الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ إِمْسَاكِ الْمَالِ وَمَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ الإِنْفَاقِ
1653 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا يَأْتِيَ عَلَيَّ ثَلاثُ لَيَالٍ، وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ أَجِدُ مَنْ يَتَقَبَّلُهُ مِنِّي لَيْسَ شَيْءٌ أَرْصُدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي ذَرٍّ.
قَوْلُهُ: «أَرْصُدُهُ» ، أَيْ: أَعِدُّهُ.
1654 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي مَالٌ إِلا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ، أَفَأَتَصَدَّقُ؟ قَالَ:«تَصَدَّقِي وَلا تُوعِي، فَيُوعَى عَلَيْكِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
قِيلَ: مَعْنَاهُ: تَصَدَّقِي مِنْ نَصِيبِكِ، وَلَا تُوعِي، أَيْ: لَا تَمْنَعِيهِ بِالإِيعَاءِ وَالادِّخَارِ.
وَيُرْوَى: «وَلا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ» ، وَالإِيكَاءُ: شَدُّ رَأْسِ الْوِعَاءِ بِالْوِكَاءِ، وَهُوَ الرِّبَاطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ، أَيْ: لَا تَمْنَعِي مَا فِي يَدِكِ، فَتَنْقَطِعَ مَادَّةُ بَرَكَةِ الرِّزْقِ عَنْكِ، فَإِنَّ مَادَّةَ الرِّزْقِ مُتَّصِلَةٌ بِاتِّصَالِ النَّفَقَةِ، وَمْنُقَطِعَةٌ بِانْقِطَاعِهَا.
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيْتِ إِذَا أَدْخَلَ الشَّيْءَ بَيْتَهُ كَانَ ذَلِكَ فِي الْعُرْفِ مُفَوَّضًا إِلَى رَبَّةِ الْمَنْزِلِ، فَهِيَ تُنْفِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فِي الْوَقْتِ، وَرُبَّمَا تَدَّخِرُ الشَّيْءَ مِنْهُ لِغَابِرِ الزَّمَانِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ الشَّيْءُ مُفَوَّضًا إِلَيْكِ، وَمُوَكَلا إِلَى تَدْبِيرِكِ، فَخُذِي قَدْرَ الْحَاجَةِ لِلنَّفَقَةِ، وَتَصَدَّقِي بِالْبَاقِي وَلا تَدَّخِرِي.
1655 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ،
أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، نَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ:«أَنْفِقِي وَلا تُحْصِي، فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ، وَلا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ هِشَامٍ.
قَوْلُهُ: «لَا تُحْصِي» ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْصِي مَا يُحْصِيهِ لِلتَّبْقِيَةِ، فَيُحْصَى عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ، وَتَنْقَطِعُ الْبَرَكَةُ، وَقَدْ يَكُونُ مَرْجِعُ الإِحْصَاءِ إِلَى الْمُحَاسَبَةِ عَلَيْهِ، وَالْمُنَاقَشَةِ فِي الْآخِرَةِ.
1656 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ "، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى، لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ،
أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، فَإنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِمَّا فِي يَمينِهِ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ، يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ:«بِيَدِهِ الْأُخْرَى الْفَيْضُ، أَوِ الْقَبْضُ» .
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَالَ:«بِيَدِهِ الْأُخْرَى الْفَيْضُ» .
قَوْلُهُ: «لَا يَغِيضُهَا» ، أَيْ: لَا يُنْقِصُهَا، مِنْ غَاضَ الْمَاءُ: إِذَا ذَهَبَ فِي الْأَرْضِ.
وَقَوْلُهُ: «سَحَّاءُ» ، أَيْ: دَائِمَةُ الصَّبِّ، وَلَيْسَ لَهُ ذِكْرُ عَلَى أَفْعَلَ، كَمَا يُقَالُ: دِيمَةٌ هَطْلاءُ، وَلا يُقَالُ لِلذَّكَرِ: أَهْطَلُ.
1657 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، هُوَ ابْنُ بِلالٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ أَبِي الْحُبَابِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ
مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا ".
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلالٍ.
1658 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ، أَنا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، نَا أَحْمَدُ بْنُ عِلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ فِي وَجَعِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ:«مَا فَعَلَتِ الذَّهَبُ؟» قَالَتْ: قُلْتُ: هَا هُوَ ذِهْ عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: «ائْتِينِي بِهَا» .
وَهِيَ بَيْنِ التِّسْعَةِ وَالْخَمْسَةِ، فَجَعَلَهَا فِي كَفِّهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا ظَنُّ مُحَمَّدٍ بِاللَّهِ، لَوْ لَقِيَ اللَّهَ
وَهَذِهِ عِنْدَهُ، أَنْفِقِيهَا».
1659 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ، أَنا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السَّلَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ أَوْ جُنَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ إِلَى ثُدِيِّهِمَا أَوْ إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كُلَّمَا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، ذَهَبَتْ عَنْ جِلْدِهِ حَتَّى تُجِنَّ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا أَنْفَقَ شَيْئًا، أَوْ حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ، عَضَّتْ كُلُّ حَلَقَةٍ مَكَانَهَا، فَيُوَسِّعُهَا وَلا تَتَّسِعُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
1660 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ السُّكَّرِيُّ، بِبَغْدَادَ، نَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، نَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ أَبُو عُثْمَانَ الْبَزَّازُ، نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَثَلُ الْمُنْفِقِ وَالْبَخِيلِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ، أَوْ جُنَّتَانِ مِنْ لَدُنْ ثَدْيَيْهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ يُنْفِقُ، سَبَغَتْ عَلَيْهِ الدِّرْعُ، أَوْ مَرَّتْ حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَإِذَا أَرَادَ الْبَخِيلُ أَنْ يُنْفِقَ، قَلَصَتْ عَلَيْهِ، وَلَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا حَتَّى أَخَذَتْ بِعُنُقِهِ أَوْ تَرْقُوَتِهِ، فَهُو يُوَسِّعُهَا وَهِيَ لَا تَتَّسِعُ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
قَوْلُهُ: «تُجِنُّ بَنَانَهُ» ، أَيْ: تَسْتُرُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} [الْأَنْعَام: 76]، أَيْ: وَارَاهُ وَسَتَرَهُ، وَسُمِّيَ الْجِنُّ جِنًّا لِتَوَارِيهِمْ عَنِ الْأَعْيُنِ.
فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْجَوَّادِ الْمُنْفِقِ، وَالْبَخِيلِ الْمُمْسِكِ، فَجَعَلَ مَثَلَ الْجَوَّادِ مِثْلَ رَجُلٍ لَبِسَ دِرْعًا سَابِغَةً، إِلا أَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَلْبَسُهَا تَقَعُ عَلَى الصَّدْرِ وَالثَّدْيَيْنِ إِلَى أَنْ يَسْلُكَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهَا، وَيُرْسِلَ ذَيْلَهَا عَلَى أَسْفَلِ يَدَيْهِ، فَاسْتَمَرَّتْ حَتَّى سَتَرَتْ جَمِيعَ بَدَنِهِ، وَحَصَّنَتْهُ، وَجَعَلَ مَثَلَ الْبَخِيلِ مِثْلَ رَجُلٍ كَانَتْ يَدَاهُ مَغْلُولَتَيْنِ إِلَى عُنُقِهِ، ثَابِتَتَيْنِ دُونَ صَدْرِهِ، فَإِذَا لَبِسَ الدِّرْعَ، حَالَتْ يَدَاهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَنْ تَمُرَّ عَلَى الْبَدَنِ، فَاجْتَمَعَتْ فِي عُنُقِهِ، وَلَزِمَتْ تَرْقُوَتَهُ، فَكَانَتْ ثِقَلا وَوَبَالا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَحْصِينٍ لِبَدَنِهِ.
وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى: أَنَّ الْجَوَّادَ إِذَا هَمَّ بِالنَّفَقَةِ، اتَّسَعَ لِذَلِكَ صَدْرُهُ، وَطَاوَعَتْهُ يَدَاهُ، فَامْتَدَّ بِالْعَطَاءِ وَالْبَذْلِ، وَالْبَخِيلُ يَضِيقُ صَدْرُهُ، وَتَنْقَبِضُ يَدُهُ عَنِ الإِنْفَاقِ فِي الْمَعْرُوفِ، فَهَذَا مَعْنَى كَلامِ الْخَطَّابِيِّ عَلَى الْحَدِيثِ.
1661 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، سَمِعْتُ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ، عَلَيْهِمُ الْعَبَاءُ، وَالصُّوفُ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، قَالَ: فَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَغَيَّرُ لِمَا
رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، ثُمَّ قَامَ، فَدَخَلَ، فَأَمَرَ بِلالا، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ: " {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النِّسَاء: 1]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
{اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الْحَشْر: 18]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
يَتَصَدَّقُ الرَّجُلُ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ.
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ قَدْ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ ثِيَابٍ وَطَعَامٍ، وَرَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً، يُعْمَلُ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ كانَ لَهُ أَجْرُهَا، وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً يُعْمَلُ
بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، كَانَ علَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ ينْقُصَ شَيْئًا».
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ.
قَوْلُهُ: «مُجْتَابِي النِّمَارِ» ، أَيْ: لابِسِي الْأُزُرِ مِنْ صُوفٍ مُخَطَّطَةٍ، يُقَالُ: اجْتَابَ فُلانٌ ثَوْبًا: إِذَا لَبِسَهُ، وَالنِّمَارُ: جَمْعَ النَّمِرَةِ وَكُلُّ شَمْلَةٍ مُخَطَّطَةٍ مِنْ مَآزِرِ الْأَعْرَابِ، فَهِيَ نَمِرَةٌ.
وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: النَّمِرَةُ: بُرْدَةٌ تَلْبَسُهَا الإِمَاءُ، وَجَمْعُهَا نَمِرَاتٌ وَنِمَارٌ.
قَوْلُهُ: «يَتَصَدَّقُ الرَّجُلُ» ، أَيْ: لِيَتَصَدَّقْ.
لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِ:{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الصَّفّ: 11].
أَيْ: آمِنُوا.