الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ
1758 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، نَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا أَبُو حَفْصٍ الرَّازِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ» .
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ»
قَالَ رحمه الله: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ، فَرَخَّصَ فِيهَا قَوْمٌ، يُذْكَرُ عَنْ سَعْدٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهُمُ احْتَجَمُوا صِيَامًا.
وَقَالَ بُكَيْرٌ، عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ: كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَلا تَنْهَى، وَفَعَلَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَكَرِهَ قَوْمٌ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَسْرُوقٌ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْتَجِمُونَ بِاللَّيْلِ، مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ: إِنَّمَا كُرِهَتِ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ.
وَيَرْوِي مِثْلَهُ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ سُئِلَ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَا، إِلا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالا: يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ، وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجِبُ عَلَى مَنِ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.
وَاحْتَجَّ مَنْ حَكَمَ بِبُطْلانِ صَوْمِهِ بِمَا
1759 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلالُ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أنَا الرَّبِيعُ، أنَا الشَّافِعِيُّ، أنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَمَانَ الْفَتْحِ، فَرَأَى رَجُلا يَحْتَجِمُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي:«أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» .
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَثَوْبَانُ، رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ
رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ
وَتَأَوَّلَ بَعْضُ مَنْ رَخَّصَ فِيهَا هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ، أَيْ: تَعَرَّضَا لِلإِفْطَارِ، أَمَّا الْمَحْجُومُ فَلِلضَّعْفِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْهَا، وَأَمَّا الْحَاجِمُ فَلِمَا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَصِلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّمِ إِذَا ضَمَّ شَفَتَيْهِ عَلَى قَصَبِ الْمُلازِمِ، كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يَتَعَرَّضُ لِلْمَهَالِكِ: قَدْ هَلَكَ فُلانٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ هَلَكَ.
وَحَمَلَ بَعْضُ مَنْ كَرِهَهَا، وَلَمْ يَحْكُمْ بِبُطْلانِ الصَّوْمِ هَذَا عَلَى التَّغْلِيطِ لَهُمَا، وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِمَا، كَقَوْلِهِ عليه السلام فِيمَنْ صَامَ الدَّهْرَ:«لَا صَامَ وَلا أَفْطَرَ» ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَعْنَى قَوْلِهِ:«أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ، أَيْ: بَطَلَ أَجْرُ صِيَامِهِمَا.
وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ: إِنَّهُ مَرَّ بِهِمَا مَسَاءً، فَقَالَ:«أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» ، كَأَنَّهُ عَذَرَهُمَا بِهَذَا الْقَوْلِ إِذْ كَانَا قَدْ أَمْسَيَا وَدَخَلا فِي وَقْتِ الْفِطْرِ، كَمَا يُقَالُ: أَصْبَحَ الرَّجُلُ وَأَمْسَى وَأَظْهَرَ، إِذَا دَخَلَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حَانَ لَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا، كَمَا يُقَالُ: أَحْصَدَ الزَّرْعُ: إِذَا حَانَ أَنْ يُحْصَدَ، وَأَرْكَبَ الْمُهْرُ: إِذَا حَانَ أَنْ يُرْكَبَ، هَذِهِ التَّأْوِيلاتُ ذَكَرَهَا أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِهِ.