الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فقال: ذاك قاتلي الذي رماني) قال أبو موسى: (فقصدت له فلحقته فلما رآني ولّى) بفتح الواو واللام المشددة أي أدبر (فتبعته) بتشديد الفوقية وهمزة الوصل سرت في أثره (وجعلت أقول له: ألا) بالتخفيف (تستحي) بكسر الحاء المهملة ولأبي ذر تستحيي بسكونها وزيادة تحتية مكسورة أي من فرارك (ألا تثبت) عند اللقاء (فكفّ) عن التولي (فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك. قال: فانزع هذا السهم) بوصل الهمزة وكسر الزاي (فنزعته فنزا) بالنون والزاي من غير همز أي انصب (منه) من موضع السهم (الماء. قال: يا ابن أخي اقرئ النبي صلى الله عليه وسلم السلام) عني (وقل له استغفر لي) كذا بالياء مصححًا عليه بالفرع كأصله واستغفر بلفظ الطلب، والمعنى أن أبا عامر سأل أبا موسى أن يسأل له النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له. قال أبو موسى:(واستخلفني أبو عامر على الناس) أميرًا (فمكث يسيرًا ثم مات) رضي الله عنه ثم قاتلهم أبو موسى حتى فتح الله عليه قال: (فرجعت فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته) حال كونه (على سرير مرمل) بضم الميم الأولى وفتح الثانية بينهما راء ساكنة ولأبي ذر مرمل بفتح الراء والميم الثانية مشددة منسوج بحبل ونحوه (وعليه فراش) نقل السفاقسي عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: الذي أحفظه في هذا ما عليه فراش قال: وأرى أن ما سقطت هنا (قد أثر رمال السرير في ظهره وجنبيه) بفتح الموحدة على التثنية (فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر و) أنه (قال: قل له) صلى الله عليه وسلم (استغفر لي فدعا) عليه الصلاة والسلام (بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال):
(اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ورأيت بياض إبطيه) فيه رفع اليدين في الدعاء خلافًا لمن خصه بالاستسقاء (ثم قال) صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعله) في المرتبة (يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس) بيان لسابقه لأن الخلق أعم، ولأبي ذر ومن الناس قال أبو موسى (فقلت: ولي فاستغفر) يا رسول الله (فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريمًا) ويجوز فتح ميم مدخلاً وكلاهما بمعنى المكان والمصدر وكريمًا حسنًا.
(قال أبو بردة): عامر بالسند السابق (إحداهما) أي الدعوتان (لأبي عامر والأخرى لأبي موسى).
56 - باب غَزْوَةُ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ
قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقَبْةَ:
(باب غزوة الطائف).
قال في القاموس: هي بلاد ثقيف في واد أوّل قراها لقيم وآخرها الوهط سميت بذلك لأنها طافت على الماء في الطوفان، أو لأن جبريل طاف بها على البيت أو لأنها كانت بالشام فنقلها
الله تعالى إلى الحجاز بدعوة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، أو لأن رجلاً من الصدف أصاب دمًا بحضرموت ففرّ إلى وج وحالف مسعود بن معتب وكان له مال عظيم، فقال: هل لكم أن أبني لكم طوفًا عليكم ردأ من العرب؟ فقالوا: نعم فبناه وهو الحائط المطيف به، وسقط لفظ باب لأبي ذر (في شوّال سنة ثمان) من الهجرة (قاله موسى بن عقبة) في مغازيه كجمهور أهل المغازي.
4324 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ سَمِعَ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ، دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي مُخَنَّثٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ:«يَا عَبْدَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا، فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنَّ» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ الْمُخَنَّثُ هِيتٌ.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير أنه (سمع سفيان) بن عيينة يقول: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي (عن أمها أم سلمة) هند بنت أمية المخزومية أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: (دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والنون بعدها مثلثة وبكسر النون أفصح والفتح أشهر وهو من فيه انخناث أي تكسر وتثن كالنساء (فسمعته) وللأصيلي فسمعه (يقول: لعبد الله بن أمية) ولأبي ذر عن الكشميهني ابن أبي أمية (يا عبد الله أرأيت) أي أخبرني (إن فتح الله عليكم الطائف غدًا فعليك بابنة غيلان) ابن سلمة بادية بتحتية مفتوحة بعد الدال المهملة وقيل بالنون بدل التحتية أسلمت وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستحاضة وتزوّجها عبد الرحمن بن عوف وأسلم أبوها أيضًا بعد فتح الطائف (فإنها تقبل بأربع) من العكن (وتدبر بثمان) منها والعكنة
بضم العين ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا والمراد أن أطراف العكن الأربع التي في بطنها تظهر ثمانية في جنبيها.
قال الزركشي وغيره: وقال ثمان ولم يقل ثمانية والأطراف مذكرة لأنه لم يذكرها كما يقال: هذا الثوب سبع في ثمان أي سبعة أذرع في ثمانية أشبار فلما لم يذكر الأشبار أنث لتأنيث الأذرع التي قبلها اهـ.
قال في المصابيح: أحسن من هذا أنه جعل كلاًّ من الأطرف عنكة تسمية للجزء باسم الكل فأنث بهذا الاعتبار.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخلن) بسكون اللام وفتحها (هؤلاء) المخنثون (عليكن) ولأبي ذر عن الكشميهني عليكم بالميم بدل النون ثم أجلاه من المدينة إلى الحمى فلما ولي عمر بن الخطاب الخلافة قيل له: إنه قد ضعف وكبر فاحتاج فأذن له أن يدخل في كل جمعة فيسأل الناس ويرد إلى مكانه.
(قال) ولأبي ذر وقال: (ابن عيينة) سفيان (وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (المخنث) اسمه (هيت) بكسر الهاء وسكون التحتية بعدها فوقية وهذا وصله ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة، وضبطه ابن درستويه بهاء مكسورة فنون ساكنة فموحدة، وزعم أن ما سواه تصحيف، وقيل: هيت لقب له واسمه ماتع بفوقية وعين مهملة وهو مولى عبد الله بن أبي أمية المذكور.
وهذا الحديث أخرجه في النكاح أيضًا واللباس، ومسلم في الاستئذان، والنسائي في عشرة النساء، وابن ماجه في النكاح.
0000 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا وَزَادَ وَهْوَ مُحَاصِرٌ الطَّائِفَ يَوْمَئِذٍ. [الحديث 4324 - طرفاه في: 5235، 5887].
وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) بالسند المذكور (بهذا) الحديث السابق (وزاد وهو محاصر الطائف يومئذٍ).
4325 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الأَعْمَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الطَّائِفَ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا قَالَ:«إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: نَذْهَبُ وَلَا نَفْتَحُهُ، وَقَالَ مَرَّةً نَقْفُلُ فَقَالَ:«اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ» فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ فَقَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَأَعْجَبَهُمْ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فَتَبَسَّمَ قَالَ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْخَبَرَ كُلَّهُ. [الحديث 4325 - طرفاه في: 6086، 7480].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن أبي العباس) السائب بن فروخ (الشاعر الأعمى) المكي (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن العاص، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ابن عمر بضم العين وفتح الميم ابن الخطاب، وصوّبه الدارقطني وغيره والاختلاف في ذلك غير قادح في الحديث كما لا يخفى (قال: لما حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطائف) وكانت ثقيف قد رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة فلما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوه عليهم. قال ابن سعد: وكانت مدة حصارهم ثمانية عشر يومًا، وقيل خمسة عشر يومًا. وقال ابن هشام: سبعة عشر، وقيل أربعين يومًا وقيل غير ذلك. (فلم ينل منهم شيئًا). وذكر أهل المغازي أنهم رموا على المسلمين سكك الحديد المحماة ورموهم بالنبل فأصابوا قومًا فاستشار صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الديلي فقال: هم ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك (قال) عليه الصلاة والسلام:
(إنا قافلون) أي راجعون إلى المدينة (إن شاء الله فثقل) ذلك (عليهم) أي على الصحابة
(وقالوا: نذهب ولا نفتحه، وقال مرة: نقفل) بضم الفاء أي نرجع (فقال) صلى الله عليه وسلم (اغدوا على القتال) أي سيروا أوّل النهار لأجل القتال (فغدوا) فلم يفتح عليهم (فأصابهم جراح) لأنهم رموا عليهم من أعلى السور فكانوا ينالون منهم بسهامهم ولا تصل السهام إليهم لكونهم أعلى السور فلما رأوا ذلك تبين لهم تصويب الرجوع (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم: (إنّا قافلون غدًا إن شاء الله) عز وجل (فأعجبهم) ذلك حينئذٍ (فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال سفيان) بن عيينة: (مرة فتبسم) عليه الصلاة والسلام وهذا ترديد من الراوي.
(قال) أي المؤلّف: (قال الحميدي) عبد الله بن الزبير شيخ البخاري: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (الخبر كله) بالنصب أي بجميع الحديث بالخبر من غير عنعنة ولأبي ذر عن الكشميهني بالخبر كله. وقد أخرج الحديث أيضًا في الأدب ومسلم في المغازي والنسائي في السير.
4326 و 4327 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَبَا بَكْرَةَ، وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَا: سَمِعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» . وَقَالَ هِشَامٌ: وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَوْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا وَأَبَا بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَاصِمٌ: قُلْتُ لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلَانِ حَسْبُكَ بِهِمَا قَالَ: أَجَلْ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الآخَرُ فَنَزَلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الطَّائِفِ. [الحديث 4326 - طرفه في: 6766]. [الحديث 4327 - طرفه في: 6767].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (محمد بن بشار) بالشين المعجمة المشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عاصم) هو ابن سليمان أنه (قال: سمعت أبا عثمان) عبد الرحمن النهدي (قال: سمعت
سعدًا) هو ابن أبي وقاص أحد العشرة (وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكرة) نفيعًا (وكان تسوّر حصن الطائف) أي صعد إلى أعلاه ثم تدلى منه (في أناس) من عبيد أهل الطائف أسلموا (فجاء) أي أبو بكرة (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول): (من ادعى) أي من انتسب (إلى غير أبيه وهو يعلم) أنه غير أبيه (فالجنة عليه حرام) إذا استحل ذلك أو خرج مخرج التغليظ.
(وقال هشام): هو ابن يوسف الصنعاني (وأخبرنا) وسقطت الواو ولأبي ذر (معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم (عن عاصم) هو ابن سليمان (عن أبي العالية) رفيع بضم الراء وفتح الفاء ابن مهران الرياحي (أو أبي عثمان) عبد الرحمن (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء بالشك من الراوي أنه (قال: سمعت سعدًا) هو ابن أبي وقاص (وأبا بكرة) نفيعًا (عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال
عاصم: قلت) لأبي العالية أو لأبي عثمان: (لقد شهد عندك رجلان) سعد وأبو بكرة (حسبك بهما. قال: أجل) أي نعم (أما أحدهما) وهو سعد (فأوّل من رمى بسهم في سبيل الله، وأما الآخر) وهو أبو بكرة (فنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف) أي من أهله.
وعند الطبراني أن أبا بكرة تدلى ببكرة فكني أبا بكرة لذلك، وسمي في السير ممن نزل من حصن الطائف من عبيدهم فأسلم مع أبي بكرة المنبعث عبد عثمان بن عامر بن معتب ومرزوق والأزرق زوج سمية والدة زياد بن عبيد، والأزرق أبو عتبة وكان لكلدة الثقفي، ووردان وكان لعبد الله بن ربيعة، ويحنس النبال وكان لابن مالك الثقفي، وإبراهيم بن جابر وكان لخرشة الثقفي، وبشار وكان لعثمان بن عبد الله، ونافع مولى الحارث بن كلدة ونافع مولى غيلان بن سلمة الثقفي. قال في الفتح: ولم أعرف اسم الباقين. قال ولم يقع لي هذا التعليق موصولاً إلى هشام بن يوسف ومراد المؤلّف منه ما فيه من بيان عدد من أبهم في الرواية السابقة.
4328 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه. قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلَا تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي فَقَالَ لَهُ: «أَبْشِرْ» فَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَىَّ مِنْ أَبْشِرْ، فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ فَقَالَ:«رَدَّ الْبُشْرَى فَاقْبَلَا أَنْتُمَا» . قَالَا: قَبِلْنَا ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ:«اشْرَبَا مِنْهُ وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا وَأَبْشِرَا» فَأَخَذَا الْقَدَحَ فَفَعَلَا فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ أَنْ أَفْضِلَا لأُمِّكُمَا فَأَفْضَلَا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (رضي الله عنه) أنه (قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة) بكسر الجيم وسكون العين وقد تكسر العين وتشدد الراء (بين مكة والمدينة) كذا وقع هنا قال الداودي: وهو وهم، والصواب بين مكة والطائف وبه جزم النووي وغيره (ومعه بلال) المؤذن (فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (فقال: ألا تنجز) أي ألا توفي (لي ما وعدتني)؟ من غنيمة حنين أو كان ذلك وعدًا خاصًّا به (فقال) صلى الله عليه وسلم (له):
(أبشر) بقطع الهمزة بقرب القسمة أو بالثواب الجزيل على الصبر (فقال) الأعرابي: (قد كثرت عليّ من أبشر فأقبل) عليه الصلاة والسلام (على أبي موسى) الأشعري (وبلال) المؤذن (كهيئة الغضبان فقال) لهما: (رد) الأعرابي (البشرى فاقبلا) بفتح الموحدة (أنتما) البشرى (قالا: قبلنا) ها يا رسول الله (ثم دعا) عليه الصلاة والسلام (بقدح فيه ماء فغسل يديه) بالتثنية (ووجهه فيه ومج فيه ثم قال: اشربا منه وأفرغا) بقطع الهمزة وكسر الراء أي صبا (على وجوهكما
ونحوركما وأبشرا) بقطع الهمزة (فأخذ القدح ففعلا) ما أمرهما به صلى الله عليه وسلم (فنادت أم سلمة) أم المؤمنين رضي الله عنها (من وراء الستر: أن أفضلا) بقطع الهمزة وكسر الضاد المعجمة (لأمكما) تعني نفسها (فأفضلا) بقطع الهمزة وفتح الضاد (لها منه طائفة) أي بقية.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم.
4329 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَ أَنَّ يَعْلَى كَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ قَالَ: فَبَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ مَعَهُ فِيهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِالطِّيبِ؟ فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى بِيَدِهِ أَنْ تَعَالَ فَجَاءَ يَعْلَى فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ:«أَيْنَ الَّذِي يَسْأَلُنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنَفًا» ؟ فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ:«أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ» .
وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (أخبرني)
بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (أن صفوان بن يعلى بن أمية) التميمي (أخبره) ولغير أبي ذر بإسقاط الضمير (أن) أباه (يعلى كان يقول: ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل) بضم الياء وفتح الزاي (عليه) الوحي (قال: فبينا) بغير ميم (النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة) بالتخفيف والتشديد (وعليه ثوب قد أظل به) بضم الهمزة وكسر الظاء المعجمة (معه فيه ناس من أصحابه إذ جاءه أعرابي عليه جبة متضمخ) أي متلطخ وهو صفة أعرابي المرفوع أو خبر مبتدأ محذوف أي هو متضمخ (بطيب فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ) تلطخ (بالطيب) ولأبي ذر: بطيب (فأشار عمر) رضي الله عنه (إلى يعلى بيده أن تعال، فجاءه يعلى فأدخل رأسه) ليرى النبي صلى الله عليه وسلم حال نزول الوحي لتقوية الإيمان بمشاهدته (فإذا النبي صلى الله عليه وسلم محمر الوجه يغط) بكسر المعجمة وتشديد المهملة يتردد صوت نفسه كالنائم من شدة ثقل الوحي (كذلك ساعة ثم سري عنه) أي كشف عنه ما يتغشاه من ثقل الوحي (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(أين الذي يسألني عن العمرة آنفًا فالتمس) بضم التاء وكسر الميم طلب (الرجل فأتي به) بضم الهمزة وكسر التاء (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات) نص في تكرار الغسل ثلاثًا فالعامل في قوله ثلاث مرات أقرب الفعلين إليه وهو: فاغسله أو العامل فيه فقال: أي قاله له ثلاث مرات غسل الثوب، فلا يكون تنصيصًا على تثليث الغسل، وكانت القصة بالجعرانة سنة ثمان، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: طيبته في حجة الوداع أي
سنة عشر فهو ناسخ للأول (وأما الجبة فانزعها) عنك (ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك) فيه دلالة على أنه يعرف أعمال الحج.
وقد سبق هذا الحديث في كتاب الحج في باب غسل الخلوق.
4330 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ:«يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَاّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي» كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ: «مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ؟ قَالَ: كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ: «لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ؟ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» . [الحديث 4330 - طرفه في: 7245].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري (قال: حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين ابن عمارة الأنصاري المازني (عن عباد بن تميم) الأنصاري المدني (عن عبد الله بن زيد بن عاصم) أي ابن كعب الأنصاري المازني صحابي مشهور قيل: إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب واستشهد بالحرة سنة ثلاث وستين أنه (قال: أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم) أي لما أعطاه الله غنائم الذين قاتلهم (يوم حنين) وسقطت التصلية لأبي ذر (قسم) عليه الصلاة والسلام الغنائم (في الناس في المؤلّفة قلوبهم) بدل بعض من وكل والمؤلّفة هم أناس أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا.
وقد سرد ابن طاهر في المبهمات له أسماؤهم وهم: أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، وحكيم بن حزام، وأبو السنابل بن بعكك، وصفوان بن أمية، وعبد الرحمن بن يربوع، وهؤلاء من قريش. وعيينة بن حصين الفزاري، والأقرع بن حابس التميمي، وعمرو بن الأيهم التميمي، والعباس بن مرداس السلمي، ومالك بن عوف النضري، والعلاء بن حارثة الثقفي. قال ابن حجر: وفي ذكر الأخيرين نظر فقيل: إنما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانة.
وذكر الواقدي في المؤلّفة: معاوية ويزيد ابني أبي سفيان، وأسيد بن حارثة، ومخرمة بن نوفل، وسعيد بن يربوع، وتيس بن عدي، وعمرو بن وهب، وهشام بن عمرو. وزاد ابن إسحاق: النضر بن الحارث، والحارث بن هشام، وجبير بن مطعم، وممن ذكره فيهم أبو عمر
سفيان بن عبد الأسد، والسائب بن أبي السائب، ومطيع بن الأسود، وأبو جهم بن حذيفة.
وذكر ابن الجوزي فيهم: زيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، وحكيم بن طلق بن سفيان بن أمية، وخالد بن قيس السهمي، وعمير بن مرداس، وذكر غيرهم فيهم: قيس بن مخرمة، وأحيحة بن أمية بن خلف، وابن أبي شريق، وحرملة بن هوذة، وخالد بن هوذة، وعكرمة بن عامر العبدي، وشيبة بن عمارة، وعمرو بن ورقة، ولبيد بن ربيعة، والمغيرة بن الحارث، وهشام بن الوليد المخزومي، فهؤلاء زيادة على الأربعين نفسًا قاله في الفتح.
(ولم يعط الأنصار شيئًا) من جميع الغنيمة،
فهو مخصوص بهذه الواقعة ليتألف مسلمة الفتح، في المفهم أن العطاء كان من الخمس ومنه كان أكثر عطاياه، وقيل: إنما كان تصرف في الغنيمة لأن الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فردّ الله أمر الغنيمة لنبيه عليه الصلاة والسلام (فكأنهم وجدوا) بفتح الواو والجيم حزنوا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وجد بضمتين جمع واحد (إذ لم يصبهم ما أصاب الناس) من القسمة. وزاد في رواية أبي ذر عن الحموي: وكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس بالشك هل قال وجد بضمتين أو وجدوا فعل ماض، وأما على رواية الكشميهني وجدوا في الموضعين فتكرار بغير فائدة كما لا يخفى، وجوّز الكرماني وتبعه بعضهم أن يكون الأول من الغضب، والثاني من الحزن (فخطبهم) عليه الصلاة والسلام زاد مسلم فحمد الله وأثنى عليه (فقال):
(يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضُلاّلاً) بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى بالشرك (فهداكم الله بي) إلى الإيمان (وكنتم متفرقين) بسبب حرب بعاث وغيره الواقع بينهم (فألفكم الله بي وعالة) ولأبي ذر: وكنتم عالة بالعين المهملة وتخفيف اللام أي فقراء لا مال لكم (فأغناكم الله بي كلما قال) صلى الله عليه وسلم (شيئًا قالوا: الله ورسوله أمن) بفتح الهمزة وتشديد النون أفعل تفضيل من المن (قال) عليه الصلاة والسلام: (ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال): وسقطت التصلية ولفظ قال لأبي ذر (كلما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أمنّ. قال: لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا). وفي حديث أبي سعيد فقال: "أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم أتيتنا مكذبًا فصدّقناك ومخذلاً فنصرناك وطريدًا فآويناك وعائلاً فواسيناك" زاد أحمد من حديث أنس قالوا: بل المنة لله ولرسوله وإنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعًا منه، وإلاّ ففي الحقيقة الحجة المبالغة والمنة له عليهم كما قالوا.
(ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاه والبعير) اسما جنس يقع كل منهما على الذكر والأنثى (وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم) ذكرهم ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به منه بالنسبة إلى ما اختص به غيرهم من عرض الدنيا الفانية وسقطت التصلية لأبي ذر (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار) قاله استطابة لنفوسهم وثناء عليهم، وليس المراد منه الانتقال عن النسب الولادي لأنه حرام مع أن نسبه عليه الصلاة والسلام أفضل الأنساب وأكرمها وهو تواضع منه عليه الصلاة
والسلام، وحثّ على إكرامهم واحترامهم، لكن لا يبلغون درجة المهاجرين السابقين الذين خرجوا من ديارهم وقطعوا عن أقاربهم وأحيائهم وحرموا أوطانهم وأموالهم، والأنصار وإن اتصفوا بصفة النصرة والإيثار والمحبة والإيواء لكنهم مقيمون في مواطنهم، وحسبك شاهدًا في فضل المهاجرين قوله هذا لأن فيه إشارة إلى جلالة رتبة الهجرة فلا يتركها فهو نبي مهاجري لا أنصاري، وقد سبق مزيد لذلك في فضل الأنصار.
(ولو سلك الناس واديًا وشعبًا) بكسر الشين المعجمة وسكون المهملة طريقًا في الجبل (لسلكت وادي الأنصار وشعبها) والمراد بلدهم (الأنصار شعار) الثوب الذي يلي الجلد (والناس دثار) بكسر الدال وبالمثلثة المفتوحة ما يجعل فوق الشعار أي أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم وهو تشبيه بليغ (إنكم ستلقون بعدي أثرة) بفتح الهمزة والمثلثة وبضم الهمزة وسكون المثلثة أي يستأثر عليكم بما لكم فيه اشتراك من الاستحقاق (فاصبروا) على ذلك (حتى تلقوني على الحوض) يوم القيامة فيحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم مع الثواب الجزيل على الصبر.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الزكاة.
4331 -
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي رِجَالاً الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَقَالَتِهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ» ؟ فَقَالَ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالاً حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ، أَتَأَلَّفُهُمْ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«سَتَجِدُونَ أُثْرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ» . قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد ولأبى ذر: حدثني بالإفراد أيضًا (أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال ناس من الأنصار حين أفاء الله
على رسوله صلى الله عليه وسلم) سقطت التصلية لأبي ذر (ما أفاء به أموال هوازن فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يعطي رجالاً المائة من الإبل فقالوا): أي الأنصار (يغفر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم) قالوه توطئة وتمهيدًا لما يرد
بعده من العتاب كقوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} [التوبة: 43] وسقطت التصلية لأبي ذر (يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم) جملة وسيوفنا حال مقرّرة لجهة الإشكال وهي من باب قولهم عرضت الناقة على الحوض (قال أنس: فحدث) بضم الحاء كسر الدال مبنيًّا للمفعول أي أخبر (رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم) وعند ابن إسحاق من حديث أبي سعيد أن الذي أخبره صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ (فأرسل) صلى الله عليه وسلم (إلى الأنصار فجمعهم في قبة من آدم) بفتح الهمزة المقصورة والدال جلد مدبوغ (ولم يدع) بسكون الدال أي لم يناد (معهم غيرهم فلما اجتمعوا قام النبي صلى الله عليه وسلم) خطيبًا (فقال):
(ما حديث) بالتنوين (بلغني عنكم)(فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم) سقطت التصلية لأبي ذر (يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لهم: (فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم أما) بتخفيف الميم (ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم) بيوتكم (فوالله لما) بفتح اللام للتأكيد أي الذي (تنقلبون به خير مما ينقلبون به) وفي مناقب الأنصار من طريق أبي التياح عن أنس: "أو لا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم"(قالوا: يا رسول الله قد رضينا. فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم): (ستجدون) ولأبي ذر عن الكشميهني فتجدون بالفاء بدل السين (أثرة شديدة) بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما ويقال أيضًا أثرة بكسر الهمزة وسكون المثلثة من تفرد عليكم بما لكم فيه اشتراك في الاستحقاق أو يفضل نفسه عليكم في الفيء، وقيل: المراد بالأثرة نفس الشدة. قال في الفتح: ويرده سياق الحديث وسببه (فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله) يوم القيامة (صلى الله عليه وسلم) وسقطت التصلية لأبي ذر (فإني على الحوض)(قال أنس: فلم يصبروا) وفي قوله: ستلقون علم من أعلام النبوة لأنه كان كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
4332 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَنَائِمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ فَغَضِبَتِ الأَنْصَارُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ» .
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بالمثناة الفوقية ثم التحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد (عن أنس) رضي الله عنه أنه (قال: لما كان يوم فتح مكة) أي زمان فتحها الشامل الجميع السنة (قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم) هوازن (بين قريش) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: في قريش (فغضبت الأنصار قال النبي صلى الله عليه وسلم) لهم لما بلغه ذلك:
(أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم) سقطت التصلية لأبي ذر
(قالوا: بلى) قد رضينا، وذكر الواقدي أنه حينئذ دعاهم ليكتب لهم بالبحرين وتكون لهم خاصة بعده دون الناس وهي يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض فأبوا وقالوا: لا حاجة لنا بالدنيا (قال) عليه الصلاة والسلام: (لو سلك الناس واديًا أو شعبًا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم) وأشار عليه الصلاة والسلام بذلك إلى ترجيحهم بحسن الجوار والوفاء بالعهد لا وجوب متابعته إياهم إذ هو صلى الله عليه وسلم المتبوع المطاع لا التابع المطيع، فما أكثر تواضعه صلوات الله وسلامه عليه.
4333 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ الْتَقَى هَوَازِنُ وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةُ آلَافٍ وَالطُّلَقَاءُ فَأَدْبَرُوا قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ» ؟ قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ فَأَعْطَى الطُّلَقَاءَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَقَالُوا: فَدَعَاهُمْ فَأَدْخَلَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لَاخْتَرْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ» .
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أزهر) بن سعد السمان أبو بكر الباهلي البصري (عن ابن عون) عبد الله أنه قال: (أنبأنا هشام بن زيد بن أنس عن) جده (أنس) رضي الله عنه أنه (قال: لما كان يوم حنين التقى) النبي صلى الله عليه وسلم و (هوازن ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة
آلاف) من المهاجرين (والطلقاء) بضم الطاء وفتح اللام والقاف ممدودًا جمع طليق فعيل بمعنى مفعول وهم الذين منّ عليهم صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة فلم يأسرهم ولم يقتلهم منهم: أبو سفيان بن حرب وابنه معاوية وحكيم بن حزام (فأدبروا قال) عليه الصلاة والسلام:
(يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول الله وسعديك) هو من الألفاظ المقرونة بلبيك ومعناه إسعادًا بعد إسعاد أي ساعدتك على طاعتك مساعدة وهما منصوبان على المصدر (لبيك نحن بين يديك) وسقطت لبيك هذه لأبي ذر (فنزل النبي صلى الله عليه وسلم) عن بغلته (فقال: أنا عبد الله ورسوله) وزاد أحمد في غير هذا الحديث في قصة حنين فأخذ كفًّا من تراب وقال: شاهت الوجوه (فانهزم المشركون) وأعطى الله تعالى رسوله غنائمهم، وأمر عليه الصلاة والسلام بحبسها بالجعرانة، فلما رجع من الطائف وصل إلى الجعرانة في خامس ذي القعدة، وإنا أخر القسمة رجاء أن تسلم هوازن وكانوا ستة آلاف نفس من النساء والأطفال، وكانت الإبل أربعة وعشرين ألفًا والغنم أربعين ألفًا شاة (فأعطى الطلقاء) الذين منّ رسول الله عليهم عليه السلام بإعتاقهم لما بقي فيهم من الطمع البشري في محبة المال فأعطاهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته لأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها (والمهاجرين ولم يعط الأنصار شيئًا) منه قيل لأنهم كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فردّ الله أمر الغنيمة لنبيه صلى الله عليه وسلم (فقالوا): أي الأنصار ولم يذكر مقلوهم اختصارًا أي تكلموا في منع العطاء عنهم وفي رواية الزهري عن أنس السابقة
فقالوا: يغفر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم (فدعاهم) صلى الله عليه وسلم (فأدخلهم في قبة فقال: أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون) إلى المدينة (برسول الله صلى الله عليه وسلم) فقالوا: رضينا يا رسول الله (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار شعبًا لاخترت شعب الأنصار) لحسن جوارهم ووفائهم بالعهد.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الزكاة.
4334 -
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: «إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى بُيُوتِكُمْ» ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ:«لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ -أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ» .
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) سقط ابن مالك لأبي ذر (رضي الله عنه) أنه (قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم ناسًا من الأنصار) لما قسم غنائم حنين على قريش ولم يقسم للأنصار شيئًا منها وقالوا ما قالوا. (فقال) لهم:
(إن قريشًا حديث عهد بجاهلية) بإفراد حديث والمعروف حديثو بالواو (ومصيبة) من نحو قتل أقاربهم وفتح بلادهم (وإني أردت أن أجبرهم) بفتح الهمزة وسكون الجيم وضم الموحدة من الجبر ضد الكسر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن أجيزهم بضم الهمزة وكسر الجيم بعدها تحتية فزاي من الجائزة (وأتألفهم) للإسلام (أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم) سقطت التصلية لأبي ذر (قالوا: بلى) رضينا (قال) عليه الصلاة والسلام: (لو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار شعبًا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار) بالشك من الراوي.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في المناقب والنسائي في الزكاة.
4335 -
حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قِسْمَةَ حُنَيْنٍ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مَا أَرَادَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ؟ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» .
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه أنه (قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة) غنيمة (حنين) فآثر ناسًا في القسمة (قال رجل من الأنصار): قال الواقدي: هو
معتب بن قشير المنافق (ما أراد بها) أي بهذه القسمة (وجه الله) قال ابن مسعود (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته) بقوله (فتغير وجهه) المقدس من الغضب (ثم قال):
(رحمة الله على موسى) الكليم (لقد أوذي بأكثر من
هذا) الذي أوذيت به (فصبر) وذلك أن موسى صلوات الله عليه وسلامه كان حينًا ستيرًا لا يرى من جلده شيء استحياء فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة فبرأه الله مما قالوا كما في الحديث السابق في أحاديث الأنبياء.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الزكاة.
4336 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَاسًا أَعْطَى الأَقْرَعَ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى نَاسًا فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ وَجْهُ اللَّهِ. فَقُلْتُ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» .
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه) أنه (قال: لما كان يوم حنين آثر) بالمد أي خص (النبي صلى الله عليه وسلم ناسًا) بالزيادة في القسمة (أعطى الأقرع) بن حابس المجاشعي أحد المؤلّفة قلوبهم (مائة من الإبل وأعطى عيينة) بن حصن الفزاري (مثل ذلك وأعطى ناسًا) آخرين من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة على غيرهم (فقال رجل): هو معتب (ما أريد) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بهذه القسمة وجه الله) قال ابن مسعود (فقلت: لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم) بقوله فأتيته فأخبرته (قال):
(رحم الله موسى) عليه الصلاة والسلام (قد أوذي بأكثر من هذا فصبر) لم ينقل أنه عاقبه على ذلك فيحتمل أنه لم يثبت عليه ذلك وإنما نقله عنه واحد وشهادة واحد لا يراق بها الدم أو أنه لم يفهم منه الطعن في النبوة وإنما نسبه لترك العدل في القسمة.
وهذا الحديث سبق في الخُمس.
4337 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُمْ بِنَعَمِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَمَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةُ آلَافٍ وَمِنَ الطُّلَقَاءِ فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا الْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ» قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ:«يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ» . قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ وَهْوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ فَنَزَلَ فَقَالَ: «أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» فَانْهَزَمَ
الْمُشْرِكُونَ فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةٌ فَنَحْنُ نُدْعَى وَيُعْطَى الْغَنِيمَةَ غَيْرُنَا فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ» ؟ فَسَكَتُوا فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ» ؟ قَالُوا: بَلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ» فَقَالَ هِشَامٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْهُ؟.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار قال: (حدّثنا معاذ بن معاذ) التميمي قاضي البصرة قال: (حدّثنا ابن عون) عبد الله (عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك) وسقط ابن مالك لأبي ذر (عن) جده (أنس بن مالك رضي الله عنه) أنه (قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان) بالغين المعجمة المفتوحة (وغيرهم بنعمهم وذراريهم) بالذال المعجمة وتشديد التحتية وكانت عادتهم إذا أرادوا التثبت في القتال استصحاب الأهالي ونقلهم معهم إلى موضع القتال (ومع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف من الطلقاء) وسقطت الواو لأبي ذر ولأبي ذر عن الكشميهني والطلقاء بحرف العطف وإسقاط حرف الجر وهي الصواب لأن الطلقاء لم يبلغوا ذلك ولا عُشر عشره. وقال الحافظ ابن حجر كالكرماني والبرماوي، وقيل: إن الواو مقدرة عند من جوّز تقدير حرف العطف. قال العيني: وفيه نظر لا يخفى. (فأدبروا عنه حتى بقي وحده) أي متقدمًا مقبلاً على العدوّ وحده وبهذا التقدير يجمع بين قوله هنا حتى بقي وحده وبين قوله في الروايات الدالة على أنه بقي معه جماعة فالوحدة بالنسبة لمباشرة القتال والذين ثبتوا معه كانوا وراءه وأبو سفيان بن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك. (فنادى) عليه الصلاة والسلام (يومئذ نداءين) بكسر النون الأولى تثنية نداء بالمد (لم يخلط بينهما التفت عن يمينه فقال):
(يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول الله ابشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول الله ابشر نحن معك وهو) عليه الصلاة والسلام (على بغلة بيضاء) وفي رواية لمسلم من حديث العباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أي عباس ناد أصحاب الشجرة" وكان العباس صيّتًا قال: فناديت بأعلى صوتي أين أصحاب الشجرة؟ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا: يا لبيك يا لبيك. قال: فاقتتلوا والكفار فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال: هذا حين حمي الوطيس (فنزل) عن بغلته ثم قبض قبضة من تراب، ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود: ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته قدمًا فحادت به بغلته فقال عن السرج فقلت ارتفع رفعك الله. قال: "ناولني كفًا من تراب" فضربه في وجوههم فامتلأت أعينهم ترابًا وجاء المهاجرون والأنصار سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب، ويجمع بين الروايتين بأنه أولاً قال لصاحبه: ناولني فناوله فرماهم ثم نزل عن بغلته فأخذ بيده فرماهم أيضًا (فقال) عليه الصلاة والسلام: