المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في ذم الكلامووجوب التسليم لنصوص الكتاب والسنة - شرح العقيدة الواسطية - الهراس

[محمد خليل هراس]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الرابعة

- ‌[عن ملحق الواسطية:]

- ‌عملي في الملحق:

- ‌المقدمة

- ‌أهميَّة العقيدة السلفية بين العقائد الأخرى:

- ‌أهميَّة ((العقيدة الواسطية)) بين العقائد السّلفيّة:

- ‌ لماذا سُمِّيَت بـ ((العقيدة الواسطية))

- ‌أهميّة شرح الشيخ هرّاس لـ ((العقيدة الواسطيّة)) بين شروحها:

- ‌((العقيدة الواسطيَّة)) وشروحها:

- ‌وصف النسخة الخطيّة للمتن:

- ‌عملي في الكتاب:

- ‌ترجمة موجزة للشيخ محمد خليل هرَّاس

- ‌متن العقيدة الواسطية

- ‌مقدمة الشارح

- ‌ قِيَاسُ الأوْلى

- ‌ قَاعِدَةُ الْكَمَالِ

- ‌ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مجملٌ ومفصَّلٌ

- ‌إِثْبَاتَ صِفَتَيِ الرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ

- ‌ صِفَاتِ السُّلُوبِ

- ‌مباحث عامَّة حول آيات الصفات

- ‌الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ

- ‌ الْعَرْشِ وَالْقَلَمِ؛ أَيُّهُمَا خُلَقَ أَوَّلًا

- ‌خُلَاصَةُ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الْقَدَرِ وَأَفْعَالِ الْعِبَادِ

- ‌مِنْ أُصُولِ [أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ]

- ‌ملحق العقيدة الواسطيَّة

- ‌فصل في أنواع التوحيد

- ‌فصل في الجماعة والفرقة

- ‌فصل في الموالاة والمعاداة

- ‌فصل في الحكم بغير ما أنزل الله

- ‌فصل في عدم الخروج على الأئمة

- ‌فصل في الميثاق

- ‌فصل في الإسراء والمعراج

- ‌فصل في أشراط الساعة

- ‌فصل في الجنة والنار

- ‌فصل في ذم الكلامووجوب التسليم لنصوص الكتاب والسنة

الفصل: ‌فصل في ذم الكلامووجوب التسليم لنصوص الكتاب والسنة

‌فصل في ذم الكلام

ووجوب التسليم لنصوص الكتاب والسنة

قال الطحاوي رحمه الله تعالى:

(وَلا تَثْبُتُ قَدَمُ الإِسْلَامِ إِلَاّ عَلَى ظَهْرِ التَّسْلِيمِ والاسْتِسْلامِ)(1) .

الشرح: أي: لا يثبت إسلام من لم يسلِّم لنصوص الوحيينِ، وينقاد إليها، ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه.

روى البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله؛ أنه قال: ((مِن الله الرسالة، ومن الرسول البلاغ، وعلينا التسليم)) (2) .

وهذا كلامٌ جامعٌ نافعٌ.

وقال الطحاوي:

(فَمَن رَام عِلْمَ ما حُظِرَ عَنْهُ عِلْمُهُ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِالتَّسْلِيمِ فَهْمُهُ؛ حَجَبَهُ مَرَامُهُ عَنْ خَالِصِ التَّوْحِيدِ وَصَافِي الْمَعْرِفَةِ

(1) انظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص201-203) .

(2)

رواه البخاري تعليقًا في (كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ..} ) .

ص: 303

وَصَحِيحِ الإِيمَانِ) (1) .

الشرح: هذا تقريرٌ للكلام الأول، وزيادة تحذير أن يُتَكَلَّم في أصول الدِّين ـ بل وفي غيرها ـ بغير علم.

قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (2) .

وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ - ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} (3) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما ضلّ قوم بعد هدًى كانوا عليه؛ إلا أوتوا الجدل، (ثم تلا) : {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَاّ جَدَلاً} [الزخرف:58] )) . رواه الترمذي، وقال: حديث حسن (4) .

ولا شك أن من لم يسلم للرسول؛ نقص توحيده؛ فإنه يقول برأيه وهواه، ويقلّد ذا رأي وهوى بغير هدى من الله، فينقص من توحيده بقدر خروجه عما جاء به الرسول؛ فإنه قد اتَّخذه في ذلك إلهًا غير الله.

(1) انظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص203-208) ، و ((مجموع الفتاوى)) (36/60) .

(2)

الإسراء: (36) .

(3)

الحج: (8-9) .

(4)

(حسن) . رواه الترمذي في (تفسير القرآن، باب ومن سورة الزخرف) ، وابن ماجة في (المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل) ، وأحمد في ((المسند)) (5/252، 256) .

ص: 304

قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاه} (1) ؛ أي: عبد ما تهواه نفسه.

وإنما دخل الفساد في العالم من ثلاث فرق؛ كما قال عبد الله بن المبارك رحمة الله عليه:

رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ

وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدْمِانُهَا

وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ

وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا

وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إلَاّ الْمُلُوكُ

وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهبَانُهَا

فالملوك الجائرة يعترضون على الشريعة بالسياسات الجائرة، ويعارضونها بها، ويقدمونها على حكم الله ورسوله.

وأحبار السوء، وهم العلماء الخارجون عن الشريعة، بآرائهم وأقيستهم الفاسدة المتضمنة تحليل ما حرم الله ورسوله، وتحريم ما أباحه، واعتبار ما ألغاه، وإلغاء ما اعتبره، وإطلاق ما قيده، وتقييد ما أطلقه

ونحو ذلك.

والرهبان، وهم جهَّال المتصوفة، المعترضون على حقائق الإيمان والشرع بالأذواق والمواجيد والخيالات والكشوفات الباطلة الشيطانية، المتضمنة شرع دين لم يأذن به الله، وإبطال دينه الذي شرعه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، والتعوُّض عن حقائق الإيمان بخدع الشيطان وحظوظ النفس.

فقال الأولون: إذا تعارضت السياسة والشرع؛ قدمنا السياسة!

(1) الفرقان: (43) .

ص: 305

وقال الآخرون: إذا تعارض العقل والنقل؛ قدمنا العقل.

وقال أصحاب الذوق: إذا تعارض الذوق والكشف وظاهر الشرع؛ قدمنا الذوق والكشف.

ومن المحال أن لا يحصل الشفاء والهدى والعلم واليقين من كتاب الله وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ويحصل من كلام المتحيرين؛ بل الواجب أن يجعل ما قاله الله ورسوله هو الأصل، ويتدبَّر معناه ويعقله، ويعرفَ برهانَهُ ودليله العقلي والخبري السمعي، ويعرفَ دلالته على هذا وهذا، ويجعل أقوال الناس التي توافقه وتخالفه متشابهة مجملة، فيقال لأصحابها: هذه الألفاظ تحتمل كذا وكذا، فإن أرادوا بها ما يوافق خبر الرسول؛ قُبِلَ، وإن أرادوا بها ما يخالفه؛ رُدَّ.

وسبب الإضلال: الإعراض عن تدبِّر كلام الله ورسوله، والاشتغال بكلام اليونان والآراء المختلفة، وإنما سمي هؤلاء أهل الكلام؛ لأنهم لم يفيدوا علمًا لم يكن معروفًا، وإنما أتوا بزيادة كلام قد لا يفيد. اهـ

وقال الطحاوي أيضًا:

(فَيَتَذَبْذَبُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالإِيمَانِ، وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَالإِقْرَارِ وَالإِنْكَارِ، مُوَسْوَسًا تَائِهًا، شَاكًّا زَائِغًا؛ لَا مُؤْمِنًا مُصَدِّقًا، ولَا جَاحِدًا مُكَذِّبًا)(1) .

الشرح: هذه الحالة حال كل مَن عَدَلَ عن الكتاب والسنة إلى علم الكلام المذموم، أو أرادَ أن يجمع بينه وبين الكتاب والسُّنّة، وعند التعارض

(1) انظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص208-210) .

ص: 306

يتأوَّل النصَّ ويردُّه إلى الرأي والآراء المختلفة، فيَؤول أمرُه إلى الحيرة والضلال والشك.

قال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي صنّفه ((أقسام اللذات)) : ((لقد تأمّلت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً، ورأيتُ أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (1) ، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (2)، وأقرأ في النفي:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (3) ، {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (4)) ) .

ثم قال: ((ومن جرَّب مثل تجربتي؛ عرف مثل معرفتي)) .

وقال أبو المعالي الجويني: ((يا أصحابنا! لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أنّ الكلام يبلغ بي إلى ما بلغ؛ ما اشتغلت به)) .

وقال عند موته: ((لقد خضتُ البحر الخضم، وخليت أهل الإسلام وعلومهم، ودخلت في الذي نهوني عنه، والآن؛ فإن لم يتداركني ربي برحمته؛ فالويل لابن الجويني، وها أنذا أموتُ على عقيدة أمي (أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور)) ) .

ومن يصل إلى مثل هذه الحالة، إن لم يتداركه الله برحمته، وإلا؛

(1) طه: (5) .

(2)

فاطر: (10) .

(3)

الشورى: (11) .

(4)

طه: (110) .

ص: 307

تزندق.

قال الشافعي رحمه الله:

((حكمي في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام)) .

وقال: ((لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننت مسلمًا يقوله، ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ـ ما خلا الشرك بالله ـ خيرٌ له من أن يبتلى بالكلام)) . اهـ

وتجد أحد هؤلاء عند الموت يرجع إلى مذهب العجائز، فيقر بما أقروا، ويعرض عن تلك الدقائق المخالفة لذلك، التي كان يقطع بها، ثم تبيَّن له فسادها، أو لم يتبين له صحتها، فيكونون في نهاياتهم ـ إذا سلموا من العذاب - بمنزلة أتباع أهل العلم من الصبيان والنساء والأعراب. اهـ

ص: 308