الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سددتها ولكن الله سدها". ونحوه عند أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات عن زيد بن أرقم وابن عباس وزاد: فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره، رواه أحمد والنسائي ورجاله ثقات، ونحوه من حديث جابر بن سمرة عند الطبراني.
وبالجملة فهي كما قاله الحافظ ابن حجر أحاديث يقوّي بعضها بعضًا وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها، لكن ظاهرها يعارض حديث الباب والجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد عند الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي:"لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد غيري وغيرك". والمعنى أن باب عليّ كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره، فلذلك لم يأمر بسدّه، ومحصل الجمع أن الأمر بسدّ الأبواب وقع مرتين، ففي الأولى استثنى عليا لما ذكر، وفي الأخرى استثنى أبا بكر، ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة عليّ على الباب الحقيقي، وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي، والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه، وكأنهم لما أُمروا بسدّ الأبواب سدّوها، وقد صرح أبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار بأن باب بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى داخل المسجد وبيت علي لم يكن له باب إلا من داخل المسجد انتهى ملخصًا من فتح الباري.
4 - باب فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
-
(باب فضل أبي بكر بعد) فضل (النبي صلى الله عليه وسلم) والمراد بالبعدية هنا الزمانية أما البعدية في الرتبة فيقال فيها الأفضل بعد الأنبياء أبو بكر، وقد أطبق السلف على أنه أفضل الأمة. حكى الشافعي وغيره إجماع الصحابة والتابعين على ذلك.
3655 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنهم". [الحديث: 3655 - طرفه في: 3697].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر رضي الله عنهما) أنه (قال: كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي) ولأبي ذر: في زمان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بأن نقول فلان خير من فلان (فنخير) فنفضل (أبا بكر) على جميع البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (ثم) نفضل بعده (عمر بن الخطاب) بعد عمر (عثمان بن عفان رضي الله عنهم) وسقط لفظ ابن الخطاب وابن عفان ولأبي ذر: زاد في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع في مناقب عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم، وزاد الطبراني في رواية فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره ولا يلزم من سكوتهم إذ ذاك عن تفضيل عليّ عدم تفضيله.
وفي بعض طرق الحديث عند ابن عساكر عن عبد الله بن يسار عن سالم عن ابن عمر قال: إنكم لتعلمون أنا كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ يعني في الخلافة كذا في أصل الحديث، ففيه تقييد الخيرية المذكورة والأفضلية بما يتعلق بالخلافة، فقد أطبق السلف على خيريتهم عند الله على هذا الترتيب كخلافتهم، وذهب بعض السلف إلى تقديم علّي على عثمان، وممن قال به سفيان الثوري لكن قيل: إنه رجع، وقال مالك في المدونة، وتبعه يحيى بن القطان وغيره لا يفضل أحدهما على الآخر، وقالت الشيعة وكثير من المعتزلة الأفضل بعد النبي عليّ.
وهذا الحديث من أفراده ورجال إسناده مدنيون.
5 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً» قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ
(باب قول النبي صلى الله عليه وسلم): (لو كنت متخذًا خليلاً)(قاله أبو سعيد) الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الباب السابق.
3656 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي» .
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي مولاهم قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن عجلان البصري قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه (قال).
(لو كنت متخذًا من أمتي خليلاً) أرجع إليه في الحاجات وأعتمد عليه في المهمات (لاتخذت أبا بكر) وإنما الذي ألجأ إليه وأعتمد في جملة الأمور عليه هو الله تعالى، وسقط قوله: من أمتي لأبي ذر (ولكن) بتخفيف النون أبو بكر (أخي) في الإسلام (وصاحبي) في الغار والدار، وهو استدراك على مضمون الجملة الشرطية كأنه
قال: ليس بيني وبينه خلة ولكن أخوّة في الإسلام فنفى الخلة المنبئة عن الحاجة وأثبت الإخاء المقتضي للمساواة قاله البيضاوي.
3657 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أسدٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبوذكيُّ قَالَا حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لَاتَّخَذْتُهُ خَلِيلاً، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ أَفْضَلُ» .
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ
…
مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي البصري وسقط ابن أسد لغير أبي ذر (وموسى) من غير نسبة ولأبي ذر موسى بن إسماعيل التنوخي كذا في الفرع وأصله عن أبي ذر التنوخي بالخاء المعجمة. قال الحافظ ابن حجر: وهو تصحيف والصواب التبوذكي (قالا: حدّثنا وهيب) هو ابن خالد (عن أيوب) هو السختياني أي عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (وقال):
(لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذته) يعني أبا بكر (خليلاً ولكن أخوّة الإسلام أفضل) فزاد لفظ أفضل، وكذا عند الطبراني من طريق عبد الله بن تمام عن خالد الحذاء ولفظه:"ولكن أخوة الإيمان والإسلام أفضل" قاله في الفتح.
واستشكل بأن الخلة أفضل من أخوّة الإسلام فإنها تستلزم ذلك وزيادة. وأجيب: بأن المراد أن مودة الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من مودته مع غيره. قال: ولا يعكر على هذا اشتراك جميع الصحابة في هذه الفضيلة فإن رجحان أبي بكر عرف من غير ذلك وأخوّة الإسلام ومودته متفاوتة بين المسلمين في نصر الدين وإعلاء كلمة الحق وتحصيل كثرة الثواب، ولأبي بكر من ذلك أكثره وأعظمه.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب) الثقفي (عن أيوب) السختياني (مئله) أي مثل الحديث السابق.
3658 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَتَبَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْجَدِّ، فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلاً لَاتَّخَذْتُهُ، أَنْزَلَهُ أَبًا، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ» .
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (حماد بن زيد) بن درهم الجهضمي (عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن أبي مليكة) بضم الميم مصغرًا أنه (قال: كتب أهل الكوفة) أي بعضهم وهو عبد الله بن عتبة بن مسعود، وكان ابن الزبير
جعله على قضاء الكوفة كما أخرجه أحمد (إلى ابن الزبير) عبد الله (في) مسألة (الجد) وميراثه (فقال): ابن الزبير مجيبًا لابن عتبة (أما الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه.
(لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلاً لاتخذته) فإنه (أنزله أبًا) أي أنزل الجد منزلة الأب في استحقاقه الميراث، وفيه أنه أفتاهم بمثل قول أبي بكر. وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في باب ميراث الجد مع الأخوة من كتاب الفرائض (يعني) ابن الزبير بالذي أنزل الجد أبًا (أبا بكر) الصديق، والغرض منه هنا قوله: لو كنت متخذًا خليلاً، وقد أشعر هذا بأن درجة الخلة أرفع من درجة المحبة، وقد ثبتت محبته لجماعة من أصحابه كأبي بكر وفاطمة، ولا يعكر عليه اتصاف إبراهيم بالخلة ومحمد بالمحبة فتكون المحبة أرفع من رتبة الخلة إذ محمد عليه الصلاة والسلام قد ثبتت له الخلة أيضًا كما في حديث ابن مسعود عند مسلم: وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً.
وأما ما ذكره القاضي عياض في الشفاء من الاستدلال لتفضيل مقام المحبة على الخلة بأن الخليل قال: لا تخزين والحبيب قيل له: يوم لا يخزي الله النبي إلى غير ذلك مما ذكره ففيه نظر، لأن مقتضى الفرق بين الشيئين أن يكونا في حدّ ذاتهما يعني باعتبار مدلول خليل وحبيب فما ذكره يقتضي تفضيل ذات محمد صلى الله عليه وسلم على ذات إبراهيم عليه الصلاة والسلام من غير نظر إلى ما جعله علة معنوية في ذلك من وصف المحبة والخلة، فالحق أن الخلة أعلى وأكمل وأفضل من المحبة، ثمّ إن قوله عليه الصلاة والسلام:"لو كنت متخذًا خليلاً غير ربي" يشعر بأنه لم يكن له خليل من بني آدم.
وأما ما أخرجه أبو الحسن الحرب في فوائده من حديث أبيّ بن كعب قال: إن أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس دخلت عليه وهو يقول: "إنه لم يكن نبي إلاّ وقد اتخذ من أمته خليلاً وإن خليلي أبو بكر فإن الله عز وجل اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً". فهو معارض بحديث جندب عند مسلم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بخمس: "إني أبرأ إلى الله عز وجل أن يكون لي منكم خليل". والذي في الصحيح لا يقاومه غيره، وعلى تقدير ثبوت حديث أبيّ رضي الله عنه فيمكن الجمع بينهما بأنه إنما برئ من ذلك تواضعًا لربه وإعظامًا
له ثم أذن الله له فيه في ذلك اليوم لما رأى من تشوّقه إليه وإكرامًا لأن بكر رضي الله عنه بذلك وحينئذ فلا تنافي بين الخبرين. قاله في الفتح.
وهذا الحديث من أفراده، وفي بعض النسخ هنا وهو ثابت في اليونينية مرقوم عليه علامة السقوط لأبي ذر.
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة فهو كالفصل من سابقه.
3659 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ:
أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ -كَأَنَّهَا تَقُولُ الْمَوْتَ- قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ» . [الحديث 3659 - طرفاه في: 7220، 7360].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي (ومحمد بن عبد الله) بفتح العين غير مصغر في الفرع ابن حوشب الطائفي وقال العيني: ابن عبيد الله أي بضم العين مصغرًا وكذا هو في اليونينية والناصرية وفرع آقبغًا وهو عبيد الله بن محمد بن زيد القرشي الأموي يعني مولى عثمان بن عفان وهو سهو (قالا: حدّثنا إبراهيم بن سعد) ثبت ابن سعد لأبي ذر (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه) جبير أنه (قال: أتت امرأة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها (النبي) ولأبي ذر: إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) زاد في باب الاستخلاف من كتاب الأحكام فكلمته في شيء ولم يسم ذلك الشيء (فأمرها أن ترجع إليه قالت: أرأيت) أي يخبرني وفي الاعتصام فكلمته في شيء فأمرها بأمر فقالت: أرأيت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن جئت ولم أجدك) قال: جبير بن مطعم أو من بعده (كأنها تقول الموت) أي إن جئت فوجدتك قد مت ماذا أفعل؟ (قال صلى الله عليه وسلم): ولغير أبي ذر كما في اليونينية قال عليه الصلاة والسلام:
(إن لم تجديني فأتي أبا بكر) قال ابن بطال: استدلّ النبي صلى الله عليه وسلم بظاهر قولها إن لم أجدك أنها أرادت الموت فأمرها بإتيان أبي بكر. قال: وكأنه اقترن بسؤالها حاله أفهمت ذلك وإن لم تنطق به.
قال في الفتح: وإلى ذلك وقعت الإشارة بقوله: كأنها تقول الموت، وفي الأحكام كأنها تريد الموت، وفي الاعتصام كأنها تعني الموت، لكن قولها: فإن لم أجدك أعم في النفي من حال الحياة وحال الموت، ودلالته لها على أبي بكر مطابقة لذلك العموم، وفيه الإشارة إلى أن أبا بكر هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعارض هذا جزم عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف لأن مراده نفي النص على ذلك صريحًا.
وفي الطبراني حديث قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم-إلى من ندفع صدقات أموالنا بعدك؟ قال: "إلى أبي بكر الصديق" وهذا لو ثبت كان أصرح من حديث الباب في الإشارة إلى أن الخليفة بعده أبو بكر لكن إسناده ضعيف.
3660 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا مَعَهُ إِلَاّ خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ". [الحديث 3660 - طرفه في: 3857].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (أحمد بن أبي الطيب) سليمان المروزي البغدادي الأصل وصفه أبو زرعة بالحفظ وضعفه أبو حاتم، لكن ليس له في البخاري إلا هذا الحديث، وقد أخرجه من رواية غيره في إسلام أبي بكر قال:(حدّثنا إسماعيل بن مجالد) بضم الميم وفتح الجيم الهمداني
الكوفي قوّاه يحيى بن معين وجماعة ولينه بعضهم وليس له في البخاري غير هذا الحديث قال:
(حدّثنا بيان بن بشر) بالموحدة والتحتية المفتوحتين وبعد الألف نون وبشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة الأحمسي بالمهملتين (عن وبرة بن عبد الرحمن) بفتح الواو والموحدة والراء بوزن شجرة الحرثي (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن الحرث النخعي الكوفي أنه (قال: سمعت عمارًا) هو ابن ياسر رضي الله عنه (يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه) ممن أسلم معه (إلا خمسة أعبُد) بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية بن خلف وعبيد بن زيد الحبشي، وذكر بعضهم عمار بن ياسر بدل أبي فكيهة (وامرأتان) خديجة أم المؤمنين وأم أيمن أو سمية (وأبو بكر) الصديق وكان أول من أسلم من الأحرار البالغين رضي الله عنه.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في إسلام أبي بكر وفيه ثلاثة من التابعين.
3661 -
حَدَّثَنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِذِ اللَّهِ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَىْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ. فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ (ثَلَاثًا). ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ: أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لَا. فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ (مَرَّتَيْنِ). فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ (مَرَّتَيْنِ). فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا» . [الحديث 3661 - طرفه في: 4640].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (هشام بن عمار) أبو الوليد السلمي الدمشقي قال: (حدّثنا صدقة بن خالد) الأموي مولاهم أبو العباس الدمشقي قال: (حدّثنا زيد بن واقد) بكسر القاف الدمشقي الثقة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث (عن بسر بن عبيد الله) بضم
الموحدة وسكون السين وعبيد الله بضم العين مصغرًا الحضرمي الشامي (عن عايذ الله) بالذال المعجمة (أبى إدريس) بن عبد الله الخولاني بالخاء المعجمة المفتوحة (عن أبي الدرداء) عويمر بضم العين مصغرًا آخره راء ابن زيد بن قيس الأنصاري (رضي الله عنه) أنه (قال: كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر) حال كونه (آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى) بألف بعد الدال من غير همز أي أظهر (عن ركبته) بالإفراد وفيه أن الركبة ليست عورة (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) لما رآه:
(أما) بالتشديد (صاحبكم) يعني أبا بكر، ولأبي ذر عن الكشميهني: صاحبك بالإفراد يخاطب أبا الدرداء (فقد غامر) بغين معجمة مفتوحة وبعد الألف ميم مفتوحة أيضًا فراء أي خاصم
ولابس الخصومة وقسيم أما صاحبكم محذوف تقديره نحو قوله: وأما غيره فلا أعلمه (فسلم) رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم (وقال: يا رسول الله انه كان بيني وبين ابن الخطاب) عمر رضي الله عنه (شيء) في التفسير محاورة بالحاء المهملة أي مراجعة، وعند أبي يعلى من حديث أبي أمامة معاتبة (فأسرعت إليه ثم ندمت) على ذلك (فسألته أن يغفر لي) ما وقع مني (فأبى عليّ). وعند أبي نعيم في الحلية من طريق محمد بن المبارك فتبعته إلى البقيع حتى خرج من داره (فأقبلت إليك فقال) النبي صلى الله عليه وسلم:(يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا) أي أعاد هذه الكلمات يغفر الله لك ثلاث مرات.
(ثم إن عمر) رضي الله عنه (ندم) على ذلك (فأتى منزل أبي بكر) ليزيل ما وقع بينه وبين الصديق (فسأل) أهله (أثمّ أبو بكر) بفتح الهمزة والمثلثة أي هنا أبو بكر (فقالوا): مجيبين له (لا، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلّم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر) بالعين المهملة المشددة أي تذهب نضارته من الغضب، ولأبي ذر: يتمغر بالغين المعجمة (حتى أشفق) أي خاف (أبو بكر) أن ينال عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكرهه (فجثا) بالجيم والمثلثة أي برك أبو بكر (على ركبتيه) بالتثنية (فقال: يا رسول الله والله أنا كنت أظلم) منه في ذلك (مرتين). قال الكرماني: ظرف لقال أو لكنت وإنما قال ذلك لأنه الذي بدأ.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم، فقلتم كذبت وقال أبو بكر: صدق) بغير تاء في الفرع كأصله وفي نسخة صدقت (وواساني) ولأبي ذر عن الكشميهني واساني، وفي نسخة آساني بهمزة بدل الواو والأول أوجه لأنه من المواساة (بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي) بإضافة تاركو إلى صاحبي، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور عناية بتقديم لفظ الإضافة، وفي ذلك جمع بين إضافتين إلى نفسه تعظيمًا للصديق، ونظيره قراءة ابن عامر:{وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم} [الأنعام: 137]. بنصب أولادهم وخفض شركائهم وفصل بين المضافين بالمفعول.
ومباحث ذلك ذكرتها في كتاب القراءات الأربع عشرة، وفي التفسير هل أنتم تاركون؟ بالنون. قال أبو البقاء: وهي الوجه لأن الكلمة ليست مضافة لأن حرف الجر منع الإضافة وربما يجوز حذف النون في موضع الإضافة ولا إضافة هنا. قال والأشبه أن حذفها من غلط الرواة انتهى.
ولا ينبغي نسبة الرواة إلى الخطأ مع ما ذكر وورود أمثلة لذلك (مرتين) أي قال: هل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين. (فما أوذي) أبو بكر (بعدها) أي بعد هذه القصة لما أظهره النبي صلى الله عليه وسلم من تعظيمه.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وهو من أفراده.
3662 -
حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ قَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: «حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. فَقُلْتُ مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أَبُوهَا. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالاً» . [الحديث 3662 - طرفه في: 4358].
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن المختار) الأنصاري الدباغ (قال خالد الحذاء) بالحاء المهملة والذال المعجمة ممدودًا (حدّثنا) هو من تقديم الاسم على الصفة (عن أبي عثمان) النهدي أنه (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل) بفتح السين المهملة الأولى وكسر الثانية سنة سبع قال عمرو: (فأتيته
فقلت) وقع عند ابن سعد أنه وقع في نفس عمرو لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجيش في هذه الغزوة، وفيهم أبو بكر وعمر أنه مقدم عنده في المنزلة عليهم فسأله فقال: يا رسول الله (أي الناس أحب إليك؟ قال): عليه الصلاة والسلام:
(عائشة). قال عمرو: (فقلت من الرجال؟ فقال): عليه الصلاة والسلام (أبوها) أبو بكر (فقلت: ثم من؟) أحب إليك بعده (قال): عليه الصلاة والسلام (ثم عمر بن الخطاب فعدّ رجالاً) زاد في المغازي من وجه آخر فسكتّ مخافة أن يجعلني في آخرهم.
وفي حديث عبد الله بن شقيق عند الترمذي وصححه من حديث عائشة قلت لعائشة: أيّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحبّ إليه؟ قالت: أبو بكر، وفي آخره قالت: أبو عبيدة عامر بن الجراح. قال في الفتح: فيمكن أن يفسر بعض الرجال الذين أبهموا في حديث الباب بأبي عبيدة.
وحديث الباب أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الفضائل، والترمذي والنسائي في المناقب.
3663 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوف أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي؟ وَبَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَلَكِنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ. فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. رضي الله عنهما» .
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف) ثبت اسم الجد لأبي ذر (أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول):
(بينما) بالميم (راع) لم يسم (في غنمه عدا عليه الذئب) بالعين والدال المهملتين خبر المبتدأ الذي هو راع الموصوف بقوله في غنمه (فأخذ منها شاة فطلبه الراعي) ليأخذها منه (فالتفت إليه الذئب فقال): له (من لها) أي للغنم (يوم السبع) بضم الموحدة وقيل بسكونها (يوم ليس لها) عند الفتن حين يتركها الناس هملاً (راع) يرعاها (غيري) وقيل غير ذلك مما سبق في حديث بني إسرائيل (وبينا) بغير ميم ولأبي ذر: وبينما بالميم (رجل) لم يسم (يسوق بقرة قد حمل عليها) بتخفيف الميم وفي بني إسرائيل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها (فالتفتت إليه فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا) التحميل (ولكني) سقطت الواو لأبوي ذر والوقت (خلقت للحرث) وفي بني إسرائيل فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث والحصر في ذلك غير مراد اتفاقًا (قال): ولأبي ذر: فقال (الناس): متعجبين (سبحان الله) زاد في بني إسرائيل بقرة تتكلم (فقال): كذا في الفرع وفي اليونينية قال (النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أؤمن بذلك) النطق الصادر من البقرة والفاء فيه جوابًا لشرط محذوف تقديره فإذا كان الناس يتعجبون منه ويستغربونه فإني لا أتعجب منه ولا أستغربه وأؤمن به أنا (وأبو بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما) وسقط ابن الخطاب لأبي ذر، وزاد في بني إسرائيل وما هما ثم وعند ابن حبان من طريق محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة في آخره في القصتين فقال الناس: آمنا بما آمن به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وسبق حديث الباب في المزارعة وبني إسرائيل.
3664 -
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ. ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» . [الحديث 3664 - أطرافه في: 7021، 7022، 7475].
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة العابد قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن المسيب) سعيد أنه (سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال): ولأبي ذر: يقول (سمعت رسول الله) كذا في الفرع وفي اليونينية النبي (صلى الله عليه وسلم يقول):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني على قليب) بئر مقلوب ترابها قبل الطي (عليها دلو فنزعت منها) من البئر (ما شاء الله ثم أخذها) أي الدلو (ابن أبي قحافة) أبو بكر الصديق رضي الله عنهما (فنزع منها) أي أخرج الماء من القليب (ذنوبًا أو ذنوبين) بفتح المعجمة فيهما الدلو الممتلئ والشك
من الراوي (وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه) وليس فيه حط من مرتبته، وإنما هو إخبار عن حاله في قصر مدة خلافته والاضطراب الذي وجد في زمانه من أهل الردة فزارة وغطفان وبني سلمة وبني يربوع وبعض بني تميم وكندة وبكر بن وائل وأتباع مسيلمة الكذاب وإنكار بعض الزكاة فدعا له عليه الصلاة والسلام
بالمغفرة ليتحقق السامعون أن الضعف الذي وجد في نزعه من مقتض تغيير الزمان وقلة الأعوان لا أن ذلك منه رضي الله عنه لكن نسبه إليه إطلاقًا لاسم المحل على الحال وهو مجاز شائع في كلام العرب (ثم استحالت) أي تحولت الدلو (غربًا) بفتح الغين المعجمة وبعد الراء الساكنة موحدة دلوا عظيمة (فأخدها ابن الخطاب) عمر رضي الله عنه (فلم أر عبقريًا) أي سيدًا عظيمًا قويًا يقال هذا عبقري القوم كما يقال سيدهم وكبيرهم وقويهم، وقيل الأصل أن عبقر قرية يسكنها الجن فيما يزعمون فكلما رأوا شيئًا فائقًا غريبًا مما يصعب عمله ويدق أو شيئًا عظيمًا في نفسه نسبوه إليها ثم اتسع فيه فسمي به السيد الكبير والقوي وهو المراد هنا (من الناس ينزع نزع عمر) وفي رواية أبي يونس فلم أر نزع رجل قط أقوى منه (حتى ضرب الناس بعطن) بفتح المهملتين آخره نون ما يعد للشرب حول البئر من مبارك الإبل، وعند ابن أبي شيبة في مناقب عمر: حتى روي الناس وضربوا بعطن، وفي رواية همام فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر وفيه إشارة إلى طول مدة خلافة عمر وكثرة انتفاع الناس بها.
وهذا الحديث قد سبق ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب التعبير.
3665 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي، إِلَاّ أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ» قَالَ مُوسَى: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ أَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ: «مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ» ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ ذَكَرَ إِلَاّ «ثَوْبَهُ» . [الحديث 3665 - أطرافه في: 5783، 5791، 6062].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما أنه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):
(من جرّ ثوبه خيلاء) أي لأجل الخيلاء أي كبرًا (لم ينظر الله إليه) نظر رحمة (يوم القيامة. فقال أبو بكر: إن أحد شقي) بكسر المعجمة أي جانبي (ثوبي يسترخي) بالخاء المعجمة وكان سبب استرخائه نحافة جسم أبي بكر رضي الله عنه (إلا أن أتعاهد ذلك منه) أي إذا غفلت عنه استرخى (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لست تصنع ذلك خيلاء) فيه أنه لا حرج على من انجرّ إزاره بغير قصد مطلقًا وهل كراهة ذلك للتحريم أو للتنزيه فيه خلاف.
(قال موسى) بن عقبة بالسند السابق (فقلت لسالم) هو ابن عبد الله بن عمر (أذكر) فعل ماض والهمزة للاستفهام (عبد الله) أي أبوه (من جرّ إزاره؟ قال): سالم (لم أسمعه ذكر إلاّ ثوبه).
ومباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في اللباس بعون الله وقوته.
3666 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَىْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ -يَعْنِي الْجَنَّةَ- يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ وَبَابِ الرَّيَّانِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى هَذَا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ. وَقَالَ: هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ» .
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول):
(من أنفق زوجين) أي شيئين (من شيء من الأشياء) وفسر في بعض الأحاديث ببعيرين شاتين درهمين. قال التوربشتي: ويحتمل أن يراد به تكرار الإنفاق مرة بعد أخرى. قال الطيبي: وهذا هو الوجه إذا حملت التثنية على التكرير لأن القصد من الإنفاق التثبيت من الأنفس بإنفاق كرائم الأموال والمواظبة على ذلك كما قال تعالى: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من أنفسهم} [البقرة: 265]. أي ليثبتوا ببذل المال الذي هو شقيق الروح وبذله أشق شيء على النفس من سائر العبادات الشاقة (في سبيل الله) في طلب ثوابه وهو أعم من الجهاد وغيره من العبادات أو خاص بالجهاد (دعي من أبواب) بغير تنوين (يعني الجنة) والظاهر أن لفظ الجنة سقط عند بعض الرواة فلمراعاة المحافظة زاد يعني (يا عبد الله هذا خير) أي من الخيرات وليس المراد به أفعل التفضيل (فمن كان من أهل الصلاة) المؤدين لفرائضها المكثرين من نوافلها (دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة) المكثرين منها (دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام) المكثرين منه (دعي من باب الصيام وباب الريان) وسقطت الواو من بعض النسخ فيكون باب بدلاً أو بيانًا (فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؟) قال المظهري: ما نفي
ومن في من ضرورة زائدة أي ليس ضرورة على من دعي من تلك الأبواب إذ لو دعي من باب واحد لحصل مراده وهو دخول الجنة مع أنه لا ضرورة عليه أن يدعى من جميع الأبواب.
(وقال): أبو بكر الصديق رضي الله عنه (هل يدعي منها كلها أحد يا رسول الله؟
قال): صلى الله عليه وسلم، ولأبي ذر: فقال (نعم) يدعى منها كلها على سبيل التخيير في الدخول من أيها شاء لاستحالة الدخول من الكل معًا (وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر).
والحاصل أن كل من أكثر نوعًا من العبادة خصّ بباب يناسبه ينادى منه فمن اجتمع له العمل بجميعها دعي من جميع الأبواب على سبيل التكريم ودخوله إنما يكون من باب واحد وهو باب العمل الذي يكون أغلب عليه، وأن الصديق من أهل الأعمال كلها إذ الرجاء منه صلى الله عليه وسلم واجب وفيه أقوى دليل على فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. والحديث سبق في الصوم.
3667 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ -قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ- فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَاّ ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلَهُ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ، عَلَى رِسْلِكَ. فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ".
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثنا سليمان بن بلال) أبو أيوب القرشي التيمي (عن هشام بن عروة عن) أبيه (عروة بن الزبير) ولأبي ذر: قال (أخبرني) بالإفراد عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر) غائب عند زوجته بنت خارجة الأنصاري (بالسنح) بالسين المهملة المضمومة والنون الساكنة بعدها حاء مهملة (قال إسماعيل) بن عبد الله الأويسي المذكور (يعني) ولأبي ذر تعني بالفوقية بدل التحتية أي عائشة بالسنح (بالعالية) وهي منازل بني الحرث (فقام عمر) بن الخطاب حال كونه (يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعند أحمد أن عائشة قالت: جاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما وجذبت الحجاب فنظر عمر إليه فقال: واغشياه ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر مات. قال: كذبت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين.
الحديث، وهذا قاله عمر بناء على غلبة ظنه حيث أداه اجتهاده إليه، وفي سيرة ابن إسحاق من طريق ابن عباس أن عمر رضي الله عنه قال له: إن الحامل على هذه المقالة قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا} [البقرة: 143].
فظن أنه صلى الله عليه وسلم يبقى في أمته حتى يشهد عليها.
(قالت): عائشة (وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك) أي عدم موته (وليبعثنه الله) عز وجل في الدنيا (فليقطعن) بفتح اللام والتحتية وسكون القاف وفتح الطاء، ولأبي ذر:
فليقطعن بضم التحتية وفتح القاف وكسر الطاء مشددة (أيدي رجال وأرجلهم) قائلين بموته عليه الصلاة والسلام (فجاء أبو بكر) رضي الله عنه من السنح (فكشف عن) وجه (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبّله) بين عينيه (فقال): وفي اليونيية والفرع قال: وكشط ما قبلها (بأبي أنت وأمي) أي مفدى بهما فالباء متعلقة بمحذوف (طبت حيًّا وميّتًا و) الله (الذي نفسي بيده لا يذيقك الله) برفع يذيق (الموتتين) في الدنيا (أبدًا) ومراده الرد على عمر حيث قال: إن الله بعثه حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم لأنه لو صح ما قاله لزم أن يموت موتة أخرى فأشار إلى أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره الذي مرّ على قرية أو أنه يحيا في قبره ثم لا يموت (ثم خرج) أبو بكر من عند النبي صلى الله عليه وسلم وعمر يكلم الناس (فقال): له (أيها الحالف) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات (على رسلك) بكسر الراء اتئد في الحلف ولا تستعجل (فلما تكلم أبو بكر جلس عمر) وفي الجنائز خرج أبو بكر وعمر يكلم الناس فقال: اجلس فأبى.
3668 -
"فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَىٌّ لَا يَمُوتُ وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]. وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ. قَالَ: وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ، فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَاّ أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ. ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلَامِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا، وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ. فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ قَتَلَهُ اللَّهُ".
(فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا) بالتخفيف للتنبيه على ما يأتي بعد (من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات) وسقطت التصلية لأبي ذر (ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: {إنك ميت وإنهم لميتون})[الزمر: 30]. فإن الكل بصدد الموت في عداد الموتى (وقال: {وما محمد إلاّ رسول قد خلت
من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا}) بارتداده ({وسيجزي الله الشاكرين})[آل عمران: 144]. (قال: فنشج الناس) بنون فشين معجمة فجيم مفتوحات (يبكون) قال
الجوهري: نشج الباكي إذا غصّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب أو هو بكاء معه صوت.
(قال: واجتمع الأنصار إلى سعد بن عبادة) الأنصاري الساعدي وكان نقيب بني ساعدة لأجل الخلافة (في سقيفة بني ساعده) موضع مسقف كالساباط يجتمع إليه الأنصار (فقالوا): أي الأنصار للمهاجرين (منّا أمير ومنكم أمير) قالوا ذلك على عادة العرب الجارية بينهم أن لا يسود القبيلة إلا رجل منهم (فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة) عامر (بن الجراح) رضي الله عنهم (فذهب عمر يتكلم فأسكته) بالفوقية (أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلامًا قد أعجبني خشيت) أي خفت (أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر فتكلم) حال كونه (أبلغ الناس). ويجوز رفع أبلغ خبر مبتدأ محذوف أي فتكلم أبو بكر وهو أبلغ الناس.
وفي باب رجم الحبلى من الزنا من حديث ابن عباس عن عمر أنه قال: قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم. الحديث إلى أن قال: فلما جلسنا خطب خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد؛ فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر فلما سكت قال عمر: أردت أن أتكلم وكنت زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحديث، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلاّ قال في بديهته مثلها أو أفضل منها.
(فقال في) جملة (كلامه: نحن) أي قريش (الأمراء وأنتم الوزراء) المستشارون في الأمور والخلافة لا تكون إلا في قريش (فقال حباب بن المنذر): بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة الأولى مخففة والمنذر بلفظ الفاعل من الإنذار الأنصاري (لا والله لا نفعل) ذلك (منا أمير ومنكم أمير) وزاد ابن سعد من رواية يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد: فإنا والله ما ننفس عليكم هذا الأمر ولكنا نخاف أن يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوانهم (فقال أبو بكر: لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء. هم) أي قريش (أوسط العرب دارًا) مكة أي هم أشرف قبيلة (وأعربهم أحسابًا) بالموحدة في أعربهم وأحسابًا بفتح الهمزة بالموحدة جمع حسب أي شبه شمائل وأفعالاً بالعرب والحسب الفعال الحسان مأخوذ من الحساب إذا عدّوا مناقبهم فمن كان أكثر كان أعظم حسنًا، ويقال النسب للآباء والحسب للأفعال (فبايعوا) بكسر التحتية بلفظ الأمر (عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح) ثبت ابن الجراح لأبي ذر (فقال عمر): رضي الله عنه (بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخبرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عمر بيده) أي بيد أبي بكر (فبايعه وبايعه الناس)
المهاجرون وكذا الأنصار حين قامت عليهم الحجة بثبوت قوله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة في قريش عندهم"
(فقال قائل): من الأنصار (قتلتم سعد بن عبادة) أي كدتم تقتلونه أو هو كناية عن الإعراض والخذلان (فقال عمر: قتله الله) دعاء عليه لعدم نصرته للحق وتخلفه فيما قيل عن بيعة أبي بكر وامتناعه منها، وتوجه إلى الشام فمات بها في ولاية عمر بحوران سنة أربع عشرة أو خمس عشرة، وقيل إنه وجد ميتًا في مغتسله وقد اخضرّ جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلاً يقول ولا يرون شخصه:
قد قتلنا سيد الخز
…
رج سعد بن عباده
فرميناه بسهميـ
…
ـن فلم يخط فؤاده
والعذر له في تخلفه عن بيعة الصديق أنه تأول أن للأنصار استحقاقًا في الخلافة فهو معذور وإن كان ما أعتقده من ذلك خطأ.
وهذا الحديث من أفراد المؤلّف.
3669 -
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «شَخَصَ بَصَرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى (ثَلَاثًا) وَقَصَّ الْحَدِيثَ. قَالَتْ: فَمَا كَانَ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلَاّ نَفَعَ اللَّهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ» .
3670 -
(وقال عبد الله بن سالم): أبو يوسف الأشعري الحمصي مما وصله الطبراني في مسند الشاميين (عن الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة وإسكان التحتية محمد بن الوليد أنه قال: (قال عبد الرحمن بن القاسم: أخبرني) بالإفراد أبي (القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (أن عائشة رضي الله عنها قالت: شخص) بفتح الشين والخاء المعجمتين والصاد المهملة أي ارتفع (بصر النبي صلى الله عليه وسلم) عند وفاته حين خير (ثم قال):
(في الرفيق) أيّ أدخلني في الرفيق أي في الملأ (الأعلى) قالها (ثلاثًا. وقص) القاسم بن محمد (الحديث) فيما يتعلق بالوفاة وقول عمر أنه لم يمت وقول الصديق أنه مات وتلاوة الآيتين.
(قالت عائشة: فما كانت من خطبتهما) أي العمرين (من خطبة إلا نفع الله بها) قال في الكواكب: وكلمة من الأولى تبعيضية أو بيانية والثانية زادة، ثم بينت عائشة وجه نفع الخطبتين فقالت:(لقد خوف عمر الناس) بقوله: ليقطعن أيدي رجال (وأن فيهم لنفاقًا) أي: وأن بعضهم منافق وهم الذين عرض بهم عمر رضي الله عنه (فردهم الله بذلك) إلى الحق (ثم لقد بصر أبو بكر الناس
الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم) ثبت الذي لأبي ذر عن الكشميهني (وخرجوا به) أي بسبب قوله وتلاوته ما ذكر (يتلون {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}) إلى ({الشاكرين})[آل عمران: 144].
3671 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: "قُلْتُ لأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَاّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا جامع بن أبي راشد) الصيرفي الكوفي قال: (حدّثنا أبو يعلى) منذر بن يعلى الكوفي الثوري (عن محمد ابن الحنفية) واسمها خولة بنت جعفر أنه (قال: قلت لأبي) علي بن أبي طالب رضي الله عنه (أي الناس خير بعد رسول الله) ولأبي ذر بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية محمد بن منده عن منذر عن محمد ابن الحنفية عند الدارقطني قال: أو ما تعلم يا بني؟ قلت: لا (قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر) سقط لأبي ذر لفظ "ثم"(وخشيت أن يقول عثمان) خير بعد عمر تواضعًا منه وهضمًا لنفسه فيضطرب عليه الحال لأنه كان يعتقد أن أباه عليًّا أفضل (قلت: ثم أنت) أفضل بعد عمر (قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين). وعند ابن عساكر في ترجمة عثمان من طريق ضعيفة في هذا الحديث أن عليًّا قال: إن الثالث عثمان، وقد سبق بيان الاختلاف في أيهما أفضل بعد العمرين وقد وقع الإجماع بآخره بين أهل السُّنّة أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة رضي الله عنهم.
3672 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ -أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ- انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالُوا: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالنَّاسِ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَاّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ {فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني (عن مالك) الإمام (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر (عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره) سنة ست في غزوة بني المصطلق (حتى إذا كنا بالبيداء) بفتح الموحدة ممدودًا موضع قريب من المدينة (أو بذات الجيش) بفتح الجيم وسكون التحتية بعدها معجمة موضع آخر قريب منها والشك من عائشة (انقطع عقد لي) بكسر العين وسكون القاف (فأقام الرسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه) أي طلبه (وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس أبا بكر فقالوا) له: (ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت) ولأبي ذر عن الكشميهني قامت (برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه) بإثبات حرف الجر في بالناس في فرع اليونينية كأصله مصححًا عليه (وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخدي) بالذال المعجمة (قد نام فقال) لي: (حبست رسول الله والناس) نصب عطفًا على سابقه (وليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت فعاتبني) أبو بكر (وقال ما شاء الله أن يقول) فقال: حبست الناس في قلادة وفي كل مرة تكونين عناء (وجعل يطعنني) بضم العين (بيده في خاصرتي) ثبت قوله بيده في اليونينية وغيرها وسقط
في الفرع (فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخدي فنام) بالنون من النوم (رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح) دخل في الصباح، وفي التيمم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقاف من القيام حين أصبح (على غير ماء فأنزل الله) عز وجل (آية التيمم) التي في المائدة (فتيمموا) أي الناس لآية التيمم المقتضية للأمر بذلك (فقال أسيد بن الحضير): بالحاء المهملة والضاد المعجمة مصغرين الأوسي (ما هي) أي البركة التي حصلت للناس برخصة التيمم (بأول بركتكم يا آل أبي بكر) بل هي مسبوقة ببركات (فقالت عائشة: فبعثنا) أي أثرنا (البعير الذي كنت) راكبة (عليه) حالة السير (فوجدنا العقد تحته) أي تحت البعير.
وهذا الحديث قد مرّ في التيمم.
3673 -
حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» . تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَاضِرٌ عَنِ الأَعْمَشِ.
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) أبو الحسن العسقلاني الخراساني الأصل قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي أنه قال: (سمعت ذكوان) أبا صالح الزيات (يحدث عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه أنه (قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم):
(لا تسبوا أصحابي) شامل لمن لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأوّلون فسبهم حرام من عرمات الفواحش، ومذهب الجمهور أن من سبهم يعزر ولا يقتل، وقال بعض المالكية: يقتل. ونقل عياض في الشفاء عن مالك بن أنس وغيره أن من أبغض
الصحابة وسبهم فليس له في فيء المسلمين حق، ونوزع بآية الحشر {والذين جاؤوا من بعدهم} [الحشر: 10] الآية. وقال من غاظ أصحاب محمد فهو كافر. قال الله تعالى: {ليغيظ بهم الكفار} [الفتح: 27]. وروي حديث: "من يسب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً". وقال المولى سعد الدين التفتازاني: إن سبهم والطعن فيهم إن كان مما يخالف الأدلة القطعية فكفر كقذف عائشة رضي الله عنها وإلاّ فبدعة وفسق، وقد قال صلى الله عليه وسلم "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه".
(فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبًا) زاد البرقاني في المصافحة عن طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش كل يوم (ما بلغ) من الفضيلة والثواب (مدّ أحدهم) من الطعام الذي أنفقه (ولا نصيفه) بفتح النون وكسر الصاد المهملة بوزن رغيف النصف وفيه أربع لغات نصف بكسر النون وضمها وفتحها ونصيف بزيادة تحتية أي نصف المدّ وذلك لما يقارنه من مزيد الإخلاص وصدق النية وكمال النفس.
وقال الطيبي: ويمكن أن يقال فضيلتهم بحسب فضيلة إنفاقهم وعظم موقعها كما قال تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح} [الحديد: 10] أي قبل فتح مكة وهذا في الإنفاق فكيف بمجاهدتهم وبذلهم أرواحهم ومهجهم وقد أورد في الكواكب سؤالاً فقال: فإن قلت: لمن الخطاب في قوله: "لا تسبوا أصحابي" والصحابة هم الحاضرون؟ وأجاب: بأنه لغيرهم من المسلمين المفروضين في العقل جعل من سيوجد كالموجود ووجودهم المترقب كالحاضر، وتعقبه في الفتح بوقوع التصريح في نفس الحديث كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد حيث كان بينه وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبّه خالد وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك باتفاق، وقرر أن قوله: فلو أنفق أحدكم الخ فيه إشعار بأن المراد بقوله أولاً أصحابي أصحاب مخصوصون، وإلاّ فالخطاب كان أولاً للصحابة وقال: لو أن أحدكم أنفق فنهى بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجر من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب أولى، وتعقبه في العمدة بأن الحديث الذي فيه قصة خالد لا يدل على أنه المخاطب بذلك فإن الخطاب لجماعة، ولئن سلمنا أنه المخاطب فلا نسلم إنه كان إذ ذاك صحابيًّا بالاتفاق إذ يحتاج إلى دليل ولا يظهر ذلك إلاّ بالتاريخ اهـ.
وليس في النسخة التي عندي من الانتقاض جواب عن ذلك.
(تابعه) أي تابع شعبة بن الحجاج المذكور (جرير) هو ابن عبد الحميد فيما وصله مسلم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد بلفظ: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبّه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي" وهذا ظاهر في أن المخاطب خالد كما قال الحافظ. أما كونه إذ ذاك مسلمًا فينظر. (و) تابع شعبة أيضًا (عبد الله بن داود) بن
عامر بن الربيع الخريبي بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها موحدة مكسورة فيما وصله أحمد في مسنده عنه بغير ذكر القصة. (و) تابعه أيضًا (أبو معاوية) محمد بن خازم بمعجمتين الضرير مما وصله أحمد في مسنده (و) تابعه أيضًا (محاضر) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعد الألف ضاد معجمة فراء ابن المورع بضم الميم وفتح الواو وتشديد الراء المكسورة بعدها عين مهملة الكوفي مما وصله أبو الفتح الحداد في فوائده فذكر ثمل رواية جرير السابقة، لكن قال: بين خالد بن الوليد وبين أبي بكر الصديق بدل عبد الرحمن بن عوف. قال الحافظ ابن حجر: وقول جرير أصح، وكل من الأربعة روى ذلك (عن الأعمش) سليمان بن مهران.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الفضائل، وأبو داود في السنة، والترمذي والنسائي في المناقب، وابن ماجه في السنة.
3674 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الْحَسَنِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: "أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَقُلْتُ: لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: فَجَاءَ الْمَسْجِدَ فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: خَرَجَ وَوَجَّهَ هَا هُنَا، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ -وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ- حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَتَهُ فَتَوَضَّأَ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلَاّهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ فَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَوْمَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ. فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ فِي الْقُفِّ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ. ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِي، فَقُلْتُ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا -يُرِيدُ أَخَاهُ- يَأْتِ بِهِ. فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ. فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ. فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقُفِّ عَنْ يَسَارِهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ. ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلْ، وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ. فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ، فَجَلَسَ
وُجَاهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ. قَالَ: شَرِيكٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ". [الحديث 3674 - أطرافه في: 3693، 3695، 6216، 7097، 7262].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مسكين) أي ابن نميلة بالنون مصغرًا اليماني نزيل بغداد (أبو الحسن) قال: (حدّثنا يحيى بن حسان) التنيسي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال القرشي التيمي مولى القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وكان بربريًا (عن شريك بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم نسبه لجده واسم أبيه عبد الله (عن سعيد بن المسيب) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) رضي الله عنه (أنه توضأ في بيته ثم خرج) منه قال أبو موسى (فقلت: لألزمن) بفتح اللام الأولى آخره نون توكيد ثقيلة (رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن) بفتح اللام والنون الثقيلة أيضًا (معه يومي هذا. قال: فجاء) أبو موسى (المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا) له: (خرج، ووجه) بفتح الواو والجيم المشددة بصيغة الماضي أي توجه أي وجه نفسه (ههنا) وسقط لأبي ذر الواو الأولى مع تشديد الجيم، ولأبي ذر عن الكشميهني: وجه بسكون الجيم مضافًا إلى الظرف وهو هاهنا أي جهة كذا. قال أبو موسى: (فخرجت) من المسجد (على أثره) بكسر الهمزة وسكون المثلثة ولأبي ذر أثره بفتح الهمزة والمثلثة (أسأل عنه) عليه الصلاة والسلام (حتى) وجدته (دخل بئر أريس) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون التحتية بعدها سين مهملة مصروف في الفرع وأصله ونص عليه ابن مالك بستان بالقرب من قباء قال أبو موسى: (فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضأ فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها) بضم القاف وتشديد الفاء حافة البئر (فسلمت عليه) سلام الله وصلاته عليه (ثم انصرفت فجلست عند الباب. فقلت: لأكونن بوّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولأبي ذر: بوابًا للنبي (صلى الله عليه وسلم اليوم) وسقط لفظ اليوم في الفرع وثبت في اليونينية، وزاد المؤلّف في الأدب من رواية محمد بن جعفر عن شريك ولم يأمرني، وفي صحيح أبي عوانة من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب فقال لي:"يا أبا موسى أملك على الباب" فانطلق فقضى حاجته وتوضأ ثم جاء فقعد على قف البئر، وعند الترمذي من طريق عثمان عن أبي موسى فقال لي:"يا أبا موسى أملك على الباب فلا يدخل عليّ أحد" وهذا مع حديث الباب ظاهره التعارض، وجمع بينهما النووي باحتمال أنه عليه الصلاة والسلام أمره بحفظ الباب أوّلاً إلى أن يقضي حاجته ويتوضأ لأنها حالة يستتر فيها، ثم حفظ الباب أبو موسى بعد ذلك من تلقاء نفسه انتهى.
وأما قوله
فقلت ولأكونن فقال في الفتح: فيحتمل أنه لما حدث نفسه بذلك صادف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحفظ عليه الباب.
(فجاء أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (فدفع الباب) مستأذنًا في الدخول (فقلت من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت على رسلك) بكسر الراء أي تمهل وتأن (ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن) في الدخول عليك (فقال):
(ائذن له وبشره بالجنة)(فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة فدخل أبو بكر) رضي الله عنه (فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي رضي الله عنه وكشف عن ساقيه) موافقة له عليه الصلاة والسلام، وليكون أبلغ في بقائه عليه الصلاة والسلام على حالته وراحته بخلاف ما إذا لم يفعل ذلك فربما استحيا منه فيرفع رجليه الشريفتين قال أبو موسى:(ثم رجعت فجلست) على الباب (وقد) كنت قبل (تركت أخي) أبا بردة عامرًا أو أخي أبا رهم (يتوضأ ويلحقني فقلت: إن يرد الله بفلان خيرًا يريد أخاه) أبا بردة أو أبا رهم (يأت به فإذا إنسان يحرك الباب) مستأذنًا (فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقلت) له: (على رسلك، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقلت هذا عمر بن الخطاب يستأذن. فقال): (ائذن له وبشره بالجنة)(فجئت فقلت) له (أدخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة) زاد أبو عثمان في روايته الآتية إن شاء الله تعالى في مناقب عثمان فحمد الله وكذا قال في عثمان (فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره ودلى رجليه في البئر) وسقط قوله: فدخل لأبي ذر (ثم رجعت فجلست فقلت: إن يرد الله بفلان خيرًا يأت به) يريد به أخاه (فجاء إنسان يحرك الباب) مستأذنًا (فقلت) له: (من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان فقلت) له: (على رسلك فجئت إلى رسول الله) ولأبي ذر إلى النبي (صلى الله عليه وسلم فأخبرته) زاد أبو عثمان فسكت هنيهة (فقال): (ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه) هي البلية التي صار بها شهيد الدار من أذى المحاصرة والقتل وغيره (فجئته فقلت له: ادخل وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك) زاد في رواية أما عثمان فحمد الله ثم قال: الله المستعان وفيه تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبره به (فدخل فوجد القف قد ملئ) بالنبي صلى الله عليه وسلم والعمرين (فجلس وجاهه) عليه الصلاة والسلام بضم الواو وكسرها أي مقابله عليه الصلاة والسلام (من الشق الآخر).
(قال شريك) بالسند السابق وفي نسخة اليونينية وفرعها قال شريك بن عبد الله (قال سعيد بن المسيب: فأوّلتها) أي جمعية الصاحبين معه صلى الله عليه وسلم ومقابلة عثمان له (قبورهم) من جهة كون العمرين مصاحبين له عند الحضرة المقدسة لا من جهة أن أحدهما في اليمين والآخر في اليسار، وأن عثمان في البقيع مقابلاً لهم. قال: النووي: وهذا من باب الفراسة الصادقة.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن، ومسلم في الفضائل.
3675 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ» . [الحديث 3675 - طرفاه في: 3686، 3699].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد) بكسر العين علا (أُحدًا) الجبل
المعروف بالمدينة (وأبو بكر) مرفوع عطفًا على الضمير المستتر في صعد لوجود الفاصل أو بالابتداء وما بعده وهو قوله: (وعمر وعثمان) عطف عليه أي وأبو بكر وعمر وعثمان صعدوا معه قال في المصابيح: والأوّل أولى (فرجف) أي اضطرب (بهم) أحد (فقال) له عليه الصلاة والسلام:
(أثبت أُحد) منادى حذفت أداته أي يا أحد ونداؤه وخطابه وهو يحتمل المجاز والحقيقة لكن الظاهر الحقيقة كقوله: "أُحد جبل يحبنا ونحبه"(فإنما عليك نبي وصديق) أبو بكر
(وشهيدان) عمر وعثمان. قال ابن المنير: قيل الحكمة في ذلك أنه لما أرجف أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن هذه الرجفة ليست من جنس رجفة الجبل بقوم موسى عليه السلام لما حرفوا الكلم، وأن تلك رجفة الغضب وهذه هزة الطرب، ولهذا نص على مقام النبوّة والصديقية والشهادة التي توجب سرور ما اتصلت به لا رجفانه فأقر الجبل بذلك فاستقر وما أحسن قول بعضهم:
ومال حراء تحته فرحًا به
…
فلولا مقال اسكن تضعضع وانقضا
وهذا الحديث يخرجه أيضًا في فضل عمر، وأبو داود في السنة، والترمذي والنسائي في المناقب.
3676 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا صَخْرٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا جَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ. ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، فَنَزَعَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» .
قَالَ وَهْبٌ: الْعَطَنُ مَبْرَكُ الإِبِلِ، يَقُولُ: حَتَّى رَوِيَتِ الإِبِلُ فَأَنَاخَتْ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن سعيد) بكسر العين الرباطي المروزي (أبو عبد الله) الأشقر قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم ابن حازم أبو عبد الله الأزدي البصري قال: (حدّثنا صخر) هو ابن جويرية مولى بني تميم أو بني هلال (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم):
(بينما) بالميم ولأبي ذر: بينا (أنا على بئر أنزع) أي أستقي (منها) في المنام (جاءني أبو بكر وعمر فأخذ أبو بكر الدلو فنزع) منها (ذنوبًا أو ذنوبين) بفتح الذال المعجمة دلوا أو دلوين ممتلئين ماء والشك من الراوي (وفي نزعه ضعف) إشارة إلى ما كان في زمنه من الارتداد واختلاف الكلمة ولين جانبه ومداراته مع الناس (والله يغفر له) هي كلمة كانوا يقولونها افعل كذا والله يغفر لك (ثم أخذها ابن الخطاب) عمر (من يد أبي بكر) بالإفراد، ولأبي ذر: من يدي أبي بكر (فاستحالت) أي تحوّلت (في يده غربًا) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء دلوا عظيمة (فلم أر
عبقريًّا) سيدًا قويًا (من الناس يفري فريه) بفتح التحتية وسكون الفاء في الأولى وفتح الفاء وكسر الراء وتشديد التحتية المفتوحة في الثانية أي يعمل عمله البالغ (فنزع) من البئر (حتى ضرب الناس بعطن) بفتح المهملتين آخره نون.
(قال وهب): هو ابن جرير المذكور بالإسناد السابق المذكور (العطن مبرك الإبل يقول حتى رويت الإبل فأناخت) قال في المصابيح، قيل حق الكلام فأنيخت أي بركت وهذا كله فيه إشارة إلى ما أكرم الله عز وجل به عمر من امتداد مدّة خلافته، ثم القيام فيها بإعزاز الإسلام وحفظ حدوده وتقوية أهله حتى ضرب الناس بعطن أي حتى رووا وأرووا إبلهم وأبركوها وضربوا لها عطنًا وهو مبرك الإبل حول الماء. يقال: أعطنت الإبل فهي عاطنة، وعواطن أي سقيت وتركت عند الحياض لتعاد مرة أخرى.
3677 -
حَدَّثَنا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْمَكِّيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ فَدَعَوُا اللَّهَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ- إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى مَنْكِبِي يَقُولُ: رَحِمَكَ اللَّهُ، إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، لأَنِّي كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا. فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ". [لحديث 3677 - طرفه في: 3685].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (الوليد بن صالح) النخاس بالخاء المعجمة الفلسطيني وثقه أبو حاتم وغيره ولم يكتب عنه أحمد لأنه كان من أصحاب الرأي، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى من وجه آخر في مناقب عمر قال:(حدّثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة أخو إسرائيل قال: (حدّثنا عمر بن سعيد بن أبي الحسين) بضم العين في الأول وكسرها في الثاني وضم الحاء في الثالث ولأبي ذرّ أبي حسين (المكي) النوفليّ (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد الله بضم عين الثاني (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال: إني لواقف) بلام التأكيد المفتوحة (في قوم فدعوا الله) ولأبي الوقت يدعوا الله بتحتية بدل الفاء وسكون الدال وضم العين (لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره) لما مات والجملة حالية من عمر (إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول): لعمر بن الخطاب (رحمك الله) بصيغة الماضي، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: يرحمك الله (إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك) النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه تدفن معهما (لأني كثيرًا) اللام للتعليل أو مؤكدة وكثيرًا ظرف زمان وعامله كان تقدم عليه (مما) بزيادة من أو التقدير أجد كثيرًا مما وللأصيلي: ما (كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول):
(كنت وأبو بكر وعمر) عطف على المرفوع المتصل بدون تأكيد ولا فاصل وفيه