الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
/ش/ وَ
الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ
خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنَ اللَّهِ تبارك وتعالى أحدُ الْأَرْكَانِ الستَّة الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا فَلَكُ الْإِيمَانِ؛ كَمَا دلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَغَيْرُهُ، وَكَمَا دلَّت عَلَيْهِ الْآيَاتُ الصَّرِيحَةُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل.
وَقَدْ ذَكَرَ المؤلِّف هُنَا أَنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَدَرِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ:
ـ[ (فَالدَّرَجَةُ الأُولَى: الإيمَانُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى [عَلِيمٌ بِالْخَلْقِ وَهُمْ](1) عَامِلُونَ بِعِلْمِهِ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ أَزَلاً وَأَبَدًا، وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِم مِّنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي وَالأَرْزَاقِ وَالآجَالِ، ثُمَّ كَتَبَ اللهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ. فَأَوَّلَ (2) مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ (3) قَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَمَا أَصَابَ الإِنْسَانَ لَمْ يَكُن لِّيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُن لِّيُصِيبَهُ، جَفَّتِ الأَقْلَامُ، وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (4)، وَقَالَ:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (5) .]ـ
(1) في المخطوط: [علم ما الخلق] ، وكذا في ((الفتاوى)) .
(2)
منصوب على الظرفية.
(3)
منصوب على المفعولية.
(4)
الحج: (70) .
(5)
الحديد: (22) .
ـ[وَهَذَا التَّقْدِيرُ التَّابِعُ لِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ يَكُونُ فِي مَوَاضِعَ جُمْلَةً وَتَفْصيِلاً: فَقَدْ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا شَاءَ. وَإِذَا خَلَقَ جَسَدَ الْجَنِينِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ؛ بَعَثَ إِلَيْهِ مَلَكًا، فَيُؤْمَرُ بِأْرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ: رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ. وَنَحْوَ ذَلِكَ
…
فَهَذَا التَّقْدِيرُ قَدْ كَانَ يُنْكِرُهُ غُلاةُ الْقَدَرِيَّةِ قَدِيمًا، وَمُنْكِرُهُ الْيَوْمَ قَلِيلٌ) (1) .]ـ
/ش/ فَالدَّرَجَةُ الْأُولَى تتضمَّن:
أَوَّلاً: الْإِيمَانُ بِعِلْمِهِ الْقَدِيمِ الْمُحِيطِ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى عَلم بِهَذَا الْعِلْمِ الْقَدِيمِ الْمَوْصُوفِ بِهِ أَزَلًا وَأَبَدًا كلَّ مَا سَيَعْمَلُهُ الْخَلْقُ فِيمَا لَا يَزَالُ، وَعَلِمَ بِهِ جَمِيعَ أَحْوَالِهِمْ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي وَالْأَرْزَاقِ وَالْآجَالِ.
فَكُلُّ مَا يُوجَدُ مِنْ أَعْيَانٍ وَأَوْصَافٍ وَيَقَعُ مِنْ أَفْعَالٍ وَأَحْدَاثٍ فَهُوَ مطابقٌ لِمَا عَلِمَهُ اللَّهُ عز وجل أَزَلًا.
ثَانِيًا: أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ ذَلِكَ كُلَّهُ وسجَّله فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فَمَا عَلِمَ اللَّهُ كَوْنَهُ وَوُقُوعَهُ مِنْ مَقَادِيرِ الْخَلَائِقِ وَأَصْنَافِ الْمَوْجُودَاتِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنَ
(1) هذا التقسيم بهذه الصورة وجَعْل القدر أربع مراتب لم يكن معروفًا من قبل، وقد يكون أول من فصَّله هو شيخ الإسلام رحمه الله، فزعم بعض المغرضين أنها بدعة ابتدعها، لكن من قرأ كلام السلف علم أنهم يعنون بالإيمان بالقدر الإيمان بهذه المراتب، وعدم الإيمان بواحدة منها لا يحقِّق الإيمان بالقدر، والمراتب هي: علم الله بكل شيء، وكتابته، ومشيئته النافذة وأنه خالق كل شيء. فلا حرج من التقسيم والتبويب من أجل التوضيح.