشَّافِعِيُّ، أَنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ معَهُ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَشرِبَ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ، فَأَفْطَرَ بَعْضُ النَّاسِ، وَصَامَ بَعْضٌ، فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا، فَقَالَ:«أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا قُتَيْبَةُ، نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ، جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، فَلَوْ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى دَخَلَ بَلَدَ إِقَامَتِهِ، لَزِمَهُ إِتْمَامُ الصَّوْمِ، وَلَوْ أَصْبَحَ فِي السَّفَرِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْبَلَدَ فِي أَوَّلِ يَوْمِهِ، كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَدْخُلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَدْخُلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَهُ أَنْ يُفْطِرَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْبَلَدَ.
وَلا فَرْقَ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ بِعُذْرِ السَّفَرِ بَيْنَ مَنْ يُنْشِئُ السَّفَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَبَيْنَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ مُسَافِرٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ إِذَا أَنْشَأَ السَّفَرُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [الْبَقَرَة: 185]، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: شَهِدَ الشَّهْرَ كُلَّهُ، فَأَمَّا مَنْ شَهِدَ بَعْضَهُ، فَلَمْ يَشْهَدِ الشَّهْرَ.
أَمَّا الْمُقِيمُ إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى السَّفَرِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَمَكْحُولٍ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ، وَرُوِيَ فِيهِ عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، وَشَبَّهُوهُ بِمَنْ أَصْبَحَ
صَائِمًا، ثُمَّ مَرِضَ، جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ، وَلَيْسَ كَالْمَرَضِ؛ لأَنَّهُ أَمْرٌ يَحْدُثُ لَا بِاخْتِيَارِهِ، وَالسَّفَرُ أَمْرٌ يُنْشِئُهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ إِذَا مَرِضَ فِي خِلالِ الصَّلاةِ يُصَلِّي قَاعِدًا، وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّلاةِ مُقِيمًا، ثُمَّ صَارَ مُسَافِرًا، بِأَنْ جَرَتِ السَّفِينَةُ وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُقْصِرَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا أَصْبَحَ الْمُقِيمُ عَلَى نِيَّةِ السَّفَرِ فِي يَوْمِهِ، جَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي بَيْتِهِ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ سَفَرًا، وَقَدْ رُحِّلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ، وَلَبِسَ ثِيَابَ السَّفَرِ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَأَكَلَ، فَقِيلَ لَهُ: سُنَّةٌ؟ قَالَ: سُنَّةٌ، ثُمَّ رَكِبَ.
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْبَلَدِ.