الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ
1577 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، نَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ حُجَيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ، «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى جَوَازِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلَ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ، وَيُعِيدُ لَوْ عَجَّلَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ كَمَالِ النِّصَابِ، وَلا يَجُوزُ تَعْجِيلُ صَدَقَةِ عَامَيْنِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.
1578 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنا أَبُو الْيَمَانِ، أَنا شُعَيْبٌ، نَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلا أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأمَّا خَالِدٌ، فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا قَدِ احْتَبَسَ أَدرَاعهُ، وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَقَالَ:«قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهُوَ عَلَيَّ، وَمِثْلُهَا مَعَهَا» .
ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» .
قَوْلُهُ: «وَأَعْتُدَهُ» يُرْوَى بِالتَّاءِ، وَالْأَعْتُدُ: جَمْعُ الْعَتَادِ، وَكَذَلِكَ الْأَعْتَادُ، وَهُوَ مَا أَعَدَّهُ الرَّجُلُ مِنَ السِّلاحِ وَالدَّوَابِّ وَالْآلَةِ لِلْحَرْبِ.
ثُمَّ لَهُ تَأْوِيلانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذِهِ الْآلاتِ كَانَتْ عِنْدَهُ لِلتِّجَارَةِ، فَطَلَبُوا مِنْهُ زَكَاةَ التِّجَارَةِ، فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدْ جَعَلَهَا حُبُسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، وَجَوَازِ وَقْفِ الْمَنْقُولِ.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ اعْتَذَرَ لِخَالِدٍ، يَقُولُ: إِنَّ خَالِدًا لَمَّا حَبَسَ أَدْرَاعَهُ تَبَرُّعًا، وَهُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ: إِنَّهُ احْتَسَبَ لَهُ مَا حَبَسَهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الصَّدَقَةِ، لِأَنَّ أَحَدَ أَصْنَافِ الْمُسْتحقين لِلصَّدَقَةِ هُمُ الْمُجَاهِدُونَ.
وَفِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ بَدَلًا عَنِ الْأَعْيَانِ، وَعَلَى جَوَازِ وَضْعِ الصَّدَقَةِ فِي صنْفٍ وَاحِدٍ.
وَقَوْلُهُ: «صِنْوُ أَبِيهِ» ، أَيْ: أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} [الرَّعْد: 4]، وَهِيَ جَمْعُ صِنْوٍ، وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ وَاحِدًا، وَفِيهِ النَّخْلَتَانِ، وَالثَّلاثِ، وَالْأَرْبَعِ.
وَيُحْكَى عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: الصِّنْوُ: الْمِثْلُ، أَرَادَ مِثْلَ أَبِيهِ.
وَقَوْلُهُ فِي صَدَقَةِ الْعَبَّاسِ: «فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ» ، فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ قَلَّ الْمُتَابِعُونَ لِشُعَيْبٍ فِيهَا، لِأَنَّ الْعَبَّاسَ مِنْ صَلِيبَةِ بَنِي هَاشِمٍ لَا تَحِلُّ
لَهُ الصَّدَقَةُ، فَكَيْفَ يَسْتَأْثِرُهُ بِهَا.
وَرَوَى غَيْرُهُ «هِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا» ، وَتَأَوَّلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: لَعَلَّهُ أَخَّرَهَا عَلَيْهِ عَامَيْنِ لِحَاجَةٍ بِالْعَبَّاسِ إِلَيْهَا، كَمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ أَخَّرَ الصَّدَقَةَ عَامَ الرَّمَادَةِ، فَلَمَّا أَحْيَا النَّاسُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ، أَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَةَ عَامَيْنِ.
قَوْلُهُ: «أَحْيَا النَّاسُ» ، أَيْ: صَارُوا فِي الْحَيَا، وَهُوَ الْخِصْبُ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى، أَنَّهُ قَالَ:«هِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا» ، فَلَهُ تَأْوِيلانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ قَدْ تَسَلَّفَ مِنْهُ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ، فَصَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ مَحِلِّهَا، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ تَعْجِيلَ صَدَقَةِ عَامَيْنِ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ قَبَضَ مِنْهُ صَدَقَةَ ذَلِكَ الْعَامِ الَّذِي شَكَاهُ فِيهِ الْعَامِلُ، وَتُعَجَّلُ صَدَقَةُ عَامٍ ثَانٍ، فَقَالَ:«هِيَ عَلَيَّ» ، أَيِ: الصَّدَقَةِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ، وَأَنْتَ تُطَالِبُهُ بِهَا مَعَ مِثْلِهَا مِنْ صَدَقَةِ عَامٍ لَمْ يَحِلَّ، فَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ صَدَقَةَ أَحَدِ الْعَامَيْنِ بَعْدَ مَحِلِّهَا، وَاسْتَعْجَلَ صَدَقَةَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ.