الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِذَلِكَ يُحكَم عَلَى كُلٍّ مِنْهَا بِمَا حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ. ومعلومٌ أَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَبَيْنَ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ.
وَإِنَّمَا يُستعمل فِي حَقِّهِ تَعَالَى
قِيَاسُ الأوْلى
، وَمَضْمُونُهُ أَنَّ كلَّ كَمَالٍ ثَبَتَ لِلْمَخْلُوقِ وَأَمْكَنَ أَنْ يتَّصف بِهِ الْخَالِقُ؛ فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِ، وكلَّ نقصٍ تَنَزَّهَ عَنْهُ الْمَخْلُوقُ؛ فَالْخَالِقُ أَحَقُّ بالتنزُّه عَنْهُ.
وَكَذَلِكَ
قَاعِدَةُ الْكَمَالِ
الَّتِي تَقُولُ: إِنَّهُ إِذَا قُدِّر اثْنَانِ: أَحَدُهُمَا مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ كَمَالٍ، وَالْآخَرُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّصِفَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ؛ كَانَ الْأَوَّلُ أَكْمَلَ مِنَ الثَّانِي، فَيَجَبُ إِثْبَاتُ مِثْلِ تِلْكَ الصِّفَةِ لِلَّهِ مَا دَامَ وُجُودُهَا كَمَالًا وَعَدَمُهَا نَقْصًا.
ـ[ (فَإنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَأَصْدَقُ قِيلاً، وَأَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْ خَلْقِهِ. ثُمَّ رُسُلُه صَادِقُونَ [مُصَدَّقون](1) ؛ بِخِلَافِ الَّذِينَ يَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ) .]ـ
/ش/ قَوْلُهُ: ((فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ
…
)) إِلَى قَوْلِهِ: ((
…
ثُمَّ رُسُلُهُ صَادِقُونَ مَصْدُوقُونَ)) ؛ تعليلٌ لصحَّة مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي الْإِيمَانِ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ اللَّهُ عز وجل أَعْلَمَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ، وَكَانَ أَصْدَقَ قَوْلًا وَأَحْسَنَ حَدِيثًا، وَكَانَ رُسُلُهُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَادِقِينَ فِي كُلِّ مَا يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْهُ، مَعْصُومِينَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِمَا يُخَالِفُ الْوَاقِعَ؛ وَجَبَ التَّعْوِيلُ إِذًا فِي بَابِ الصِّفَاتِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا عَلَى مَا
(1) في المخطوط و ((الفتاوى)) : [مصدوقون] .
قَالَهُ اللَّهُ وَقَالَهُ رَسُولُهُ الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ خَلْقِهِ بِهِ، وَأَنْ لَا يُتْرك ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ مَن يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَيَقُولُونَ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ إِنَّمَا تَقْصُر دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعَانِي المُرادة مِنْهُ لِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَسْبَابٍ: إِمَّا لِجَهْلِ الْمُتَكَلِّمِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يتكلَّم بِهِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ فَصَاحَتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْبَيَانِ، وَإِمَّا لَكَذِبِهِ وَغِشِّهِ وَتَدْلِيسِهِ. وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَرِيئَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَكَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ رَسُولِهِ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَالْبَيَانِ؛ كَمَا أَنَّهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي الصِّدْقِ وَالْمُطَابَقَةِ لِلْوَاقِعِ؛ لِصُدُورِهِ عَنْ كَمَالِ الْعِلْمِ بِالنِّسَبِ الْخَارِجِيَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ صَادِرٌ عَنْ تَمَامِ النُّصْحِ، وَالشَّفَقَةِ، وَالْحِرْصِ عَلَى هِدَايَةِ الْخَلْقِ وَإِرْشَادِهِمْ.
فَقَدِ اجْتَمَعَتْ لَهُ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي هِيَ عَنَاصِرُ الدَّلَالَةِ وَالْإِفْهَامِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ.
فَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِمَا يُرِيدُ إِخْبَارَهُمْ بِهِ، وَهُوَ أَقْدَرُهُمْ عَلَى بَيَانِ ذَلِكَ وَالْإِفْصَاحِ عَنْهُ، وَهُوَ أَحْرَصُهُمْ عَلَى هِدَايَةِ الْخَلْقِ، وأشدُّهم إِرَادَةً لِذَلِكَ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِي كَلَامِهِ شَيْءٌ مِنَ النَّقْصِ وَالْقُصُورِ؛ بِخِلَافِ كَلَامِ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ نَقْصٍ فِي أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ جَمِيعِهَا، فلَا يَصِحُّ أَنْ يُعْدَلَ بِكَلَامِهِ كَلَامُ غَيْرِهِ؛ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُعْدَلَ عَنْهُ إِلَى كَلَامِ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ غَايَةُ الضَّلَالِ، وَمُنْتَهَى الْخِذْلَانِ.
ـ[ (وَلِهَذَا قَالَ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) .]ـ
(1) الصافات: (180-182) .
ـ[فَسَبَّحَ نَفْسَهُ عَمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْمُخَالِفُونَ لِلرُّسُلِ، وَسَلَّمَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ؛ لِسَلَامَةِ مَا قَالُوهُ مِنَ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ) .]ـ
/ش/ قَوْلُهُ: ((وَلِهَذَا قَالَ
…
إِلَخْ)) ؛ تعليلٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ أَكْمَلَ صِدْقًا، وأتمُّ بَيَانًا وَنُصْحًا، وَأَبْعَدَ عَنِ الْعُيُوبِ وَالْآفَاتِ مِنْ كَلَامِ كُلِّ أَحَدٍ.
وَ ((سُبْحَانَ)) ؛ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ التَّسْبِيحِ، الَّذِي هُوَ التَّنْزِيهُ وَالْإِبْعَادُ عَنِ السُّوءِ، وَأَصْلُهُ مِنَ السَّبْحِ، الَّذِي هُوَ السُّرْعَةُ وَالِانْطِلَاقُ وَالْإِبْعَادُ، وَمِنْهُ فرسٌ سَبُوحٌ؛ إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةَ الْعَدْوِ.
وَإِضَافَةُ الرَّبِّ إِلَى الْعِزَّةِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ، وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الرَّبِّ قَبْلَهُ.
فَهُوَ سُبْحَانَهُ ينزِّه نَفْسَهُ عَمَّا يَنْسُبُهُ إِلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ اتِّخَاذِ الصَّاحبة وَالْوَلَدِ، وَعَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَعَيْبٍ، ثُمَّ يسلِّم عَلَى رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ عز وجل وَإِبْعَادُهُ عَنْ كُلِّ شَائِبَةِ نَقْصٍ وَعَيْبٍ، فَيَجِبُ اعْتِقَادُ سَلَامَةِ الرُّسُلِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ كَذَلِكَ، فَلَا يَكْذِبُونَ عَلَى اللَّهِ، وَلَا يُشْرِكُونَ بِهِ، وَلَا يغشُّون أُمَمَهُمْ، وَلَا يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ.
قَوْلُهُ: ((والحمدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) ؛ ثناءٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ على نفسه بماله مِنْ نُعُوتِ الْكَمَالِ، وَأَوْصَافِ الْجَلَالِ، وَحَمِيدِ الْفِعَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى الْحَمْدِ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
ـ[ (وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَمَعَ فِيما وَصَفَ وَسَمَّى بِهِ نَفْسَهُ بينَ النَّفْيِ]ـ