الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَحْرِيمِ السُّؤَالِ إِلا مِنْ ضَرُورَةٍ وَوَعِيدِ السَّائِلِ
1622 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةَ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ» ، وَقَالَ:«إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ، ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ
قَوْلُهُ: «مُزْعَةُ لَحْمٍ» ، أَيْ: قِطْعَةُ لَحْمٍ، يُقَالُ: مَزَعْتُ اللَّحْمَ: إِذَا قَطَعْتُهُ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا، مِنْهَا: أَنَّهُ يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاقِطًا ذَلِيلا،
لَا جَاهَ لَهُ وَلا قَدْرَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: لِفُلانٍ وَجْهٌ فِي النَّاسِ، أَيْ: قَدْرٌ وَمَنْزِلَةٌ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الَّذِي يُلْقَى بِهِ عَظْمًا لَا لَحْمَ عَلَيْهِ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ نَالَتْ مَوْضِعَ الْجِنَايَةِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلامَةً وَشِعَارًا يُعْرَفُ بِهِ، لَا مِنْ عُقُوبَةٍ مَسَّتْهُ فِي وَجْهِهِ.
ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ.
1623 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ السَّلُولِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ، فَأَخَذَ بِطَرَفِ رِدَائِهِ، فَسَأَلَهُ إِيَّاهُ، فَأَعْطَاهُ وَذَهَبَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَرُمَتِ الْمَسْأَلَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ إِلا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ، وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ بِهِ مَالَهُ، كَانَ خُمُوشًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَرَضْفًا يَأْكُلهُ مِنْ جَهَنَّمَ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُقِلَّ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ» .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
قَوْلُهُ: «لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ» ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الدَّقَعُ: الْخُضُوعُ فِي طَلَبِ الْحَاجَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الدَّقْعَاءِ، وَهُوَ التُّرَابُ، يَعْنِي الْفَقْرَ الَّذِي يُفْضِي بِهِ إِلَى التُّرَابِ، لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَا يَقِي بِهِ التُّرَابُ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الدَّقَعُ: سُوءُ احْتِمَالِ الْفَقْرِ، وَالْخُمُوشُ: الْخُدُوشُ، وَالرَّضَفُ: الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ فَلْيَسْتَكْثِرْ» .
1624 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أَنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، نَا وَكِيعٌ، نَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ،
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَدُّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلا أَنْ يَسأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
1625 -
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ، أَنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ عُذَافِرٍ، أَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبَّادٍ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ، عَنْ كِنَانَةَ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ، إِذْ جَاءَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ يَسْتَعِينُونَهُ فِي نِكَاحِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ شَيْئًا، فَانْطَلَقُوا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ كِنَانَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَيِّدُ قَوْمِكَ، وَأَتَوْكَ يَسْأَلُونَكَ، فَلَمْ تُعْطِهِمْ شَيْئًا؟! قَالَ: أَمَّا فِي مِثْلِ هَذَا، فَلا أُعْطِي شَيْئًا، وَلَوْ عَصَبَهُ بِقِدٍّ حَتَّى يَقْحَلَ، لَكَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ فِي مِثْلِ
هَذَا، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنِّي تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فِي قَوْمِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فِي قَوْمِي، أَتَيْتُكَ لِتُعِينَنِي فِيهَا، قَالَ:«بَلْ نَحْمِلُهَا عَنْكَ يَا قَبِيصَةُ، وَنُؤَدِّيهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الصَّدَقَةِ» ، ثُمَّ قَالَ:" يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ حَرُمَتْ إِلا فِي إِحْدَى ثَلاثٍ: فِي رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشِهِ، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَفِي رَجُلٍ أَصَابَتْهُ حَاجَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَدْ حَلَّتْ لَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ الْقِوَامَ مِنَ الْعَيْشِ ثُمَّ يُمْسِكُ، وَفِي رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ، فَيَسْأَلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَمْسَكَ، وَمَا كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ سُحْتٌ يَأْكُلُهُ صَاحِبُهُ سُحْتًا ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ
الْقَحْلُ: الْتِزَاقُ الْجِلْدِ بِالْعَظْمِ مِنَ الْهُزَالِ.
قَالَ رحمه الله: مَعْنَاهُ لَوْ عَصَبَهُ بِقِدٍّ، أَيْ لَوْ شَدَّهُ بِقِدٍّ حَتَّى يُهْزَلَ، فَلَصَقَ جِلْدُهُ بِعَظْمِهِ.
1626 -
حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْحُسَيْنِ الْمُوسَوِيُّ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيرَبَنْد َكُشَائِيُّ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَرَّاجٍ الطَّحَّانُ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَ الرَّوْذِيُّ، أَنا أَبُو حَسَنٍ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، نَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ، عَنْ كِنَانَةَ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلا لِثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ بَيْنَ قَوْمٍ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، أوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ أَنْ قَدْ أَصَابَتْهُ حَاجَةٌ، وأَنْ قَدْ حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ سُحْتٌ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِيَابٍ
قَوْلُهُ: «تَحَمَّلَ حَمَالَةً» ، أَيْ: تَكَفَّلَ كَفَالَةً، وَالْحَمِيلُ: الْكَفِيلُ وَالسِّدَادُ، بِكَسْرِ السِّينِ: كُلُّ شَيْءٍ سَدَدْتَ بِهِ خَلَلا، وَمِنْهُ: سِدَادُ
الْقَارُورَةِ، وَهُوَ صِمَامُهَا، وَالسَّدَادُ بِفَتْحِ السِّينِ: الإِصَابَةُ فِي الْمَنْطِقِ وَالتَّدْبِيرِ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّمْيِ وَنَحْوِهِ.
وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ.
وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [الْمَائِدَة: 42]، أَيْ: لِلْحَرَامِ، يَعْنِي الرِّشَا فِي الْحُكْمِ، سُمِّيَ سُحْتًا، لِأَنَّهُ يُسْحِتُ الْبَرَكَةَ، فَيَذْهَبُ بِهَا، يُقَالُ: سَحَتَهُ وَأَسْحَتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: 61]، وَقِيلَ: سُمِّيَ سُحْتًا لِأَنَّهُ مُهْلِكٌ، يُقَالُ: سَحَتَهُ اللَّهُ، أَيْ: أَهْلَكَهُ وَأَبْطَلَهُ.
وَفِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ مَنْ يَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةَ مِنَ النَّاسِ ثَلاثَةً: غَنِيًّا، وَفَقِيرَيْنِ، فَالْغَنِيُّ صَاحِبُ الْحَمَالَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْقَوْمِ تَشَاحُنٌ فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ، فَسَعَى رَجُلٌ فِي إِصْلاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، وَضَمَنَ مَالًا يُبْذَلُ فِي تَسْكِينِ تِلْكَ النَّائِرَةِ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ، وَيُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ قَدْرَ مَا تَبْرَأَ ذِمَّتُهُ عَنِ الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا.
وَأَمَّا الْفَقِيرَانِ، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلانِ مَعْرُوفَيْنِ بِالْمَالِ، فَهَلَكَ مَالُهُمَا، أَحَدُهُمَا: هَلَكَ مَالُهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ، كَالْجَائِحَةِ أَصَابَتْهُ مِنْ بَرْدٍ أَفْسَدَ زَرْعَهُ وَثِمَارَهُ، أَوْ نَارٍ أَحْرَقَتْهَا، أَوْ سَيْلٍ أَغْرَقَ مَتَاعَهُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ، فَهَذَا يَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ حَتَّى يُصِيبَ مَا يَسِدُّ خَلَّتَهُ بِهِ، وَيُعْطَى مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى هَلاكِ مَالِهِ، لِأَنَّ سَبَبَ ذَهَابِ مَالِهِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ.
وَالْآخَرُ: هَلَكَ مَالُهُ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ مِنْ لِصٍّ طَرَقَهُ، أَوْ خِيَانَةٍ مِمَّنْ أَوْدَعَهُ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ فِي الْغَالِبِ، فَهَذَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، وَيُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ بَعْدَ أَنْ يَذْكُرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الاخْتِصَاصِ بِهِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِشَأْنِهِ أَنْ قَدْ هَلَكَ مَالُهُ لِتَزُولَ الرِّيبَةُ عَنْ أَمْرِهِ فِي دَعْوَى هَلاكِ الْمَالِ.
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ مِنْ بَابِ التَّبَيُّنِ وَالتَّعَرُّفِ، لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِثَلاثَةٍ مِنَ الرِّجَالِ فِي شَيْءٍ مِنَ الشَّهَادَاتِ، فَإِذَا قَالَ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ أَوْ جِيرَانِهِ مِنْ ذَوِي الْخِبْرَةِ بِشَأْنِهِ: إِنَّهُ صَادِقٌ فِيمَا يَدَّعِيهِ، أُعْطِيَ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَيْخُرُجُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَطَلَبَ الْمَحْكُومُ لَهُ حُبِسَ مَنْ عَلَيْهِ، فَادَّعَى الْمَطْلُوبُ الإِفْلاسِ وَالْعُدْمِ، فَيُنْظَرُ فِي أَمْرِهِ، فَإِنْ لَزِمَهُ ذَلِكَ الدَّيْنُ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ مِنَ ابْتِيَاعٍ أَوِ اسْتِقْرَاضٍ، فَلا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعُدْمِ، وَيُحْبَسُ إِلا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى هَلاكِ مَالِهِ، وَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ لَا بِمُقَابَلَةِ مَالٍ، دَخَلَ فِي مِلْكِهِ مِثْلَ بَدَلِ الإِتْلافِ، وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَمَهْرِ الْمَنْكُوحَةِ، وَالضَّمَانِ، وَنَحْوُهَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا حَلَفَ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْعُدْمُ.
1627 -
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الطَّاهِرِيُّ، أَنا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ الْبَزَّازُ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعُذَافِرِيُّ، أَنا أَبُو إِسْحَاقَ الدَّبَرِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، نَا مَعْمَرٌ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَتَسَاءَلُ أَمْوَالَنَا
بَيْنَنَا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، يَسْأَلُ الرَّجُلُ فِي الْفَتْقِ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ، فَإِذَا بَلَغَ أَوْ كَرَبَ أَمْسَكَ»
أَرَادَ بِالْفَتْقِ: الْحَرْبَ تَقَعُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَيَكُونُ فِيهَا الْجِرَاحَاتِ.
1628 -
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، أَنا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنا أَبُو عُبَيْدٍ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَيَزِيدُ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ رَجُلا قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَتَسَاءَلُ أَمْوَالَنَا، فَقَالَ:«يَسْأَلُ الرَّجُلُ فِي الْجَائِحَةِ وَالْفَتْقِ، فَإذَا اسْتَغْنَى أوْ كَرَبَ اسْتَعَفَّ»
قَوْلُهُ: «كَرَبَ» ، أَيْ: قَرُبَ وَدَنَا.